بلا شك ان قمة بغداد , التي انعقدت نهاية الاسبوع في العاصمة العراقية , وحضور زعماء من غير دول الجوار مثل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بالمظلة ,وغياب سوريا اقرب الاخوة والجوار للعراق كليا عن القمة “لتفهمها الضغوط الدولية “على العراق , ستأخذ حيزا مهما في بحث ما يعد للمنطقة , والدور الذي يمكن ان يلعبه العراق في المشروع الجيوسياسي -الاقتصادي .
لا يمكن لعاقل , او لوطني او عربي او مسلم , او مناصر , او لمن يعادي الارهاب , الا ان يتمنى للعراق دورا محوريا في المنطقة , ليس فقط لمخزونه الاقتصادي , ودوره الريادي منذ اعماق التاريخ في الثقافة والعلم والمركز المهم لنشر الرسالات السماوية , ووجود المقامات والصروح الدينية , وانما لحقه في الخروج من محنته المتوالية فصولا مذ مد الاخطبوط الاميركي اذرعه المتعددة لتدمير التاريخ والقيم والصروح الغائرة في التاريخ , والانتقام من الحضارة الانسانية التي ولدت وترعرعت في بلاد الرافدين.
ليس من السهل صياغة مشروع اقتصادي استراتيجي يجمع مصر والقاهرة وعمان , ولو كانت مترابطة جغرافيا , مشروع قال عنه رئيس الحكومة العراقية انه ” على النسق الاوروبي , ومن شأنه ان يتيح تدفقات لرؤوس الاموال والتكنولوجيا بين البلدان الثلاثة في حرية اكثر”.
اذا كانت المسألة بهذه الحدود فهي ليست معقدة , وانما ان تمتد الى حلف دفاعي , وهذا حق , فهو نسف للجامعة العربية على علاتها , سيما ان الهدف غير المعلن على ما يقول عارفون ببواطن الامور , هو انشاء منظومة اقليمية للدفاع سيما ان الدول الثلاث تعاني من تهديدات امنية وسياسية وامنية ,وستكون في محور يتساند اقتصاديا, لتشابه العلل والمعاناة من البطالة الى الديونية , وعدم الاستقرار السياسي, منذ الاجتياح الاميركي والغربي بالثورات الملونة للدول العربية , وكل حسب وضعه وتركيبته , معطوف هذا الاجتياح على الاجتياح العسكري والامني الاميركي للعراق عام 2003.
من المؤثر ان يطلق على المشروع اسم “الشام الجديد”, ولا تكون الشام الاصيلة موجودة , وهي لا تزال تواجه قطعان الارهاب برعاية غربية , واميركية اولا , وبمساندة وتمويل خليجي والسعودية في المقدمة , والعراق لا يزال يتلقى من ذلك الارهاب كل يوم مأساة او تخريب , او ما تقع عليه يد الارهابيين .
بلا شك ان العراق يحاول ان يلعب دور الوسيط في التقريب بين اثنين من جيرانه , احدهما ساعده في الخلاص من دولة داعش , وقدو التضحيات الجسام , وعلى رأسها الجنرال قاسم سليماني على يد من يدعي صداقة العراق , وهو اميركا , وبين من دعم الارهاب ونثر بذور الفتن المذهبية وألبّ العشائر , وهي السعودية.
من المهم والمشكور ان يكون للعراق دور بناء, في معالجة ازمات المنطقة , ويسجل في دفتر انجازاته بعد تحطم قوائم الارهاب في ارضه بمساعدة ايرانية اولا , وتضحيات الحشد الشعبي اللامتناهية , ودور كوادر ومجاهدي حزب الله , محاولاته لاستعادة دوره في التأثير باتجاهات المنطقة والعالم , من خلال السعي الى فكفكة العقد والمشكلات بين دول الجوار المتصارعة ,اولا , لكن الاهم ان لايكون مجرد وسيط او شاهد لا يتكلم بالحق, ان تكلم ,وان لا تكرر تجربة الجامعة العربية ولو بشكل مصغر , في تمييع القضايا واستهلاك الوقت , بسبب الضغوط الخارجية , وان يغيب عن البال الاهداف الغربية التي تتقدم في حمل لوائها حاليا فرنسا ماكرون , بدفع وترتيب اميركي ,لان الولايات المتحدة غير قادرة على تبوؤ الواجهة بعد كارثتها في افغانستان , وتصدع صورتها في عيون كل من اعتقدها صديقا, وحاميا من الخصوم والاعداء .هذا مع الاشارة الى ان فرنسا كان رأس الحربة في بداية مشروع تدمير سوريا , والسبب هو مشروعات النفط والغاز , وهو ما اعترف به شخصيا عبد الحليم خدام , اثناء لجوئه الى فرنسا بمساعدة سعودية , قبل رحيله عن الدنيا خائنا لوطنه ولتربيته والمراتب التي حازها في حياته السياسية.
ان الهدف المبطن ,هو منع قيام ترابط بين دول يترنح فيها المشروع الاميركي من لبنان الى سوريا الى العراق وصولا الى ايران , سيما ان المكتشفات النفطية في لبنان والبحر اللبناني السوري كميات هائلة , فان الترابط مع العراق بعد اخراج القوات الاميركية من سوريا والعراق نهائيا , سيكون هذا الخط هو المنافس , للخط المصري – الاسرائيلي – القبرصي , اليوناني, وضمنا الاردن .
لذلك فان الولايات المتحدة , ستحاول وتعمل على زرع اسافين , وهي خلف الستار حاليا, لإستثمارها لاحقا , ومن هنا يمكن الالتفات الى المراوغة والتاجيل غير المربوط بموعد بالمفاوضات بشأن الحدود البحرية والبرية اللبنانية .
ان قمة بغداد التي افضل من استثمر فيها حتى الان , هو الرئيس الفرنسي من خلال زيارته التي تعدت القمة ودول الجوار , ووفق برنامج مدروس , وكان له في كل محطة رسالة , لا يمكن ان تغير في حتمية خروج المحتلين اكان مباشرة او بشكل غير مباشر , وليس تمرير ماكرون ان الفرنسيين باقون في العراق بعد رحيل الاميركيين , الا نافذة استعراضية بمفاعيل اقتصادية يراهن عليها , اي بمعنى اخر ملء الفراغ الذي سيتركه الاميركيون بعدما يكتفون من سرقة ما امكن.
هكذا حصل بعد الغزو الاميركي للخليج , وطرد قوات صدام حسين من الكويت , اذ رفض الاميركيون تقاسم الغلة مع الفرنسيين , والاكتفاء بمنحهم فتاتا , ما اغضب حينها الرئيس جاك شيراك , الذي قصد حينها سوريا , وكذلك رئيس وزرائه .
الموقع غير مسؤول عن النص وهو يعبر عن وجهة نظر كاتبه
المصدر: موقع المنار