نظمت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الايرانية في بيروت ندوة فكرية بعنوان «كورونا: جدلية الدعاء الشفاء ــ مقاربة فكرية حول الآثار المعنوية والجسدية للدعاء والشفاء» عبر الانترنت (أونلاين) وذلك عبر تطبيق Zoom Cloud Meeting الذي يمكن تحميله عبر الهواتف والأجهزة اللوحية والكومبيوترات.
شارك في هذه الندوة كلّ من الأستاذ الجامعي والحوزوي السيّد جعفر فضل الله الذي تحدث عن علاقة الدعاء بقوانين الشفاء، ورئيس «المركز الكاثوليكي للإعلام» في لبنان الأب عبدو أبو كسم الذي تطرّق إلى نظرة اللاهوت المسيحي للأثر المعنوي للدعاء على المرضى، ورئيس «مركز المصطفى(ص) للفكر الإسلامي» الشيخ محمد علي ميرزائي الذي تحدّث عن «الحتمية والعدالة السننية… سنن الشفاء، نموذجاً»، بالإضافة إلى رئيس «اتحاد علماء الشام» في سوريا الشيخ الدكتور محمد توفيق البوطي متكلّماً عن رأي الشريعة الإسلامية بالتداوي بالدعاء والاستشفاء.
كما شارك عدد من المفكرين والعلماء والأساتذة من مختلف الدول العربية والإسلامية، عبر حلقة الكترونية أدارها أستاذ الفلسفة وعلم الكلام في الجامعة اللبنانية الدكتور خضر نبها، ناقشت تأثيرات جائحة كورونا التي طرأت على الجنس البشري وألمّت به، في وقت ينتظر فيه العالم العلم لإيجاد الحل، والمؤمنون من الناس عيونهم على الأرض وأياديهم مرتفعة إلى السماء في مناجاة تستقي الرحمة الإلهية التي فيها الخلاص الوحيد.
وطرحت الندوة التي شارك فيها أكثر من 50 شخصاً من الباحثين والمفكرين، عبر تطبيق زوم للمحادثة عن بعد، تساؤلات حول كورونا، إن كانت ستجعل العالم يقبل على قيم وأنظمة مغايرة، أو ربما يتوجه العالم إلى إعادة قراءة الفكر العقلاني والحداثة الغربية، ومن كان يتصور أن يتخبط الغرب السياسي أمام هذا الفيروس.
اعتبر المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان الدكتور عباس خامه يار أن جدلية العقل والإيمان، لطالما رافقت التفكير البشري منذ فجر التاريخ، فذهب فلاسفة العقل إلى عدم قبول المعتقدات الدينية أو الإيمان، ما لم يُستدَلُّ عليه بالبراهين العقلية. فانشغل اللاهوت الطبيعي والإلحاد الطبيعي في حشد المعطيات تارةً من أجل إثبات نجاعة الإيمان بالإستقراء والإستدلال، وتارةً لنفيه من خلال البراهين ذاتها، وأكد المستشار الثقافي الايراني لدى لبنان أن المقدّس والإلهي كان دائماً موضع جدل الفلاسفة والمفكرين والمتكلمين على حدٍّ سواء. وفيما ذهب المتكلمون وعلماء الكلام إلى إثبات العقائد والأمور الدينية، راح الفلاسفة، مؤمنين وملحدين، إلى البحث عن معنى الإله، والإيمان وتفكيك وتحليل التجارب الدينية.
أضاف: «لعله من هنا، كان مشرب فلاسفة المشرق والمغرب الإسلاميين فاعلاً في هذا الخصوص، فنرى النزعة الإيمانية في فكر صدر المتألهين الشيرازي، الفيض الكاشاني، اللاهيجي، الشبستري والتبريزي، ابن سينا والغزالي وابن خلدون وسواهم، حيث كان العرفانُ معرفةً بالله وبالذات، انطلاقاً من الحديث الشريف “من عرف نفسه فقد عرف ربّه».
