من الجلي حتى الان ان للميدان في اليمن الكلمة الفيصل ، بعدما صعد تحالف العدوان الوضع في محافظة تعز وشن عشرات الغارات الجوية على انحاء مختلفة من اليمن، بعد الخسائر القاسية للتحالف في محافظة مآرب الغنية بالنفط وادارة السعودية اذنها الطرشاء لانهاء العدوان ورفع الحصار،- وهما الشرطان الاساسيان – اللذان بهما وحدهما ممكن الاستجابة للدخول في العملية السياسية بعيدا عن دوي المدافع والصواريخ .
لم تمرر القوات المسلحة اليمنية واللجان الشعبية العدوان المتصاعد بالقصف الجوي وتشديد الحصار على شعب لن تنال من عزيمته سنوات ثمان من العدوان المستمر بشقيه العسكري والاقتصادي ، وقد ردت بضربات مؤثرة لم تتمكن السعودية من حجب تأثيرها ولو منعت تغطية نتائجها القاسية اللاحقة بالواقع المستهدفة ولا سيما في رمز القوة العسكرية – اي المطارات التي انطلقت منها الطائرات ، ورمز القوة الاقتصادية السعودية -اي ارامكو.
ان الرد اليمني المتناسق انطلق من الحواضن الشعبية بحيث ان المحافظات شهدت مسيرات عارمة شعارها “اميركا وراء التصعيد العسكري والاقتصادي واستمرار العدوان والحصار، وتحميل الولايات المتحدة الاميركية اولا مسؤولية قتل الناس .
من الخطأ ان يفكر احد ان تحالف العدوان بعد تجربته المريرة في اليمن لم يتوقع ان الرد سيكون واسعا وقد شمل قصف قاعدة الملك خالد في الرياض بأربع طائرات مسيرة و قصف أهداف عسكرية في مطار الملك عبدالله الدولي في جدة وقصف مصافي شركة “أرامكو” في جدة بأربع طائرات مسيرة وقصف هدف عسكري مهم في مطار أبها الدولي بطائرة اضافة الى قصف أهداف عسكرية مختلفة في مناطق أبها وجيزان ونجران بخمس طائرات مسيرة.
لم تنف السعودية رسميا ولا تحالفها العدواني قصف اي من الاهداف التي اعلن استهدافها المتحدث العسكري العميد يحي سريع ، الا ان احد افراد العائلة الحاكمة عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز وحده نفى العملية الواسعة ليظهر العميد سريع صورا جوية تظهر استهداف مراكز في السعودية،ليسود الصمت والارتباك مع نشر اكاذيب افتراضية عن استهداف مقرات مهمة للحرس الثوري وحزب الله في اليمن ، لم تقاربها حتى وسائل الاعلام الممولة من دول العدوان وحلفائها الدوليين لافتقارها الكامل الى مصداقية ، لا بل لانها هي من نسج الخيال، لتشهد سوق الأسهم السعودية أكبر انخفاض منذ ما يزيد على عام، ووفق خبراء الاقتصاد ،واصلت السوق خسائرها في أعقاب هجمات بطائرات مسيرة.وهبط المؤشر السعودي 2.7 بالمئة مسجلا أكبر هبوط خلال التعاملات منذ تشرين اول 2020، مع تراجع سهم مصرف الراجحي 4.5 بالمئة والبنك الأهلي السعودي، أكبر بنوك المملكة، 3.7 بالمئة.ومن بين الخاسرين الآخرين، كان سهم أرامكو الذي هبط 1.8 بالمئة. وجاء الهبوط بعدما اعلنت القوات المسلحة اليمنية عن عملية واسعة أطلقت خلالها 14 طائرة مسيرة على عدة مطارات ومواقع عسكرية سعودية واستهدفت منشآت تابعة لشركة أرامكو في جدة.
