فلسطين مهد الحضارات لم تكن مناصرتها حكراً لأحد على هذه الأرض، تمنحُ القداسة للّذين يلتفوا حولها كزيتونها المبارك يضيء قناديل الكون، هي الوجه الجميل لهذا البؤس في العالم؛ الإقتراب من فلسطين يُعطِ معنىً للروح وَيُجَسِر في سبيلها المقاومة ويعزز جذور العروبة روحاً مارقة للتطبيع، خاصة التي حملت على أكتافها مشروع التصدي والمواجهة في ميادين الفكر والثقافة والفن والرياضة والإعلام تحت مفهوم الشعوب ضد التطبيع.
الحراك المثقف في هذه الجغرافية الضيقة أطاح برؤوس مزيفة ،واستطاعت المقاومة بكل صورها أن تغير مفهوم المعادلة وتُعلم شعوب المنطقة كيف يمكن أن تحذو حذوها وتفرض إرادتها رغم المخطط المُحكم للإطاحة بهذا الصرح الكبير بين شعوب الأرض وان تُفشل الروح المعنوية لديهم وما أوتيت بأعمالهم ومواقفهم وتمثيلهم الدولي والإقليمي وحضورهم بأموالهم الساقطة التي تؤثر في ضعاف النفوس فقط.
لقد بَرعَ القائمون على هذا الحدث بترسيخ معادلة الندية للكيان الغاصب وأعادوا جمالية المشهد عبر طريق بيروت القدس، من خلال تحضيرات دولية تقوم بها الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين وطاقمها، في وقت حساس جداً، فهي تسعى الى تكريم شخصيات رياضية وثقافية ضد التطبيع دافعت عن مظلومية فلسطين في محافل عدة.
أن يتزيّن طريق المطار باللافتات التي تحمل صور الرياضيين الأبطال المناهضين للتطبيع، لهو دليل صدق ومحبة وجدية للموقف وهمزة وصل بين هذه النفوس العظيمة وبين حركة المقاومة في كل أشكالها التي انبرت ضد التطبيع والذي سيكون تمثيلها في الملتقى الدولي في بيروت أواخر يناير الحالي محط تقدير كبير في قلب الشعب الفلسطيني وهي بذلك تؤسس الى ديناميكية المقاومة ومساندتها على الأرض بطرق لا يمكن اعتراضها أو إفسادها.
العديد من الشخصيات سيتم تكريمها منهم المعلق الرياضي حفيظ دراجي ووزير الشباب اللبناني جورج كلاس والبطل العراقي علي الكناني الذي امتنع عن منازلة لاعب من دولة الكيان بهذه الصور المُشَرفة التي ترفع الرأس والهامات عالية، لقد اتخذوا مواقفاً جريئة، عَزَفَت عنها دول وعواصم، لقد كانوا للإحتلال بالمرصاد حتى إذا ما جاءت الفرصة وسنحت لهم الظروف رَكلُوا بأقدامهم العدو وأعادوه خاسئ حسير.
إن أقل ما يمكن القيام به لهؤلاء الرجال الذين رفضوا التطبيع هو الوفاء لهم عبر تكريمهم وإظهار مواقفهم ليكونوا مثالاً تميل له القلوب ويقتدي بهِ غيرهم، إذ ليس من السهل الولوج في الرفض لأن ذلك له ضريبة كبيرة جداً، لكنهم تسلحوا بالشجاعة فكان المراد موافقاً للقدس تماماً وجاءوا بها وما نقصوا من حق فلسطين شئ، هذا يفيد أننا امة بخير يستحيل تزوير الحقائق فيها أو التلاعب بالمرتكزات والثوابت وما عاد التطبيع الهش قادر للتغلب على المناخ الثقافي لأحرار الشعوب بحكم انه شئ خارج عن الوضع الطبيعي والمألوف، إن قداسة فلسطين تُبْطِل كل سلوك قد يُرَاد بهِ استهداف أرضها ورجالها ومكوناتها وثقافتها ومقدراتها.
توقيت الملتقى والجهة المنظمة له، يدل على أن المجتمع المدني ومكوناته لا يمكن إخراجها من دائرة الصراع الى هوامش بعيدة عن فكرة مساندة القضية الفلسطينية وهي في أمس الحاجة للدعم والوقوف بجانبها في زمن تخلى العرب عنها في مزاد علني للتطبيع وعار منازلة العدو في الحياة العامة، إنهم يعيدون الأمجاد في مواقفهم وَيُؤثِرونَ فلسطين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، لقد تركوا بصمة سَيُحَدِث التاريخ عنها الأجيال القادمة.
إرادة الله فوق كل سوء يحيق بنا ونحن بدورنا المسؤول كمؤسسات ثقافية ومجتمع مدني علينا نشر هذه الثقافة وتبنيها والإهتمام بها والاعتناء في كل مراحلها، واستثمارها إلى أفضل حال وتشجيع الشباب والفنانين والشعراء والكوادر الرياضية والطبقة المثقفة من الأخذ بهذه النماذج وممارستها على أرض الواقع حيث أن ذلك هو الشكل الأمثل في مقاومة التطبيع كونه قد استشرى في بعض بلدان للأسف وقبلهم أوسلو وكامب ديفيد ووادي عربة وصولاً إلى ورشة البحرين وسقوط الإمارت في وحل التطبيع، التي رفعت الراية البيضاء، ومنها من استجدى الطلب من العدو الإسرائيلي كي ينال رضا التطبيع الهزيل الذي لن يعود عليهم ولا على شبابهم إلا بالهوان والضياع والتفتت.
بقلم محمد فايز الحسني
المدير التنفيذي لمؤسسة رواسي فلسطين
المصدر: بريد الموقع