وختم كلامه بالقول: واليوم، من قلب هذه الجائحة التي طرأت على الجنس البشري وألمّت به، ألسنا في صددِ العودة القسرية إلى الذات؟ ألسنا في غمارِ دعوةٍ من الحقّ إلى التأمل ومعرفة الذات أكثر؟ لعلّ هذه الأيام كانت قدراً محتوماً وذريعةً سماويةً ليتوقف الإنسانُ برهةً من الزمن، ويرى ما صنعت يداه. العالمُ ينتظرُ العلمَ لإيجاد الحل، والمؤمنون من الناس عيونهم على الأرض أياديهم مرتفعةٌ إلى السماء في مناجاةٍ تستقي الرحمةَ الإلهية التي فيها الخلاص الوحيد.
وتحدث الأستاذ السيد جعفر فضل الله حول “علاقة الدعاء بقوانين الشفاء” وقال إن الکون وفق الرؤية الدينية هو مخلوق وفق السنن والقوانين تحكم كل مخلوقاته سواء في حركاتها الذاتية بمعنى أن كل مخلوق هو محكوم بالقوانين في تطوره وفي تكامله اضافة الى حركة التفاعل بين المخلوقات في ما بينها، أضاف أنه من الواضح أنه عندما خلق الله سبحانه وتعالى الانسان أراد لهذا الكائن أن يتمتع بالحرية الى المستوى الذي يمكن أن يستطدم فيه تكوينياً بالارادة الالهية.
وأكد أن القاعدة العامة وفق الرؤية الايمانية هي أن عالم السنن يرتبط بعالم الخلق وهو بالتحديد يرتبط بصفة من صفات الله عزوجل وهي صفة الحكيم والحكمة، والقدرة، وما الى ذلك، طبعاً كل صفات الله تتجلى في خلق هذ العالم، وأشار الى أن الصفات الالهية تتجلى كلها في حركة هذا الكون وهذه الصفات هي الصفات التي وردت في القرآن الكريم. اذا يستند هذا الكون الى حركة السنن والقوانين الثابتة لأن الله سبحانه وتعالى قرر ذلك وبين ذلك في كتابه فلن تجد لسنة الله تبديلا.
وأشار الى أنه يمكن لنا أن نفهم أن الدعاء من خلال ثلاثة أبعاد متداخلة وليست أبعاد منفصلة عن بعضها البعض، والبُعد الأول هو البعد العبودي بمعنى أن الدعاء هو مظهر من مظاهر العبودية لله(عزوجل) وذلك انطلاقاً من احساس الانسان بالفقر الذاتي لله وهو أحد الوسائل التي تمنع الانسان من الطغيان والاستكبار، وأضاف أن هذا اللون من الدعاء ليس لطلب الحاجة ورفع السوء بل يكون مناجاة من الحبيب الى حبيبه وصلة من العبد الى ربه. وهو بذلك يتحول الى عملية الارتقاء في حياة الانسان والارتقاء في الحب، و البُعد الثاني هو البعد السنتي بمعنى أن الدعاء هو الطلب من الخالق واذا كان الطلب من الخالق فنحن لانطلب من الله في بعد من الابعاد وانما نطلب من الله سبحانه وتعالى الذي صفاته عين ذاته وبالتالي نحن نطلب من الخالق والرب والمدبر والحكيم والصانع والقادر والرحمن والرحيم واللطيف الى سائر صفات الله سبحانه وتعالى. البعد السنتي هو البعد الأساسي للدعاء بمعنى أن لاينقض حكمة الله سبحانه وتعالى.
وأشار السيد جعفر فضل الله الى البعد الثالث للدعاء هو البعد الغيبي وهذا هو أيضاً محل الاشتباه بمعنى أننا نفترض أن الحالة الايمانية لعلاقتنا بالله سبحانه وتعالى تفترض أن يتحرك الغيب ليخرق كل السنن الالهية ولكن اذا رجعنا مجموعة من النصوص فنجد بأن التدخل الغيبي حصل ولكن هذا التدخل لم يلغي السنن وانما حصل ببعض الأساليب الغيبية.
