بعنوان “الليطاني.. شريان الحياة” أطلق “اليوم الوطني لحماية حوض نهر الليطاني”، في حفل نظمته “اللجنة الوطنية لحماية حوض الليطاني” برعاية وحضور رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام، وحضور حشد كبير من السياسيين ومهتمين.
والواقع يدلل ان الليطاني يحتاج اليوم بشكل عاجل الى إعلان حالة طوارئ لانقاذه مما هو فيه ومما يعانيه نتيجة السياسات السيئة التي درجت على اتباعها الدولة اللبنانية والحكومات المتعاقبة عبر المؤسسات المعنية بمجرى الليطاني وسد القرعون، وما النتيجة التي يعيشها الليطاني اليوم سوى صورة عن حال البلد في مختلف المجالات وليس الامر يتعلق بمسألة بيئية او زراعية او سياحية فقط، فالامر أكبر وأشمل.
الوضع كارثي.. ولكن؟!
وقد تناول الرئيس سلام في كلمته الجمعة 30-9-2016 خلال إطلاق “اليوم الوطني لحماية حوض نهر الليطاني” في الحفل الذي نظم في قصر “الأونيسكو” في بيروت، مسائل عديدة تدل على حال الدولة ومؤسساتها في لبنان، حيث قال إن “الوضع الكارثي الذي بلغه نهر الليطاني هو تعبير صارخ عن استضعاف الدولة وضمور هيبتها في تجاوز متماد للقوانين الناظمة لحياة الناس”، وعطفا على وصفه حال البلد أوضح سلام ان “الحكومة باتت مصبا لنهر جارف من المشاكل تتدفق عليها العرقلة من كل حدب وصوب.. فكيف للحلول أن تنبع منها؟”.
والحقيقة أن الحكومة الحالية يبدو أنها أعجز من ان تحل مشاكل قد تعتبرها كبيرة كمشكلة الليطاني، طالما هي عاجزة عن حل مسائل أبسط وأسهل من ذلك بكثير كملف النفايات او كإقرار قانون من هنا او مرسوم من هناك وصولا للأزمات الكبرى المتعلقة برئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب والميثاقية بين اللبنانيين.
هذه المسائل “الكبرى” اعتبرها الرئيس سلام مدخلا اساسيا لتصحيح الوضع القائم – سواء بالنسبة لليطاني والقرعون او لغيرها – ورأى انه يجب انتخاب رئيس للجمهورية وتفعيل مجلس النواب وانتظام عمل المؤسسات، إلا ان كل ذلك هو كلام جيد وجميل ولكن كيف يتم صرفه فعليا؟ وبالتالي أي عمل سيجري لتنظيف مجرى الليطاني وتطهيره من آفة التلوث التي تصيبه وبحيرة القرعون طالما ان الامور معلقة في البلد باعتراف رئيس الحكومة؟
أين اصبحت متابعة ملف الليطاني؟
وبالتالي كيف يستوي الاقرار ان الحكومة عاجزة عن ان تصدر الحلول بينما يوقع لبنان عبر حكومته والوزراء على هبات وقروض تقدمها جهات عديدة، وبالتأكيد سيتم ردها مع فوائدها من جيب المواطن اللبناني، فلماذا الحكومة عاجزة عن إيجاد الحلول بينما هي قادرة على “الاستدانة” او التوقيع على قروض(بانتظار اقرارها من قبل البرلمان) خاصة ان مسألة قبول الهبات تطرح اشكاليات قانونية ودستورية تتعلق بالجهة التي تقبلها في ظل غياب رئيس للجمهورية.
أضف الى كل ذلك، ماذا فعلت المؤسسات الرسمية غير طلب الاموال من الخارج لاصلاح ما افسده اناس معروفون في مجرى الليطاني؟ هل حصلت متابعات وملاحقات لمن ارتكب جرم تلويث النهر وبحيرة القرعون؟ هل تمت متابعة التحقيقات بشأن ذلك ووصلت الى نتائج معينة ولماذا لا يتم وضع عامة الناس في أجواء كل ما جرى ويجري؟ خاصة ان مصادر تلويث النهر والبحيرة معروفة وغير مخفية على احد، فكيف إذا أرادت الدولة بمؤسساتها القضائية والامنية معرفة ذلك؟ ام ان الامور تتم كما غيرها على الطريقة اللبنانية بحيث يعرف مصدر الضرر ويترك نظرا لوجود تغطية معينة على بعض الاشخاص؟
حول كل ذلك، لفت الكاتب والناشط اللبناني بسام القنطار الى ان “الدولة اللبنانية عبر الحكومة الحالية تعترف بالواقع الراهن وإطلاق يوم التضامن مع الليطاني هو بمثابة تعهد بإزالة التلوث وتغيير الواقع الصعب”، واضاف “لكن لا شيء يجزم بأن هذا الامر سيتم وان الدولة ستقوم بذلك وستنجح به اذا ما قررت فعلا الخوض في هذا المجال”.
التكاليف باهظة.. والامور لن تتم بكبسة زر!!
وأشار القنطار في حديث لموقع “قناة المنار” الى ان “الامر يتطلب تكاليف باهظة بالاضافة الى وجود التزامات يجب تأديتها على عدد من الجهات سواء من قبل الدولة ومؤسساتها او البلديات او حتى المصانع والشركات وبشكل عام كافة الملوثين ناهيك عن السواد الأعظم من الناس الذين يجب ان يدركوا ان المسألة في غاية الخطورة”، وأوضح ان “المسألة لن تتم بكبسة زر بل لدينا استحقاق كبير في هذا المجال”.
واعتبر القنطار ان “التقرير الذي يقوم بإعداده المدعي العام المالي في لبنان حول الانتهاكات والتجاوزات الحاصلة في ملف تلوث الليطاني يظهر حجم المشكلة ومدى عمق الأزمة وامتدادها لسنوات”، ولفت الى ان “الثقافة البيئية غير موجودة لدى الناس ولدى الكثير من المسؤولين ايضا”، ودعا “لنشر التوعية بشكل عام في البلد واقناع الجميع بقبول الحلول الجذرية لتغيير الواقع وعدم رفضها لاسباب متعددة”.
وقال القنطار إن “الحكومة تحاول تحريك الامور على صعيد محاولة الحصول على الاموال اللازمة لتنفيذ المشاريع سواء فيما يتعلق بالليطاني او لاقامة السدود المائية”، واكد ان “ملف نهر الليطاني له الأولوية اليوم لدى الدولة وايضا لدى الجهات المانحة”، ولفت الى ان “الاموال ستدفع على اجزاء إلا ان هناك الكثير من الصعوبات التي تواجه الوصول الى نتائج مرضية في هذا المجال”، وقد عدّد بعضا من هذه العقبات: كحسن تنفيذ المشاريع، هوية الجهات التي ستقوم بالتنفيذ، امكانية حصول رقابة فعالة في هذا المجال وكيفية صرف الاموال التي ستصل الى لبنان، مؤكدا انه غير متفائل.
فالليطاني يستغيث بل هو يحتضر في ظل هذه الامراض والملوثات التي تنخر في جسده وكيان البيئة في لبنان، وهذه الاخطار تتطلب العمل المضني والمستمر لمواجهتها لانها تحمل معها نتائج كارثية على المجتمع والاجيال القادمة على مختلف المجالات، لذلك لا يكفي فقط اثارة الملف اعلاميا واقامة المؤامرات والندوات رغم أهميتها، إنما يجب التحرك سريعا بخطوات عملية على الارض لانقاذ الليطاني كي يعود فعلا شريان الحياة في لبنان.
المصدر: موقع المنار