إن كنتِ أماً فمؤكد أنكِ مررتِ بموقف مشابه؛ يظل طفلك يشكو من ألم ما في جسده لأيام وربما أسابيع، فيما يخبركِ الطبيب أنه لا يعاني من أية مشكلة صحية، إذاً مم يشكو طفلكِ؟
تعد كلمة “الوسواس المرضي” تفسيراً مرضياً للرد على التساؤلات حول هذا الموقف، وقد وجدت الكلمة في الطب والأدب على مدار العديد من القرون.
فحسب أبقراط وموليير، يُعرف الأشخاص المصابون بالوسواس المرضي بشكواهم من آلام غريبة لا أحد يعرف مصدرها، ومع ذلك لا يزال الشعور بالمعاناة الشديدة قائماً.
بينما تقع التصنيفات النفسية العلمية الحالية في حيرة شديدة لتحديد الأسباب الرئيسية لهذه الآلام، والتي يمكن أن تصيب مختلف الفئات والأجناس، فيما يوجد اعتقاد راسخ بأن المرض الذي يؤدي بالشخص إلى الإحساس الجسدي دون وجود آلام حقيقية هو علامة على اضطراب نفسي داخلي.
وتعطي التحليلات النفسية نظرة أخرى، بأن معظم المصابين بالوسواس المرضي يعيشون مع أجسادهم وكأنها غريبة عنهم، وأحيانا كأنها عدوة لهم، بسبب الهواجس التي تراكمت بداخلهم منذ سن المراهقة، وهذا التفسير يعني أن كلنا عرضة للإصابة بالوسواس المرضي من حين لآخر.
بالنسبة لأطفالنا فإن الوسواس المرضي شيء آخر، فالطفل منذ الولادة، يُستثْمر جسمه من قبل والديه، ويُبنى من خلال كلمات البالغين الذين يعطونها اسماً ومعنى، وبالتالي فإن الطفل الذي لا يستطيع الكلام، إما بسبب صدمة شخصية أو عائلية مرت عليه، أو بسبب العلاقات العائلية المتوترة، سيعبر عن معاناته من خلال الآلام/ الكلمات الجسدية. لذا من الضروري الأخذ بعين الاعتبار ما يقوله الطفل، والذي غالباً ما يكشف عن القلق لديه والذي سيؤدي إلى مشاكل أخرى مع مرور الوقت إذا لم تتم معالجته.
لهذا يجب منح الطفل فرصة التحدث مع أخصائي عندما تصبح شكواه متكررة، ومن المهم السماح له بالتعبير من خلال صوته، وكذلك تحريره من الحِمل الذي قد يسببه له التواجد مع الأشخاص البالغين وقتها.
بعد هذا الكلام المستفيض عن الوسواس لدى الأطفال، فقد تتكون مخاوف لدى الآباء: “ما علاج طفلي؟”، “طفلي ليس مجنوناً”، “إنه فقط شيء عابر، وسينتهي”،” لا أحتاج لأحد أن يشرح لي أي نوع من الآباء/الأمهات يجب أن أكون..”. وفي بعض الأحيان ترى الأسر أن يتحمل الطفل معاناته من المغص، على أن يتم إفشاء سر لا يمكن أن يقال للعديد من الأشخاص.
هذه المخاوف مشروعة، لكن ليس لها أي أساس من الصحة، إذ إن رؤية “طبيب نفسي” لا تعني عقوبة مصيرية أو نقداً للطرق التربوية المستخدمة.
كما يمكن لمس التأثير العلاجي لهذه الطريقة بعد جلستين فقط، وذلك بالسماح للطفل بالتحدث عن نفسه، وأن يعيش مهما كان سنه لحظات عاطفية صعبة، ويكوّن آراءه الشخصية.
علينا أن نتذكر أن أطفالنا متعبون في الأساس بسبب أشياء أخرى لم يصرحوا بها (فرط الحركة وغيرها)، ولا يستحقون صفة مصاب بالوسواس المرضي أن تلازمهم بعد ذلك، ويجب علينا دائماً احترام ما يقولونه، فكثيراً ما نتفاجأ بما نسمع وبما نتعلمه منهم.
المصدر: هافينغتون بوست