ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، وقال :” أن ما زلنا نعيش اليوم كما الأمس مشهدية للصراع بين الحق والباطل، فهذا الصراع السياسي تحول بفعل الخارج والداخل إلى كارثة على هذا البلد المنهوب والمحاصر والمصادر من قبل منظومة سياسية ومالية واقتصادية أسقطت الدولة، وشلت مؤسساتها، وجوعت شعبها، وأفقدته الثقة بكل هذه التركيبة وهذا النظام. ولكن على الرغم من كل هذا الواقع المرير الذي يحيط بالبلد ويعيشه المواطن نأمل مع تشكيل حكومة “معا للإنقاذ” أن يكون الاسم على مسمى، لا أن يبقى شعارا بلا مضمون، مثله كمثل كل الشعارات التي تعودنا على سماعها، ودأبت المنظومة على إطلاقها”.
وطالب المفتي قبلان الحكومة “ومن قعر جهنم الذي نحن فيه، بوضع خطة إنقاذية حقيقية واستثنائية، وبخاصة في ما يتعلق بالأمور الحياتية والمعيشية، بعيدا عن المحاصصات والمناكفات السياسية والانكباب بمهنية عالية وبانحياز مطلق لخدمة الناس وتأمين مستلزمات الاستقرار الاجتماعي، لأن الأوضاع لم تعد تطاق، وما وصلنا إليه لا يوصف، وبخاصة في موضوع الكهرباء والدواء والمحروقات، وكل أساسيات الحياة الكريمة، لاسيما هبوط سعر صرف الليرة الذي بات يؤشر إلى الانهيار الكبير في ظل هذه اللعبة الشيطانية من قبل مافيا التجار والمتلاعبين بالدولار”.
وأشار المفتي قبلان إلى أن “المشكلة كبيرة ومعقدة، والبلد على المفترق الخطير، ما يستدعي استنفار كل الطاقات ووقف كل المشاحنات السياسية، لأن مشكلة البلد بدأت بالسياسة، وتمر فيها، والحلول تبدأ بالسياسة، الاقتصاد بالسياسة، والمال بالسياسة، وهذا ما يؤكّده صعود الدولار وهبوطه، والدليل أنه عندما تم تكليف الرئيس ميقاتي وتشكيل الحكومة هبط الدولار من 22 ألفا إلى 14 ألفا! فهل صعود الدولار اقتصادي! وهل هبوطه بهذا الشكل اقتصادي! بل هي حتما لعبة سياسية بوجه اقتصادي ومالي يتشارك فيها الداخل والخارج لأهداف سياسية. وهنا نطالب الحكومة بدعم مواز مع زمن رفع الدعم عن المحروقات وغيرها، وإلا فإن ذلك سيرفع من وتيرة صدمة رفع الأسعار وسيدفع شركات استيراد النفط إلى تكنيس الدولار من الناس، وهو أمر سيزيد من قوة الدولار من جديد وضعف الليرة وبالتالي الوقوع مجددا بالمحظور. لأن لبنان بلد مدولر وهو مستورد وسط اقتصاد منهار، ولذلك الخشية من لعبة أوهام تنهب دولارات الناس من جديد. فالحل ليس بالثقة السياسية فقط، بل بالانعاش الاقتصادي وحماية الأساسيات واستثمار الدولار بالإنتاج وليس بالاستهلاك”.
كما شدد “على ضرورة التوافق على خريطة طريق وطنية وسياسية واقتصادية ومالية، تخرجنا من جهنم وتؤسس للانطلاق نحو نواة دولة بكل معنى الكلمة، دولة فيها الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم، دولة فيها مساءلة، فيها محاسبة، فيها عقاب، فيها ثواب، فيها كفاءة، فيها الرجل المناسب في المكان المناسب، ودولة المزرعة والحصة والطائفة والمذهب، يجب أن نلغيها من حساباتنا ومن عقولنا ومن ذهنياتنا، ندعو إلى دولة مواطن، دولة لها سيادتها وسياستها واقتصادها وإنتاجها ومواردها المجيرة كلها في خدمة الناس، وليس في خدمة سياسة هذا الفريق أو ذاك، نريد دولة انتاج لا استهلاك، دولة تعطي المواطن حقّه، ليس دولة تسرقه وتشحد عليه بانتظار من يتصدق عليها بشروطه وإملاءاته، مع احترامنا وتقديرنا لكل من يقف معنا وإلى جانبنا في هذه المحنة الأليمة والشديدة، ويقدم التسهيلات من مصر إلى الأردن إلى العراق، إلى سوريا التي يجب أن نجد حلا للمشاكل التي تعيق عودة العلاقات المميزة بين الدولتين الشقيقتين في أسرع وقت ممكن، لما لهذه العودة من فوائد عديدة لكلا الشعبين. وهنا يجب ألا ننسى ما تقدمه طهران مع شكرنا العميق لما تبذله رغم كل الصعوبات لإيصال المحروقات إلى الشعب اللبناني المنكوب”.
ووجه المفتي قبلان “الشكر إلى كل طرف ساهم ويساهم بمد يد المساعدة إلى لبنان واللبنانيين، بعيدا عن أي بازار سياسي، كما ننوه بالخيار المقاوم الذي بادر بكسر الحصار النفطي، رغم كل التهويل الدولي والإقليمي، والذي أكد مجددا أنه شكل ويشكل ضمانة لبنان، وأنه مشروع الدولة الواحدة، وأنه الشراكة الوطنية لحظة تسابق ذئاب العالم لنهش أوصال لبنان، لبنان بلد التعايش والمحبة والاعتدال وتلاقي الأديان؛ والمسلم والمسيحي شريكان بالضرورة في بناء هذا البلد وحمايته وحفظه، والمطلوب شراكة الجميع وتحمل المسؤولية من قبل الجميع، لإنقاذ هذا البلد لأن البديل عن لبنان هو الجحيم”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام