رعاية النبي(ص) للفقراء
في ذكرى وفاة رسول الله نستحضر سيرته العطرة اتجاه الفقراء والمساكين ونظرته اليهم وتعامله معهم فهو لم يكن يُنظر للفقراء بدونية او يفرّق بينهم وبين الاغنياء في التعامل والاحترام، بل كان يعطف عليهم ويتقرب منهم ويغمرهم بمشاعره الفياضة ويرعاهم ويهتم بشؤونهم وحوائجهم، وقد وردعن رسول الله أنه قال: “أمَرَني رَبّي بِسَبعِ خِصالٍ: حُبِّ المَساكينِ وَالدُّنُوِّ مِنهُم”.
وكان يرفض ويدين ويشجب كل من يستخف او يحتقر اويذل الفقير لفقره . فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) عن آبائه عن رسول الله (ص) قال: “مَنِ اِسْتَخَفَّ بِفَقِيرٍ مُسْلِمٍ فَقَدِ اِسْتَخَفَّ بِحَقِّ اَللَّهِ وَاَللَّهُ يَسْتَخِفُّ بِهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ”.
وفي رواية اخرى عن النبي(ص) في خطبة له: ومن أهان فقيرا مسلما من أجل فقره واستخف به فقد استخف بالله، ولم يزل في غضب الله عز وجل وسخطه حتى يرضيه، ومن أكرم فقيرا مسلما لقى الله يوم القيامة وهو يضحك إليه.
وروي عنه (ص) أنه قال: “مَنِ اِسْتَذَلَّ مُؤْمِناً أَوْ حَقَّرَهُ لِفَقْرِهِ وَقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ شَهَرَهُ اَللَّهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ”.
ورُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : ” مَنْ أَكْرَمَ فَقِيراً مُسْلِماً لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ هُوَ عَنْهُ رَاضٍ .
ونجد في سيرة رسول الله (ص) اهتمامه الكبير ورعايته المتميزة للفقراء والمساكين، وحينما نبحث عن مفرادات هذا الاهتمام ومظاهر هذه الرعاية في سيرة النبي(ص) سنجد انه كان يهتم:
اولا: بتأمين متطلبات حياتهم، باطعامهم وكسوتهم ومسكنهم واحتياجاتهم اليومية، وهذا ما يظهر من سيرته وتعامله وتجربته مع اهل الصفة.
والصفة هي مكان في مؤخر المسجد النبوي كان مسقوفا وكان معدا لاقامة الغرباء والمهاجرين ممن لا سكن لهم ولا مال ولا أهل . فحينما توافد المسلمون المهاجرون من مكة والوافدون من مناطق أخرى الى المدينة، استضاف الأنصار من أهل المدينة معظم المهاجرين في بيوتهم واسكنوهم فيها، لكنّ بعضهم لم يجد من يستضيفه، ولم يكن له مال ليشتري او يستأجر مسكنا، فاسكنهم رسول الله (ص) بعدما بنى المسجد في المدينة في هذا المكان من المسجد اي في (الصُفَّة) وعرفوا بأهل الصُفَّة.
فأهْلُ الصَّفَّة هم فقراء المسلمين من المهاجرين الذين لم تكن لهم منازل يسكنونها، فكانوا يسكنون في هذا المكان المظلّل في المسجد النبوي بالمدينة المنورة، فعرفوا باهل الصفة وعُرفوا ايضا بأضياف الإسلام .
وكان من ينزل في الصُفَّة يقيم فيها حتى يجد له مكانًا اخر أو عملًا فيغادرها. لذلك كان عددهم يختلف من وقت إلى آخر، ويبدو ان مجموع الذين ترددوا الى الصفة كانوا أربعمئة شخص كما في بعض الروايات.
وكان رسول الله يعمل على توفير متطلبات حياتهم من طعام ولباس وغير ذلك، فكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم منها.
ولم يكتف النبي(ص) بمساعدتهم بنفسه بل كان يوصى اصحابه بمساعدتهم وبالتصدق عليهم، فكان أغنياء قريش والأنصار يبعثون بالطعام إليهم، وكان النبي (ص) يوزع أهل الصفة بين أصحابه بعد صلاة العشاء ليتعشّوا عندهم، ويقول: “مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ، أَوْ سَادِسٌ،… فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ (ص) بِعَشَرَةٍ “. ويبدو أنّ الأمر كان كذلك في بداية الهجرة، فلما جاء الله بالغنى لم تعد هناك حاجة لتوزيعهم على دور الصحابة.
وكان أصحاب حقول النخيل من أهل المدينة يساهمون في إطعامهم، فكان الرجل منهم يأتي بعناقيد التمر، ويضعها في المسجد لأهل الصُفَّة.
وكان رجال من الأنصار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد لاستخداماتهم، ويجمعون الحطب فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة والفقراء.
وكان معظم طعامهم التمر، وكان النبي (ص) يخصص لكلِّ رجلين منهم مدًّا من تمر في كلّ يوم، وكان كثيرًا ما يدعوهم إلى الطعام في بيته.
وعندما ولدت فاطمة الامام الحسن(ع) طلب النبي(ع) منها ان تتصدق عليهم بوزن شعره من الفضة. وقد جاءه مرة سبي فطلبت منه فاطمة (ع) خادمًا لأنها تعبت من كثرة أعمال البيت، فأجابها النبي(ص): لَا أُعْطِيكُمْ، وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تَلَوَّى بُطُونُهُمْ مِنَ الْجُوعِ، وقال: “لَا أُخْدِمُكُمَا، وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ تَطْوَى”.
