وزع النائب فيصل كرامي الكلمة التي القاها خلال اللقاء الحواري حول خطة الحكومة الاقتصادية الذي عقد في قصر بعبدا وقال فيها:”بداية اتوجه بالشكر الى فخامة الرئيس الذي دعا الى هذا اللقاء، وطبعا هو لقاء يؤكد على فكرة المسؤولية الجماعية لدى كل اللبنانيين حيال المفترقات والتحديات الجديدة التي علينا ان نواجهها.ارى ان هذا اللقاء وهو طبعا ذو طابع تشاوري، خطوة اولى نحو مسار دستوري يجب ان يقودنا الى المجلس النيابي، لمناقشة وتعديل واقرار اي خطط مستقبلية تتعلق بمواجهة الازمة السياسية والاقتصادية الراهنة، وهنا لا بد ان نحيي الحكومة على الجهد المبذول وفي وقت قياسي نسبيا لتقديم خطة ورؤية انقاذية”.
اضاف كرامي:”قد لا تكون هذه الحكومة تحديدا مسؤولة عن السياسات المالية والاقتصادية السابقة التي اوصلت البلاد الى هذه الازمة الكبرى، لكن هذا لا يعفي الحكومة، ولا يعفينا جميعا من المسؤولية الاهم، بمعنى انه اذا كانت الحكومة لا تتحمل مسؤولية الماضي، الا انها تتحمل مسؤولية اهم واخطر، انها تتحمل مسؤولية مستقبل لبنان واللبنانيين”
واوضح كرامي:” درسنا كلقاء تشاوري تفاصيل وبنود الخطة الحكومية، ومن الطبيعي اننا استأنسنا بآراء خبراء واختصاصيين. لكن اليوم، سأكتفي بعرض عناوين عريضة تندرج كلها ضمن الايجابيات، والتساؤلات، والمخاوف وطرح بعض الرؤى والاحتمالات البديلة او الرديفة. سنعكف في اللقاء التشاوري خلال فترة قصيرة على اعداد قراءة شاملة مع رؤية واضحة ومقترحات وبدائل، لكي تكون مساهمتنا في هذا الموضوع جادة وفعالة. وطبعا يشرفنا ان نرسل هذه الرؤية الى فخامة الرئيس ودولة رئيس المجلس النيابي ودولة رئيس الحكومة وكل الحضور الكرام في هذا اللقاء”.
وتابع:” اولا من البديهي القول انه بمجرد وجود خطة هو امر ايجابي.
ثانيا، هذه الخطة تنطلق من واقع مأزوم يستدعي اعادة النظر بكل السياسات الاقتصادية والمالية التي انتهجها لبنان منذ ما بعد الطائف، وهذا امر جيد، يشكل بداية لا بد منها للتعامل مع الواقع بحكمة وشجاعة.
من الايجابيات ايضا الخروج من سياسة تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار. وهي سياسة امتدت لعقود وكانت باهظة الكلفة، وثبت مع الوقت انها كانت اشبه بسياسة نقدية وهمية اذ ان تحمّل كلفة تثبيت سعر الصرف دون وجود خطط بديلة لخلق اقتصاد منتج اوصلنا الى حائط مسدود والى ما نتفق على تسميته اليوم بالانهيار”.
واكد كرامي ضرورة “ان تترافق سياسة تحرير سعر الصرف مع خطة عملية لخلق اقتصاد منتج والا سنصل مجددا الى الحائط المسدود اي الى الانهيار مجددا، والاخطر من ذلك سنحول الانهيار الى انفجار”.
