استحوذ التدخل التركي في الاراضي السورية على اهتمام الصحافة الصادرة في بيروت نهار الخميس في 25-8-2016، وجاءت افتتاحياتها على الشكل التالي.
السفير
«الفزاعة داعش» والمقتول سوري وأنقرة تنسق مع موسكو ومبالغة أميركية في التأييد
وأد «الكانتون الكردي» بعد غبار الغزو التركي
التمهيد السياسي والمدفعي للغزو التركي كان قد بدأ منذ ايام. وربما ليست صدفة ان دبابات رجب طيب اردوغان عبرت الحدود السورية نحو مدينة جرابلس بهذه الطريقة الاستعراضية، قبل ان يستقبل ضيفه الاميركي نائب الرئيس جو بايدن. دمشق تدرك الان، كما أنقرة، ان «الكانتون الكردي» الافتراضي، والذي تأججت نيرانه من الحسكة قبل ايام، تعرض الان، في جرابلس، الى عملية بتر قاضية.
ارتكبت القوى الكردية مجددا الخطأ التاريخي ذاته. المراهنة على صراعات القوى الدولية والاقليمية للمبادرة الى مشروع المستحيلات، بقضم ارض وافتراض اقامة دولة منفصلة، في لحظة يظنونها مناسبة. مفاوضات الحسكة في الايام الماضية، اظهرت محاولة هذه القوى استغلال انهاك الدولة السورية في ظل حرب الاعوام الستة، لفرض «سيادة» بديلة. ذهبت المقاتلات الجوية السورية الى اقصى الشمال الشرقي السوري لتقصف «المشروع» بعدما تعالت اللهجة. بالامس، عبرت الدبابات التركية الحدود، لا باسم محاربة تنظيم «داعش» فقط، وانما لوأد مسعى الانفصال الكردي. وفي كل الحالات، المقتول هو السوري.
لكن «الخطر» الذي ركزت عليه انقرة وهي تطلق دباباتها ومدفعيتها وسلاحها الجوي، لم يكن وليد الامس. «المشروع» الكردي كان يتبلور تدريجيا منذ سنوات، بعدما ساهمت أنقرة كما غيرها من العواصم، في ضرب الدولة المركزية في دمشق. فلماذا اختارت تركيا هذا التوقيت لتنفيذ هجومها؟ بعد نحو شهر على الانقلاب الفاشل ضد اردوغان. وبعد الفتور، ولا نقول الانكسار، الذي اصاب العلاقات مع الحليف الاميركي، والغربي استطرادا. وبعد التطبيع الذي تسارع بين انقرة وموسكو، وبعد التنسيق المكثف بين الايرانيين والاتراك، ولهذا اصبح من الممكن للقوات التركية ان تعبر الحدود لعمل عسكري واسع، بتناغم مع اللاعب الروسي الاساسي في المشهد السوري، ومع تكرار تركي للعبارة الذهبية: حفاظا على وحدة وسيادة الاراضي السورية!
أنقرة تتفضل علينا الان بالقول ان لنظام الرئيس بشار الاسد مكانه الى طاولة المفاوضات للحل السوري. كررت هذه العبارة مرارا خلال الايام القليلة الماضية. دمشق التي كانت اتهمت ميليشيات الاسايش الكردية في الحسكة بانها الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، تدرك تماما ان الهاجس التركي الاول مرتبط بالمشروع الكردي المفترض، وليس بـ «داعش». ومهما يكن، فان العملية العسكرية التركية تشكل غزوا صريحا مهما كانت اهدافه، وحتى لو قال الاتراك لاحقا انهم بتروا عبر جرابلس الكانتون الكردي في الصميم. كما لا بد من ملاحظة الاشارة السورية الى ان استبدال ارهابيي «داعش» بارهابيين من فصائل مسلحة اخرى، ليس حلا لمواجهة الارهاب. اما الملاحظة الاخرى التي يجب التوقف عندها، فهي ان معركة حقيقية لم تحصل في جرابلس، ولم يعلن رسميا عن سقوط أي قتيل تركي في التوغل العسكري، ولم تندلع اشتباكات تذكر في داخل المدينة التي كان يفترض تخليصها من «داعش». لا بل ان التقارير تشير الى ان مقاتلي التنظيم غادروا المدينة، وهناك من ردد انهم غادروا منذ ايام … الى تركيا!
اذن، الكردي هو المستهدف الاول في العمل العسكري. اما الاهداف الاخرى بعد جرابلس، فلن تتضح سوى بعد انجلاء غبار المعركة الاستعراضية الحالية، وستحتم مراقبة جموح اردوغان وحساباته في ضوء الوقائع الجديدة التي فرضت عليه خلال الاسابيع الاخيرة الماضية، وما اذا كان سيسعى الى فرض «المنطقة الآمنة» التي طالما نادى بها، وما اذا كانت القنوات ستفتح بينه وبين دمشق، سواء عبر رعاية موسكو او طهران، لا عبر واشنطن بالتأكيد. وبهذا المعنى، بدت المبالغة الاميركية في التعبير عن دعم الغزو التركي، بل والمشاركة فيها وتأمينها جويا، محاولة اميركية للتأكيد على سيطرتها على مشهد الشمال السوري، وهو هدف تبدو حساباته اكثر تعقيدا مما تعتقده واشنطن حتى الان.
فماذا عن الوقائع الميدانية؟
سيطرت فصائل سورية «معارضة» مدعومة من تركيا على جرابلس بعد ساعات على اعلان انقرة غزوها تحت اسم «درع الفرات» بهدف إزالة المخاطر الناجمة عن تنظيم «داعش» والمقاتلين التابعين لحزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي عن حدودها. وقال القيادي في «فرقة السلطان مراد» احمد عثمان لوكالة «رويترز» إن «جرابلس باتت محررة بالكامل»، الامر الذي أكدته «حركة نور الدين زنكي» مشيرة الى «انسحاب داعش الى مدينة الباب»، فيما أشار مدير «المرصد السوري لحقوق الانسان» رامي عبد الرحمن إلى أنه «لم يكن هناك اي مقاومة تذكر من قبل من تبقى من مقاتلي داعش» في جرابلس.
العملية العسكرية التركية بدأت، فجرا، بقصف مدفعي وجوي مكثف على مواقع «داعش» في جرابلس، وشاركت مقاتلات أميركية في توجيه الغارات الجوية إلى جانب الطائرات الحربية التركية. ولاحقا، دخلت قوات خاصة تركية الى محيط المدينة السورية، لتفتح ممراً آمنا للقوة الأساسية التي تدعمها مدرعات وطائرات حربية.
مواقع تابعة لـ «المعارضة» السورية المسلحة عدَّدت الفصائل المشاركة في العملية، ونقلت عمن سمتها بمصادر عسكرية تأكيدها أن «أكثر من 1200 مقاتل سوري يتبعون لفصائل فرقة الحمزة، وفيلق الشام، والسلطان مراد، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وحركة نور الدين الزنكي، وجيش التحرير، وصقور الجبل، والجبهة الشامية، أقاموا معسكرات مشتركة مع القوات الخاصة التركية على مدار الأسبوع الماضي».
وأوضحت قناة «خبر تورك» أن ما بين 10 و15 دبابة دخلت الأراضي السورية واتجهت نحو جرابلس، فيما أفادت قناة «سي إن إن تورك»، عن دخول مقاتلات تركية من طراز «إف – 16» الأجواء السورية خلال العملية العسكرية، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تعد الأولى من نوعها بعد حادثة إسقاط القاذفة الروسية «سو 24» فوق الأراضي السورية في تشرين الثاني الماضي. أما صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، فذكرت أن مدربين عسكريين أميركيين وطائرات من دون طيار في قاعدة «إنجرليك» جنوبي تركيا تقدم دعما لأنقرة في حملتها.
وقال مسؤول أميركي، طلب عدم كشف هويته، وكان على متن الطائرة التي اقلت بايدن إلى أنقرة، في تصريح لوكالة «رويترز»، إن «الولايات المتحدة ستقدم غطاءً جوياً للقوات التركية المشاركة في العملية»، مضيفاً «نريد مساعدة الاتراك على تخليص الحدود من وجود تنظيم الدولة الاسلامية».
