وسط الطوابير التي باتت تحكم اللبنانيين، ودموع الذين افترشوا الأرض أمام محطات الوقود والمستشفيات والأفران، تُضاف إليهم صفوف المتراصفين على أدراج السفارات للرحيل، كان لا بُدَّ من قرار وطني جريء بضرورة كسر الحصار الظالم سواء على لبنان أو سوريا، ما أزعج جماعات السفارات والأجندات، ومَن امتهنوا قطع الطرقات على الناس وقطع أرزاقهم.
هكذا قرار لم يعُد خياراً، بل واجباً سبق لسماحة السيد حسن نصرالله أن دعا الى اتخاذه على مستوى الدولة، التي يُفترض أن تكون مؤتمنة على شعبها دون أدنى خوف من عقوبات أميركية إضافية ولكن، إنطلاقاً من مقولة “ما خوف الغريق من البلل” كان لا بُد من الشجاعة التي لا تتحدى أحداً، ببدء إستيراد المازوت قبل البنزين من الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر رجال أعمال، وبادر حزب الله لهذا القرار لتأمين هذه المادة الحيوية والتوزيع العادل على كافة المناطق اللبنانية التي جعل منها البعض خزانات إحتكار، وتمّ فرز المستفيدين من المادة كهبات، وبأسعار أقل من سعر الكلفة لفئات أخرى تعمل في مجالات الخدمات الإنسانية والحياتية.
عندما فضَّل سماحة السيد نصر الله، إيصال المازوت قبل البنزين، فلأن المادة الأولى باتت ترتبط فيها كل الحياة الآدمية اليومية للشعب اللبناني، نتيجة ارتباطها بأنشطة المستشفيات والأفران والإنارة المنزلية، وسط كلفة مولدات وصلت الى ثلاثة وأربعة أضعاف الحد الأدنى للأجور عن كل اشتراك، بذريعة شراء أصحاب هذه المولدات مادة المازوت من السوق السوداء، ولذلك تمنى سماحته على من يستفيد من المازوت الإيراني المدعوم من الحزب، كونه أقل من سعر الكلفة، التخفيض لفاتورة المولدات.
هذا القرار في كسر الحصار وبالتالي كسر الإحتكار الجشِع، لا يقلّ شأناً عن كل انتصارات المقاومة جنوباً وشرقاً، بل هو المقاومة بعينها، عندما تكون المعركة مع أميركا وأدواتها حرباً تحت مُسمَّى “حرب الجيل الرابع” التي اعتمدتها مع فنزويلا، حصار إقتصادي حتى التجويع، والشعب اللبناني الكريم العزيز، الذي حمَت المقاومة مدنييه عبر تحييدهم عن ساحات الحرب عامي 2000 و 2006، وتأمين الإيواء الكريم لهم مع الغذاء والدواء، لن ترضى هذه المقاومة اليوم أن يدفع أهلها وأهل كل لبنان، أثمان حرب الجيل الرابع القبيحة الى حدود كُفر مرتكبيها بأبسط القِيَم الإنسانية والأخلاقية بحق أبرياء شعبنا.
ولأن الإحتكار في لبنان تحميه الوكالات الحصرية، فإن الشعب اللبناني الذي يتقاسم الوجع المعيشي المؤلم، يقف بكافة شرائحه خلف مطلب سماحة السيد نصرالله، بضرورة إلغاء كل الوكالات الحصرية، ضمن مبدأ التجارة الحرة التي تخلق أجواء تنافسية شريفة، وأن تكون عملية كسر حصار المحروقات، بداية لعمليات استيراد الأدوية والمواد الغذائية والإستهلاكية وفق المعايير العالمية التي تضمن الجودة والسعر المُناسبَين، وآن أوان المساهمة مع الدولة بوجود حكومة جديدة جادة للعمل، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص للتنافس عبر مبدأ كسر الحصار جزئياً على الأقل عبرالإستيراد من الشرق والغرب، رغماً عن “قيصر” الحصار وقياصرة الإحتكار، ولينكسر خاطر مافيات الحصار والإحتكار ولا تنكسر خواطر اللبنانيين…
المصدر: خاص