ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الخميس 8 آب 2019 على تداعيات حادثة قبرشمون وجديدها، دخول السفارة الأميركية مباشرة على خط التوتر السياسي القائم في البلد…
* الاخبار
بيان السفارة: وقاحة بلا تأثير
دخلت البلاد في عطلة الأعياد، التي تعطّلت معها المساعي إلى حل معضلة عدم انعقاد مجلس الوزراء. لكن الجديد دخول السفارة الأميركية مباشرة على خط التوتر السياسي القائم في البلد، فاصطفت إلى جانب النائب وليد جنبلاط في وجه «من يحاولون استغلال جريمة قبرشمون لأهداف سياسية». وأصدرت بياناً وقحاً يتخطى كل الأعراف الديبلوماسية، من دون أن يكون له أي وقع على الأرض
من جريمة قبرشمون، عاد التدخل الأميركي في الشأن اللبناني إلى أوقح صوره. صحيح أن الحضور الأميركي الصلف ليس غريباً عن لبنان. إلا أن واشنطن التي اعتادت فرض الرعب على المصارف والمتعاملين بالدولار، ولا تتوانى عن الضغط على الاقتصاد وبعض السياسيين، وكذلك فرضت نفسها بالقوة مصدراً شبه وحيد لتوريد السلاح والعتاد العسكري للجيش اللبناني، لم يكن ينقصها سوى أن تعطي رأياً بجريمة وقعت على الأراضي اللبنانية، ولا تزال أمام القضاء. وهي فعلت ذلك أمس، بشكل يشكّل سابقة، لم تحدث منذ العام 2005، يوم كانت السفارة الأميركية شريكاً مضارباً لفريق 14 آذار في «ثورة الأرز». فقد أصدرت السفارة، أمس، بياناً أكدت فيه «دعم الولايات المتحدة المراجعة القضائية العادلة والشفافة دون أي تدخل سياسي». واعتبرت أن «أي محاولة لاستغلال الحدث المأساوي الذي وقع في قبرشمون في 30 حزيران الماضي بهدف تعزيز أهداف سياسية، يجب أن يتم رفضها». كما أشارت إلى أن الولايات المتحدة «عبّرت بعبارات واضحة إلى السلطات اللبنانية عن توقعها أن تتعامل مع هذا الأمر بطريقة تحقق العدالة دون تأجيج نعرات طائفية ومناطقية بخلفيات سياسية».
الانطباع الأول الذي ساد عند أكثر من جهة سياسية، كان نجاح وليد جنبلاط في حملة التحريض على حزب الله واستجداء الدعم من السفارات الغربية والعربية. فبيان السفارة لا يُقرأ إلا بوصفه موجهاً ضد حزب الله وحلفائه، ومن بينهم رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر. كما يوحي أنه استكمال للمؤتمر الصحافي الذي عقده الوزير وائل أبو فاعور واتهم فيه عدداً من وزراء «تكتل لبنان القوي» بالضغط على القضاء. أضف إلى أنه يحذر من تأجيج النعرات الطائفية، فيما واشنطن لا تتوانى عن تحريض بعض اللبنانيين على بعضهم الآخر. لكن ماذا بعد؟ أين يُصرف هذا البيان في السياسة اللبنانية؟ أو بشكل أدق، كيف سيستفيد منه جنبلاط؟
أين يصرف جنبلاط الدعم الأميركي؟
كل المعطيات تشير إلى أن الزعيم الاشتراكي لن يكون أفضل حالاً بعد البيان من قبله. إذا كان حزب الله وحلفاؤه يريدون عزله، فكيف سيساهم بيان كهذا بتغيير هذا الاتجاه؟ ما هي أدوات أميركا التي يمكن أن تستعملها لفرض توجهاتها على الأرض؟ كل سلوكها يشير إلى أنها تملك سلاحاً واحداً، هو السلاح المالي – الاقتصادي. وعلى ما تُبين التجربة، فإن هذا السلاح الثقيل، أصاب الاقتصاد اللبناني بمقتل، وأدى إلى ارتهان النظام المصرفي كلياً للخزانة الأميركية ولأوامرها، إلا أن تأثيره على «حزب الله» يكاد لا يُرى. فلا هو جزء من النظام المصرفي ولا هو مهتم بلوائح الإرهاب المتتالية حتى يتأثر ببيان من فقرتين. هذا لا يعني أن البيان ليس خطراً. لغته استثنائية في عالم الديبلوماسية. هي أقرب إلى لغة المنتدبين. لكن بالرغم من ذلك، وبالرغم من أن البيان يشكّل اعتداءً على السيادة وتدخلاً في القضاء، من بوابة انتقاد التدخل فيه، إلا أنه حتى ليل أمس، لم يكن قد صدر أي موقف رسمي منه. في المقابل، فإن مصادر رسمية اعتبرت ان «البيان يشكل تدخلاً في الشأن اللبناني، وبطريقة غير معتادة، فالكل يعرف أن السفارة تعبّر عن موقفها من الشؤون اللبنانية خلف الأبواب المغلقة، أما إصدار بيان علني بذلك، فيشكل سابقة يفترض أن تلقى الرد من وزارة الخارجية». يكفي أن تعود الوزارة إلى أرشيفها لتتذكر ما فعله وزير الخارجية علي الشامي في العام 2011. حينها استدعى السفيرة مورا كونيللي، بعد زيارتها للنائب نقولا فتوش ومحاولتها التأثير على موقفه من الاستشارات النيابية، وقال لها إن تصرفها يشكل تدخلاً في الشؤون اللبنانية وخرقاً للأعراف الدبلوماسية ولأصول التمثيل الأجنبي. رسالة أمس أشد فجاجة من زيارة كونيللي ولم يتبين بعد كيف ستتعامل «الخارجية» معها.
هل يستدعي باسيل السفيرة الأميركية كما فعل علي الشامي؟
أما جنبلاط، علة البيان وحجّته، فيدرك تماماً أن أميركا، وفي ذروة قوة «14 آذار»، لم تتمكن من فرض واقع جديد في لبنان. ولذلك تحديداً فإن الديباجة الأميركية لن تفيده، لا بل قد تساهم في زيادة الضغط عليه لا العكس. ليس مصدر الضغط هو القوى المناوئة له حالياً، بل حقيقة أن انضمام البيك إلى المحور الأميركي مع تلاحق انكساراته في المنطقة وعجزه عن تحقيق أي انتصار صريح في معركته مع محور المقاومة، إن كان في سوريا أو اليمن أو العراق وصولاً إلى الخليج، لن يكون في صالحه. فأميركا التي يستنجد بها جنبلاط غير قادرة حتى على تشكيل تحالف في الخليج للوقوف في وجه السيطرة المطلقة لإيران على مضيق هرمز. وأميركا التي يستنجد بها، لن تتأخر قبل أن تغرق في انتخاباتها الرئاسية، مع ما يشكّله ذلك من ابتعاد تلقائي عن المشاكل الخارجية. وعليه، فإن جنبلاط لن يكون أمامه سوى إنهاء جولاته على السفراء والعودة إلى البحث عن السبيل لعودة الحوار مع حزب الله، وربما مع سوريا.
بعيداً عن البيان وتداعياته، لم يشهد يوم أمس أي تقدم في المساعي الآيلة إلى انعقاد مجلس الوزراء، والاتفاق على حل لقضية قبرشمون. بل على العكس بقيت المواقف على تشنجها.
وإذ أكد الوزير جبران باسيل عدم السماح بمشكل درزي مسيحي في الجبل، فقد أشار إلى أن «قطع الطريق والاعتداء في قبرشمون حصل على وزراء ونواب يزورون مناطقهم وناسهم، الوقائع واضحة ولن يستطيع أن يتهرب منها أي قضاء عسكري أو عدلي أو جنائي».
وشدد باسيل على «إننا لن نستأذن أحدا لندخل إلى بيوتنا في الجبل ولن نسمح بالاقطاعيات السياسية والقضاء من واجبه الدفاع عنا والجيش من واجبه أن يحمينا وكل تعاطينا ما قبل حادثة قبرشمون وما بعد الحادثة هو مفهوم الدولة».
