في ذروة الازمة الداخلية اللبنانية غير المسبوقة، حكوميا واقتصاديا وماليا واجتماعيا، وبالتأكيد ثقافيا ، عادت مسألة الفوضى من ضمن مسار ما سمي ب “الفوضى الخلاقة” لتكون في الصدارة، لكن هذه المرة بوقاحة اشد من سابقاتها على المستوى الخارجي, اكان اسرائيليا ام سعوديا ام غربيا وفي المقدمة الولايات المتحدة الاميركية، منشأ الفكرة المذكورة .
ان الهدف الرئيسي لا بل الوحيد ، هوليس فقط سلاح المقاومة الذي اذل المحتل، وانما المقاومة كثقافة وطنية اثبتت نجاعتها في مواجهة الاحتلال ، ومن وراء الاحتلال وادوات الاحتلال على المستوى الداخلي، الذين ينطلقون من مفاهيم استسلامية وتبعية عمياء، واولئك يرددون بغباء وباصرار على الغباء الذي تحول وظيفة سامة، ما ينطق به اعداء لبنان، قاعدتهم التبريرية – ان الزمن تغير والاحتلال واقع والكرامة الوطنية مجرد سلعة يمكن عرضها للبيع، ولمن يدفع.
ليس من الضرورة التوقف عند معظم الاحداث التي عصفت بالساحة اللبنانية في الايام الاخيرة وكادت ان تحول البلاد الى اشبه بحمام دم ، لولا الحكمة التي تتمتع بها قيادات وطنية حقيقية وفي طليعتها قيادة المقاومة التي طالما عضت على الجراح,علّ هناك من يتعظ ، لكن ما حدث جنوبا، مع التحضير لمجرياته ، معطوفا على دعوات الاقتتال المباشرة وغير المباشرة، والمصحوبة ببروباغندا غوبلزية يستوجب التوقف مليا.
قبيل الغارات الجوية الاسرائيلية بسويعات قليلة، على منطقتي الدمشقية والشواكير انهت قوات الاحتلال مناورات على طول خط المواجهة مع لبنان – الحدود اللبنانية – الفلسطينية,اي من الناقورة الى العرقوب تحاكي حربا على لبنان. وقال المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي حينها ان “التدريب الذي يُعرف باسم أشعة الشمس، هدفه فحص جاهزية قوات الجيش الإسرائيلي ومدى استعدادها لأيام قتالية محتملة على الحدود مع لبنان”. وإن “التدريب يأخذ بعين الاعتبار كافة العِبَر من العمليات العسكرية السابقة، مع التشديد على استنتاجات حملة حارس الأسوار،( سيف القدس) كجزء من التحقيق، وتبادل المعلومات مع فرقة غزة .وقد سبقت هذه المناورات مثيلا لها قبل 3 اشهر كانت الاكبر منذ هزيمة الاحتلال عام 2006المناورات الاخيرة تزامنت مع دعوة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان للعبث في لبنان جراء التخبط السعودي وقال حرفيا “نحث السياسيين اللبنانيين على مواجهة سلوك الحزب”.
بالطبع نفذت الادوات المحلية التعليمات خطابيا من ضمن عملية توتير الاوضاع , المطلوبة اميركيا واسرائيليا وسعوديا , فخرج كل الذين لهم تاريخ في العلاقات الحميمية والوظيفية مع اسرائيل، ليهاجموا المقاومة وسلاحها , ولا سيما اولئك الذين بكوا حسرة على هزيمة الاحتلال عام 2006 وانتصار المقاومة التي فرضت معادلة واضحة , اي اعتداء سيواجه بما تراه المقاومة متناسبا . اما سليلو الفكر الراضخ ، الدونيون امام اسرائيل ومال السلاطين الذين يتلطون بشعارات الحياد ويرفضون مقاومة المحتل ، وهم انفسهم ادعياء سيادة بعثرت اشلاءها كل يوم خروقات الاحتلال والتدخلات الاميركية في تفاصيل عمل وادارة المؤسسات كلها وتضع فيتو على كل ما لايروق مزاج السفيرة والسفارة وتحاصر هذا وتعاقب ذاك .هؤلاء الذين يصمتون عن كل تلك الموبقات ، تراهم شحذوا سكاكينهم , واعتبروا ان اللحظة نضجت، وليكن ما يكون . ليس من العبث ان يردد قادة الاحتلال ما استنتجه مركز دراسات الامن القومي الاسرائيلي بان على اسرائيل ان تقدم الدعم والتشجيع للقوى التي تواجه حزب الله في لبنان ,وان يخلص رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينت للقول “هناك صحوة مهمة جدا في الجانب اللبناني، يعبر عنها الكثير من المواطنين ضد حزب الله والتدخل الإيراني في البلاد.
ان اكثر المدركين بان “الحرب بالنظارات سهلة ” هم قادة الاحتلال واستراتيجيوه، الذين كانت اخر تجربة لهم منذ ايام ، من خلال محاولة تغيير قواعد الاشتباك التي ارستها المقاومة عام 2006 ،ولم تكن حينها بالقدرات الموجودة حاليا ، وقد افشلت المقاومة بوجبة صاروخية المرامي الاسرائيلية ليطلب الاحتلال الهدوء مقابل الهدوء وليستنجد قادة الاحتلال بالولايات المتحدة الاميركية لمنع اطلاق صواريخ من لبنان، بينما شذاذ الافاق يواظبون على اداء وظيفتهم بغلو الغيظ .
لقد ترسخ اكثر فاكثر لدى قادة الاحتلال بعد فشل تغيير قواعد الاشتباك الاخيرة ان طبيعة حسابات الحرب إذا ما قورنت بحرب عام 2006 ليست مسألة وجهة نظر , او اخطاء فقط في التقدير. فالحرب القادمة ستكون “حرب وجود ، لاسيما أن مغامرة إسرائيل بخوضها تعني أن عليها الاستعداد لحرب مفتوحة على جبهات عدة ،اي حرب اقليمية سينخرط فيها كل من يرفض الاحتلال والفكر الصهيوني والمتصهين ,وهناك عدة مؤشرات يجب وضعها في الاعتبار، منها أن نتائج معركة سيف القدس التي كشفت عن إخفاقات كبيرة في الجانب الإسرائيلي، ولا يتعلق الأمر فقط بمنظومة الدفاع المتعددة الطبقات أو “القبة الحديدية”، ولكن يتصل بتأثير هذا الإخفاق تحديداً على الجبهة الداخلية الإسرائيلية على نحو سيجعل إسرائيل تفكر كثيراً قبل خوض أى معركة على الجبهة الشمالية. وعليه فان على اصحاب الرؤؤس الحامية ، الذين قاربوا الفجور ان يغادورا الرهانات الحمقاء ، التي سبق ان جربوها ودفعوا الاثمان. فالحقد دوما ما ينهي حامله.
الموقع غير مسؤول عن النص وهو يعبر عن وجهة نظر كاتبه
المصدر: خاص