مفاجِئَةٌ، لا مُفاجأة. هي زيارة العمل التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى طهران، والتي التقى فيها قائد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي والرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي .
تعدُّ هذهِ الزيارة الثانية للرئيس الأسد بعدَ انتهاء الحربِ على الإرهاب في سورية، وكانت الزيارة الأولى في الخامس والعشرين من شباط عام 2019.
تأتي الزيارة في وقتٍ يشهد فيه العالم ظروفاً دوليةً وإقليميةً متصاعدة ومتغيّرة توحي بعدم الرجوع للوراء ولا سيما على الساحة الروسية التي قررت ذلك من ناحية ما تخوضه ما سيرتّب وضعاً دولياً جديداً بخطى هادئة يوفّر اقتناص الفرص والبناء عليها إقليمياً.
تكتسب الزيارة أهمية كبيرة في الشكلِ والمضمون، ليس فقط لأنها الثانية خلال الحرب، بل للمفارقتين النوعيّتين بين الزيارتين لما فصل بينهما من أحداثٍ متسارعة شهدتها سورية وبالأخصّ على مستوى الانفتاح العربيّ عليها، وفي المقابل بإيران التي تخطو نحو إنجاز اتفاقها النووي بحكمة وتبصّر كبيرين، مما يسهم في وضع الرؤى التي ستعمل عليها إيران في المدى القريب، يضاف لهذا سعيها الدّائم للحفاظ على العلاقات مع جوارها كون ذلك يقع في أولويات حكومة الرئيس رئيسي، ووفق ما نشرته وكالة رويترز: “بأنَّ قطر ستزور إيران في الأيام القادمة”
تجدر الإشارة إلى أنه وخلال الزيارة كان هناك جلستان مغلقتان بين الرئيس الأسد والمرشد خامنئي وقائد فيلق القدس اسماعيل قآاني، ما يقودنا لاستنتاجٍ هامٍ جداً وهو حيوية الملفات التي تمت مناقشتها توازياً مع ما تشهده الساحة الفلسطينية من تطورات متنامية الأمر الذي يقضي بتبيان الاستعداد العسكري للتعاطي مع المرحلة القادمة فيما لو توسّع بيكار المواجهة مع الاحتلال الصهيوني.
تؤسس الزيارة التاريخية كما وصّفها وزير الخارجية الإيراني بالأفق الجديد في العلاقات الاستراتيجية، لخلقِ واقعٍ إقليميٍّ يكون الرائد فيه سورية وإيران، وهنا، لا نسرف في التحليل، حيث أنَّ موقعهما وتجربتهما خلال عقدٍ دام ونيّف ترشّحُهما للعب هذا الدّور مع بقية الأطراف الفاعلة.
على الضفّة الأخرى تحسسَ “الإسرائيليّ” الغارق في وحول تورّطه بالمشاركة بشكل أو بآخر في الحرب الروسية – الأوكرانية، وهو ما قد يدفع بروسيا بعد تخلخل مراهناتها على “إسرائيل” لإعادة النظر بعلاقتها معها بشكلٍ غير عميق، فلا يمكن إغفال دهاليز السياسة، تحسسَ فشله الواضح بزرع بذور الفرقان والجفاء بين الحليفين سورية وإيران، سواء باستراتيجيّته المعروفة بـ “المعركة بين الحروب”، أو عبر العروض التي وأدتها دمشق، حيث جاء في الإعلام “الاسرائيلي” : ” زيارة الأسد لطهران تظهر أن الحلف مع إيران سوف يبقى وحتى يزداد قوة”.
تُستمدّ صوابية النهج الذي سارت عليه سورية وإيران وكل دول محور المقاومة من النتائج التي أحرزتها، من خلال تبنّي نهج المقاومة، ولا شيء آخر غيره، مع الحفاظ بالنسبة لسورية على عمقها العربيّ و القوميّ، والذي استطاعت عبر مدة طويلة من الزمن بالحفاظ على توازنها من خلال سياستها الهادئة.
نجحت الجمهورية الإسلامية في تمتين أواصر العلاقة مع سورية عبر مشاركتها بخطة دفاعية تحميها، وحوّلا معاً التهديد بالسقوط إلى فرصة للنهوض، ونقلوا القلق لمراكز صنع القرار في “تل أبيب”. ولم يقلّ الدور أهمية على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري عبر الاتفاقات الموقعة كاتفاقية خط الائتمان التجاري، واتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري طويلة الأمد، واتفاقية التعاون العسكري و الأمني الموقّعة في 11 تموز 2020.
انطلاقاً مما سبق، سورية لا تنظر لعلاقتها مع إيران بأنها علاقة اضطرارية أو طارئة، أو تتغير بتغير المتطلبات والمناخ، بل تعتبرها حجر الزاوية في مواجهة أي استحقاق إقليمي يَحضُر، فهي لم تبقَ عند حدود الفكرة والرغبة وإنما مرّت بتجربة طويلة في ظلّ تطورات خطيرة ومعقّدة فأثبتت جدواها وضروراتها وأهم هذه الضرورات إحباط المشروع الصهيوني – الأميركي الذي استهدف سورية عبرَ عشرِ سنواتٍ وتزيد، على الوجه الآخر مصالح استراتيجية متبادلة وهو ما تفرضه طبيعة العلاقات الدولية والسياسية. مهما زادت متانتها، لما في من دحر مخطط الهيمنة على سورية ضمان لأمن المنطقة .