الإمام الحسن(ع) ورعاية الفقراء
نص الخطبة
للامام الحسن المجتبى(ع) العديد من الصفات التي اشتُهر بها، لكن من الصفات البارزة في شخصيته، كرمه وجوده وسخاؤه واهتمامه برعاية الفقراء والمحتاجين، حتى اشتهر بصفة (كريم أهل البيت) وكلهم كرماء أسخياء، لكن الظروف الاجتماعية ساعدت على بروز هذه الصفة الجليلة في شخصيته أكثر.
فالظروف الاجتماعية غير العادلة التي عاشها المجتمع في عهـد الإمام الحسـن(ع) والسياسات الاقتصادية الخاطئة والظالمة التي اعتمدها الأمويون، والتي كانت على حساب مصالح الناس وأرزاقهم وحقوقهم، زادت من حالة الفقر، وضاعفت اعداد الفقراء والمحتاجين في المجتمع.
فقد تصرف الخلفاء الامويون في بيت المال على مزاجهم، فكانوا يتصرفون بخزينة الدولة وكأنها ملك لهم، ويغدقون اموال بيت المال على أسرهم والمقربين لهم والمؤيدين لسياساتهم، بينما يحرمون اتباع اهل البيت(ع) من العطاء وما يستحقونه من بيت المال، فمعاوية مثلا اعلن الحرب الاقتصادية على أتباع أهل البيت (عليهم السلام) لمجرد انهم كانوا يلتزمون نهج علي واهل بيته، فقد كتب إلى عماله وولاته على جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه.
ولذلك كان الأنصار يحرمون من العطاء من دون اي ذنب سوى أنهم ينصرون أهل البيت (عليهم السلام).
وكان من جملة الأساليب التي أتبعها معاوية لدفع الامام الحسين(ع) لمبايعة يزيد بولاية العهد، حرمان جميع بني هاشم من مخصصاتهم من بيت المال حتى يبايع الحسين.
ويقول بعض المؤرخين: إن الضرائب زادت في عهد بني أمية عما كانت عليه في عهد الخلفاء الراشدين، مما أوقع الناس في عجز وضيق على المستوى المالي والمعيشي.
كما ان المعارك والحروب التي وقعت في عهد الإمام علي(ع) والتي كانت بسبب تمرد معاوية وخروجه على الحكومة الشرعية اوقعت عشرات الألوف من المسلمين، فحرب الجمل بلغ عدد ضحاياها حوالي عشرين ألفاً، وحرب صفين أكثر من سبعين ألفاً، وحرب النهروان ما يزيد على أربعة آلاف، وقد ترك هؤلاء الضحايا خلفهم أرامل وأيتاماً وفقراء كانوا بحاجة ماسة للمساعدة والرعاية.
وهكذا وجد الإمام الحسن (ع) نفسه في مجتمع يعاني من ازمات اجتماعية ومعيشية، ويكثر فيه الفقراء والمحتاجون، فتصدى(ع) لهذه الحالات والازمات من موقعه القيادي كإمام حريص على مصلحة المسلمين.. ووظف كل امكاناته لمساعدة الفقراء، وبذل كل ما في وسعه للتخفيف من معاناة المحتاجين.
وينقل لنا المؤرخون بعض المواقف من كرم الإمام الحسن (ع) وجوده، فيذكر ابو نعيم في حلية الأولياء : بان الحسن بن علي (ع) خرج عن ماله مرتين، وقاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات. بمعنى أنّه بذل كلّ ماله للمحتاجين مرّتين، بحيث لم يبقَ عنده شيء حتى لحاجاته، وقد قاسم الله ماله ثلاث مرات، أي قدَّم نصف ماله للفقراء والمحتاجين لثلاث مرّات.
ويروي ابن خلكان في وفيات الاعيان: بان الامام الحسن سئل ذات مرة: لأي شيء نراك لا ترد سائلاً وان كنت على فاقة، فقال(ع): اني لله سائل، وفيه راغب، وانا استحي من ان اكون سائلاً، واردّ سائلا، وان الله تعالى عودني ان يفيض نعمه عليّ، وعودته ان افيض نعمه على الناس، فاخشى إن قطعت عادتي، ان يمنعني عادته .
وروى احد المؤرخين في كتاب نور الابصار: ان رجلا جاء الى الامام الحسن(ع) وشكا له احواله السيئة، فدعا الحسن (ع)وكيله، وقال له احسب ما عند الرجل فجعل يحاسبه على نفقاته ومقبوضاته حتى استقصاها،فقدّر انه بحاجة الى خمسين الف درهم فاحضر له المبلغ واعطاه اياه، فالتفت الامام الحسن الى وكيله وقال له: «ما فعلت بالخمسائة دينار التي معك؟» قال: عندي، فقال الحسن (ع) : احضرها فاحضرها، فلما احضرها دفع الخمسمائة دينار الى الرجل، واعتذر منه.
اليوم مسؤولية المجتمع تجاه الفقراء والمتعسرين بسبب الضائقة المعيشية التي نمر بها هي مسؤولية كبيرة، والمطلوب ليس فقط تقديم شيء من المساعدة للفقير وسد حاجاته المرحلية، وإنما إخراجه من حالة الفقر والعوز ومساعدته بما يحقق له حالة الكفايه ، وهذا ما نلحظه من سيرة الإمام الحسن (ع) وسيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، فإنهم كانوا اذا جاءهم فقير، أعطوه بسخاء، ويكفونه بما يستعين به على تسيير أمور حياته، وما كانوا يعطون الفقراء شيئا بسيطا من المساعدة بل كانوا يعطونه ما يكفيه ويخرجه من حالة الفقر.
