قُبيل إجراء الانتخابات النيابية في لبنان، كان لافتاً تصريح مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السابق، ديفيد شينكر، حيث أدلى باعترافات تتعلق بدور الإدارات الأميركية المتعاقبة، بتفتيت المجتمع، واعتمادها مبدأ الاغتيال الاقتصادي لكل من لبنان وسورية، عن طريق ضرب العملات المحلية، والتسبب بالضائقة الاقتصادية، الهادفة إلى خنق البيئة الحاضنة لمحور المقاومة في لبنان، وبالتالي إلى إنهاك وتأليب الشعب السوري على قيادته، وذلك بدءا من عهد باراك أوباما، مروراً بإدارة دونالد ترامب، وصولاً إلى إدارة جو بايدن الحالية.
ديفيد شينكر وخلال ندوةٍ أجراها معهد واشنطن، شاركه فيها المدير التنفيذي لمعهد واشنطن روبرت ساتلوف، عبر تقنية زووم، تحت عنوان «ديناميات حزب اللـه… التحدّيات والفرص والتداعيات السياسية في سورية»، قال: نحن عملنا على تسريع الانهيار المالي في لبنان وإفلاس بعض المصارف، واستغلال الحراك المدني وما يسمى حركة «17 تشرين»، من أجل تشويه صورة حزب اللـه وإضعافه مع حلفائه، وأضاف: إن بلاده في عهد ترامب، تقصدت فرض عقوبات على مؤسسات حزب اللـه المالية، وعلى بنك الجمّال، وأعطينا الأمر بإفلاسه وإغلاقه نهائياً، لاعتقادنا أن بنك الجمال يحوز على النسبة الأعلى من تحويلات رجال أعمال مؤيدين لبيئة المقاومة، كما أننا أوعزنا بالضغط وبشكل مباشر، على وكالة «موديز» للتصنيف المالي من أجل تخفيض تصنيف لبنان الائتماني.
شينكر لفت في هذا السياق إلى أن الإدارات الأميركية لم تكتفِ بهذا الحدّ، بل فرضت أيضاً عقوبات على حلفاء حزب اللـه في لبنان، إضافة إلى مؤسسات اقتصاددية سورية، أما اللافت في كلام شينكر، ما أشار إليه بالنسبة إلى عمل وزارة الخزانة الأميركية، الهادف إلى ضرب القطاع المصرفي والحؤول دون حصول اللبنانيين على ودائعهم، وبالتالي ضياع إيداعات السوريين في المصارف اللبنانية، التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات الأميركية.
وبشأن مشروع الاستثمار الأميركي في قوى المجتمع المدني، أقرّ شينكر بأن واشنطن كانت تبحث عن إيجاد الفرص السياسية، بعد أن رأت الإدارة الأميركية أن هناك فرصة في هزيمة حزب اللـه في الانتخابات النيابية، ، مستشهداً بحالة لائحة «بيروت مدينتي» خلال الانتخابات البلدية، التي أردنا البناء عليها.
وبشأن العمل على خلق قوى بديلة في المجتمع المؤيد لحزب اللـه تعمل ضد الحزب، أفاد شينكر بأن واشنطن زرعت بعض الشخصيات ورجال أعمال من الطائفة نفسها، مشيراً إلى أنه «خلال توليه منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، سافر إلى لبنان عدة مرات، وفي كل مرةٍ كان يعقد لقاءات علنية مع رجال أعمال وصحفيين وسياسيين معارضين لحزب الله، مضيفاً: إنه كان يلتقيهم باستمرار، وأوضح أن هدف هذه اللقاءات كان يتمحور حول «الترويج لخطط اقتصادية مخصصة للمناطق المؤيدة لحزب الله، لمساعدتنا وذلك من أجل إضعاف اعتماد بيئة هذه المناطق على حزب الله.
أمّا عن توقّعاته بما ستؤول إليه الانتخابات النيابية، أشار شينكر إلى أنه «على الرغم من الاحتجاجات التي حدثت عام 2019، والسخط الشعبي المتّسع في لبنان، فإنني لا أرى أن الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها، ستغيّر الوضع بصورة دراماتيكية مذكراً بالقول إنه في مقابل ذلك ورغم كل الأموال والدعم والجهد الذي بذلته الإدارات الأميركية، بيد أن المعارضة المتعاونة معنا بقيت منقسمة بصورة مريعة، وتمتلئ بالقادة النرجسيين والشخصانيين، يركزون اهتماماتهم أكثر على استمرار زعامة أحزابهم، مقدمين ذلك على توحيد صفوفهم ضد حزب الله، وبالتالي لتغيير الواقع.