«نَصبة» مبنى «تاتش»: شركات وهمية و«تزوير» و«سرقة» للمال العام
يشكّل شراء مبنى «تاتش» الجديد إحدى أبرز عمليّات «الاحتيال» الحاصلة في الدولة اللبنانية. العمليّة التي صوّرها وزير الاتصالات محمد شقير بوصفها إنجازاً، ليست إلّا محاولة لـ«مسح الأوساخ» التي خلّفها سلفه جمال الجرّاح، وكبّدت الخزينة العامّة التي تئنُّ من عجز قد يودي بها إلى الإفلاس، مبلغ 75 مليون دولار أميركي! إليكم قصّة مبنى «تاتش» الجديد من ألفها إلى يائها
بدأت القصّة مطلع العام 2018 عندما بدأت شركة «تاتش» (المشغّلة لإحدى شركتي الهاتف الخلوي المملوكتين من الدولة) البحث عن مبنى جديد لاستئجاره ونقل مكاتبها الإدارية إليه، بدلاً من المبنى القديم الذي كانت تشغله في المدوّر بالقرب من شركة كهرباء لبنان. وهو ما تعتبره مصادر متابعة للملف «منافياً لكل منطق اقتصادي، خصوصاً أن إيرادات الشركة كانت تعاني تراجعاً كبيراً، ما انعكس تراجع التحويلات إلى الخزينة العامّة بنسبة 20% مقارنة مع العام 2017»، لكن، وفقاً للمصدر نفسه، فإن «القرار اتخذ من قبل رئيس مجلس إدارة تاتش بدر الخرافي ووزير الاتصالات حينها جمال الجرّاح. ورسا الخيار على مبنى في وسط المدينة في العقار رقم 1526/ الباشورة تملكه شركة «سيتي ديفلوبمنت»، المملوكة بنسبة 48% من نبيل كرم و26% من نجيب كرم و26% من ناجي كرم. وقد تمّ التواصل مع نبيل كرم والاتفاق معه على استئجار البلوكين B وC من العقار المذكور».
كان يفترض بهذه العملية أن تكون عادية، باستثناء رغبة الشركة باستئجار مبنى في وسط المدينة حيث قيمة الإيجارات مرتفعة بدلاً من المبنى القديم. إلّا أن الآلية التي حصلت بموجبها الصفقة سمحت بالاشتباه في أن يكون الخرافي (عبر مقربين منه) أحد أبرز المستفيدين منها (إضافة إلى آخرين لم تظهر أسماؤهم في السجل التجاري، ويُعتقد أنهم وقّعوا عقوداً في الباطن مع آخرين من المستفيدين من الصفقة).
الصفقة «السحرية» قضت بأن تستأجر «تاتش» المبنى (البلوكين B وC) من شركة تأسّست فجأة خلال التفاوض على استئجار المبنى. وبموجب عقد الإيجار، ستحصل الشركة على قرض مصرفي بقيمة 22 مليون دولار، لشراء المبنى (البلوكين B وC)! وستسدّد أقساط القرض من الإيجار الذي ستحوّله «تاتش» لها. وكل ذلك كان سيجري من المال العام، ومن دون دفع أي مبلغ من الأموال الخاصّة لأصحاب الشركة!
مجريات الصفقة
في الواقع، وفي سياق التفاوض على استئجار المبنى، تمّ تأسيس شركتين؛ الأولى باسم AC Realty Group في 26/4/2018، التي يملك 998 سهماً منها حسين عيّاش، الذي يعمل مديراً في Audacia Capital، وهي شركة استثمارات في دبي، ويعدّ من المقرّبين من حسن فوّاز المحسوب بدوره على الخرافي وكان يعمل معه في الشركة نفسها، وفي «قطر فرست بنك»، وعاد وحصل على عقد صيانة مبنى «تاتش» الجديد بقيمة مليون دولار. بسحر ساحر، وبعد انكشاف دوره في الشركة، استقال عياش، أمس، من الشركة، وتخلى عن أسهمه فيها. كذلك يملك كلّ من سيرج عيروط وعلاء مروة (وهما محاميان لنبيل كرم) سهما واحداً في الشركة التي اتخذت مقرّاً لها في إحدى غرف مكتب المحامية ماري أنطوانيت غسطين عيروط (والدة سيرج عيروط) في بدارو. أما الشركة الثانية فقد حملت اسم BC 1526 وتأسّست في 2/5/2018، أي بعد ستة أيام من تأسيس الشركة الأولى، ويملكها نبيل كرم (2890 سهماً) وكلّ من مينرفا دهان ومارون الحلو (10 أسهم لكلّ منهما) وهما موظّفان في شركة كرم أيضاً.
