نص الخطبة
قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).
الصراط في اللغة: الطريق، الجادة, الخط المستقيم، وكلمة المستقيم تعني: المعتدل الذي لا انحراف فيه.
والصراط المستقيم في التعبير القرآني الذي ندعو الله أن يهدينا إليه في هذه الآية وفي غيرها من الآيات: هو دين الله وشريعته ومنهجه الحق، وهو الإسلام الذي يتمثل في اسلام القلب وتسليم القلب والعقل واللسان والحركة والممارسة والكيان كله لله عز وجل.
وعندما نلاحظ الآيات القرآنية التي تحدثت عن الصراط المستقيم، فإننا نجد أن القرآن الكريم عبر عنه بتعابير مختلفة:
عبر عنه مثلاً بأنه الدين القيم ونهج إبراهيم (عليه السلام) الذي هو نهج الإسلام والتوحيد, كما في قوله تعالة من سورة الأنعام: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ 161.
وبين في موضع آخر أن الصراط المستقيم هو رفض عبادة الشيطان، والاتجاه إلى عبادة الله وحده كما في قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن أعبدوني هذا صراط مستقيم) ياسين/ 61و62.
واوضح في موضع ثالث انه أتباع النبي (ص) ورسالته وأوامره ونواهيه، كما في قوله تعالى من سورة الزخرف: (واتبعوني هذا صراط مستقيم) 61. وكذلك في قوله تعالى في سور ة المؤمنون: (وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وان الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) 74.
كما عبر القرآن عن الهداية إلى الصراط المستقيم بأنها الاعتصام بالله والارتباط به, الارتباط الذي يعني السير في خط الإيمان بالله عز وجل وبرسله وبرسالاته, فقال تعالى: (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم).
كما عبر القرآن عن طاعة الله وعن الالتزام بأوامره ونواهيه بالصراط المستقيم, فقال تعالى: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام / 152.
وكل هذه المعاني التي ذكرتها الآيات وعبرت عنها بصور مختلفة تعود الى معنى واحد وهو أن الصراط المستقيم هو دين الله بأبعاده المختلفة الفكرية والعقيدية والتشريعية والعملية،هو الالتزام بهذا الدين الذي نزل على قلب رسول الله محمد وكل الانبياء الذين سبقوه وهو الاسلام.
واذا رجعنا إلى النصوص المروية عن النبي وأهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم) التي تحدثت عن الصراط المستقيم، فإننا نجد أيضاً أنه قد ورد في العديد من الروايات أن المقصود بالصراط المستقيم هو الإسلام, وفي بعض الروايات: إنه القرآن, وفي البعض الآخر: إنه عليُ بن أبي طالب أو الأئمة (عليهم السلام).
وكل هذه المعاني في الحقيقة تعود إلى المعنى الذي ذكرناه وهو دين الله الذي أنزله على رسوله (ص) بابعاده المختلفة، الفكرية والتشريعية والعملية، لأنه من الواضح أن القرآن وعلياً والأئمة (ع) دعوا جميعاً إلى دين التوحيد والإسلام، والالتزام به فكرياً وعملياً، فإذا اهتدينا إلى القرآن وإلى علي وإلى الأئمة فإننا نهتدي إلى الإسلام وإلى الدين الذي أنزله الله على رسوله, وإذا اهتدينا إلى الإسلام فإنه يهدينا إلى الحق وإلى علي والأئمة (عليهم السلام).
ونحن نطلب في اليوم على الاقل عشر مرات من الله خلال صلاتنا أن يهدينا إلى الصراط المستقيم, يعني ان يوفقنا ويلهمنا ويثير في نفوسنا الأفكار والمشاعر والأجواء التي تفتح عقولنا وقلوبنا على الحق والخير والالتزام بالخط الإلهي.
فعندما نقول إهدنا الصراط المستقيم يعني: يا رب وفقنا وارشدنا للسير في الطريق المستقيم من خلال تهيئة وسائل الهداية.