اردوغان
أعلن أردوغان أن عملية «درع الفرات» تستهدف إزالة المخاطر الناجمة عن تنظيم «داعش» وحزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي. أردوغان أكد استعداد أنقرة «لأخذ زمام الأمور في يديها في حال اقتضت الضرورة ذلك من أجل حماية سلامة الأراضي السورية»، مصراً على أن «الشعب السوري هو من سيقرر مصير بلاده»، معلناً استعداد بلده لاتخاذ خطوات مشتركة مع التحالف الدولي وروسيا بشأن سوريا. وتابع «منذ البداية لم يكن لدينا نية أخرى سوى تقديم العون الخالص إلى أشقائنا السوريين الذين تربطنا بهم روابط تاريخية قوية، ولم نفعل إلا ذلك».
وشدد أردوغان على أن تركيا «لن ترضى بالمكيدة التي يُراد تنفيذها في سوريا، ولن تقبل بفرض الأمر الواقع، سنستخدم جميع إمكانياتنا لحماية وحدة الأراضي السورية، بما في ذلك تولي الأمر بشكل فعلي في حال الضرورة، نحن مصرون على أن تُدار تلك الدولة (سوريا) بإرادة شعبها».
وقال أردوغان إن تركيا ستتخذ الخطوات اللازمة من أجل مستقبلها، ومن أجل أمن وسلام «إخوتنا السوريين»، مشيرا أن تركيا أبلغت قوات التحالف، والولايات المتحدة، والدول الأوروبية، وروسيا، استعدادها لاتخاذ خطوات مشتركة في المنطقة. وتوجه أردوغان إلى «الدول التي تدعم التنظيمات الإرهابية»، في تلميح واضح إلى الدعم الأميركي لـ «وحدات حماية الشعب» الكردية المنضوية تحت لواء «الاتحاد الديموقراطي»، وشبهها بمن يمسك رمانة سحب منها مسمارها.
يلديريم
أكد رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم أنه لا يُمكن تجاهل النظام السوري إذا أردنا التوصّل إلى حلّ في سوريا لأنه أحد الاطراف. وأضاف: «سيكون السوريون في جرابلس فلا أطماع لنا في الأراضي السورية».
وقال خلال مؤتمر صحافي مع بايدن في أنقرة، إن تركيا والولايات المتحدة توصلتا إلى اتفاق بعدم جواز انتقال قوات حزب «الاتحاد الديموقراطي» و «وحدات حماية الشعب» إلى المناطق الواقعة غرب الفرات في سوريا، داعياً واشنطن لإعادة النظر في دعمها لـ «وحدات حماية الشعب» الكردية للحيلولة دون زيادة الخطر. وقال يلديريم أن الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وتشكيل حكومة تمثل جميع أطياف المجتمع السوري مبدآن مهمان لحل الأزمة، موضحاً الحاجة لإيجاد حل مشترك لإنهاء الأزمة في سوريا.
بايدن
أكد بايدن أن قوات «الاتحاد الديموقراطي» و «وحدات حماية الشعب» لن تحصل على أي دعم من الولايات المتحدة في حال انتقالها إلى غرب الفرات، قائلاً إن «واشنطن لن تقبل بحل وسط بشأن أمن الحدود التركية ووحدة سوريا»، مضيفاً أن الجانب الأميركي أبلغ بذلك الجهات المعنية في سوريا». وأضاف «قلنا بوضوح ان هذه القوات لن تعبر مجددا النهر» مشيراً بذلك الى «قوات سوريا الديموقراطية» التي يشكل المقاتلون الاكراد القسم الاكبر منها.
بدوره، قال نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش «تجري العملية ضمن الأطر القانونية، وبموافقة المجتمع الدولي والتحالف، لضمان أمننا القومي وضمان وحدة الأراضي السورية». وأضاف أن أنقرة لن تسمح لوحدات حماية الشعب الكردي السورية بالسيطرة على منطقة جرابلس، ولا على الـ «911» كيلومتراً من الحدود مع سوريا.
جاويش أوغلو
قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو «انكشف البرنامج السري لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري، نريد أن نذكر اليوم أن قوات الميليشيا الكردية السورية يتعين أن تعود إلى الشرق من نهر الفرات، وعدتنا الولايات المتحدة أيضا بهذا، هذا هو الاتفاق الذي توصلنا إليه، سنفعل كل ما هو ضروري من أجل تركيا». وكان جاويش اوغلو ذكر على حسابه على موقع «تويتر» أن عملية جرابلس ستعجل باستئصال «داعش» من منطقة حلب في سوريا، قائلاً «لا نريد مكافحة البعوض، هدفنا هو إزالة المستنقع والقضاء على التهديدات ضد تركيا». اما وزير الداخلية التركي إفكان فشدّد على أنّ الهدف الرئيسي لتركيا هو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وتحقيق طموحات شعبها.
روسيا
ذكرت وزارة الخارجية الروسية في بيان أن «موسكو قلقة جدا لما يحدث عند الحدود التركية – السورية، ان احتمال تدهور الوضع بشكل اضافي في منطقة النزاع يشكل مصدرا للقلق»، معربة عن خشيتها خصوصا «لاحتمال سقوط ضحايا من السكان المدنيين وتفاقم الخلافات بين الاكراد والعرب». واضافت الوزارة أن «الازمة السورية لا يمكن ان تحل الا على اساس القانون الدولي وعبر حوار بين الاطراف السورية بمشاركة كل المجموعات الاتنية والطائفية بما يشمل الاكراد».
النهار
“درع الفرات” التركية تقلب التوازنات في شمال سوريا
أطلقت تركيا أمس عملية برية مزدوجة داخل الاراضي السورية ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) والمقاتلين الاكراد الذين حققوا في الأشهر الأخيرة مكاسب واسعة على الارض في الشمال السوري تعزز فرص نظامهم الفيديرالي الذي اعلنوه. وتعيد العملية التي حملت الاسم الرمزي “درع الفرات” خلط الاوراق على الساحة السورية، ذلك أنها تشكل أوسع تدخل من دولة عضو في حلف شمال الاطلسي في الأزمة السورية المستمرة منذ خمسة أعوام.
وإذا كانت واشنطن تؤيد طرد تركيا “داعش” من بلدة جرابلس السورية التي تشكل آخر منفذ للتنظيم مع العالم الخارجي، فكيف سيكون موقفها من الاصطدام المحتمل بين القوات التركية المتوغلة و”وحدات حماية الشعب” الكردية التي تعتبرها أنقرة فرعاً من “حزب العمال الكردستاني” الذي تقاتله. وسارع الاكراد السوريون الى التنديد بالتوغل التركي، وكذلك فعلت دمشق، بينما أبدت موسكو قلقها.
وصرّح الرئيس التركي طيب إردوغان عقب استقباله نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الذي بدأ زيارة لأنقرة، بأن مسلحين من المعارضة السورية تدعمهم تركيا استعادوا جرابلس من “داعش” بعد ساعات من إنطلاق العملية العسكرية التركية التي شاركت فيها دبابات وقوات خاصة تركية ودعمتها طائرات أميركية وتركية. وأضاف أن خوض منظمة إرهابية حربا ضد منظمة إرهابية أخرى لا يجعلها بريئة وأن كلاً من “داعش” و”وحدات حماية الشعب” الكردية المدعومة من واشنطن في سوريا منظمتان إرهابيتان.
بايدن
أما بايدن فقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع اردوغان إن الولايات المتحدة تعتقد اعتقاداً جازماً أنه يتعين على تركيا السيطرة على حدودها وأنه يجب ألا يكون هناك احتلال للحدود من أي جماعة أخرى. وأكد أن الجيش الأميركي يوفّر غطاء جوياً للعملية التركية، وأنه ينفي أن تكون سوريا كاملة وموحدة وألا تنقسم أجزاء. وعقب لقاء ورئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم، أعلن بايدن أن واشنطن ابلغت الميليشيات الكردية وجوب عدم العبور الى غرب الفرات حيث تقع جرابلس. وقال: “قلنا بوضوح إن على هذه القوات ان تعبر مجدداً النهر”، مشيراً الى “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) التي يشكل المقاتلون الاكراد القسم الاكبر منها، في حين ان انقرة قلقة من تقدم اكراد سوريا وسيطرتهم على اراض قريبة من حدودها. وشدد على ان القوات الكردية “لن تلقى أي دعم من الولايات المتحدة اذا لم تحترم تعهداتها، نقطة على السطر”.
وكرر يلديريم ان تركيا “لن تسمح بوجود اي كيان كردي على حدودها” مع سوريا. وأفاد مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة استخدمت مقاتلات وطائرات بلا طيار في شن ثماني غارات جوية على “داعش” في جرابلس.