وختم شينكر حديثه قائلاً:
أنا شخصياً لست متفائلاً بإحداث أي تغيير في لبنان ولو أجريت الانتخابات، ولا أعتقد أن على الإدارة الأميركية المراهنة على إحداث أي خرق مأمول، لأن هناك نظاماً معطّلاً في لبنان، والانتخابات وفق قوانين انتخابية كهذه، لن تصلحه بصورة واضحة.
وبالنسبة لسورية قال شينكر: لقد مارسنا على سورية أقصى الضغوط الاقتصادية، لكن صمود الشعب السوري وتأييده المطلق للقيادة السورية، إضافة إلى موقفه الداعم لشخص الرئيس بشار الأسد، وتأقلم هذا الشعب مع الواقع المرير الذي تقصدنا صناعته بأنفسنا، أصابنا بالدهشة والذهول، لأن كل العقوبات والضغوط التي مارسناها على سورية، لو مورست ضد أي بلد آخر في العالم، لكنا شهدنا الانهيار الكبير، وهنا ولا بد لنا من الاعتراف بأن كل خططنا الآيلة للاغتيال الاقتصادي في كل من سورية ولبنان قد فشلت، وعلينا البحث عن وسائل أكثر نجاعة.
هنا لا بد من الإشارة إلى ما صرح به مؤخراً وزير الطاقة في لبنان حيث قال: لقد بلغنا مرحلة المفاوضات النهائية مع البنك الدولي، للحصول على 300 مليون دولار لتمويل الربط الكهربائي بين سورية ولبنان، لكن البنك الدولي فجأة عدل من شروطه فتوقف كل شيء.
الضغط الأميركي على لبنان وسورية لم يتوقف ولن يتوقف، حيث عمل الأميركي، على تعطيل اتفاقية استيراد الغاز من مصر، واستجرار الكهرباء من الأردن، وذلك بعد رفض الإدارة الأميركية إعفاء الجانب المصري والأردني من عقوبات قانون قيصر الجائرة المفروضة على سورية، ولمنعها من الاستفادة من أي اتفاق اقتصادي.
إن استمرار أميركا باحتلال أبرز المناطق الاقتصادية، التي تشمل آبار النفط السوري، إضافة إلى ممارستها الضغوط الآيلة إلى منع لبنان من استخراج ثروة الغاز الموجودة في البحر اللبناني، وحرمان شعوبنا من المال والكهرباء والمحروقات والإنماء وحتى من الدواء، ما هي إلا محاولات أضحت مكشوفة، هدفها إبقاء لبنان وسورية في حال تعطيل الدورة الاقتصادية، إن لم نقل عسكرة الاقتصاد في كلا البلدين الشقيقين، وممارسة الضغط على الشعب السوري وعلى البيئة الحاضنة للمقاومة في لبنان، من أجل الابتزاز السياسي وممارسة سياسة التجويع والتركيع للمجتمع، وذلك لبلوغ أهداف سياسية سبق لهم أن عجزوا عن بلوغها رغم الفتن والمؤامرات وحروب الإرهاب، والعقوبات الاقتصادية الجائرة وتجويع شعبنا.
أميركا الآن وبعد أن شهد شاهد من أهلها انكشف وجهها القبيح ضد الإنسانية، وأضحى الهدف من حربها معنا بلوغ كي الوعي عند شعبنا، للوصول إلى مرحلة عض الأصابع، أما نحن فمن واجبنا ترصد النيات الأميركية الصهيونية، والعمل على زيادة صبرنا وتعزيز وعينا وبصيرتنا، وبذل الجهد في وضع الرؤى الإستراتيجية الصحيحة، التي تمنحنا فرصة البحث وإيجاد البدائل الناجعة، التي تمكّن شعبنا من الانتقال من حالة الصمود والتكيّف مع الأوضاع الاقتصادية المزرية المفروضة علينا أميركياً، إلى حالة الاعتماد على القدرات الذاتية، لبلوغ مرحلة تمكننا من التصدي وتعطيل كل ما يرسم ويحاك أميركيا وغربياً وصهيونياً ضد بلادنا وضد مستقبل شعبنا العربي المقاوم.
المصدر: خاص