كل أنواع المُجاملات أبدتها شرائح معروفة في لبنان، منذ أزمة وزير الخارجية السابق شربل وهبة، وصولاً الى الوزير المستقيل جورج قرداحي، وبلغت الأمور كالعادة لدى هؤلاء الفرقاء حدود “الزحفطة”، سواء في الإعلام أو في الحضور الشخصي، منذ مشهدية “خيمة السفير”، وصولاً الى كمّ فم أي نائب أو وزير يحاول مقاربة الموضوع السيادي اللبناني.
تساءل الوزير قرداحي في بداية أزمة المطالبة بإقالته عن مفهوم السيادة في لبنان، ولماذا لا يتمّ التدخل السافر بالأمور السيادية مع دُول عربية أخرى رغم الأزمات التي عصفت ببعضها، والجواب الذي لم يحصل عليه قرداحي لغاية الآن، هو بكل اختصار، مرض “الزحفطة” لدى البعض على أدراج الدواوين وبلاط السلاطين، ولا جدوى من معالجة العلاقات الخارجية مع أية دولة دون معالجة المرض الداخلي.
المشكلة الآن لا تقتصر على سوء العلاقات الديبلوماسية مع المملكة السعودية وبعض دول الخليج، وما يتبعها من قيود إقتصادية ومقاطعة تجارية على المستوى الرسمي، لأن أم المشاكل قد بدأت الآن عشية الإنتخابات النيابية في لبنان، وكل مَن يرمي الزيت على نار مواجهة العهد، هو المحظيّ في الدعم لدى كل دولة قررت أن تكون في مواجهة مع النظام اللبناني، سواء كانت هذه الدولة قد طبَّعت مع الكيان الصهيوني من فوق الطاولة، أو كانت تجمع خلف الكواليس في جلسات تقارُب تحت الطاولة.
وكي لا نرمي كل مشاكلنا على الآخرين، فإن الحسابات الداخلية اللبنانية، وسوء العلاقات البينية والتجاذبات المصطنعة، معظمها للأسف ضمن الكباش الإنتخابي عشية الإستحقاقين النيابي والرئاسي، والمشكلة لا تكمُن فقط في “زوار الخيمة”، بل في إشراف سعودي مُعلن على مفاتيح إنتخابية، سواء كانت من العشائر العربية أو جزءاً من الشارعين السني والمسيحي، الأول بناءً على علاقات تقليدية، والثاني نصَّب نفسه وكيلاً للمملكة، منذ ملابسات الإقالة – الإستقالة للرئيس سعد الحريري من الرياض، بتحريض من أدوات أميركية – سعودية في لبنان، بذريعة أن الرجل غير قادر على لعِب ورقة المواجهة السياسية للمقاومة في لبنان.
ورقة التجييش البائس ضد المقاومة في لبنان، هي صُلب موضوع المؤامرة، التي يُحاول أن يلعبها كل فريق يحلم بورقة إقتراع بالزائد في الإستحقاقات القادمة، ولم تعُد الأهمية تكمُن في أصل ورقة العمالة، إن كانت أميركية أو إسرائيلية أو خليجية، واللاعبون الداخليون يُنصِّبون ذواتهم أيضاً حُراساً على البوابة الشرقية الموصدة مع سوريا، ومنها الى الأردن والعراق، ثم الى الشرق الأرحب نحو إيران وروسيا والصين، ويجِد اللبنانيون أنفسهم في سجنٍ كبير وسط أقسى خنقة إقتصادية معيشية، كما لو أنهم ينتظرون نهاية الكباش الإستراتيجي الداخلي، بين فريق لا يُجيد سوى رفع العشرة للجلادين، ما دامت كل جلدة مدفوعة سلفاً بالدولار أو بالريال، وبين فريق لبناني سيادي حقيقي ينتظر قراراً رسمياً على مستوى الدولة، برفع سُبابة القرار الوطني لتحطيم الأغلال وفتح بوابة الشرق قبل أن تغرُب آخر شعاعات شمس السيادة…