وأطلقت العملية العسكرية التركية عشية إجتماع مقرر في جنيف بوزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف في محاولة للتوصل إلى اتفاق على تعاون عسكري محتمل يهدف إلى هزيمة “داعش” في سوريا.
واستناداً الى مسؤول أميركي كبير من المقرر ان يطلع كيري الذي وصل الى مدينة جدة السعودية أمس، زعماء السعودية ودول عربية خليجية أخرى على نتائج أحدث اجتماعات عقدتها الولايات المتحدة مع روسيا في ما يتعلق بالتعاون العسكري في سوريا . وأضاف ان كيري سيطرح مقترحات في شأن إنهاء الصراع باليمن ومعاودة محادثات السلام.
الاكراد
ووصف الناطق باسم “وحدات حماية الشعب” الكردية ريدور خليل التدخل العسكري التركي في سوريا بأنه “اعتداء سافر على الشؤون الداخلية السورية” وهو ناجم عن اتفاق بين تركيا وإيران والحكومة السورية.
وسئل عن طلب تركيا من “وحدات حماية الشعب” الانسحاب إلى شرق نهر الفرات، فأجاب بأن “قوات سوريا الديموقراطية “مخولة بالرد على طلب كهذا من تركيا”. ومعلوم ان “قوات سوريا الديموقراطية” تشن حملة على “داعش” في شمال سوريا وتحديداً في الآونة الأخيرة غرب الفرات.
الموقف الروسي
وفي موسكو، قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان: “موسكو قلقة جداً مما يحدث عند الحدود التركية – السورية. ان احتمال تدهور الوضع بشكل اضافي في منطقة النزاع يشكل مصدرا للقلق”. وعبرت عن قلقها خصوصا “لاحتمال سقوط ضحايا من السكان المدنيين وتفاقم الخلافات بين الاكراد والعرب”. وخلصت الى ان “الازمة السورية لا يمكن ان تحل الا على أساس القانون الدولي وعبر حوار بين الاطراف السوريين بمشاركة كل المجموعات الاتنية والطائفية بما يشمل الاكراد”.
الاخبار
هدية واشنطن و«داعش» لأنقرة: «منطقة آمنة»
«مفترق جرابلس» لا يمكنه أن يكون عابراً. المدينة التي كانت بوّابة لدخول قوّات احتلال تركيّة تفتح الباب حتماً أمام تحوّل دراماتيكي جديد في المشهد السوري. العمليّة العسكريّة التركيّة جاءت بعد تطوّرات سياسيّة مكوكيّة بدأت مراحلها الأخيرة بلقاء بوتين ــ أردوغان قبل فترة، وفي خضم حديث متزايد عن مقاربة تركيّة جديدة للملف السوري. لكنّ أحداث أمس بدت بمثابة مقدّمة لعودة الحرارة بين الحليفين التركي والأميركي، كما حملت نعياً لأحلام «روج آفا» الكرديّة. من باع من؟ ومن تخلّى عمّن في البازار السوري المفتوح؟ سيلزم وقتٌ لتظهير الصورة بشكل أوضح.
صهيب عنجريني
على السوريين أن يحفظوا جيداً تاريخ الرابع والعشرين من آب 2016. ومن دون إغفال موافقة التاريخ لذكرى انتصار العثمانيين في معركة مرج دابق قبل خمسة قرون (وهو أمرٌ أكبر من المصادفات حتماً)، فالثابت أنّ هذا التاريخ يُمثّل نقطة تحوّل كبرى في مشهد الحرب السوريّة.
وفي انتظار جلاء المشهد ينبغي التسليم بأنّ مدينة جرابلس ضربت موعداً مع ثلمٍ جديد لحق بالسيادة السوريّة، ووضع واحدة من مدن الريف الحلبي تحت احتلال تركي على المدى المنظور (قد يتحوّل في أحسن الأحوال إلى ما يشبه انتداباً). ويبدو التنبؤ بما ستستتبعه التحركات التركيّة (لاحقاً لاحتلال جرابلس) ضرباً من المغامرة في ظل النقلات الدراماتيكيّة التي باتت السمة الأبرز للمشهد السوري، لكنّ ذلك لا يغيّر من مفصليّة أحداث يوم أمس. المفرطون في التفاؤل رأوا في الخطوة التركيّة مقدمة لإعادة رسم مشهد من التوافقات الإقليميّة والدوليّة يُفضي لاحقاً إلى حل سوري على حساب الأكراد، ولا سيّما في ضوء المعلومات المتداولة عن أنّ موسكو وطهران قد وُضعتا في صورة الخطوة التركيّة سلفاً، فضلاً عن عودة التواصل الأمني بين أنقرة ودمشق بعيداً عن مساقط الضوء. وتفتح إعادة التواصل الأمني الباب أمام احتمال أن تكون التحرّكات التركيّة مستندةً إلى ملاحق سريّة في «اتفاقيّة أضنة الأمنيّة» التي وُقّعت بين الطرفين عام 1998، ونزعت فتيل حرب كانت تدقّ طبولها حينذاك بسبب دعم دمشق لـ«حزب العمال الكردستاني».
هذه الأنباء (في حال صحّتها) تضعنا أمام تبادل لافت للأدوار بين أنقرة والأكراد لجهة القدرة على التنسيق مع موسكو وواشنطن في آن واحد، وهو أمرٌ تفرّدت به «قوّات سوريا الديمقراطيّة» حتى وقت قريب. لكنّ ردود الفعل السوريّة والروسية التي خرجت أمس عن خارجيّتي البلدين جاءت بعيدةً عن أجواء «التوافق». الخارجية السورية أدانت «الخرق السافر لسيادتها» وأكّدت أنّ «ما يجري في جرابلس ليس محاربة للإرهاب كما تزعم تركيا، بل هو إحلال لإرهاب آخر مكانه». فيما دعت الخارجيّة الروسية أنقرة إلى ضرورة «التنسيق مع دمشق»، وأعربت عن قلقها من «احتمال استمرار تدهور الوضع في منطقة النزاع».
وعلى النقيض من ذلك، جاء الموقف الأميركي داعماً بوضوح للعمليّة التركيّة، سواء من خلال الغطاء الجوي الذي أمّنه «التحالف الدولي» أو عبر تصريحات نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي زار تركيا أمس ليكون أرفع مسؤول أميركي يصلها منذ محاولة الانقلاب الفاشلة. وحملت تصريحاته إشارات إيجابيّة تجاه أنقرة، سواء في ما يخصّ العمليّة العسكرية والموقف من الأكراد، أو ما يتعلّق بقضيّة الداعية فتح الله غولن أبرز خصوم الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تطالب أنقرة حليفها الأميركي بتسليمها إيّاه. وأعاد المسؤول الأميركي «قذف الكرة الكرديّة» عبر مطالبة القوات الكردية بالانسحاب إلى شرق نهر الفرات، في تناغم مع المطالب التركية التي كرّرها وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أمس بأنّ «على المقاتلين الأكراد أن يعودوا إلى شرقي نهر الفرات وإلا فعلت تركيا ما هو لازم». وهدّد بايدن الأكراد بأنّهم «لن يتمكنوا تحت أي ظرف من الحصول على الدعم الأميركي ما لم يفوا بالتزاماتهم»، في ما يبدو «إعادة ترسيم لأحلام الأكراد»، ونعياً أميركيّاً لمشروع «روج آفا» (إقليم غرب كردستان، كما يسمّيه الأكراد، ويمتدّ من ريف الحسكة الشرقي إلى عفرين) الذي ظنّ الأكراد أنّه بات في متناولهم.
