المسألة في الإنتخابات الإسرائيلية ليست مرتبطة بحصول حزب الليكود على ما يُقارب 31 مقعداً في الكنيست، وحزب أزرق أبيض على 33، وفق ما أفرزته النتائج الأولية لغاية الآن، وعدم حصول أي من الحزبين على 61 مقعداً من أصل 120، يعني عدم أحقيَّة أي منهما في تشكيل حكومة دون تحالفات مع الأحزاب الأخرى التي لديها شروط تتناقض الى حدّ التعارُض مع سياسات الليكود.
حالة التخبُّط التي عاشها بنيامين نتانياهو بعد انتخابات نيسان/ إبريل الماضي والتي دفعته الى إجراء إنتخابات مُبكرة منذ أيام، هذه الحالة باقية ومستمرة على ضوء ما أنتجته الإنتخابات الثانية، وحصول معسكر أحزاب اليمين على 56 مقعداً، مقابل 55 لأحزاب اليسار والوسط مجتمعة، مما يُعقِّد مسألة التكليف برئاسة الحكومة، لتأتي بعدها معضلة التشكيل الإئتلافي من وزراء يمثِّلون صراعات أجنحة لم يعرفها الكيان الصهيوني في تاريخه، مع تقدُّم لافت لحجم كتلة النواب العرب التي حصلت على 12 مقعداً.
وبانتظار تبيان نتائج الفرز النهائية للأحجام، ومسار تشكيل الحكومة، يبدو ان من الصعوبة بمكان على نتانياهو العودة رئيساً لها. ويرى الكثيرون من الناخبين الإسرائيليين أن هذه الانتخابات تركزت بالأساس على شخص بنيامين نتنياهو، الذي بقي في الحكم أطول مدة مقارنة بنظرائه، إذ بلغت سنوات حكمه 13 عاما على فترتين، ليتخطى بذلك فترة حكم دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء ل”إسرائيل” بعد إقامتها عام 1948 تاريخ قيام كيانها الغاصب.
ومواكبةً منه لعمليات فرز النتائج، لم يُظهِر نتانياهو لا شعور النصر ولا خيبة الهزيمة، لكنه مهزومٌ بمجرد تقارب نتائجه كرئيس حكومة مع بيني غانتز زعيم تحالف أزرق أبيض الذي رفض أن يكون ضمن حكومة إئتلافية مشتركة مع شخص نتانياهو الغارق بملفات الفساد.
والمتابع لتعليقات الشارع الإنتخابي الإسرائيلي، يتبيَّن له أن الناخبين لا يُبدون أي تعاطفٍ مع محاولات نتانياهو تبييض صفحة فساده، بإنجازات لا تعني لهم شيئاً ونختصرها بثلاثة عناوين رئيسية:
– إعلان يهودية القدس ونقل السفارة الأميركية اليها، بقيت خطوة رمزية يتيمة لا قيمة لها على المستوى الأُمَمي ولم ترفع من رصيد نتانياهو في سباقه الإنتخابي.
– إعلان السيادة الصهيونية على الجولان السوري المحتل، والوعد بإعلان السيادة على غور الأردن في حال فوز نتانياهو، مجرد خطوات محض إنتخابية مشتركة بين سباق نتانياهو للعودة الى رئاسة الحكومة بدعم أميركي، وسباق دونالد ترامب للعودة الى البيت الأبيض عبر استرضاء صهاينة أميركا.
– عنصرية خطاب نتانياهو التي حاول من خلالها تغطية خيبة النتائج الإنتخابية، بضرورة تشكيل حكومة صهيونية مُتمسِّكة بيهودية “دولة إسرائيل”، في رسالة عدائية منه الى كتلة النواب العرب لإستبعادهم عن أية مباحثات تتَّصل بتشكيل الحكومة، لم تؤثر لا على اليمين الإسرائيلي ولا اليسار، لأن العنصرية الصهيونية لا تسكن نتانياهو وحده، بل كل الطبقة السياسية والحزبية الإسرائيلية من يمينها الى يسارها، وكل ما يُشغِل الإسرائيليين اليوم، هو في كيفية إزاحة نتانياهو أو تحجيمه على الأقل، لأنه على مستوى السياسة الخارجية فشِل في فرض هيبة إسرائيل التي أصيبت بالنكسات في العدوان على سوريا والعراق ولبنان وقطاع غزة بمواجهة محور المقاومة، والخوف الأعظم هو في محاولة نتانياهو توريط إسرائيل في مواجهة غير متكافئة مع إيران، معتمداً على حلفاء عرب انهزموا في اليمن ولا يستطيعون مواجهة مُسيَّرات شلَّت آخرها الإقتصاد السعودي على مدى الأشهر القادمة، وخيبات نتانياهو هذه، ساهمت الى حدٍّ كبير في استهدافه بصناديق الإقتراع، خاصة لجهة النقمة على مستوى السياسة الداخلية وعَبَثَه بالمال العام، وبات مصيره أقرب الى مواجهة القضاء ليلقى كل ألوان الإذلال بعد خسارته أمام “أزرق أبيض”…
المصدر: موقع المنار