ثانيا: كان النبي(ص) يهتم بتعليمهم وتأهيلهم واكتسابهم العلم والمعرفة، فكانوا لقربهم من المسجد دائمي الجلوس في المسجد، يصلون ويتعلمون القرآن، ويتعلم بعضهم الكتابة، ويكتسب المعرفة، وقد استفادوا من تواجدهم في المسجد النبوي، وحضورهم المكثف في مجلس رسول الله (ص)، فأخذوا عنه العلم والمعرفة، وبلغ بعضهم درجة رفيعة في العلم والفضل، واصبح من رواة الحديث.
اما على المستوى الجهادي فقد شارك الكثير منهم في الجهاد وفي المعارك التي خاضها رسول الله(ص) ضد اعداء الاسلام ، ونال بعضهم شرف الشهادة في سبيل الله.
ثالثا: من مظاهر عناية النبي(ص) ورعايته للفقراء من اهل الصفة ومن غيرهم انه كان يؤمن لبعضهم فرص للعمل والانتاج وتحصيل الرزق، فقد ورد عن الامام الباقر (عليه السلام) انه: كان على عهد رسول الله (ص) مؤمن فقير شديد الحاجة من أهل الصفة، وكان ملازما لرسول الله (ص) عند مواقيت الصلاة كلها لا يفقده في شئ منها، وكان رسول الله (ص) يعطف عليه ويهتم بشؤونه وينظر إلى حاجته وغربته، فاعطاه درهمين وامره أن يتجر بهما ويسعى لتحصيل الرزق، فأخذهما وبدأ بالتجارة، فكان لا يشتري بدرهم شيئا إلا باعه بدرهمين، ولا يشتري شيئا بدرهمين إلا باعه بأربعة دراهم حتى كثر ماله وعظمت تجارته.
وكان النبي(ص) يوجه اهل الصفة ومن لا يعمل، إلى العمل والكدح والسعي في تحصيل الرزق، وحينما كانت تتوفر فرصة عمل لأحدهم كان ينتهزها، ويغادر الصفة.
رابعا: من مظاهرعنايته بالفقراء اهتمامه بتزويجهم، تزويج الفقراء والمسكين والمعدمين الذين لا مال لهم لنفقات الزواج، وقدر روي انه زوج جويبر من الذلفاء وكان فقيرا معدما في قصة معروفة، وزوج العديد من الشباب الصحابة على نفقته وبسعي منه(ص) ،وعن علي (ع) أنه قال: أتى رجل إلى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله! أردت أن أتزوج هذه المرأة. قال: وكم تصدقها؟ قال: ما عندي شئ. فنظر إلى خاتم في يده فقال (ص): هذا الخاتم لك؟ قال: نعم، قال: فتزوجها عليه.
إنّ اهتمام النبي (ص) البالغ بالفقراء والمساكين ورعايتهم وتقديم الخدمات لهم في مختلف جوانب حياتهم حسب الإمكانات المتاحة،، لم يكن من موقع الرحمة والانسانية فقط، وهو الرحيم والانساني الى ابعد الحدود، وانما ايضا من موقع كونه حاكما وقائدا للمجتمع الاسلامي، فالقائد والحاكم يجب أن يحمل هم الفقراء والمستضعفين والطبقات المعدمة والمحرومة ويجعلها في طليعة اهتماماته.
وعلى المجتمع ايضا في كلّ عصر ان يهتم بمواساة الفقراء والمحتاجين ، وأن تكون لدى ابناءه ثقافة تحفّزهم لتحمّل مسؤولياتهم الإنسانية والاخلاقية تجاه الفقراء والمعوزين.
اليوم الحصار الامريكي للبنان وحالة الفساد والازمة الاقتصادية والمالية افرزت طبقة كبيرة من الفقراء بحيث اصبح اكثر من نصف الشعب اللبناني تحت خط الفقر على اقل التقديرات وهذا الواقع يتطلب من الحكومة ان تضع في اولوياتها وتنفيذ المشاريع التي تدعم هذه الطبقة وتخفف من معاناتها وفي مقدمها مشروع البطاقة التمويلية ورفع الاجور وابقاء الدعم على الدواء واللقاحات وحليب الأطفال، وضبط سعر الدولار وأسعار السلع في السوق بما يمنع الغلاء الفاحش والاحتكار، والاسراع في اصدار المراسيم التطبيقيّة للقوانين المحالة الى الحكومة من المجلس النيابي.
هذه الاجراءات وغيرها تخفف من معاناة الناس وعلى القوى السياسية تسهيل عمل الحكومة والتعاطي بايجابية عند نقاش الملفات الملحة كي تنتج وتحقق الحد الادنى من الانجازات التي تهم الناس لا سيما في ملف الكهرباء وغيره من الملفات المهمة.
حزب الله كما ساهم في تشكيل الحكومة وقدم التسهيلات لتحقيق ذلك سيساهم في تسهيل عمل الحكومة وسيتعاطى كما كان على الدوام بايجابية داخل الحكومة وعند نقاش الملفات المطروحة من اجل تسيير العمل وانجاز ما يهم الناس بالسرعة المطلوبة.
ومن هذا المنطلق سنقوم بمراجعة منطقية لصندوق النقد الدولي وسنناقش الامور المتعلقة به بخلفية ايجابية، لان ما يهمنا هو مصلحة وطننا وشعبنا وانقاذ بلدنا والحفاظ على استقلاله وسيادته.