لكنّ الدخول التركي المباشر على الخط، والتصريحات الأميركية المطالبة بعودة «قسد» إلى شرق الفرات يعني بطبيعة الحال تقويض آمال «قسد» بوصل مناطق نفوذهم في عين العرب (كوباني) بنظيرتها في عفرين. لكنّ هذا لا يعني التسليم بتحوّل أميركي في مقاربة الصراع الكردي ــ التركي، ومن المستبعد أن تغامر الولايات المتحدة بالتخلي عن الذراع الكرديّة التي أثبتت فاعليتها حتى الآن. لكنّها تبدو في المقابل حريصةً على عدم خسارة أنقرة التي حافظت على مركزيّتها لاعباً محوريّاً في الحرب السوريّة. ويبدو واضحاً عزم واشنطن المضيّ في استثمار الصراع الكردي ــ التركي لمصلحتها عبر إبقاء بؤرة هذا الصراع ملتهبةً ومفتوحةً على كل الاحتمالات. تركيّاً، جاءت الخطوة بمثابة اندفاعة جديدة لتثبيت دور محوري بعدما سادت أوهام عن انحسار دور أنقرة في الملف السوري إثر الانقلاب الفاشل. ورغم كل ما أثير عن انكفاء مرتقب للسياسات الأردوغانيّة وانشغالها بالملف الداخلي، جاء عبور الحدود في زمن قياسي ليثبت مركزيّة الصراع مع الأكراد في حسابات أنقرة و«أمنها القومي». ويبدو احتلال جرابلس صالحاً ليكون لبنةً أولى في مشروع «المنطقة الآمنة» الذي طالما شكّل حلماً تركيّاً بدا في بعض الأوقات بعيد المنال، لكنّ الأكراد (من حيث يعلمون أو لا يعلمون) لعبوا دوراً في إعادة إحيائه، بل ووضعه موضع التنفيذ. ومن المستبعد أن يُقدم الطيران الروسي على استهداف المنطقة بعد أن أصبحت نظريّاً في عهدة «الجيش الحر» (الذي يُتوقّع أن يخضع لعمليّات تلميع مكثّفة)، فيما هي عمليّاً في عهدة أنقرة واستخباراتها وقوّاتها الخاصّة.
ويثير الانسحاب السريع وغير المسبوق لتنظيم «داعش» من جرابلس علامات استفهام كثيرة، ويجعل العمليّة أشبه بـ«تسليم وتسلّم» متّفق عليهما. ويُخالف تخلي التنظيم بسهولة عن واحد من منافذه الحيويّة ما اعتاده في كل الهجمات السابقة التي استهدفت مراكز نفوذه. ويكتسب هذا التفصيل أهمية إضافيّة في ظل المقومات التي كان من شأنها أن تمنح «داعش» فرصة خوض معركة استنزاف تؤجل هزيمته (على الأقل). وتشير المعلومات الواردة من جرابلس إلى أنّ التنظيم كان قد استعدّ على مدار شهور لمعركة كهذه عبر حفر الأنفاق وتفخيخ مداخل المدينة ومراكزها الحيوية، لكنّ مجريات أمس تدلّ على أن استعداد «داعش» كان صالحاً للاستثمار في حال مهاجمة المدينة من قِبل الأكراد فحسب. ومن شأن انسحاب التنظيم نحو معاقله في الباب أن يدفعه نحو التفكير في شن هجمات جديدة جنوباً نحو مناطق الريف الحلبي التي سبق أن طرده الجيش السوري وحلفاؤه منها، أو شرقاً نحو منبج المتاخمة للباب، والتي انسحب منها قبل فترة وجيزة. وفي الحالتين يصلح هروب «داعش» نحو الداخل ليكون وسيلة لاستنزاف جديد للقوّات السوريّة أو الكرديّة تبعاً للبوصلة التي ستوجّه معارك التنظيم في المرحلة المقبلة.
العملية والتحضير
وكانت عمليّة «درع الفرات» قد انطلقت في الخامسة من فجر أمس، بعد أن شهدت المنطقة الحدودية قبالة جرابلس تحشيداً للقوّات على امتداد أسبوع سابق. وأقيمت معسكرات مشتركة على الحدود منذ ثمانية أيّام تجمّعت فيها وحدات من القوّات التركيّة الخاصة إضافة إلى قرابة 1500 مسلّح ينتمون إلى «حركة أحرار الشام الإسلاميّة»، و«فرقة الحمزة»، و«حركة نور الدين زنكي»، و«الفرقة الشماليّة» وغيرها من المجموعات المحسوبة على «المعارضة السورية المفحوصة» (vso).
وشاركت في العمليّة عشرات الدبابات والمدرعات التركيّة بغطاء ناري كثيف وفّره طيران «التحالف الدولي» والمدفعية التركية. ووفقاً لما أكّده مصدر من داخل «فرقة الحمزة» لـ«الأخبار»، فقد «لحظت خطة الهجوم في الدرجة الأولى أهمية السيطرة على التلال والمناطق المرتفعة، لقطع طرق إمداد داعش». وسيطرت القوات المتقدمة سريعاً على قرية وتلة كلكجة (5 كيلومترات غرب جرابلس)، وتعمّدت إبقاء منفذٍ جنوب جرابلس استخدمه مسلّحو «داعش» في الانسحاب، من دون أن يختبروا فعليّاً نيران «طيران التحالف».
وعلى الرغم من التصريحات التركيّة التي أشارت أوّل الأمر إلى أن «العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي في الشمال السوري، ستكون قصيرة وفعالة»، حجم الحشودات التركيّة المستمرّة على الحدود يبدو أكبر مما تستدعيه عملية خاطفة. ومساء أمس نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول تركي لم تسمّه أنّ «تركيا ستواصل عملياتها في سوريا لحين تحييد التهديدات الوشيكة المحدقة بأمنها القومي». وفي تفصيل لافت، قال المسؤول إنّ «الهدف من العملية وقف تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب بشكل دائم وقطع خطوط الإمداد إلى الجماعات المتشددة». بدوره، أكّدت الإدارة الأميركية في أوّل تعليق على العمليّة أن «الولايات المتحدة تشجع تركيا على إغلاق حدودها مع سوريا». وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست إنّ بلاده «تشجع الأتراك على القيام بعمل حاسم لإغلاق الحدود التركية السورية، خاصة هذا القسم من الحدود».
صالح مسلم يتوعّد
توعّد الرئيس المشترك لحزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي صالح مسلم أمس بـ«هزيمة تركيّة في المستنقع السوري». مسلم، الذي يقود التحركات السياسيّة لـ«قوّات سوريا الديمقراطيّة»، قال في تغريدة عبر صفحته في موقع «تويتر» إنّ «تركيّا تدخل مستنقعاً في سوريا، وستواجه الهزيمة هناك مثل تنظيم الدولة الإسلاميّة». بدوره، ردّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تهديدات مسلم من دون أن يسمّيه. وقال لدى حديثه عن العمليّة العسكرية أمس إن «بعض الأشخاص يهدّدون تركيا. (…) وأنا من هنا أقول لهم: كونوا حذرين، وسترون ماذا سيحدث لكم». وأضاف: «كل من يشكل تهديداً لتركيا سيواجه الجيش والشرطة والدرك». ويعتبر الأكراد التحركات التركيّة الأخيرة موجّهةً ضدّهم في الدرجة الأولى. وكانت «قوّات سوريا الديمقراطيّة» قد أكّدت في بيان استبق العمليّة التركيّة استعدادها لـ«الدفاع عن البلاد ضد أي مخططات تدخل في خانة الاحتلال المباشر وغير المباشر». ورأى البيان في التحركات التركيّة «محاولةً لعرقلة مسار الحرب على الإرهاب من جهة وضرب المشاريع المحلية التي تقودها القوى الديمقراطية بعد طرد فلول الإرهاب والاستبداد».
البناء
تموضع أميركي خلف السيناريو التركي في شمال سورية على حساب الأكراد
كيري ولافروف الجمعة في جنيف… ويلدريم يكشف التفاهم على حكومة موحّدة
تأجيل التمديد لقائد الجيش… وفنيش لـ «البناء»: لسنا مع التمديد والمقاطعة والتجاهل
تبدو الملفات الإقليمية الشائكة والمتشابكة ذاهبة إلى المزيد من الوضوح مع اقتراب نهاية آب، الموعد المرتقب لنقلة نوعية في التفاهم الروسي الأميركي حول الحرب على تنظيم داعش وجبهة النصرة، وفيما أمكن بنظر الأميركيين كما بدا في كلام نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في أنقرة، جذب الأتراك إلى التفاهم الروسي الأميركي للحرب، بإثارة ذعرهم من خطر نشوء كيان كردي على الحدود، فارتضت تركيا تخفيض سقفها الجغرافي في سورية والتخلي عن التدخل في شمال غرب سورية حيث مساحة الحركة الروسية بدعم الحرب التي يخوضها الجيش السوري وحلفاؤه بوجه جبهة النصرة، واكتفت بمهمة طرد داعش من المناطق التي تسهم بمنع قيام جغرافيا متصلة تحت السيطرة الكردية، وجذب المسلحين التابعين لرعايتها من المعارضة للمشاركة في هذه المهام، بسحبهم من ساحة حلب وإدلب وأريافهما، لنيل السيطرة على جغرافيا مستقلة تؤهّلهم لدخول العملية السياسية، التي سيتولى رسم معالمها، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، اللقاء الذي سيجمع وزيري خارجية روسيا وأميركا، جون كيري وسيرغي لافروف في جنيف، والذي بشر به رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم بحضور بايدن، بالإعلان عن تخفيض ثانٍ للسقف التركي في السياسة بعد الجغرافيا، يلاقي التفاهم المرتقب بين موسكو وواشنطن، وعنوانه لا لتقسيم سورية ونعم لقيام مؤسسات دولتها الواحدة بالإمساك بجغرافيتها، عبر حكومة موحدة تتولى التمهيد لتولي السوريين تقرير مصير بلدهم عبر صناديق الاقتراع.