وفقاً لمحاضر الجمعيات العمومية التي عقدتها AC Realty Group، في 24/5/2018 و6/7/2018، بحضور كلّ من حسين عيّاش وسيرج عيروط وعلاء مروة، وحصلت عليها «الأخبار»، كان الهدف أن تقوم هذه الشركة بالتكافل مع شركة BC 1526 بـ«الاستحصال على قرض مالي طويل الأجل من فرنسبنك بقيمة 22 مليوناً و174 ألف دولار أميركي لتمويل عملية شراء البلوكين B وC، في مقابل، التنازل لصالح فرنسبنك عن كامل المبالغ الناجمة عن بدلات الإيجار المعقود مع شركة «ميك 2» (المعروفة باسم «تاتش»)، وذلك وفقاً لشروط عقدي الإيجار والقرض الذي سيوقّع مع المصرف، وضمن حدود قيمة القسط السنوي المتوجّب للمصرف بما فيه قيمة الفوائد والعمولات».
استأجرت «تاتش» البلوكين B وC من AC Realty
لتتمكّن الأخيرة من الحصول على قرض ب
قيمة 22 مليوناً لشراء
هذين البلوكين
وقد أتبعت بجمعية عمومية عقدتها شركة «سيتي دفلوبمنت» في 11/7/2018 تم خلالها الاتفاق على «إدخال شركتي BC 1526 وAC Realty Group ضمن عقد التأمين (أي رهن العقار) الممنوح من قبلها لفرنسبنك كضمانة لجميع المبالغ المتوجّبة أو ستتوجّب بذمّة AC Realty Group وBC 1526 لفرنسبنك، والمحدّدة بثمن شراء البلوكين B وC مع الفوائد المترتبة عليها والرسوم كافة، ولا سيما رسوم التسجيل، بالإضافة إلى ضمان دين شركة سيتي دفلوبمنت مالكة العقار». وبعد يومين، أي في 13/7/2018، تمّ توقيع عقد الإيجار بين AC Realty Group و«تاتش» لمدة 10 سنوات، بقيمة 6.4 مليون دولار للسنة الأولى تم دفعها في حينها، على أن ترتفع هذه القيمة بنسبة 1.5% سنوياً ليصل مجموعها إلى 68 مليوناً و500 ألف دولار (علماً أن محاضر الشركة تبيّن أن عقد الإيجار أبرم منذ نيسان 2018).
هذه الوقائع تؤكّدها محاضر الجمعيات العمومية الخاصة بالشركة بالتفاصيل ومن دون أي لبس، بحيث كان من المفترض أن يتملّك عيّاش (الغطاء المفترض لبدر الخرافي) البلوك المذكور ودفع ثمنه كاملاً بعد عشر سنوات كحدّ أقصى من المال العام، إلّا أن انكشاف الفضيحة أعاد خلط الأوراق مجدّداً، وصولاً إلى شراء العقار من قبل تاتش لتغطية العملية برمّتها. والدليل أنه بتاريخ 30/7/2019 عقدت «سيتي دفلوبمنت» جمعية عمومية تم الاتفاق خلالها على «بيع كامل العقار 1526 أو أقسام منه»، فيما وقّع عقد البيع في اليوم التالي (31/7/2019) مع شركة «ميك 2» بقيمة 68 مليوناً و600 ألف دولار (وهو مبلغ يضاف إلى مبلغ الـ6.4 مليون التي دفعت لـAC Realty Group). وقد تمّ تحويل الدفعة الأولى بقيمة 23 مليوناً و600 ألف دولار في 3/8/2019 على أن تستحق في 8/8/2019، أي بتاريخ اليوم، وبعد يوم واحد من «تسجيل استقالة حسين عيّاش من مجلس إدارة AC Realty (يوم أمس في 7/8/2019) وتخلّيه عن كامل أسهمه لصالح نجيب كرم».
تضارب التصريحات
يصرّ نبيل كرم على نفي كلّ هذه الوقائع الواردة في محاضر الجمعيات العمومية، ويقول لـ«الأخبار» إنه يملك العقار مع شقيقيه نجيب وناجي، «وأنا لست واجهة أو غطاءً لأحد من السياسيين»، ويضيف: «تمّ التواصل معي من قبل أحد السماسرة ويدعى سمير برّاج، مطلع العام الماضي، وأخبرني بأن الشركة تبحث عن مبنى لاستئجاره، وقد أبديت اهتمامي بالصفقة، خصوصاً أن الوضع العقاري في لبنان يعاني ركوداً، وكان من الجيّد بالنسبة لي تأجير المبنى الذي أنهيت بناءه نهاية العام 2017. طلبت بداية مبلغ 8 ملايين دولاراً بدل إيجار سنوي، ثمّ توصّلنا إلى مبلغ 6.4 مليون دولار». ونفى أن يكون عقد الإيجار قد وقّع مع AC Realty عارضاً عقد إيجار مختلف يشير إلى أن «سريان العقد وبالتالي دفع موجباته تبدأ في 1/4/2019، على أن تكون الفترة السابقة بمثابة فترة سماح»، وهو ما يتناقض مع تصريحه بأنه استلم قيمة إيجار السنة الأولى «منذ آب 2018».
