السؤال المطروح حاليا ، الى أي مدى سيصل سوء العلاقات بين لبنان والسعودية ، وأية اوراق ضغط يمكن للنظام السعودي ان يستخدمها ضد لبنان ضمن محاولاته المتكررة ، كي تكون له يد طولى في “المَونة” كي يكون لبنان الذي يعيش ازمات اقتصادية ومالية واجتماعية تابعا على “العمياني” لنظام مجرّب” في العنجهية الفارغة، ودليلها التمنع المطلق في الاستماع لاي اخر، وبناء جبال من الاوهام بان الابتزاز يحقق الغايات مهما كانت قذرة .
في ذروة الكباش الذي افتعلته السعودية مع البلد الذي يفاخر عن حق بالحاق الهزيمة بعدو العرب اجمعين ، على خلفية موقف الوزير جورج قرداحي الذي وصّف واقع الحال في اليمن، تحركت الجامعة العربية عبر الامين العام المساعد حسام زكي باتجاه لبنان في خطوة اقرب الى رفع العتب في الشكل ، ولكن بمضمون لا يستوي مع واقع الحال ، سيما انه لم يحمل مشروعا للحوار ، او مبادرة للحل ، وانما الهدف كان واضحا وهو لي ذراع لبنان ، ومنح الغرور السعودي بطاقة فوز تتمثل في استقالة الوزير قرداحي ومن دون وعد ان الاستقالة المرفوضة قد يكون لها ثمار يقطفها لبنان.
من الغريب ان يقول الامين العام المساعد ان استقالة قرداحي او اقالته “قد” تفتح الباب امام اتصالات مع الذي افتعل المشكلة ليزيد بذلك من تآكل صورة الجامعة العربية ، وقلة تأثيرها كهيكل دوره الجمع وان يكون منصفا بين الدول الاعضاء حتى تكون هناك فرصة لترميم الهيكل المتداعي.
يعتقد احد المؤثرين السابقين في حركة الجامعة العربية ، ان السفير حسام زكي ، لم يكن بالذكاء المطلوب في تصريحاته خلال زيارته لبنان ، مستدلا على ذلك بنقطين ، الاولى تتمثل بقوله :انه لو استقال الوزير قرادحي في البداية، كان يمكن ..الخ ، والثانية قوله ان زيارته الى السعودية” واردة”، وهذا يعني ان السعودية تتمنع عن استقباله او انه لم يحظى بموافقة سعودية على عكس لبنان الباحث عن ترميم العلاقات وقد طلب ذلك علانية ،بغض النظر عن تلك فئة التي لا ترى في المسألة الا المال والدعم المالي لخوض حروبها الداخلية على حساب القرارات السيادية والكرامة الوطنية .
في هذا الاطار يلتفت الدبلوماسي المخضرم الى موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي واكب زيارة زكي ،الساعي لتحصيل مكسب للسعودية يمكن ان تفتح له احتمالا بزيارة مملكة الرمال والنفط ، بهجوم على حزب الله ، عله يلتحق بمن سبقه في تقديم الطاعة والولاء لسفاح اليمن، مع التمني بالحصول على حقيبة فيها ما فيها من اكسير عشية الانتخابات النيابية .
هناك تفسير اخر لقيام لجنبلاط،الذي يشبهه البعض بشهر شباط ، بشحذ سكينه ضد المقاومة عبر قوله انه صبر كثيرا على حزب الله ، مع طلبه اقالة قرداحي والاعتذار من الخليج ،لكنه لم يقل على ماذا صبر،وهو الذي اعترف بانه كان من الرواد المطرودين من حضن تحركات 17 تشرين التي الحقت بلبنان مزيدا من الخراب وانتجت شريحة جديدة من الفاسدين والمفسدين، مع التخوين له.في ضؤ فشل محطات “الثورة الملونة”كلها في لبنان .