الاحتجاج السوري على التدخل التركي شمال سورية في معركة جرابلس التي بدت مسرحية عسكرية، سواء لجهة الانسحاب الذي نفذته وحدات داعش، او لجهة مزاعم دور عسكري لفصائل سورية مسلحة، جاء مبدئياً وشبيهاً بالاحتجاج على الدور الأميركي العسكري في الأجواء السورية، مع الإعلان عن التحالف لقتال داعش، ويربط النزاع لمراقبة الحركة التركية ودرجة انضباطها تحت سقوف قابلة للاستيعاب ضمن مشاريع التسويات، أو عودتها لتخطي الخطوط الحمر، ليرتفع السقف السوري وصولاً لإمكانية الدعوة لاجتماع على مستوى وزراء خارجية الثلاثي السوري الروسي الإيراني، كما قالت مصادر مطلعة لـ «البناء»، مؤكدة أنّ الاتصالات قائمة بالتتابع بين دمشق وموسكو وطهران لمواكبة ومراقبة ما يجري وتقييم الأحداث ودرجة خطورتها ومستوى الردّ في التعامل معها.
ثلاثة أطراف بدت تحت السيطرة بعدما كانت تظهر كقوى منفلتة من الضوابط يوم أمس، فالوحدات الكردية التي نسفت جسور التواصل مع الدولة السورية استناداً لحجم الدعم الذي تلقاه من واشنطن تلقّت صفعة قوية، بالموافقة الأميركية على الإنذار التركي لها بمغادرة شرق الفرات، وقد فقدت فرص ترميم علاقتها بدمشق بعد موقفها الانتحاري في الحسكة، الذي لولاه ربما لقيت فرصة الرفض ومعه التفهّم والمساندة من دمشق، ومثلها الائتلاف المعارض وجيشه الحرّ، الذي بدا لفترة طرفاً مشاغباً على مشاريع التسويات مستقوياً بالوقوف وراء جبهة النصرة، بدا أمس مجرد واجهة للجيش التركي بحثاً عن دور بعد ضياعه بين أقدام جبهة النصرة في معارك حلب، وانتظار النهاية المميتة معها، بينما كسب فرصة العودة لحجز مقعد في الواجهة السياسية، ولكن كمجرد أداة تابعة لأنقرة، أما الطرف الثالث فكان داعش الذي بقي يظهر كقوة مستقلة، وقادرة على ضرب تركيا نفسها رغم العلاقات الخاصة التي تربطه بأنقرة منذ الولادة، بدا أمس جزءاً من مسرحية التسلّم والتسليم، ليثبت حجم التأثر بالعلاقة مع أنقرة، والاستعداد لمقايضات معها وبقاء الخيوط والخطوط بينهما. وبحصيلة هذا كله قالت مصادر متابعة لم يعد ممكناً الحديث عن عوامل خارج السيطرة في الانضباط الأميركي التركي بتفاهمات التسوية، التي ستشهد اختبار مصيرها الجدي في اجتماع جنيف بعد غد، قبل أن يصبح كلّ شيء خارج السيطرة.
الأسبوع الحاسم سورياً يواكبه حراك على المسار اليمني لإنعاش مساعي التفاوض مجدّداً، بعد الفشل في وضع دفتر شروط سعودي بعنوان أممي من مجلس الأمن لجلب أنصار الله والمؤتمر الشعبي إلى بيت الطاعة، وجاءت التطورات العسكرية الميدانية على الحدود السعودية اليمنية، ومعها المسيرة المليونية في صنعاء لمبايعة المجلس السياسي الحاكم، والخطوات التي يمكن أن يتخذها المجلس إذا بقي الانسداد السياسي، بالتزامن مع الحركة الأميركية والروسية، لتبدو الحركة المتسارعة لتحديد موعد جديد للعودة إلى الكويت في الواجهة.
لبنانياً، شهد أمس جولات مكوكية لتبريد المناخ الحكومي الساخن تحت تأثير استحقاق تعيين قائد جديد للجيش مع صعود خيار التمديد للعماد جان قهوجي بقوة، وسط قرار التيار الوطني الحر بمقاطعة الجلسة، ونية تيار المستقبل تجاهل الغياب والمضيّ بخيار التمديد، لتسفر المساعي التي قادها رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة حزب الله، عن تثبيت عقد جلسة اليوم وابتعادها عن البت بموضوع التمديد لقائد الجيش، إفساحاً في المجال لتهدئة الأجواء، ومنعاً لتكريس معادلة إدارة الظهر لمقاطعة فريق وازن من الأفرقاء لجلسة الحكومة احتجاجاً، بما يهدّد الطابع الميثاقي لقرارات الحكومة وصيغتها التوافقية، كما حمل مسعى حزب الله، وفقاً لما شرح الوزير محمد فنيش لـ «البناء»، مؤكداً أنّ الحزب لا يؤيد المقاطعة لكنه لا يؤيد التمديد ولا يوافق على التجاهل.
الاضطراب في البلد إلى ذروته
وصلت حالة الاضطراب في البلد لذروتها. المشهد الراهن يدعو الى القلق، فالغرق في الحسابات الضيقة والاستثئار بالسلطة بات يهدّد الحكومة، لا سيما إذا استمرّت مقاطعة التيار الوطني الحر. لن يغيب حزب الله اليوم عن جلسة مجلس الوزراء التي يحضرها وزراء التحرير والتنمية، والطاشناق، والمرده من جهة، وتيار المستقبل واللقاء الديمقراطي واللقاء التشاوري ووزراء محسوبين على رئيس الحكومة تمام سلام من جهة أخرى، لكن حزب الله في المقابل لن يسمح باتخاذ قرارات في قضايا أساسية، بعدما كان تمنّى على رئيس الحكومة تأجيل الجلسة للمزيد من الاتصالات.
وبرزت أمس، مطالبة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الرئيس سلام بتأجيل موعد الجلسة المقررة غداً اليوم إفساحاً في المجال أمام الاتصالات والمشاورات بين مختلف مكونات الحكومة لتلافي بعض الالتباسات والمعوقات، انطلاقاً من حرص حزب الله على ضرورة إحاطة عمل مجلس الوزراء بمناخات الشراكة الإيجابية بين كل مكوناته وخصوصاً في هذه المرحلة.
حزب الله يحضر الجلسة
ونقل وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش الى رئيس الحكومة رسالة من قيادة حزب الله بتأجيل جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم، لإعطاء فرصة للاتصالات ومحاولة لإيجاد مخارج كي لا نأخذ الوضع في البلد الى التحدي والتصادم .وأكد فنيش لـ «البناء» أن «لا قرار عند حزب الله بالمقاطعة وسنحضر الجلسة اليوم، والرئيس سلام أبلغني أنه سيكون حريصاً كي لا تذهب الأمور باتجاه تجاوز غياب التيار الوطني الحر». وأشار إلى «أن حضورنا لا يؤثر على تفاهمنا مع «الوطني الحر»، فالتحالف مبني على اسس متينة له علاقة برؤية وطنية ومرتكزات سياسية وأهداف كبرى واستراتيجية أما في التفاصيل قد يكون هناك خلافات في التقييم، لكن لا يوجد أي خلاف في الاهداف. نحن لسنا مع المقاطعة لكن لا يعني أننا مع التمديد، نحن صوّتنا ووزراء التيار الوطني والطاشناق مع التعيين في الجلسة السابقة»، مشيراً إلى «أن موضوع التمديد لقائد الجيش لم يُطرَح بعد».