وهذا ما برز بوضوح في سيرة الامام الحسن (ع). فقد ذكر المؤرخ المشهور ابن كثير: ان الحسن بن علي(ع) ربما اجاز الرجل الواحد بمائة الف.
وقال سعيد بن عبد العزيز: سمع الحسن(ع) رجلاً الى جانبه يدعو الله ان يملكه عشرة الآف درهم، فقام الى منزله فبعث بعشرة الآف درهم اليه.
وذكروا: أن الحسن(ع) رأى غلاماً اسود (عبد) يأكل من رغيف لقمة، ويطعم كلباً معه لقمة، فقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: اني استحي أن آكل ولا اطعمه، فقال له الحسن(ع) لا تبرح من مكانك حتى آتيك، فذهب الى سيّده فاشتراه واشترى الحائط (البستان) الذي هو فيه، فاعتقه وملكّه البستان.
اذن: الامام الحسن(ع) كان يعطي بسخاء وبما يكفي الواحد لسنة كاملة وليس لايام او شهر .
ولذلك افتى الفقهاء بجواز إعطاء الفقير من الاموال الشرعية كالخمس والزكاة ما يكفيه لسنة كاملة، وليس ليوم او يومين او شهر او شهرين، ويرون ايضا جواز إعطاء المتعسرين والموظفين والعاملين بالتجارة وغيرها ممن لهم دخل محدود لا يكفي لحاجات حياتهم حسب مستوى المعيشة السائد في المجتمع، وهذا لا خلاف فيه بين الفقهاء، نعم الخلاف في إعطاء ما يزيد على كفاية السنة الكاملة.
اليوم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الرعائية والاحزاب وبعض الاغنياء في بلدنا يقومون بدور إيجابي وبمبادرات كريمة لمساعدة الفقراء، والتخفيف من معاناة الناس في هذه الازمة، وهي مبادرات تستحق الشكر والتقدير، لان هؤلاء يبذلون جهدهم ووقتهم لخدمة الفئات الضعيفة في المجتمع، فجزاهم الله خير الجزاء، لكن ما ينبغي التفكير فيه هو الوصول بالفقراء والمحتاجين إلى حد الكفاية، وليس مجرد تقديم المساعدة المحدودة لهم..
طبعا المساعدات المحدودة هي نتيجة محدودية ميزانيات هذه المؤسسات الخيرية، وهذا امرنتفهمه جيدا، لكن المطلوب أن يتفاعل أهل الخير أكثر مع هذه المؤسسات ليرتفع مستوى إيراداتها، كما ان على العاملين ضمن هذه المؤسسات عليهم أن يضاعفوا جهدهم ونشاطهم لتوفير أكبر قدر من الإيرادات، لسد حاجات اكبر عدد من الفقراء والمحتاجين.
نحن بحاجة الى تعزيز روحية العطاء والتكافل في مجتمعنا من اجل كسر الحصارالذي يفرضه الامريكي على بلدنا وشعبنا.
حزب الله مصر على فك الحصار الذي يفرض الامريكي على الشعب اللبناني من خلال خطوات عملية مدروسة احداها البواخر الايرانية المحملة بالمحروقات.
هذه الخطوة هي خرق كبير للفيتو الامريكي المعلن في وجه لبنان لمنعه من اعتماد خيارات بديلة للخيارات الامريكية، هي خطوة نقلت معركتنا مع الامريكي من مرحلة الصمود في مواجهة الحصار الى مرحلة التصدي المباشر للحصار المفروض على اللبنانيين، والمقاومة على استعداد للذهاب الى الاخير لفك هذا الحصار.
ان من اهم نتائج هذه الخطوة انها فضحت الامريكيين وكشفت للبنانيين زيف الافتراءات التي كانوا يقولونها بحق حزب الله، واظهرت بشكل قاطع ان من يقف فعلا وراء الازمات التي يعاني منها الشعب اللبناني ليست المقاومة وانما اميركا وادواتُها الذين منعوا من اتخاذ اجراءات وقرارات تنقذ لبنان واللبنانيين خوفا من العقوبات الامريكية .
قرار استقدام بواخرالنفط الايراني ايضا، اجبر الامريكيين على المسارعة الى تفعيل مشروع استجرار الغاز من مصر عبر سوريا الذي بقي معطلا لسنوات بسبب الفيتو الامريكي، وكسرقانون قيصر المتعلق بالعقوبات على سوريا، وفتح الباب لاستئناف العلاقات بين سوريا ولبنان فذهب الوفد الوزاري الرسمي الى سوريا، وزاد من حجم الضغط للمسارعة بتشكيل الحكومة، وفرض تمديد الدعم على المحروقات الى نهاية ايلول.
وما كان لكل هذه النتائج ان تتحقق لولاهذا القرار الجريء والشجاع الذي يساهم بشكل مباشر في التخفيف من معاناة اهلنا وشعبنا.
يجب ان يعرف الجميع ان الحملات الاعلامية والافتراءات والاتهامات التي تساق ضد حزب الله لن تثنيه عن اتخاذ الاجراءات والقرارات المناسبة التي تساهم في انقاذ البلد ورفع الذل والمهانة عن اللبنانيين، واذا كان البعض لا يملك الجرأة والشجاعة لاتخاذ قرارات من هذا النوع خوفا من غضب الامريكيين، فان حزب الله يملك الجراة والشجاعة الكاملة لتحمل المسؤولية واتخاذ القرارات التي تنقذ لبنان واللبنانيين، وهو بذلك لا يتحدى الدولة ولا يطرح نفسه بديلا عنها، وانما يعوض عن غيابها ويملأ فراغ المسؤولية المعنية هي بتحملها أولاَ واخيرا.
المصدر: موقع المنار