وقد يخطر ببال البعض أن يقول: ما دمنا قد أسلمنا وآمنا فقد حصلت الهداية إلى دين الله الذي هو الصراط المستقيم, فلماذا نطلبها وهي موجودة لدينا؟
ونجيب على ذلك بأمرين:
أولاً: صحيح أن الله سبحانه قد رسم لنا بالإسلام طريق الهداية، وصحيح أنه بعد أن اعتقدنا بالإسلام وآمنا نكون قد اهتدينا، ولكن قلنا بأن الصراط المستقيم هو دين الله والإيمان به, والإيمان له درجات، ومهما سما الإنسان في مراتب الإيمان فإن هناك مراتب ودرجات أخرى أبعد وأرقى وأرفع، والإنسان المؤمن يتطلع دوماً بشوق إلى أن يصل إلى أعلى مراتب الإيمان والعبادة، فيحتاج دائماً إلى أن يستمد العون من الله، وأن يطلب الهداية منه سبحانه حتى يصل إلى الدرجات العليا ويزداد هدى على هدى, فالله تعالى يقول: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى).
ويقول: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ).
وقد صرح أمير المؤمنين (ع) بأن الإيمان والعبادة لله درجات ومراتب فقال (ع): إن قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وان قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وان قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار.
وهو الذي يقول: ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك، ولكني وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك.
الحد الأدنى من العبادة وهو عبادة التجار قد يسقط التكليف ويمنع من العقاب, ولكن قد لا يثاب عليه ولا يفيده شيئاً في إيصاله إلى الهدف الأسمى وهو الحصول على درجات القرب من الله ونيل رضاه, فالعمل الذي يسقط التكليف هو الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل, ثم بقدر إخلاص الإنسان وصدقه في عبادته، وبقدر ما يبذله من جهد بقدر ما يقترب من الدرجات العليا.
فإذا كان الإنسان في درجة ومرتبة عبادية معينة, كما إذا كان يصلي ولكن صلاته لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر، فإنه يحتاج إلى هداية ومعونة اخرى لينتقل منها الى درجة أعلى بحيث تصبح مثلاً صلاته تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ثم إلى درجة أعلى وأوسع وأرحب وأرقى وهكذا.
ووسائل الارتقاء هي: الصبر والإخلاص في العمل، وجهاد النفس، وتحمل المسؤوليات الإلهية.
والخلاصة: إننا بحاجة إلى هدايات إلهية جديدة ومستمرة لنتمكن من الاستمرار بحركتنا تجاه المراحل العليا والمراتب السامية التي ترفعنا إلى درجة عبادة الأحرار, فلا بد من طلب الهداية باستمرار ولا بد من الإلحاح في الطلب بقولنا (إهدنا الصراط المستقيم), هذه نقطة.
والنقطة الثانية: إننا وإن كنا مؤمنين ومسلمين ومهتدين، ولكننا معرضون دائماً بسبب العوامل المضادة، والشهوات والمغريات والأهواء ووساوس الشياطين وزينة الحياة الدنيا، نحن معرضون دوماً وفي كل لحظة إلى خطر الإنحراف عن الطريق المستقيم وترك الالتزام بدين الله وأوامره ونواهيه، والوقوع في المعاصي والذنوب والأخطاء الكبرى, فحاجتنا إلى المعونة وإلى الهداية من الله حاجة قائمة ودائمة، ولذلك فلا بد أن يستمر طلبنا للهداية عشر مرات على الاقل في اليوم حتى نثبت أقدامنا على الصراط المستقيم وحتى لا نسقط أمام التحديات.
أما إذا انقطعنا عن طلب الهداية وأحسسنا بعدم الحاجة إليها، فإننا بذلك نكون قد قطعنا صلتنا بالله واصبحنا هدفاً للأهواء والشهوات والتحديات والضغوط المختلفة .