واشار الى اننا “نلحظ ايضا بين الايجابيات ان الخطة لحظت موضوع الكهرباء وموضوع استقلالية القضاء. ونحن نرى ضرورة في ان تلحظ ايضا تفعيل الحكومة الالكترونية، وضمان استقلالية الجامعة اللبنانية، ووضع نظام ضريبي موحد وعادل، وانشاء مشروع جدي للنقل العام، وتطوير الجانب الاستثماري لقطاع الاتصالات وابتكار مشاريع مفيدة ومنتجة تتعلق بالنفايات. اما بالتساؤلات، فإن ابرز ملاحظاتنا على الخطة انها خطة تقنية تعتمد معالجات موضعية، وهذا جيد مؤقتا، ولكن كلنا يعلم ان جوهر المشكلة في لبنان ليس تقنيا، وبالتالي لا يجوز تغييب البعدين السياسي والاجتماعي. ولا بد ان نعترف بأن لدينا بنية سياسية واجتماعية مأزومة كفيلة بافشال كل الخطط، وهذه البنية هي السبب الرئيسي للانهيار الذي نعيشه اليوم. وعليه، اي حديث عن حلول تقنية او اصلاح تقني للمالية اللبنانية ولمسار السياسات الاقتصادية في لبنان يجب ان يترافق مع خطط واضحة تتعلق بالاصلاح السياسي والاداري في مجمل بنية الدولة.من الواضح ان الحكومة قررت اللجوء الى صندوق النقد الدولي والى الدول والمؤسسات الدولية المانحة انطلاقا من فكرة ان مصلحة لبنان تقتضي ذلك”.
وقال:”لنسلم جدلا ان المصلحة تقتضي اللجوء الى صندوق النقد الدولي، ولكن لا بد من وجود ضوابط واضحة في العلاقة مع صندوق النقد، وانا اقصد تحديدا ضوابط سيادية لا تخلط السياسة بالاقتصاد والامن. بمعنى آخر، علينا ان نحذر من اتباع نموذج اقتصادي جاهز لان التجارب لعديد من الدول في العلاقة مع صندوق النقد تؤكد لنا بأن هذا الصندوق لا يكتفي بالنموذج الاقتصادي والمالي، بل يستكمله حكما بنموذج سياسي. هذه نقطة دقيقة تتطلب الكثير من الحرص والحذر، ولكم في اليونان والبرازيل والارجنتين وغانا وزامبيا خير مثال على ذلك”.
اضاف:”نحن لسنا ضد نصائح صندوق النقد الدولي، بتعبير ادق، نحن مع الحوار والانفتاح ولكن ضد الاملاءات. لسنا ضد الحلول الاقتصادية او المالية مهما كانت جريئة او موجعة، ولسنا ضد الخصخصة وحتما لسنا ضد الاصلاحات في الدولة اللبنانية. لكننا حريصون على ان يتم كل ذلك في حال توافقنا عليه بالترافق مع اصلاح سياسي يخلق نظاما اداريا آمنا ويضع الدولة اللبنانية على مسار جدي للتحول الى دولة رعاية اجتماعية وفق النموذج الذي يناسب المجتمع اللبناني. طبعا انا لا ادعو الى الاشتراكية بل ادعو الى سياسة اجتماعية رسمية نتشبه بها بدولة صديقة هي الجمهورية الفرنسية.اما بالنسبة للمخاوف، ان الاجراءات والتدابير المالية والضريبية التي تلحظها الخطة ستكون لها تداعيات على المستوى المعيشي والاجتماعي، لعل ابرزها:
– انخفاض القدرة الشرائية لمداخيل الغالبية العظمى من اللبنانيين وهذا مؤشر بديهي لانفجار اجتماعي وشيك اذ ذلك سيؤدي الى ارتفاع حدة الفقر بشكل كبير.
– ارهاق المقترضين بالدولار عند زيادة قيمة اقساطهم.
– ارتفاع الاسعار الى مستويات غير مسبوقة.
– اضافة الى التسرب الكبير للطلاب من الجامعات والمدارس الخاصة الى الرسمية وتدني مستوى التعليم في ظل غياب سياسة تربوية اصلاحية وتطويرية للتعليم الرسمي.
– حتمية اقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة وبالتالي المزيد من الضغط على ميزانية الدولة.
– ومن تداعيات ذلك ايضا انخفاض القيمة الفعلية للودائع بالليرة اللبنانية ما يؤدي الى اهدار مدّخرات الناس وتعبهم على مدى السنين.