ان هدف جنبلاط الذي اقفل حزب الله الباب بوجهه جراء التجارب المريرة معه وبعد ان عيل صبره تكرارا ، يكمن في مسألتين ، الاولى تتعلق بالانتخابات النيابية ولا سيما في جبل لبنان وساحل الشوف ، حيث للحزب قوة وازنة ، والثانية لاستعطاء من السعودية التي طالما رفض القيمون على سياستها حاليا استقباله شخصيا فيما تفتح الابواب امام سمير جعجع على مصاريعها الذي لا يريد تحالفا انتخابيا معه .
لم يعد من اسف على الذين يعيبون النطق بالكرامة الوطنية ، وكأن هذه الكلمة مسحت من القاموس مقابل مصالح ضيقة ، او شخصية ،ليصبح الوطن عندهم مجرد سلعة تباع وتشرى ،بعد ان قدم ما يعرف “الضمير” مقابل لا شيئ على مذبح مذابح السعودية في اليمن .
هذا النموذج من البشر سواء من السياسيين او الاعلاميين الذين طبلوا وزمروا كثيرا للسعودية ودول خليجية مغلوب على امرها سعوديا ، يضربون الان اخماسا واسداسا بعد الزيارة الاماراتية الى دمشق ، ضمن محاولات التكفير عن خطايا تكفير سوريا قيادة وجيشا بعد ان فشلوا جميعا في اسقاط “النظام”، وهم الذين افرغوا قواميس الشتم وفي كل اللغات الا ان سوريا وقيادتها وعلى رأسها الرئيس بشار الاسد ما اهتزت ولا هانت ، حتى انكفاء العدوان ، وتركت الشتامين في غيهم ، ولم تتهاون في الكرامة الوطنية ، وهذه الكرامة هي التي تعيد المتغربين والتغريبيين الى وعيهم ، وستكر سبحة العائدين الى سوريا ،والسعودية نفسها تتأهب لذلك . ويكفي الاشارة هنا الى ما قالته ميري ريجيف ، وهي وزيرة الثقافة الصهيونية السابقة بانه “لولا الاعلام العربي،لما استطعنا التغلب على العقل العربي ، واقناعه بان ايران عدوة له” .
لقد منح لبنان الرسمي فرصا كثيرة ولا يزال مستعدا لذلك لاعادة تنظيم العلاقات مع السعودية على قاعدة الاحترام المتبادل ، وهي قاعدة مختزلة من القاموس السعودي ، الذي يقتبس كيف يعامله الاقوياء باذلاله ، وفرض مشيئتهم عليه ، للتعاطي مع من يعتبرهم ضعفاء ماليا من دون الادراك ان القاعدة لا تسري على الاقوياء في نفوسهم .
تاريخيا ، لم تكن العلاقة بين السعودية ولبنان بحيرة هادئة، ومياهها صافية ، حتى في ذروة ما بعد اتفاق الطائف التي رعته ،فجذورالأزمة تعود بين البلدين قديمة ومتجددة، لكن يمكن القول إن جذور الأزمة الأخيرة ، جاءت مباشرة بعد الهزائم المتواصلة للمشروع السعودي المعلن في وضع اليد على اليمن وقرار تطبيع العلاقات بين عربان الخليج، وضمنا السعودية والكيان الصهيوني ، وان لم تعلن السعودية بعد الى اين وصلت المحادثات لاعلان العلاقة.وان الدور المطلوب من السعودية اعادة تحريك ادوات مرتهنة لمشيئتها ضد كل من يواجه الغرور الصهيوني وبطشه.
ولذلك فإن المتوقع ان تزداد الضغوط في المرحلة المقبلة ، ولن تكون بعض المناطق بمنأى عن افتعال مشكلات منها الامني على طريق ابتزاز المقاومة. لكن العاقبة في النهايات ، والنهايات لن تكون لبائعي الضمائر والوطن .
المصدر: خاص