ويتابع كرم: «بعد توقيع عقد الإيجار، ألغينا كلّ العقود المبرمة مع الشركات التي كانت قد اشترت طبقات في المبنى أو أبدت اهتماماً بذلك، ودفعنا تعويضات لها ومن ضمنها شركة AC Realty Group التي حصل صاحبها على مبلغ 200 ألف دولار فقط (قبل يوم وفي اتصال معه، أبلغنا كرم بأنه دفع 1,8 مليون دولار لعياش!)، وتنازل بموجبها عن كامل الأسهم لصالح شقيقي منذ العام 2018، علماً أنه لم يكن قد دفع ثمن الطبقات في المبنى، ومن ثمّ قرّر الوزير الحالي شراء البلوكين، علماً أنني لا أعرفه سابقاً والتقيته قبل شهر واتفقنا على بيع العقار بقيمة 75 مليون دولار، وهي صفقة تناسبني خصوصاً أن معدّلات الفائدة ارتفعت من 8% إلى 12% خلال عام واحد».
انكشاف فضيحة الإيجار أعاد خلط
الأوراق مجدّداً وصولاً إلى شراء
العقار لتغطية العملية
برمّتها
ما يقوله كرم يتعارض مع التواريخ والوقائع المعروضة في محاضر الجمعيات العمومية، وكذلك مع ما صرّح به عيّاش في اتصال مع «الأخبار»، أمس، إذ أشار إلى أن «الصفقة لم تتمّ لأسباب لا أعرفها (على الرغم من أنه المساهم الأساسي في الشركة وحضر كلّ جلساتها العمومية)»، وبأنه لم يتلقَ «قرشاً واحداً» للتخلّي عن حصّته فيها. أمّا عن علاقته بكلّ من حسن فوّاز وبدر الخرافي فأشار إلى أن «فوّاز صديقي مذ كنا ندرس في London Business School في دبي (التي تابع فيها الخرافي دراسته أيضاً)، وعملنا معاً في «قطر فرست بنك» وفي Audacia Capital، أمّا بدر الخرافي فلا أعرفه إطلاقاً!». وقال عياش إنه مضطر لإقفال الخطّ كي لا يتأخّر على موعد طائرته من بيروت إلى دبي، طالباً منا التواصل مع محاميه الذي لا يعرف اسمه أيضاً(!) وواعداً بمعاودة الاتصال في وقت لاحق من يوم أمس، وهو ما لم يحصل.
المحامي سيرج عيروط، وعلى عكس موكله (نبيل كرم) وعيّاش، أكد أن «عيّاش كان يعمل على جلب مستثمرين لشراء طبقات في العقار، وقد بدأ بدفع ثمن الطبقات التي اشتراها (إثنتين). لكن عندما تمّت صفقة البيع مع «تاتش»، تمّ فضّ الصفقة معه منذ عام 2018 واستملك ناجي كرم حصّته في الشركة». وعن سبب عدم ورود هذه الوقائع في السجل التجاري، ردّ عيروط: «غداً أسجّلها ويمكنك الاستحصال عليها»!
هذه الأجوبة المتناقضة، فضلاً عن اختلافها مع محاضر الجلسات العمومية والسجلات التجارية، تدفع إلى التشكيك أكثر في صحّة كلّ ما يقال، وتستدعي تحرّك الهيئات الرقابية فوراً لفتح تحقيق جدي لكشف كلّ الملابسات، ومساءلة كلّ من إدارة «تاتش»، ممثلة ببدر الخرافي المشتبه باستغلاله منصبه لمنفعة خاصة، وأعضاء مجلس الإدارة، وهيئة مالكي شركتي الهاتف الخلوي، ووزيري الاتصالات الحالي والسابق حولها.
«دولرة» اقساط الجامعات: «تطمينات» الادارات لا تُطمئن!
«تطمينات» إدارات بعض الجامعات الخاصة بشأن قرارها دولرة فواتيرها لم تطمئن أحداً. حاولت هذه الجامعات الالتفاف على الخشية التي أثارتها قراراتها بربط الأمر بالانضواء في شبكات جامعات عالمية. إلا أن الحقيقة تبقى هي هي: لا ثقة لدى هذه الإدارات بالعملة المحلية، وعلى الطالب وحده تحمّل مخاطر أي انهيار مالي
المشكلة في قرارات إدارات الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية وجامعة بيروت العربية «دولرة» فواتير الأقساط والسكن وغيرها، لا تكمن في أي عملة سيدفع الطلاب ما يستحق عليهم، بل في ربط قيمة هذه المستحقات بسعر صرف الدولار. يعني ذلك، باختصار، أن قيمة الأقساط وبقية المصاريف يمكن أن تتضاعف في حال تعرُّض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي لأي تدهور. وبالتالي لا قيمة فعلية لـ«تطمينات»، من قبيل تلك التي صدرت عن الجامعة الأميركية أمس، عبر الإيحاء بأن «المدفوعات يمكن أن تكون بأي من العملتين الليرة أو الدولار». كذلك فإنه لا حجة إقناع قوية لدى بعض هذه الإدارات عبر التذرع بأن الدولرة سببها الانضمام إلى ما يسمى «نظام القبول العالمي». إذ إن الجامعات الأخرى المنضوية في النظام نفسه في بقية البلدان تحدّد أقساطها بالعملات المحلية، من دون ربطها بسعر صرف الدولار.
وبحسابات بسيطة، أوضحت مصادر طلابية في «الأميركية» أن اعتماد سعر لصرف الليرة إزاء الدولار يبلغ 1540 ليرة مثلاً، سيزيد القسط 300 ألف ليرة في الفصل الدراسي الواحد (semester).
حركة «غيّر» الطلابية في الجامعة اللبنانية الأميركية تحدثت هي الأخرى عن قلق يساور معظم الطلاب وعائلاتهم من أيّ تغيير في سعر الصرف، ولذي يحدد بحسب اليوم الذي يدفع فيه المبلغ. وفي مثال افتراضي، أشارت الحركة إلى أنّ طلاب إدارة الأعمال مثلاً يدفعون سنوياً نحو 20 ألف دولار، ما يعني وفق سعر الصرف الحالي نحو 30 مليون ليرة. ولكن في حال وصول سعر صرف الدولار الى 2000 ليرة مثلاً، سيرتفع المبلغ تلقائياً نحو 40 مليون ليرة. الحركة لفتت إلى أن الجامعات الأميركية في الخارج تتعامل مع الرسوم الدراسية بالعملات المحلية (اليورو في الجامعة الأميركية في باريس، الدرهم في الجامعة الأميركية في الشارقة، والجنيه الإسترليني في جامعة ريتشموند في المملكة المتحدة مثلاً). ورأت أن استخدام الجامعة اللبنانية الأميركية سعراً ثابتاً بالدولار الأميركي واشتراط الجامعة الأميركية في بيروت دفع الرسوم بالدولار «يظهران عدم ثقة بالعملة المحلية».
إزاء هذه الحركة الاعتراضية للطلاب، سارعت الجامعات إلى إصدار ردود تبرر موقفها. فقد تلقى أمس طلاب الجامعة الأميركية، عبر بريدهم الإلكتروني، رسالة من رئيس الجامعة فضلو خوري، أمس، شرح فيها أن «القرار موضع بحث ونقاش منذ أكثر من عام، ولا علاقة له بالوضع الاقتصادي أو المالي في لبنان راهناً، بل يعود إلى انضمام الجامعة إلى نظام دولي للقبول تعتمده أكثر من 800 جامعة من الجامعات الراقية الموجودة في أكثر من 20 دولة». إلا أن مصادر طلابية في الجامعة قالت إن «بعض الجامعات الأميركية المنضوية في اطار نظام القبول العالمي (common app) تعتمد العملة المحلية للبلد الذي تعمل فيه».
اعتماد سعر 1540 ليرة للدولار يزيد
القسط 300 ألف ليرة
في الفصل الدراسي
الواحد
خوري أشار إلى «أننا لا نتوقع من القرار أن يخلق صعوبات إضافية للطلاب، باعتبار أنّ تسديد المدفوعات يمكن أن يكون بأيٍّ من العملتين الليرة أو الدولار، لكن بحسب سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق». وأبدى الاستعداد التام للحوار، شرط أن يكون النقد ناجماً عن اهتمام صادق بمصلحة المؤسسة، «ولكن في هذه الحالة يبدو أن الادعاءات الموجهة إلى جامعتنا وجامعتين أخريين هي تنبيه لخطر في غير محله، بل إن من دواعي القلق أن يخلق هذا النقد سيناريو القلق ذاته الذي يدعي أنه يعارضه».