وأكد سلام من جهته أنهم يعيشون وسط أزمة سياسية مستفحلة تتجسد في عجز القيادات والقوى السياسية عن التوصل الى إحقاق الحق في نظامهم وفي دستورهم الديمقراطي. وشدّد على أن الوضع لا يدعو الى التفاؤل، لكنه ماضٍ في تحمل المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة الصعبة وقال: «سنبقى حراساً لهذا الهيكل».
درباس: المكوّنات الحكومية كلها تريد التمديد لقهوجي باستثناء التيار
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ «البناء» أنه «لا يؤمن بما يسمّى الميثاقية في جلسات مجلس الوزراء، فالكلام عن الميثاقية من خارج السياق السياسي». وأشار إلى «أن رئيس الحكومة استجاب للتمنيات بأن يتم تأجيل البحث في القضايا الجوهرية الى جلسة مقبلة، وتعاطى مع الامر برحابة صدر». وشدد على «أن الطبقة السياسية عاجزة عن الاتفاق على قائد جديد للجيش»، معتبراً «أنه باستثناء التيار الوطني الحر، كل المكونات الحكومية تريد التمديد للعماد جان قهوجي لألف سبب وسبب أولها: عدم الاتفاق بين الفرقاء السياسيين على تعيين قائد جديد. ثانيها: ماذا لو عين قائد جديد وجرى بعد ذلك انتخاب رئيس للجمهورية، وعمد إلى إقالته. وسأل درباس لماذا نحدث بلبلة كهذه بالمؤسسة العسكرية في مثل هذه الظروف الدقيقة؟». معتبراً أن «بعد الذي يحصل لم تعد هذه الحكومة حكومتنا نحن نشكل نواطير للقوى السياسية الممسكة بعنق البلد».
مكاري: كيف نتخذ القرارات في غياب مكوّنين؟
وقال وزير السياحة ميشال فرعون من السراي إن «المشكلة ليست في مَن يحضر جلسة الحكومة أو مَن لن يحضرها، إنما في القرارات والاتفاق الذي حصل في السابق، إذا عقدت الجلسة في غياب مكوّنين فكيف نتخذ القرارات؟». ولفت إلى أن لهذا السبب طلب من رئيس الحكومة تأجيل الجلسة على أساس أن يفسح هذا التأجيل المجال لحوار حول المشاكل الموجودة، وقد سبق أن طلب حزب الله أيضاً تأجيل الجلسة. وكذلك فعل النائب فريد مكاري، ولكي لا ندخل في متاهات تفتح نقاشات جانبية حولها لناحية الميثاقية والدستورية والوفاقية. ما هو المعيار إذا لم يحضر مكوّنان، حزب الكتائب اللبنانية والتيار الوطني الحر، جلسة الحكومة؟ ماذا يحصل في القرارات والتواقيع؟».
بو صعب: خطوتنا التصعيدية بناء على تصرف الحكومة اليوم
وأكد وزير التربية الياس بوصعب لـ «البناء» «أن التيار الوطني الحر سيقاطع الجلسة اليوم»، مشيراً إلى «أن أي قرار تتخذه الحكومة سيكون غير ميثاقي وسنتعاطى معها على هذا أساس، تماماً كما كانت الحال أيام الحكومة التي سمّيت بالبتراء، فمراسيمها لم توقع حتى اليوم». ولفت بو صعب إلى «أن الجلسة غير ميثاقية فنحن لن نحضرها، وحزب الكتائب أصبح خارج الحكومة كما أعلن رئيسه، والوزيران سجعان قزي ورمزي جريج لم يعودا يمثلان حزب الكتائب، والقوات لم تشارك أصلاً، لافتاً إلى «أن القوى السياسية الأساسية الثلاثة صاحبة القرار في الشارع المسيحي هي خارج الحكومة. وهذا ما بحثته مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري أول أمس». ورأى بوصعب «أن خطوات التيار الوطني الحر التصعيدية ستتخذ بناء على تصرف الحكومة ورئيسها اليوم، هل ستعترف بالآخر وستؤكد على الميثاقية أم لا».
بري: إذا ارجئت الجلسة فلا ضمانات لانعقاد الجلسة المقبلة
وأبلغ رئيس المجلس النيابي نبيه بري رئيس الحكومة تمام سلام، في اتصال هاتفي، موقف كتلته حضور جلسة الحكومة الخميس. وحصل اتفاق خلال الاتصال على تأخير اتخاذ أي قرار يتسم بالأهمية في الجلسة. ونقل زوار الرئيس بري عنه قوله لـ «البناء» إن تأجيل جلسة مجلس الوزراء لا معنى لها ويخشى في هذه المرحلة إذا حصل تأجيل للجلسة أن تدخل الحكومة في حالة تعطيل شامل خاصة أن رئيس الحكومة تمام سلام سيغادر الى نيويورك الشهر المقبل. يُضاف إلى ذلك، لو أرجئت الجلسة ولم تنعقد ماذا عن الجلسة الثانية كيف ستنعقد ومن يضمن ان تنعقد، لا ضمانات في ذلك؟
وأشار بري إلى «أن الحكومة ليست مسؤولة عن التمديد، فهي لم تتخذ قراراً بالتمديد لأمين عام المجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير، لأن وزير الدفاع هو من أخذ القرار، فالحكومة التزمت بالآلية وبالتصويت، حيث صوّت سبعة وزراء، لكن لم يحز أي من الاقتراحات الثلثين». وشدد بري على انه اذا خير بين الفراغ والتمديد فهو يختار التمديد، اما اللجوء الى عدم التعيين واعتماد التراتبية في استلام المهامات، فهذه تحول الى الأعلى رتبة ما يخل بالتوازن الطائفي. ووضع الرئيس بري زواره في أجواء لقائه الوزير الياس بوصعب يوم اول امس والنقاشات التي دارت حيال الحكومة والتمديد. ولفت بري إلى «أنه كان ينتظر ان يعود الوزير بوصعب امس ويضعه في أجواء موقف التيار الوطني الحر، لكنه لم يعد الى الاتصال بالرئيس بري أبداً الذي بات يسمع في الأخبار عن موقف التيار».
ورأى بري أن أقصى ما يمكن تقديمه في هذا الاتجاه ان يطلب من رئيس الحكومة ان لا تتخذ جلسة الغد اليوم قرارات في قضايا كبيرة وأساسية احتراماً لغياب ممثلي التيار الوطني الحر، مشيراً في الوقت نفسه الى انه «لا يوافق على ان الميثاقية مفقودة في الجلسة اليوم، خاصة أن الحكومة تضم 12 وزيراً مسيحياً، الكتائب لا تزال حاضرة عبر الوزيرين رمزي جريج وسجعان قزي اللذين دخلا الحكومة تحت اسم حزب الكتائب. وبالتالي فإنهما يشكلان مع الوزراء الآخرين المسيحيين الغطاء الميثاقي مسيحياً».
انسداد الأفق في الملف الرئاسي
وأشار بري الى أن علاقته بالتيار الوطني الحر تحسنت في الآونة الأخيرة في ما يتعلق بالقنوات المفتوحة بينهما حول قانون الانتخاب والملف النفطي، وانه شخصياً كرّر مراراً انه يكنّ مودة خاصة تجاه الجنرال عون. وأبدى زوار بري لـ «البناء» مخاوفهم مما يجري لجهة التصعيد مجدداً وان هذا التصعيد يرتبط بالجلسة التي ستنظر للتمديد لقائد الجيش في ايلول، وبانسداد الأفق في ما يتعلق بالملف الرئاسي، معتبرة أن حقيقة الموقف العوني يتجاوز موضوع التمديد الى مجمل الملفات التي تهمّه.
القومي وحزب الله: لإنجاز الاستحقاقات الداخلية وتحقيق الإصلاحات
وأكد الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الله على الثوابت والخيارات الوطنية والنضالية، بوصفها عامل تحصين للبنان، في مواجهة العدو «الإسرائيلي»، وفي مواجهة قوى الإرهاب والتطرف، وتعزيز وحدة اللبنانيين وصمودهم، والتفافهم حول معادلة الجيش والشعب والمقاومة، التي أثبتت نجاعتها في تحقيق الانتصار على العدو. جاء ذلك خلال استقبال رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير السابق على قانصو في مركز «القومي» رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد إبراهيم أمين السيد على رأس وفد. وشدّد المجتمعون على أهمية الحوار بين سائر القوى اللبنانية، والوصول إلى تفاهمات معيارها مصلحة لبنان واللبنانيين، وإنجاز الاستحقاقات الداخلية، وتحقيق الإصلاحات وفي مقدّمتها سنّ قانون انتخاب على أساس الدائرة الواحدة والنسبية، سبيلاً للوصول إلى صحة التمثيل وعدالته. وأكد المجتمعون «الاستمرار في مواجهة المجموعات الإرهابية المتطرفة، التي هي صناعة «إسرائيلية»، ومضاعفة الدور النضالي المقاوم حتى القضاء على الإرهاب وإسقاط أهداف رعاته ومموّليه وداعميه وإفشال مشاريع التقسيم والتفتيت ومحاولات النيل من قوى المقاومة».
