بعد النشاط اللافت للسفير السعودي في لبنان وليد البخاري بما يتعلق بالانتخابات النيابية، جاء دور وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان للإدلاء بدلوه حول الشؤون الداخلية اللبنانية، في مخالفة واضحة لكل الأعراف والقوانين والعادات الدبلوماسية التي يجب ان يتبعها من يعمل أو يرأس السلك الدبلوماسي في بلد ما.
وبالسياق، قال الوزير الفرحان في تصريحات له خلال مشاركته في منتدى “دافوس” ان “انتخابات لبنان قد تكون خطوة إيجابية لكن من السابق لأوانه قول ذلك”، واضاف ان “السعودية معنية بعودة العملية السياسية في لبنان وينبغي على الأطراف كافة العمل على ذلك”، وتابع ان “موضوع حزب الله هو بيد اللبنانيين…”.
وهذا الكلام واضح الدلالة من الوزير السعودي حول التدخل بشؤون لبنان الداخلية من جهة، وتحريض اللبنانيين بعضهم على البعض الآخر من جهة ثانية، حيث ان السعودية على لسان وزير خارجيتها وعبر سفيرها في لبنان ومن يعمل في فلكه وبخدمته ضمنا، تريد لبعض الفئات اللبنانية ان تتصدى بشكل واضح ومباشر لفئة لبنانية اخرى (حزب الله) حصلت عبر الانتخابات على كتلة نيابية وازنة من اكبر الكتل في المجلس النيابي، بالاضافة أنها مع شريكها في الثنائي الوطني أي حركة أمل حصلت على ما يقارب ربع عدد نواب البرلمان، كما ان حزب الله مع حلفائه يشكلون تقريبا نصف البرلمان بما يزيد عن الستين نائبا، أي ان السعودية تريد بث الفتنة بين اللبنانيين بشكل قد يؤدي الى تصادم داخلي ربما وهذا ينفي حسن النوايا السعودية لدعم ومساعدة لبنان.
فمن يريد ان يساعد لبنان عليه أولا العمل لتهدئة الأجواء لا إشعالها والسعي لتبريد بعض الرؤوس الحامية لا صب الزيت على نار الازمات المشتعلة بفعل الحصار الاميركي السعودي الموجود أصلا جراء سلسلة طويلة من الاجراءات والمواقف التعسفية بحق لبنان واللبنانيين، وبالتالي ليس المطلوب اليوم تقديم دعم مادي او مواقف إعلامية بقدر ما يطلب فك الحصار عن لبنان وشعبه وترك التدخل بشؤونه الذي يهدف بشكل اساسي للتضييق على سلاح المقاومة، والجميع يدرك ان هذا المطلب هو مطلب إسرائيلي بالدرجة الاولى وأميركي بالدرجة الثانية خدمة لـ”اسرائيل” وضمانا لأمنها واستقرارها.
أما بقية حديث وزير الخارجية السعودي في “دافوس” حيث قال إنه “… ينبغي الإسراع في الإصلاحات من أجل لتجنب الانهيار في لبنان… وإذا قام اللبنانيون بالإصلاحات سنرى ما يمكننا فعله…”، فهو كلام لا يحتاج الى كثير من التحليل والرد لمعرفة انه يأتي في إطار الضغط السياسي والاستفادة من الأزمات المفتعلة في لبنان لمحاولة تحقيق مكاسب سياسية للرياض قد تساعدها على رفع أسهمها وتخفيف خسائرها في المنطقة خلال السنوات الماضية، وبالتالي كل ما حصل ويحصل من استعراضات إعلامية وسياسية واستخدام مختلف الوسائل للتهويل على اللبنانيين هو مجرد وسائل بيد من يدير هذه الحملات بهدف رفع أسهمه وليس تحقيق مصلحة لبنان وشعبه.
وللتذكير فإن السعودية طالما كانت على علاقة وثيقة بغالبية الطبقة السياسية والاقتصادية والمصرفية والاعلامية التي حكمت وتحكمت بلبنان منذ ما بعد اتفاق الطائف وحتى اليوم، وكل الأساليب والطرق الاقتصادية التي اعتمدت منذ تسعينات القرن الماضي كانت برضى وإشراف سعودي، كما كان للرياض اليد الطولى في السياسة اللبنانية، ولذلك فالتباكي اليوم على مصير لبنان والإيحاء بالاهتمام بمشاكل شعبه هو فقط محاولات لذر الرماد في العيون ولخداع الناس للعودة بشكل او بآخر للتدخل في شؤونه.
يبقى ان الانبطاح الذي يبديه البعض في لبنان ممن يرفعون لواء الحرية والسيادة امام الممارسات السعودية والاميركية يجب ان يتوقف فورا لانه يضر بالمصلحة اللبنانية العامة ولا فائدة منه، كما انه يتناقض مع الشعارات التي يروّج لها هذا البعض حول عدم التبعية للخارج وان الهدف بناء الدولة وسيادة القانون فيها، والتركيز على تحسين الاوضاع المعيشية والحياتية للمواطن والبحث عن المخارج للضائقة وإيجاد الحلول الممكنة للازمة الراهنة.
المصدر: موقع المنار