وكانت الجامعة اللبنانية الأميركية وجامعة بيروت العربية قد استغربتا زجّ اسميهما في هذا الملف. وفي بيان أصدرته «العربية» أمس، أكدت أنها لم تتخذ أي قرار أو إجراء جديد، «علماً بأن الطالب، منذ سنوات طويلة، يدفع بالليرة اللبنانية أو ما يعادلها، وفق كلفة الساعة المعتمدة والمعلنة عبر موقع الجامعة الرسمي، مع مراعاة دخل كل شرائح المجتمعين اللبناني والعربي».
أما الجامعة اللبنانية الأميركية، فأوضحت، في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني قبل يومين، أنها درجت على تقاضي الأقساط الجامعية بالدولار منذ ثماني سنوات، ولم تضع يوماً أي شرط على الطلاب لسداد أقساطهم بأي عملة أجنبية، بل «قدمت وتقدم لهم جملة خيارات تحسساً بأوضاعهم الاجتماعية الصعبة، وبما يضمن مساعدتهم على تجاوزها». وأعلنت أن «أبوابها مشرعة للطلاب وأهاليهم ولجان الطلاب والأندية للاستفسار عن أي موضوع، ولا سيما ملف الأقساط».
مشروع قتل «الأونروا»: استكمال اقتلاع الفلسطــينيين
تتحوّل قضية النزاهة إلى نكتة سمجة عندما توضع في سياق وقف التمويل من ثلاث دول أوروبية لـ«الأونروا»، بدعوى وجود فساد في الأخيرة. فالفساد ليس موضوعاً جديداً في أدبيات الأمم المتحدة، إذ سبق أن كُشف عن فضائح كبيرة، لكنها مرت من دون محاسبة أو فعل، بل إن بعضها أماطت اللثام عنه أطراف فلسطينية. أما أن يتحول تقرير «لجنة الأخلاقيات»، بغضّ النظر عن صحته، إلى سبب وجيه كما ترى دول وازنة مثل بلجيكا وهولندا وسويسرا لوقف تمويل الوكالة الدولية في هذا التوقيت بالذات، فهو رد فعل يفوق بكثير ما يتحمّله الموضوع، ويُظهر بلا أدنى مواربة لحاق القارة العجوز بالسيد الأميركي. مشهدٌ يُنهي ما حُكي كثيراً عن قصة النزاهة الأوروبية وقدرة بروكسل على فرملة واشنطن، ولا سيما من طرف السلطة الفلسطينية التي لم تستطع حتى تحصيل «اعتذار» من بريطانيا (قبل خروجها من الاتحاد) على نكبة فلسطين. وإذا ما شاركت دول أخرى في وقف التمويل، فإن الحلم الإسرائيلي بإنهاء «الأونروا» يكاد يكون قريباً.
أخيراً، وجدت بعض الدول الأوروبية الذريعة التي ستمكّنها من الالتحاق بسيّدها الأميركي، وبحليفها الإسرائيلي، على مستوى مخطط تصفية «الأونروا»، الجاري تنفيذه في السنوات الأخيرة. لم يتوقف الطرف الإسرائيلي عن استهداف الوكالة الدولية منذ نشأتها نتيجة لدورها الخدماتي بين اللاجئين الفلسطينيين، ولارتباطها التاريخي والرمزي بقرارات الأمم المتحدة الخاصة بحق عودتهم إلى أرضهم. تدمير «الأونروا» في نظر الطرف الإسرائيلي، ونظر فريق دونالد ترامب الذي يقف على يمين بنيامين نتنياهو أيديولوجياً وعقائدياً، شرط لا بد منه من أجل تسريع عملية تشتيت اللاجئين وتهجيرهم نحو بقاع العالم المختلفة والقضاء على حقهم بالعودة. إذ لا مكان للفلسطيني في فلسطين، ولا في جوارها، بالنسبة إلى أصحاب المشروع الصهيوني الاستيطاني والإحلالي.
