في الوقت الذي انعقدت فيه قمة المناخ في غلاسكو، بمشاركة الدول الاكثر تلويثاً للمجرة، بحثاً عن رؤية مشتركة لمواجهة الاحتباس الحراري الذي يهدّد كوكب الأرض، جراء ما صنعته المنافسة الدولية غير الشريفة لانتاج قوة عسكرية واقتصادية للسيطرة ، والناجمة عن جشع التوحش الرأسمالي ، في هذا الوقت كان لبنان يتعرض الى ضغوط ماجنة ، على خلفية موقف سياسي – جوهره انساني نبيل ورد على لسان الاعلامي المخضرم وزير الاعلام في لبنان جورج قرداحي.
لم يتمكن اصحاب الحملة الشعواء ، الظالمة ، من تفنيد موقف قرداحي وهو موقف من ساسه الى اساسه واقعي التشخيص لا يُختلف حوله لا في الشكل ولا في المضمون ، ولا نفي حقيقة وواقعية الموقف ، سوى الاقرار انه ضد افعال وارتكابات السعودية وتحالفها العدواني في الحرب على اليمن، وان على من يبغي لنفسه “خيرا” ولو كان مسموما ان يكون مؤيدا للعدوان الجائر ، او شيطانا اخرس ، مثل الكثير من شياطين يمتلكهم نظام السعودية ، او يكونوا طوع بنان الشيطان الاكبر بكل ما فيها من مذلة، وبغير ذلك يكون الخروج عن طاعة السفاح.
لا يمكن لنظام نما على القتل والفتن، وعلى عدم تقبل رأي عقلاني ، من مثقف عاش في نسيجه ، فمزقه اربا بمنشار كهربائي ، اومن شعب تحت سلطته – المنطقة الشرقية في السعودية – في ان يقول كلمة حق ، الا وقتل كباره وعلماءه ، ان يتقبل رأيا من خارج منظومة العبيد ، ولو كانت تشخيصا لواقع يستوجب وقف العبثية لانها مدمرة .
لقد كشف النظام السعودي بألسنة الناطقين باسمه ان المسألة ليست في حقيقتها تصريح الوزير قرداحي ، وانما هي صراع بين خيارين ، احدهما انساني حر تجلله الكرامة الوطنية والاباء والاخر قائم عل قواعد الشر، وهذا الاخير يبحث عن اي عامل ليس في مصلحته ليبني عليها اكاذيب فاضحة من اجل تغطية شروره التي تمد في بقائه ولو الى حين ، ولكل منتم الى هذا الخيار ثمن ، كأي مرتزق ، ام مرتعب ، او ساكت عن الحق .
ان من بركات هذا الصراع على خلفية موقف الوزير قرداحي ، كشف المستورات ، ولو بستار شفاف ، عمن يمتلك الارادة والكرامة ، مقابل من يصغر اكتافه ، ويرتضي ان يكون عبداً للجزار ، لا بل ان من الايجابيات هو كشف منسوب الحقد على من هزم اسرائيل وجعلها هائمة بحثا عن جريمة تعتبرها انتصارا، وعلى كل من اعتبر نفسه في صفوف الانسانية ودون مغريات او في المحور الذي يؤسس لانتصارات قادمة واكبر، ولعل من اهم الايجابيات ان تكون الكرامة الوطنية صنو الموقف ، بعيدا عن معزوفة المصلحة الوطنية التي يتشدق بها البعض كقرين نقيض للكرامة الوطنية .
ان للبنان تجارب كثيرة مع في استباحة السياسة والامن ، والتدخل فيما لا يعنيها ، لا بل ان التمادي السعودي في لبنان وصل الى ذروات بتغطية وتمويل ارهابيين ، لا بل حصل ان قام مسؤولون سعوديون باصطحاب ارهابيين بعد القاء القبض عليهم في لبنان بعد تورطهم باعمال ارهابية قتل فيها لبنانيون، بتواطؤ من جهات لبنانية، بدعوى اجراء تحقيق معهم واعادتهم ، ولم يعادوا ، لا بل ان تلك الجهات التي وضعت نفسها بخدمة الاعمال الشريرة ، نالت لاحقا نصيبها من الشر السعودي وهي في سدة السلطة في لبنان ، ولا تزال هذه الجهات تعض على الجرح المتوسع فصولا .
ليس غريبا ان يكشف النظام السعودي ، او يتفاخر بقباحة ادائه في لبنان لخروجه عن الطاعة ، وانما الغريب هو ان يتبنى البعض على المستوى الرسمي التضحية بالوزير قرداحي على مذبح الحقد والغلو السعودي ، بالرغم من علمه علم اليقين ، بان مثل هذه الخطوة ، لن تغير طباع الضباع تجاه لبنان ، لان هناك استحقاقات تراهن السعودية على انها باب فرج لنظامها المتآكل ، بعد الهزائم الكبرى والمتوالية في اليمن ولا سيما مدينة مآرب حيث اصبحت القوات اليمنية تدق ابوابها من كل الجهات ، تقوم على الانضمام العلني لاتفاقات مع الكيان الصهيوني ، وما الحرب على المقاومة الا من باب تقديم اوراق الاعتماد لاتفاقات “ابراهام”، وهم يخجلون ان يسمونها ابراهيم ، لانهم سليلو عابدي الاصنام الذين القوا (النبي ابراهيم عليه السلام) في حفرة عميقة لتحطيمه الاصنام وعبادتها ولحرقه بالنار، وقد حماه الله عزّ وجلّ من لهيب النار بأمرها أن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم عليه السلام، ثمّ هاجر بعيداً عن قومه.
ان الصنمية السعودية تجاه لبنان ، تحولت الى قضية كرامة وطنية مثلما قال الوزير قرداحي ، ومن يفرط بالكرامة الوطنية وبضميره الوطني ، يبيع الوطن لأي مارق ، وعليه فان ما يجري ليس ناقوس خطر، وانما ناقوس الكرامة.
المصدر: خاص