– انخفاض تعويضات الصناديق الضامنة وتعويضات نهاية الخدمة مما سيؤثر سلبا على الحالة الصحية والغذائية للبنانيين.
كل هذه النقاط وغيرها يجب ان تلحظها الخطة، وان تلحظ الحلول المترافقة مع الاجراءات لمعالجة هذه النتائج.
ان تأسيس صندوق التعافي لادارة اصول الدولة اي املاكها العامة ومؤسساتها الاستثمارية، وبيع المؤسسات العامة ذات الطابع الاستثماري، خصوصا الكهرباء والاتصالات وشركة الطيران وكازينو لبنان، هو مشروع يحتاج الى ضوابط قانونية دقيقة جدا تضمن عدم تعرض هذه الاصول والممتلكات لمخاطر سيادية.
الخطة تتضمن زيادة ملحوظة للضرائب المتنوعة في زمن انهيار اقتصادي غير مسبوق، اي زيادة الضريبة على الربح والدخل والاجور المرتفعة والقيمة المضافة والكماليات والشركات، وفي علم الاقتصاد وعلم الاجتماع هذه الاجراءات وغيرها تؤدي حتما الى مشاكل اقتصادية واجتماعية اذا لم تترافق مع خطة اجتماعية واضحة المعالم والمواقيت لتفادي انفجار اجتماعي وشلل اقتصادي يجهض اي اصلاح واي خطة.
مجددا، الازمة هي في الحقيقة ازمة نظام سياسي واداري اوصلت الى فقدان الثقة داخليا وخارجيا بالدولة اللبنانية واول الحلول يكون باعادة بناء هذه الثقة ومن ثم طرح الخطط البديلة حتى لو كانت موجعة ولكن بطريقة عقلانية تستند الى ثقة معنوية لدى الشعب اللبناني في خوض مصاعب وتحديات بناء دولة جديدة وحديثة ومسؤولة وطبعا الى ثقة المجتمع الدولي بقدرة لبنان على اعتماد اعلى معايير الكفاءة والنزاهة والشفافية. ملاحظة اخيرة وهي ان كل الخطة التي تطرحها الحكومة مبنية على قروض خارجية بقيمة 10 مليار دولار والسؤال في حال لم تتأمن هذه المليارات، ما هو مصير هذه الخطة؟ من هنا نرى اهمية وجود خطة بديلة plan b وهو ما سيعمل عليه اللقاء التشاوري كمقترح خلال الايام المقبلة ويرفعه الى الحكومة والمعنيين”.
ورأى كرامي ان “من اهم دعائم بناء الثقة لدى المجتمع اللبناني خصوصا بعد انتفاضة 17 تشرين الاول الماضي، ان تترافق هذه الخطة مع معالجات واجراءات تشريعية وحكومية تتعلق بشكل اساسي بالزام القطاع المصرفي في لبنان بعدم مخالفة القوانين وعدم جواز تطبيق اي نوع من الـ capital control او الـ haircut غير المقونن،اذ لا مجال لأي تبرير يسمح للمصارف بحجز مدخرات الناس وودائعهم او منع صاحب الحق من التصرف بماله، هذا بالاضافة الى تطبيق القوانين الصادرة عن مجلس النواب والتي لم تطبق حتى الآن، واصدار المراسيم التطبيقية للقوانين التي لم تصدر بعد”.
وقال:”من عوامل بناء الثقة ايضا فعالية العمل الحكومي وتحقيق الانجازات، فان الطريقة التي قاربت بها جائحة covid 19 كانت ناجحة جدا وثانيا استرداد ادارة قطاع الخليوي الذي وافق عليه الحكومة امس بالاجماع. ومن عوامل بناء الثقة ايضا اعلام الناس بمصير ودائعهم في المصارف، فحتى اللحظة لم يتم تطمين الناس حول ودائعهم وهو امر خطير وضروري”.
وختم كرامي:”الفكرة هنا باختصار هي ان ثقة الناس ضرورية لانجاح اي خطة وثقة الناس تكتسب بالانجازات المتعلقة بمصالحهم المباشرة وبالأداء الحكومي عموما”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام