بات واضحا من طريقة تعاطي الولايات المتحدة مع الاتفاق الاميركي الروسي عدم الجدية وعدم وجود الارادة في ما سمي فصل الارهابيين عن ما يسمى المعارضة المعتدلة وجاء التصرف الميداني العدواني ليدل على ارادة بنسف الهدنة، لكن رغم ذلك سارعت واشنطن الى القول ان الهدنة “لم تمت”، وفي ذلك مؤشر الى عدم الرغبة في نسف الاتفاق من اساسه، ولكن ابقائه في اطار المراوحة وصعوبات التنفيذ كسباً للمزيد من الوقت في اطار انتظار ترتيب البيت الاميركي الداخلي وما سترسو عليه الانتخابات، وتخفيف الضغط عن المسلحين الذين لن يكسبوا اي تغييرات ميدانية استراتيجية لصالحهم .
تعامت واشنطن عن الخروقات بالمئات التي كانت تنفذها الجماعات المسلحة بينما دمشق لم تنفذ اي هجوم على المسلحين و لا اي غارة على مسلحي حلب وغير حلب وهو ما تظهره الوقائع الدامغة، بل ذهبت واشنطن ابعد من ذلك عبر ضرب الجيش السوري ثم ابعد عبر اتهام روسيا وسوريا بغارات على قافلة مساعدات دون ان يكون لديها اي دليل بل ان روسيا قدمت ادلة مضادة تدعم واقع ان الحلف الاميركي له دور بالهجوم.
بموازاة الموقف الاميركي الازدواجي ما بين ضرب الهدنة واعلان انها لم تمت، اتى موقف روسي اليوم يشير الى ان موسكو لن تتنصل من اتفاقها مع اميركا وقال سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، أن الخطة المشتركة بشأن التسوية السورية، تبقى السبيل الوحيد لحل الأزمة السورية.
لكن ماذا عن المرحلة المقبلة؟ برأي موسكو هناك حاجة للتفاوض الاضافي مع واشنطن لاعادة تفعيل الاتفاق “وبحث كل ما يمكن اتخاذه لدعم الاتفاقات التي تم التوصل إليها”.
اتى هذا الموقف الروسي حول عدم التخلي عن الاتفاق لمحاولة تفادي استمرار اتهام روسيا بضرب الاتفاق في محاولة لرمي كرة في ملعب الروس وخاصة في ظل اتهام موسكو ودمشق بانها ضربت قافلة للمساعدات واتت بعدها التصريحات الاميركية التي تقول اننا بعد هذه التطورات نريد اعادة النظر في التعاون مع موسكو في سوريا ، في اطار الضغوط على موسكو.
لكن اميركا تعرف انها لا يمكن ان تتخلى عن الدور الروسي في سوريا واتت هذه التصريحات لرفع السقف فقط وتحقيق مكاسب والتعمية ايضا على الدور السلبي لاميركا والفصائل المدعومة منها في ضرب الهدنة.
وجاء في هذا الاطار الموقف الاميركي الذي يطلب وقف الغارات الروسية او السورية فوق الشمال السوري في اطار الضغط لمزيد من المكاسب والتهويل بنسف الاتفاق، ولكن جاء الرد الروسي الرافض ليقطع الطريق على هذا الطلب، وقالت الخارجية الروسية ان الخطة الأميركية لإنشاء منطقة حظر جوي ووقف غارات الطيران الروسي في عدة مناطق سورية باطلة وتثير تساؤلات.
لقد لاحظنا ان الاعلام الغربي تحدث عن الدور الاميركي السلبي ازاء الاتفاق الروسي الاميركي وازاء الهدنة. وما نشرته صحيفة “The Daily Beast” يشير إلى أن ما كانت تريده واشنطن من خلال الاتفاق مع روسيا حول الهدنة هو تجميد القتال والبدء في إدارة الأزمة السورية وليس البحث عن حل. وقالت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن ضرب الجيش الأمريكي القوات السورية، يمثل صفعة لاتفاق الهدنة،. وبدورها مجلة ناشونال إنترست، قالت ان الغارات الأمريكية الأخيرة جعل من الصعوبة بمكان تطبيق اتفاق وان الغارات تزيد تسميم أجواء انعدام ثقة بين الولايات المتحدة وروسيا.
في اخر مقابلة للرئيس السوري بشار الأسد، كان الموقف واضحا ان حكومته أعلنت استعدادها للالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، في الوقت الذي صرّحت فيه “أميركا والمجموعات الإرهابية وتركيا والسعودية علناً أنهم غير ملتزمين”.
واتهم الأسد، الولايات المتحدة بأنها “لا تمتلك الإرادة للعمل ضد النصرة أو داعش، لاعتقادها أنهم ورقة في يدها تستطيع استعمالها لتحقيق أجندتها الخاصة”.
وحول الاتفاق الروسي الاميركي رأى الأسد أنه نظرياً هناك إمكانية لتعاون روسي أميركي لمواجهة الإرهاب في سوريا، إلا أن ذلك لا يتحقق على الأرض بسبب عدم جدية واشنطن في مواجهة الإرهاب.
لقد كان من اللافت ايضا بموازاة ايام الهدنة الدور الذي لعبه بعض الاعلام العربي المعروف التوجهات في محاولة التضليل الرأي العام والقول ان سوريا تضرب الهدنة وتمنع المساعدات وقرأنا عناوين مثل :لليوم السادس.. شاحنات مساعدات عالقة على حدود سوريا، ثم جاء موضوع ضرب قافلة المساعدات لنقرأ في مواقع الكترونية خليجية: قصف قافلة إغاثة متجهة إلى حلب.. وأميركا ساخطة. وعنوانا اخر مثل قصف عنيف بحلب والنظام يستهدف قافلة إغاثة.. كل ذلك تماهى مع التضليل الاميركي المستمر وحرف الانظار عن الادوار المشبوهة.
المصدر: موقع المنار