نتناول من زاوية لبنانية وعربية فقط، موضوع تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني من جانب الإمارات والبحرين، الذي بدا وكأنه ورقة إنتخابية لصالح ترامب في صندوق الإنتخابات الأميركية من جهة، وورقة على بياض لبنيامين نتانياهو يعتمدها في مواجهته السياسية الداخلية مع حزب “أزرق أبيض” من جهة أخرى، وليس غريباً على بعض الأنظمة الخليجية أن تكون أدوات، وتاريخ ما تُسمَّى دول عرب الإعتدال، قد وسمته ووصمته العمالة منذ عقود، سواء من تحت الطاولة أو فوقها، ما دامت العروش العائلية مُصانة، لكن المُضحِك، أن كل أشكال التطبيع التي حصلت والتي قد تحصل، يُعلن مرتكبوها أنها لخدمة القضية الفلسطينية، وارتكاباتهم هذه، نتركها برسم شعوب عربية، سيما وأن جامعة الدول العربية باتت كما “وكالة من غير بوَّاب” ومحتوياتها برسم البيع.
لعل أبرز ما تمّ قوله في عملية التطبيع هذه، ما أدلى به ويتباهى دونالد ترامب، أن عمليتيّ تطبيع بين العرب وإسرائيل حصلتا خلال 74 عاماً (مصر والأردن)، وأن العمليتين الحاليتين (الإمارات والبحرين) حصلتا بمهلة أسبوع، وهذا القول لا يعكس فقط رغبة ترامب بالمزايدة على أسلافه الذين توالوا على البيت الأبيض، ولا على خصمه الإنتخابي الحالي جو بايدن، بل أيضاً يعكس أحوال العرب السائرة نحو الإنهيار من خلال أنظمة جاهزة للعمالة غُبّ الطلب.
كل ما نطقت به معظم الزعامات العربية، مُتوافَق عليه: أن التطبيع بين أية دولة عربية وإسرائيل مسألة سيادية وشأن داخلي ضمن كل دولة، في محاولةٍ لإستمرار ما بقي من ودّ العلاقات والمصالح بين هذه الدول، ورسالة مُرَمَّزة الى كيان العدو ربما لمزيد من عمليات التطبيع القادمة، طالما أن سُبحة الجامعة العربية قد انقطع خيط ترابطها، ولكن، ماذا عن ميثاق الجامعة العربية في بنوده “النضالية” والسياسية والإقتصادية والقضية الأساس التي هي فلسطين؟ هنا يأتي الجواب من رئيس الوزراء الباكستاني الذي قال: لا أهمية لأي تطبيع مع إسرائيل ما دام أهل الشأن “الفلسطيني” غيرراضين عنه.
إن الحال التي بلغتها دول “الإعتدال العربي”، والإعتزال العربي عن الدور القومي، يستلزم ليس فقط تمزيق ميثاق جامعة الدول العربية ودفنه أو”تحنيطه”، لأن قِمَم الكلام العربية التي كانت مقرراتها لا تساوي الحبر الذي كُتبت به، لا نرى داعياً لإستمرارها، وسط عصر إنحطاط فكري وقومي وسياسي لم يبلغه العرب منذ النكبة، وقد يكون لبنان الأقل حاجة لهكذا جامعة تآمرت عليه وتواطأت مع الأعداء في أحلك الظروف التي واجه فيها العدوان.
قدر لبنان، أنه ليس فقط دولة مواجهة، وليس فقط يستضيف لاجئين فلسطينيين تُعرقل عمليات التطبيع العربية حق عودتهم الى بلادهم، سواء عبر صفقة القرن المشبوهة أو من خلال إقامة العلاقات مع هذا الكيان الغاصب، بل أن قدر لبنان أن يواجه مع دول محور المقاومة، من أجل أرضه المحتلة التي لا تُعيدها لا قرارات أمم متحدة ولا بيانات جامعة عربية، إضافة الى حقوق الدفاع عن النفس من الإنتهاكات، وحماية الثروات المائية والنفطية، تُضاف إليها مخاطر إقتصادية استجدَّت خلال 24 ساعة من عملية التطبيع المشؤومة، حين عرضت شركة إسرائيلية على الإمارات، التعاون في تشغيل المرافىء بين شركة موانىء دبي وميناء إيلات، ونحن ما زلنا ننتظر قضاءً يُفصح لنا عن هوية من دمروا مرفأ بيروت، ومن هنا يجب أن نقرأ تداعيات ما ينتظرنا نحن اللبنانيين من عمليات التطويق الإقليمي الناشئة عن التطبيع العربي!!
المصدر: موقع المنار