لا شك بان دول العدوان تعيش حال هذيان ميداني كما سياسي معطوفة على تزايد الازمة الاقتصادية والمالية ، مع افتقارها للحد الادنى من المعايير الانسانية ،بالاضافة الى الغرق في نهج ، تحول الى نمط في الاخطاء الاستراتيجية منذ تسلم محمد بن سلمان السلطة عمليا ، والتي دشنها بالعدوان على اليمن ، لتكر سبحة الاخطاء في الجريمة المنظمة ضد المعارضين ولو كانوا من النواة الصلبة للنظام السعودية ، وفي السياسة الخارجية مع الجوار وضمن مجلس التعاون الخليجي الى تمويل الارهاب في العراق وسوريا ولبنان ، ومحاولة اظهار ان النظام السعودي لا زال قويا ، ويمكنه عبر الابتزاز والضغط ان يحفظ ماء وجهه المهدور على ارض اليمن ، وما التعامل مع لبنان بكل تلك العنجهية الفارغة الا دليل بسيط على عقم الاستراتيجية التي تؤدي دوما الى نتائج عكسية ، وان كان راس الاهداف فيها يكمن في التطبيع مع الكيان الصهيوني. ليس هذا فحسب ، فان الارباك السعودي يشهد حاليا فصلا جديدا من التناحر مع الشريك الاول في العدوان على اليمن ،اي دولة الامارات، ممثلة بولي عهدها محمد بن زايد ، حيث تشهد المناطق الواقعة تحت احتلال التحالف ، وفي الجنوب تحديدا صراعا ما ان يخبو شكلا ، حتى يتجدد نوعا، اذ اتهم محافظ شبوة ، محمد صالح بن عديو الإمارات بخلق مليشيات مناهضة لمجموعة الفندق برئاسة عبد ربه منصور هادي، معلنا أن هناك 90 ألف من المرتزقة في كامل أنحاء اليمن ويتوزعون في المهرة، ثم حضرموت ثم شبوة ثم أبين ثم عدن وتعز والساحل الغربي” ويتسلمون رواتب من الإمارات شهريا، وهي “كيانات موازية دخلت مع “الدولة” اي حكومة هادي، عدة مرات في حروب وصدامات وتنفيذ هجمات واغتيالات”.وأن هؤلاء الأشخاص “ليسوا موظفين دولة، بل هم مرتزقة يعملون مع دولة أجنبية، وهذه القوات لا تخضع لوزارة الدفاع اليمنية ولا تخضع لوزارة الداخلية اليمنية”.
ان المأزق الذي يغوص فيه تحالف العدوان ، يتبدى ايضا بدفع المرتزقة الى الجبهات وتهديدهم بقطع رواتبهم اذا تلكأوا في القتال ، وابعاد جنودهم عن الجبهات والاعتماد على القتل بالغارات الجوية، وفي هذا السياق ولان السعودية تدرك حتما عبثية الحرب في اليمن ، ولو لم تعلن ذلك تخفف من عديدها هناك وهذا ما جرى توثيقه قبل ايام ، اذ إن القوات السعودية الموجودة في معسكر قيادة قوات التحالف في منطقة الشعب في مديرية البريقة غربي عدن، نقلت عرباتها ومدرعاتها ومعدات وعتادا إلى الباخرة “درة جدة” في ميناء الزيت قبل مغادرة المدينة، وسط إجراءات أمنية مشددة تضمنت إغلاق عدد من الطرق. وبعد انكشاف الامر برر التحالف امام القوات التابعة له من اليمنيين لامتصاص النقمة أن “التحرك وإعادة تموضع القوات أمر معمول به في كافة جيوش العالم”وان “التحركات تتوافق مع استراتيجية التحالف في منطقة العمليات العسكرية ونؤكد على الوقوف مع الشعب اليمني ودعم الجيش لاستعادة الدولة”.
لم يعد امام الممسكين بالقرار في السعودية الا إعادة تقييم وتقويم استراتيجيتها في الخارج عموما وفي اليمن والخروج من نمط مراكمة الاحقاد والكبرياء الصبياني الفارغ ،بعدما انقلبت كل عنتريات الدفاع عن محافظة مأرب الغنية بالنفط إلى اندحار قوات التحالف الذي تقوده من موقع آخر مهم، وهو مدينة الحديدة الساحلية المفصلية، الأمر الذي وصفته بعثة الأمم بـ ” تحول جدي في خط المواجهة”.
المصدر: خاص