رسالة فضة إلى المقدح
على الصعيد الأمني عاد التوتر الى مخيم عين الحلوة، بعدما أقدم المدعو عبد فضة المتهم بقتل علي رضا مع مجموعة من المسلحين، بالتهجم على مركز تابع لحركة «فتح» في حي بستان القدس داخل المخيم. وعلمت «البناء» من مصادر في اللجنة الأمنية العليا في المخيم أن «قائد القوة الامنية الفلسطينية المشتركة في المخيمات اللواء منير المقدح يتهم فضة بقتل المواطن علي البحتي منذ شهرين ما دفع فضة الى القيام بردة فعل على مركز حركة فتح كرسالة الى المقدح وحصلت بعض الاشتباكات في الأيدي إلا أن عصبة الأنصار عملت على تطويق الحادث وثني فضة ومجموعته»، وشددت على أن «الاتصالات بين فتح وعصبة الأنصار والقوى الإسلامية والأجهزة الأمنية اللبنانية أدت الى تعهد عصبة الأنصار بضبط فضة ومجموعته الذين يتواجدون في حي الصفصاف معقل العصبة وأن لا يكرّر فعله مقابل سحب المقدح عناصره من الشوارع الذين استنفروا بعد الحادث».
أبو عرب لـ «البناء»: حملة التسليم أزعجت البعض
وقال قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب لـ «البناء إن «مجموعة فضة خارجة عن القانون وتهجّمت على مركز لحركة فتح وأطلقت النار والشتائم على المسؤولين في الحركة، لكن قوات الأمن الوطني وفتح استنفروا وصدوا الهجوم وعصبة الأنصار تعهدت بمحاسبة المهاجمين». وأوضح أبو عرب أن «حملة تسليم المطلوبين أنفسهم من داخل المخيم للأجهزة الأمنية اللبنانية وتحديداً لمخابرات الجيش أزعج هذه المجموعة، لأن ذلك لا يصب في مصلحتهم وفي المقابل لاقت حملة التسليم ارتياحاً لدى أبناء المخيم والأمن الوطني وساهم بحل المشاكل الأمنية»، لافتاً الى أن «مجموعة فضة وغيرها من المجموعات الخارجة عن القانون والذي نبذها الشعب الفسطيني والمخيم تريد كل الناس مثلها خارجين عن القانون».
وشدد على أن «الأمن الوطني في أعلى درجة الإستنفار والقوى الأمنية اللبنانية تدخلت لحل الإشكال والقوى الاسلامية التي لنا علاقة جيدة معها وأبدت استعداداً لمحاسبة المعتدين»، وشدد أبو عرب على أن «عبد فضة لا يشكل خطراً على أمن المخيم ومجموعته لا تتعدى الـ12 شخصاً والأمن الفلسطيني يمكنه الدخول الى حي الصفصاف واعتقاله لكن لا يريد سقوط دماء وأبرياء داخل المخيم، وطمأن إلى أن لا خطر على المخيم والأمن مضبوط وخطة تسليم المطلوبين مستمرة».
متّهم يسلّم نفسه ومنع محاكمة
وأمس سلم الفلسطيني محمد بسام عمر نفسه لاستخبارات الجيش. وهو متهم باطلاق النار واصابة اشخاص في مخيم عين الحلوة. وأصدر قاضي التحقيق العسكري الاول رياض ابو غيدا قراراً اتهامياً منع فيه المحاكمة عن الموقوف خالد المينا لجهة المادتين 5 و 6 من قانون الارهاب 11/1/58. وكانت النيابة العامة العسكرية ادعت على المينا بموجب المادتين المذكورتين لانتمائه الى مجموعة محمد شمندر في جند الشام التي تعمل داخل مخيم عين الحلوة مع مجموعة محمد الحريري واحمد الناقوزي.
اللواء
سلام لزواره: التأجيل يعني التعطيل
«أزمة في الرابية» وراء تحرُّك حزب الله.. واستقالات طرابلسية بالجملة من «حُماة الديار»
المخرج الذي رست عليه الاتصالات يتمثل بالآتي: تعقد جلسة مجلس الوزراء في موعدها المحدّد، قبل قرار «تكتل الإصلاح والتغيير» تغييب وزيريه عنها، وفي الوقت نفسه لن يدرس المجلس بنوداً ذات أهمية، بل عادية، لا خلاف حولها اصلاً، وبعضها مرجأ من جلسة 18/8/2016 أي الخميس الماضي.
وهذا المخرج، تبلور بالاتصال الهاتفي الذي اجراه الرئيس نبيه برّي مع الرئيس تمام سلام، ويهدف، وفقاً لمصدر مطلع إلى حصر الاضرار ضمن معادلة: «عدم تعطيل الحكومة وعدم تكبير المشكل في البلد».
وسبق التوصّل إلى هذا المخرج سلسلة من الاتصالات والتحركات يمكن ايجازها بالتالي:
1- اتصال الرئيس نبيه برّي بالرئيس تمام سلام وابلاغه ان وزيري كتلة التنمية والتحرير علي حسن خليل وغازي زعيتر سيشاركان في جلسة مجلس الوزراء اليوم، إنطلاقاً من الحرص على عدم تعطيل المؤسسات آخذين بعين الاعتبار ضرورة عدم التطرق إلى أي موضوع يحتاج إلى توافق وطني في ظل غياب وزيري «التيار الوطني الحر»، واللذين ربما يتضامن معهما وزير حزب «الطاشناق» أرتور نظاريان. وفي المعلومات ان الرئيس برّي وضع الرئيس سلام في الموقف الذي أبلغه إلى النائب ميشال عون عبر وزير التربية الياس بو صعب لجهة الحرص على دور التيار في الحكومة والابتعاد عن كل ما من شأنه ان يعرض الاستقرار للخطر وأن لا جدوى من استقالة وزيري التيار في مرحلة تعصف فيها المخاطر بلبنان من كل حدب وصوب. وجاء موقف برّي على هامش ما جرى تداوله مع النواب في لقاء الأربعاء، وحرصه على ان يبتعد التعطيل عن الحكومة باعتبارها المؤسسة الوحيدة التي ما تزال تعمل وتمثل كل المكونات والكتل النيابية. وسيبلغ الوزير خليل المجلس اليوم بأنه أنجز قانون موازنة العام 2016 وانه سيحيلها إلى مجلس الوزراء في أقرب وقت لمناقشتها وتحويلها إلى مجلس النواب.
2- قرار وزراء «اللقاء التشاوري» الذين عقدوا اجتماعاً في دارة الرئيس ميشال سليمان وهم الوزراء: سمير مقبل، أليس شبطيني، عبد المطلب الحناوي، رمزي جريج، بطرس حرب وسجعان قزي حضور جلسة مجلس الوزراء اليوم، بصرف النظر عن موقف أي تكتل سياسي آخر (في إشارة إلى موقف التيار العوني).
3- وإذا كان هؤلاء الوزراء الخمسة المسيحيين بالإضافة إلى وزير المردة روني عريجي والوزيرين نبيل دو فريج وميشال فرعون سيشاركون في الجلسة فيكون عدد الوزراء المسيحيين المشاركين ثلثي عدد الوزراء المسيحيين المشاركين في الحكومة وفقاً لمرسوم تشكيلها الذي هو مناصفة بين المسلمين والمسيحيين (12-12). وكشفت مصادر المجتمعين ان الاجتماع ميّز ما بين الميثاقية المرتبطة بتكوين مجلس الوزراء مناصفة وفقاً للمادة 95 من الدستور، وما بين التمثيل السياسي المتعلق بحزب أو بتيار الذي لا شأن له بالميثاقية بل باللعبة السياسية ليس الا، وقال أحد الوزراء الذين شاركوا في اللقاء لـ«اللواء» انه لا يجوز عند طرح أي قضية لا تعجب فريقاً سياسياً تعطيل الحكومة والتلويح بالفراغ لا سيما في ظل استمرار الشغور في الرئاسة الأولى.