وبدوره، شرح رئیس المرکز الکاثولیکی للإعلام فی لبنان الأب “عبدو أبوکسم” موقف الکنیسة تجاه المرض ورؤیة الشریعة المسیحیة تجاه أثر الدعاء فی معالجة المرض والمرضی، وقال: للکنیسة دور محوری فی تقرب المؤمن المسیحی الی الله بالدعاء والشعائر الدینیة مضیفا ان الدعاء توطد صلة العبد بربه.
وتطرق القس المسیحی البارز الی العلاقة بین الإیمان والعقل قائلاً: ان الإنسان المؤمن هو من یؤمن بنعمة العقل لأن الله سبحانه وتعالی فضل الإنسان بعقله علی الکائنات.
وقال ان معظم دول العالم أصبحت ذات توجه غیر إلهی وتتمحور فی تحلیلها للأحداث حول القدرات البشریة غافلة عن القوة الإلهیة حتی أصبحت تخرج قوانین تعرقل الحرکة الفطریة لعالم الطبیعة منها قانون الإجهاض والمثلیة.
وتحدث رئيس «مركز المصطفى(ص) للفكر الإسلامي» الشيخ محمد علي ميرزائي، حول تحقق السنن الإلهیة منطلقا نحو موضوع الشفاء قائلاً: ان السنن هی جزء من الکینونة والشریعة، وأضاف ان الفعل الإلهی یتحقق فی السنن الموعودة ولیس المقصود منها الإرادة الإلهیة إنما المقصود هو صیرورة الطبیعة موضحاً ان الإرادة الإلهیة ما اذا کانت ضمن السنن أو لا هو موضع مهم وأساس.
وأردف الشیخ میرزائی قائلاً: ان الله سبحانه وتعالی لایحدد إرادته بالسنن وربما یتجاوزها فی آن کما ان القرآن الکریم یکشف لنا تجاوز السنن المألوفة فی المعجزات التی أتی بها النبي مسيح(ع) مثلا.
وتطرق الی موضوع الدعاء قائلاً: ان الدعاء ثلاث أنواع؛ النوع الأول هو الدعاء العامة وهی طلب الخیر والسعادة وحسن العاقبة والنوع الثانی هي الدعاء الخاصة وهی أن یسأل الإنسان ربه الشفاء والنوع الثالث الدعاء لیحقق الله أمراً لیس سنة ولیس مألوفا وهو عبارة عن إعجاز أو غرق لسنن الطبیعة.
ثم تحدث رئیس إتحاد علماء الشام في سوريا، الشیخ “محمد توفیق البوطی” عن رؤیة الشریعة الإسلامیة حول الشفاء بالدعاء قائلاً: ان فیروس کورونا المستجد لیس وباء فحسب إنما جائحة لم یشهد لها التأریخ مثیلاً، ان هذا الفیروس دمر إقتصاد العالم وأدهش مراکز العلم والطبابة فی العالم، مؤكداً أن الإسلام لدیه تعالیم یوصی بها عند إنتشار الوباء أولها الوقایة کما أن الشریعة الإسلامیة وفقت بین الطهارة والعبادة ومن منظور شرعی دعت المسلمین الی الطهارة والنظافة.
وقال ان الله سبحانه وتعالی جعل لکل داء دواء کما ذکر العسل فی القرآن الکریم علی أنه دواء للکثیر من الأمراض مضیفاً علینا کـ أمة إسلامیة الإمتثال لواجبنا الإنسانی والبحث عن دواء نشفی به المصابین بهذا الوباء.
وفي نهاية الندوة جرت مناقشات بين المنتدين، شارك فيها شخصيات ثقافية وفكرية ومن بينهم، الدكتورة مروى عثمان أستاذة جامعية، الشيخ يوسف نبها امام مسجد الرحمن في استراليا، الإعلامي ناجي أمهز والأستاذ في الشريعة الإسلامية الشيخ محمد الزعبي.
المصدر: موقع المنار