في بيانها بعد الإجتماع الأسبوعي يوم الخميس بتاريخ 3/11/2016، اعتبرت كتلة الوفاء للمقاومة أن “إنجاز الإستحقاق الرئاسي هو نصرٌ كبير للبنان ولإرادة التوافق بين اللبنانيين، وتأمل أن يشكل بداية لعهدٍ جديد في تاريخ لبنان السياسي، يتجلَّى فيه العزم الوطني على ممارسة السيادة الوطنية الحقيقية، والإصرار على تطبيق بنود وثيقة الوفاق الوطني بشكلٍ كامل، من دون أي انتقاء أو استنساب، والحرص على الشراكة الحقيقية بين جميع مكونات المجتمع اللبناني في اطار دولة القانون والمؤسسات، وإن الكتلة اذ تهنيء اللبنانيين جميعاً بانتخاب فخامة الرئيس العماد ميشال عون، تدعو جميع القوى السياسية في البلاد للتعاون المسؤول من أجل بناء الدولة القوية والمتوازنة”.
لكن عدم تسمية كتلة الوفاء للمقاومة لرئيس حكومة مسألة طبيعية وواضحة، إذ قبل أسبوع من الإنتخابات الرئاسية، وتحديداً بتاريخ 23/10/2016، وخلال إطلالة السيد حسن نصرالله في ذكرى الشهيد القائد حاتم حمادة، أعلن سماحته عدم ممانعة حزب الله القبول بالرئيس الحريري لتشكيل أولى حكومات العهد الجديد وذلك تسهيلاً لإنتخاب العماد عون رئيساً وقال سماحته:
“أنا أستطيع أن أخرج على التلفزيون وأقول: يا ناس، نحن نؤيد العماد عون، ولكننا نرفض مثلاً تولي الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، عندها طار الاستحقاق الرئاسي، والآن الآن، إذا قلت هذه الجملة يطير الاستحقاق الرئاسي، وأنا أحب ان أقول لكم اليوم: نحن نقدم تضحية كبيرة جداً عندما نقول إننا لا نمانع بأن يتولى الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة، واعرفوا أن هذه تضحية كبيرة جدا، وكان باستطاعتنا أن نقول للعماد عون: يا جنرال نحن متفقون معك أن ينتخبوك، ونحن نصوّت معك، ولكن، ولا يوم التزمنا معك بأنه مثلاً فلان يكون رئيس حكومة أو لا يكون رئيس حكومة، وهذا لا يتنافى مع التزامنا الأخلاقي مع العماد عون، نحن عملنا وقبلنا من أجل ان يسير البلد ويسير الاستحقاق حتى يُفتح الطريق وينتهي الفراغ، وهذا يجب أن يكون واضحاً عند كل اللبنانيين، وهناك كلام كثير، يمكن أن آتي اليوم وأستغل الخطاب الذي ألقاه الرئيس سعد الحريري بترشيح العماد عون، وأرد عليه بخطاب قاسٍ جداً، وأنا لا تنقصني لا المعطيات ولا الحقائق ولا اللغة ولا الأدبيات، ويتوتَّر البلد كله ويذهب الاستحقاق الرئاسي ستة أو سبعة أشهر إلى الأمام”.
“لا نُمانع” التي قالها السيد نصرالله صراحة، هي في كافة الأدبيات السياسية والتفسيرات اللغوية تعني أننا نحن لن نسمِّي لكننا لن نُعرقل تسميات سوانا ولا تطلبوا منا أكثر، وتفصِل حُكماً بين الإلتزام بإسم العماد عون وبين الشخصية التي سوف يتم تكليفها لتشكيل الحكومة، ومَن تابع منذ أكثر من سنتين تصريحات الرئيس الحريري ونواب ومسؤولي تيار المستقبل في ما يتعلَّق بالإستحقاق الرئاسي وتشكيكهم بالتزام حزب الله دعم ترشيح عون، إضافة الى الهجوم المستمر على دور المقاومة في سوريا، ثم إقدام الرئيس الحريري على ترشيح النائب فرنجية لخلق شرخ بين الحلفاء، يستهجن فعلاً حجم التضحية التي قدّمها حزب الله بعدم الممانعة بتكليفه.
وليس الحديث عن الثنائية المسيحية – السنِّية التي لمَّح إليها البعض، هي التي أزعجت حزب الله وحركة أمل، لأن هذه الثنائية التي نشأت عام 1943، ألغاها الطائف من جهة، والواقع الشعبي والسياسي من جهة أخرى، وهي غير واردة لا بالمنطق ولا بالحلم، لكن ما أزعج الفريقين الشيعيين الكبيرين، هي محاولات التشويش على وحدتهما السياسية ورؤيتهما الإستراتيجية المشتركة في كيفية احتضان إرث سماحة الإمام المغيَّب موسى الصدر ومصلحة القاعدة الشعبية، وقد كانت لسماحة السيد نصرالله ودولة الرئيس برّي الأجوبة المناسبة التي جاءت قاطعة وحاسمة بقدسية هذه العلاقة التي لا تشوِّش عليها أية استحقاقات.
وأمام خطاب الرئيس برِّي فور انتخاب الرئيس عون، والذي أعلن فيه ترحيبه بإنجاز هذا الإستحقاق، وأودع لدى الرئيس المُنتخَب الثقة “بقيادة سفينة الوطن إلى برّ الأمان، فيما الريح تعصف والأمواج تتلاطم من حولنا..”، فإن موقف الرئيس برِّي هذا يشكِّل رسالة واضحة بتسهيل مهمة العهد خاصة من طرف حزب الله وحركة أمل، وهو كان واضحاً بعد تسمية كتلة التنمية والتحرير للرئيس الحريري وقال : “لو لم يكن هناك نيَّة بالتعاون لما كنا سمَّيناه، وإذا أرادوا التعاون أردنا التعاون، واذا أرادونا بالمعارضة نكون بالمعارضة”، ورداً على سؤال حول ما اذا كان هناك بعض الحقائب الوزراية التي تندرج تحت الخطوط الحمراء، ردَّ قائلا: “هناك خطوط حمراء وصفراء وكل الألوان”، وبهذا رَسَم الرئيس برّي تشكيلة حكومية كاملة تضّم كافة الأطراف، والموقف المبدئي الثابت لحزب الله من الحريري بعدم تسميته ولا ممانعة تكليفه أمر، ومشاركة حزب الله في الحكومة أمرٌ آخر وهو مطلب التيار الوطني الحر تماماً كما حركة أمل وسائر حلفاء المقاومة، إذا ارتأت قيادة الحزب المُشاركة، ويبقى على الرئيس الحريري أن يُدرِك بأن تكليفه جاء منقوصاً، بعدم تسميته من كتلة الوفاء للمقاومة، لكن تشكيل حكومته سيأتي كاملاً بضمها كافة الألوان كي تُبصِر النور…