4- تركزت مشاورات السراي على مخاطر تعطيل الجلسة ولمس الوزراء الذين قابلوا الرئيس سلام ان المسألة بالنسبة إليه تتعلق بالمسؤولية الوطنية وأن ليس بإمكانه تأجيل الجلسة لأن من شأن ذلك تهديد مصالح المواطنين.
وكان الرئيس سلام أكّد على خلفية موقفه بتركيزه على كلمة له في حفل تكريم المتفوقين في شهادة الثانوية العامة الذي أقيم في السراي وحضره وزير التربية الياس بو صعب الذي رمى حجراً ثقيلاً بإعلانه ان الدكتور فؤاد أيوب هو الذي سيصبح رئيساً للجامعة اللبنانية مستبقاً تعيينه بقوله: «نشكر الجامعة اللبنانية ممثّلة بمن سيصبح رئيسها»، مؤكداً على التعاون معه.
وتركزت مواقف الرئيس سلام على:
1- أنه ماضٍ في تحمّل المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد، مؤكداً «سنبقى حرّاساً لهذا الهيكل ولن نتراجع ولن نسقط أمام التحدي وسنحفظ الأمانة».
2- وَصَفَ الوضع الحالي بقوله: «نحن وسط أزمة سياسية مستفحلة تعبّر عن نفسها في عجز القيادات والقوى السياسية عن انتخاب رئيس للجمهورية، وتتمثّل هذه الأزمة أيضاً في شلل مجلس النواب أيضاً الذي كان يجتمع 3 مرات في الأسبوع، لم يجتمع سوى مرّة واحدة السنة الماضية وهذه السنة لم يجتمع أبداً».
3- لكن الرئيس سلام حمد الله على «أننا ما زلنا حتى اللحظة رغم رياح الخراب في المنطقة على ما نحن فيه من تماسك داخلي».
وساطة حزب الله
5- وسط الاتصالات الجارية لم تفلح وساطة حزب الله بتأجيل جلسة مجلس الوزراء.
وكشف مصدر مطلع على سير الاتصالات بعد قرار «التيار الوطني الحر» بمقاطعة مجلس الوزراء اليوم، أن اتصالاً» جرى بقيادة «حزب الله» تولاه الوزير جبران باسيل شخصياً ونقل «رسالة عتب» من النائب عون إلى قيادة الحزب، حيث طلب من أمين عام الحزب السيّد حسن نصر الله، من رئيس كتلة الوفاء النائب رعد بإصدار بيانه ثم إرسال الوزير فنيش إلى السراي في خطوة لم توفق في تأجيل الجلسة. وفي معلومات «اللــواء» أن رسالة العتب العوني تضمنت سؤالاً عن كيف يتعامل الحلفاء مع بعضهم وهل يمكن لحزب الله في هذه المرحلة أن يترك التيار وحيداً.وأضافت المعلومات أن العتب جاء معطوفاً بين موقف الحزب بالدعم الكلامي في رئاسة الجمهورية فقط وعدم بذل أي جهة لإقناع أقرب حلفائه أي الحزب بإقناع النائب عون. وبعد أن وضع وزير الحزب محمّد فنيش قيادة الحزب في أجواء اللقاء الذي عقده مع الرئيس سلام في السراي متمنياً عليه إرجاء الجلسة وما سمعه من الرئيس سلام بأنه لا يمكن تعريض الحكومة للشلل وهي المؤسسة الوحيدة التي ما تزال تعمل في البلاد، قررت هذه القيادة حضور جلسة مجلس الوزراء اليوم.
وجاء في النشرة المسائية لقناة «المنار»: «مع الوفاء للتيار الوطني الحر، قرّر حلفاؤه حضور الجلسة رافعين صوتهم داخل الجلسة الحكومية محاولين فرملة أي قرارات استفزازية قد تأخذ البلد إلى مرحلة أكثر تعقيداً». وكان الوزير فنيش قال في دردشة مع «اللواء» بعد لقائه الرئيس سلام: «قرار التكتل بمقاطعة جلسة اليوم لم يُحرجنا، نحن نعتبر أن بقاء الحكومة ضرورة، ولكن لا يمكن أن ننسى أن التيار حليفنا». واستدرك الوزير فنيش مضيفاً: «هناك أمور نتضامن فيها مع التيار ومواقف قد لا نتضامن فيها معه»، ولاحظ «أن هناك إمكانية لتعيين قائد جديد للجيش، ما دام تمّ تعيين ثلاث أعضاء جدد في المجلس العسكري». وفي السياق، كان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد، التي تعقد اجتماعها اليوم، قد دعا إلى تأجيل الجلسة.
الموقف العوني
6- ومع هذه المواقف، أصيب التيار العوني بالإرباك في ظل ما يشبه العزلة التي وضع نفسه فيها، وشنّت وسائله الإعلامية حملة غير مسبوقة على الرئيس سلام وعلى «اللقاء التشاوري» الذين وصفتهم بأنهم «لا يمثّلون سوى 6.3 بالمئة من المسيحيين!». وذهب الوزير بوصعب إلى وصف الجلسة بأنها «غير ميثاقية ما دام التيار العوني لا يُشارك فيها»، مهدداً بالقول «إن الأمور في حال الإنعقاد في غيابنا لن تبقى على ما هي عليه بعد انعقادها».
كتلة المستقبل
7- في هذا الوقت، قال مصدر نيابي في كتلة «المستقبل» لـ«اللواء» أن «وزراء الكتلة يرفضون أي محاولة لتعميم عقلية تعطيل المؤسسات وإفراغها من مضمونها». ووصف المصدر عدم تأجيل جلسة مجلس الوزراء بأنه «تعطيل لغم كان «حزب الله» يسعى من ورائه لتمديد مساحة التعطيل، ودعم قرار حليفه عون بمقاطعة مجلس الوزراء»، متهماً (أي المصدر) حزب الله بالوقوف وراء القرار العوني.
سقوط «حماة الديار»
وفي تطوّر إمني آخر سقطت تجربة «حماة الديار» بالضربة القاضية قبل أن تبدأ وذلك من مدينة طرابلس حيث قدّم عدد من كوادرها إستقالاتهم من الجمعية التي قال الوزير نهاد المشنوق أنه يجمع المعطيات لعرضها على مجلس الوزراء تمهيداً لإلغاء الترخيص لها. وتُشير المعلومات إلى أنه مع افتضاح أمر تلك المجموعة، اتضح أنها تعتمد في معظمها على مجموعات مرتبطة بأشخاص لهم سجلات غير نظيفة ومثيرة للشبهات.
وفي السياق، أرسل وزير العدل اللواء أشرف ريفي كتاباً إلى النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمود للتحقيق في صحة المعلومات حول «حماة الديار» طالبا إجراء المقتضى، معتبراً «أن أفعالها تشكّل جرائم يعاقب عليها القانون فضلاً عن أنها تؤثر سلباً على الاستقرار الأمني الداخلي».
أزمة النفايات
وفي تطوّر خطر يُنذر بعودة أكوام النفايات إلى مناطق في جبل لبنان، بُعيد الاعتصام الذي ينفذه «حزب الكتائب» وآزره أمس الأول «حزب الطاشناق» الذي طلب من رئيس البلدية عدم إدخال شاحنات النفايات إلى مطمر برج حمود، أبلغت شركة سوكلين مجلس الإنماء والاعمار تعذّر جمع النفايات ونقلها من المناطق المعنية بموقع التخزين المؤقت في برج حمود بسبب إقفال مدخل الموقع من قبل البلدية. وجاء في البيان: «نظراً إلى تعذر نقل النفايات من قسم من بلديات المنطقة المشمولة في عقدنا، إلى موقع التخزين الموقت في منطقة برج حمود، وذلك بسبب إقفال مدخل موقع التخزين الموقت من قبل بلدية برج حمود، نتيجة تعثر العمل في مشروع إنشاء المطمر الصحي في هذه المنطقة الناجم عن إقفال الطريق المؤدّية إلى موقع المشروع، أبلغت الشركة مجلس الإنماء والإعمار أنه سيكون متعذراً عليها جمع ونقل النفايات من المناطق المعنية بموقع التخزين الموقت في برج حمود، وذلك في انتظار تعليمات مجلس الإنماء والإعمار في هذا الشأن».
المصدر: صحف