التدخل السياسي في عمل القضاء اللبناني الى الواجهة من جديد وهذه المرة من بوابة الضغط الذي مارسه وبصراحة وزيرا الداخلية نهاد المشنوق والعدل اشرف ريفي لمنع إبقاء “المفتي السابق لمنطقة راشيا” بسام الطراس موقوفا من قبل الامن العام اللبناني.
ورغم ان الطراس ليس متهما حتى اللحظة وانما هو مشتبه فيه لورود اسمه في التحقيقات حول تفجيرات زحلة الارهابية، التي تولاها الامن العام اللبناني، إلا ان التدخل السياسي في عمل الاجهزة الامنية والقضاء أثار العديد من التساؤلات بخصوص قيام من يفترض بهم ان يكونوا حماة القانون والقضاء بتقديم الدعم لمن يشتبه بضلوعه في عمليات ارهابية في زحلة او غيرها، ما استدعى ردا جديا ووطنيا عاليا من قبل المديرية العامة للامن العام التي رفضت في بيان لها زجها في المزايدات الطائفية والسياسية.
والضغط لاطلاق الطراس أعاد الى الذاكرة حوادث مماثلة سبق ان تورط فيها بعض من اهل السياسة في لبنان، على سبيل المثال إطلاق سراح الارهابي شادي مولوي والتدخلات السياسية والدينية لاطلاق الارهابي سراج الدين زريقات، ولا يمكن نسيان التهاون والتسهيل المقصود او غير القصود لعمل الارهابي احمد الاسير، ليتبين مع مرور الايام ان كل من سبق ذكرهم هم من القيادات الارهابية الوازنة وثبت تورطهم في العديد من الاعتداءات والتفجيرات التي هزت الامن والاستقرار اللبناني، واليوم تعود بنا الايام الى نفس “السيناريو” حيث يقوم نفس الفريق السياسي بذات الاسلوب من الضغط على الامن والقضاء وتبرير هذا التدخل بأسباب طائفية ومذهبية ما أنزل الله بها من سلطان.
“العبور” بالدولة والمؤسسات..
هذا الاداء لما تبقى من فريق “14 آذار” وبالتحديد “تيار المستقبل” لا يتماهى مع ما يدعيه هؤلاء من حرص على الدستور والمؤسسات، بل هو أداء يؤكد عبور “التيار الازرق” ومن معه بالدولة والقانون والمؤسسات ويبين ان “المستقبل” يعرقل عمل الدولة ويعطل الاستحقاقات.
حول ذلك، اشار الكاتب والمحلل السياسي غالب قنديل الى ان “تقديم الحماية من قبل تيار المستقبل لرموز الارهاب هو تكملة للدور التعطيلي الذي يقوم به التيار في الحياة العامة اللبنانية”، ونبه من ان “هناك خلل خطير في لبنان بتمثل بوجود هيمنة لتيار المستقبل على مفاصل مهمة في مؤسسات الدولة سواء في الادارة او القضاء او في بعض الاجهزة الامنية”.
واشار قنديل في حديث لموقع “قناة المنار” الى ان هناك بعض الجزر الخاصة والمجالس التي تعمل خارج إطار ومنطق الدولة وهي جزر تعمل لحساب تيار المستقبل”، وتابع “لتيار المستقبل محميات امنية وادارية ضمن الدولة اللبنانية ويجب إنهاء هذا الوضع الشاذ عبر اتفاقات وطنية وفق السلة الشاملة لتغيير الواقع الحالي وإلغاء هيمنة تيار المستقبل على بعض المفاصل وتغليب منطق الدولة بدل القيام بعض الموظفين بتنفيذ سياسات تيار او فريق معين”.
وبالنسبة للدور الذي يلعبه “تيار المستقبل” على الساحة اللبنانية، لفت قنديل الى ان “المستقبل يوظف قدراته وقوته لتعطيل اي تقدم الى الامام في لبنان”، واوضح انه “في ملف الاستحقاق الرئاسي حاول المستقبل بكل امكاناته لقطع الطريق على وصول العماد ميشال عون وحكم على الاستحقاق بالوصول الى طريق مسدود”، وتابع ان “المستقبل يعرف ماذا يفعل في هذا المجال لانه يخشى من التغيير الذي تطالب به العديد من القوى في المجتمع اللبناني”.