في زمن التحديات على الانسان ان يعود الى الله وان يلجأ اليه ليهديه ويمنحه الثبات و الصبر والبصيرة التي يقوى من خلالهما على مواجهة الازمات والضغوط المختلفة.
واليوم المطلوب في مواجهة الحرب الاقتصادية والحرب الاعلامية والنفسية وحملات التحريض: اولا الثقة بحزب الله وقيادته وعدم التأثر بالاتهامات والشائعات والدعايات الكاذبة. وثانيا الانتباه الى ان هدف الاعداء استغلال الازمة المعيشية والضغط النفسي الذي يعيشه الناس للنفاذ من خلال ذلك الى عقول الناس ومشاعرهم لتحريضهم على قياداتهم وخياراتهم من الان والى الانتخابات النيابية لعلهم في الانتخابات يستطيعون اسقاط الاكثرية النيابية الحالية والاتيان باكثرية من جماعتهم وادواتهم في لبنان من منظمات وجمعيات ngo,s وغيرها المرتبطة بالسفارات مباشرة. وثالثا الالتفات الى ان الازمات مهما كبرت واشتدت ستنفرج إن احسنا العمل وتماسكنا وتوكلنا على الله سبحانه واحسنا الظن بوعده بالنصر.
علمتنا كل التجارب السابقة ان الضغوط والتحديات التي استهدفت المقاومة ومجتمعها فشلت وهذه الحرب الجديدة التي تأخذ ابعادا اقتصادية ومعيشية وتطال لقمة عيش الناس وحياتهم ستفشل انشالله لكن تحتاج الى المزيد من العمل والوعي والبصيرة والصبر والتحمل والتماسك وسعة الصدر.
اليوم الولايات المتحدة الامريكية تستغل الازمة الاقتصادية والمالية والمعيشية في لبنان للامساك بلبنان واعادة السيطرة عليه وتحقيق اهدافها المعروفة فيه .
تحرك السفيرة الامريكية السريع بعد كلام سماحة الامين العام بالامس أهدافه وغاياته واضحة وهي عرقلة ومنع وصول اي مساعدات للشعب اللبناني الا عبر البوابة الامريكية لابقاء لبنان تحت ضغط الازمات والحصار والعقوبات والاذلال.
وادعاءات السفيرة بانها تتحرك لمساعدة لبنان لن تغير من حقيقة ان اميركا هي سبب رئيسي في كل ما يعاني منه اللبنانيون.
يجب ان يعرف اللبنانيون ان اميركا التي منعت لبنان من استخراج النفط والغاز ومن التوجه شرقا وحمت الفاسدين والفاشلين الذين خربوا البلد هي عدوهم الاول وهي من يحاصرهم ويذلهم امام محطات الوقود وهي من يفاقم من ازماتهم من خلال وضع الفيتوات وفرض الشروط.
نحن في حزب الله سنستمر في تحمل مسؤولياتنا تجاه شعبنا واهلنا ولن نصغي لكل هذا الصراخ الذي يطلقه البعض حول الباخرة الايرانية، ولا لكل الذين يتباكون على السيادة وهم اول من فرط بها، ولم نسمع منهم اي كلمة على انتهاك الطائرات الاسرائيلية بالامس للسيادة اللبنانية والاعتداء على سوريا من الاجواء اللبنانية بينما لم يهدأ خوفهم على السيادة من الباخرة الايرانية .
نحن سنستمر في تحمل مسؤولياتنا ولدينا اولويتان الاولى، اولوية تشكيل الحكومة باعتبارها المدخل الضروري والملح لوقف الانهيارونحن نقوم بجهود مناسبة لتسريع التشكيل وتذليل العقبات. والثانية المساعدة بكل ما نملك من امكانات وقدرات لمواجهة الازمات المتعددة سواء بشكل مباشر او عبر مؤسسات الدولة ووزارتها، وسنقوم بكل جهد ممكن على الصعيد الاجتماعي والغذائي والصحي وعلى صعيد تأمين المحروقات للتخفيف من معاناة الناس .
المصدر: موقع المنار