وقال قنديل إن “من عناوين التعطيل الاخطر لتيار المستقبل في لبنان هو منعه اقرار قانون جديد وعصري للانتخاب فقط لان المستقبل يرفض النسبية”، واضاف “بهذا المعنى كل المؤسسات الدستورية والدولة واستمراريتها في خطر لان المستقبل يرفض الاستجابة لمنطق الحياة”، ولفت الى انه “في كل دول العالم الوضع ذاهب لاعتماد النسبية فكيف اذا تعلق الامر بالمجتمع اللبناني حيث التعدد والتنوع السياسي والثقافي والديني”، ورأى ان “في هذه التركيبة الخاصة للبنان لا علاج إلا النسبية للوصول الى الاستقرار السياسي العام”، وتاببع “بالقياس على هذا التعطيل يمكن الاشارة الى مسائل اقتصادية عديدة منها سلسلة الرتب والرواتب وكلها تكرس تعطيل المستقبل لاي اصلاح اجتماعي او حياتي قد يوصل الى الاستقرار في لبنان على مختلف المستويات”.
الانهيار آتٍ؟!
“كل القوى السياسية الحية مسؤولة للضغط على تيار المستقبل لخلق مناخ يفتح الانسداد الذي يتسبب به في البلد، وإلا فإن الوضع يتجه نحو الانهيار”، أكد قنديل، ولفت الى انه “لدينا بعد عدة اشهر موعد إجراء الانتخابات النيابية وحتى اللحظة لم يتم إعداد أي قانون جديد للانتخاب”، سائلا “هل المطلوب الوصول لاتمام الانتخابات على اساس قانون الستين ام ان الهدف هو الوصول الى تمديد جديد لمجلس النواب؟”، جازما ان “المستقبل يسعى للتمديد لانه يخشى حصول انتكاسات عديدة اذا ما حصلت الانتخابات حتى على اساس قانون الستين”.
وحذّر قنديل ان “تيار المستقبل يناور في ملف الاستحقاق الرئاسي عبر الايحاء بإمكانية حصول طروحات جديدة تتعلق بالاسماء في محاولة منه لكسب الوقت وتمريره وصولا لموعد اجراء الانتخابات النيابية بالاضافة الى رهان التيار على الخارج عبر السعودية وامكانية حصول اي تغيير في المنطقة قد يوصله الى إحداث تغييرات محلية داخلية”، مؤكدا ان “هذا الامر مستحيل لان ميزان القوى اليوم وفي الفترة المنظورة مستقبلا يميل لصالح روسيا ومحور المقاومة”.
اعادة الاعتبار للدولة..
واقع صعب يهدد الدولة والكيان في لبنان جراء تعنت البعض ورفض الشراكة الوطنية والعيش المشترك بين اللبنانيين وإعطاء كل فريق حقه، واقع يجعل “التيار الوطني الحر” اكثر تمسكا بمطالبه الساعية لاعادة الاعتبار للدولة من خلال اتمام الاستحقاق الرئاسي واقرار قانون الانتخاب بـ”معايير ميثاقية”، كشرطين ثابتين لوقف التحركات المرتقبة للتيار.
فقد اعلن “التيار الوطني” شروطه ومشى، وقال في بيان بعد الاجتماع الاسبوعي لتكتل “التغيير والاصلاح” النيابي برئاسة النائب العماد ميشال عون “من يرغب بنا يأتي إلينا بالحلول الميثاقية وليس بأي حل سلطوي..”، وهنا ستطرح العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول من الذي سيقوم بلعب دور “صانع المبادرات” بعد تمنع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن لعب هذه المهمة؟ وهل سيأخذ طرف آخر على عاتقه امكانية طرح مبادرات او مخارج للازمة الراهنة؟ وهنا يمكن تسجيل محاولات “حرتقة” يقوم بها رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع على اي فرصة للتقارب او التوافق بين مختلف الاطراف.
تساؤلات عديدة قد تحتاج لفترة من الزمن بانتظار عودة البعض الى لبنان قلبا وقالبا وفك ارتباطهم ببعض الدول الاقليمية التي يبدو الرهان على خياراتها خاسرا حتما لان معظم مشاريعها ومخططاتها الاقليمية تصاب بانتكاسات كبرى.
المصدر: موقع المنار