لاستكمال عملية الاستيطان والإحلال، لا يكفي اقتلاع الفلسطيني من أرضه، بل المطلوب اقتلاعه من الجوار عندما يكون ذلك ممكناً. هذا ما حاولت إسرائيل وحلفاؤها فعله خلال غزوها لبنان عام 1982 وتدميرها غالبية المخيمات وارتكابها المجازر بحق أهاليها. وما أظهره عدد من الوثائق يثبت أن هذه المجازر، وأبرزها صبرا وشاتيلا، اندرجت ضمن استراتيجية الاقتلاع. الاستراتيجية نفسها مستمرة حتى اليوم، ولكن على نار هادئة، وهدفها الحالي قتل «الأونروا». الأميركيون، ومن يتبعهم من الأوروبيين، شركاء في الجريمة، والحجة التي يطرحونها لتبرير وقف تمويلهم للوكالة ــــ تهمة «الفساد» ــــ إهانة لذكاء الفلسطينيين والعرب وبقية شعوب العالم.
بعد سويسرا وهولندا، أعلنت بلجيكا تعليقها تمويل «الأونروا» بعدما كشف تقرير لمكتب الأخلاقيات التابع للأمم المتحدة عن «سوء إدارة واستغلال سلطة من مسؤولين على أعلى مستوى في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين». التقرير ذكر «انتهاكات خطيرة للأخلاقيات» يطاول بعضها المفوض العام للوكالة، بيير كرانبول، وتضمّن اتهامات لبعض كبار مسؤوليها بالتورط في «سلوك جنسي غير لائق ومحاباة وتمييز وغيرها من ممارسات استغلال السلطة لمنافع شخصية وقمع المخالفين بالرأي تحقيقاً لأهداف شخصية». بلجيكا كانت قد دفعت مساهمتها السنوية في تمويل «الأونروا»، وقدرها 6.25 ملايين يورو، لكنها ستمتنع عن دفع مساهمة إضافية كانت مقررة وقيمتها 5.35 ملايين يورو. الأمر نفسه ينطبق على سويسرا التي دفعت 22.3 مليون فرنك سويسري، لكنها ستعلق أي مساهمات أخرى. أما هولندا، فأعلنت تعليقها مساهمتها السنوية وقدرها 14.5 مليون دولار.
وقف التمويل بحجة الفساد يبعث
على السخرية لولا أنه مرتبط
بتهجير الفلسطينيين
قد تكون جميع الاتهامات الواردة في تقرير «لجنة الأخلاقيات» صحيحة. المشكلة/ المهزلة لا تكمن في الصحة أو العكس. السؤال الذي يفرض نفسه فرضاً هو: منذ متى يتوقف تمويل وكالة تابعة للأمم المتحدة بسبب فساد مسؤول أو مسؤولين فيها؟ نحن أمام سابقة في معقل للفساد هو الأمم المتحدة نفسها، تُعتمد فيه سياسة التعتيم على الفساد وعدم المحاسبة عندما ينكشف لسبب أو آخر. هذا ما أوضحته الكاتبة والصحافية الكينية، رسنا وراح، التي رأست تحرير تقارير صادرة عن الأمم المتحدة بين 1994 و2009، في كتاب بعنوان «كسر الصمت: فضح ثقافة الأمم المتحدة للتعتيم على الفساد وغياب المحاسب».
بدأت وراح اكتشاف وجود الفساد داخل المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، للمرة الأولى، عام 2009، عندما زارت مع المديرة التنفيذية لـ«برنامج الأمم المتحدة للحق بالسكن» (UN-Habitat)، آنا تيبايجوكا، البحرين، للترويج لمشروع المدن «المستدامة» التي يسعى البرنامج المذكور إلى المساعدة على تشييدها. خلال الزيارة، سأل المسؤولون البحرينيون عن كيفية استخدام هبة بقيمة مليون دولار كانوا قد قدموها إلى البرنامج، ما أربك المديرة التنفيذية. بعد عودتها إلى كينيا، اكتشفت وراح أن ما لا يقل عن 350000 دولار اختفت تماماً. وعندما سألت المسؤولين عن الموضوع، غضبوا منها وهددوها بمقاطعتها تماماً.
هي علمت بعد ذلك أن اسم رئيس وزراء البحرين وضع على لائحة شرف البرنامج تقديراً «للجهود التي بذلها لرفع مستوى معيشة البحرينيين». فهمت وراح أن القيّمين على البرنامج اشتروا بهذه الطريقة صمت البحرين عن سرقة المبلغ المذكور.
أيضاً، سعت الكاتبة الكينية لمعرفة المنهجية المعتمدة من أجل عمل الإحصاءات والتقارير عن حال المدن في العالم، وسرعان ما توصلت إلى استنتاج أن هناك مبالغات مقصودة في حجم بعض المشكلات، ونشراً لإحصاءات لا تستند إلى أي بحث علمي وميداني. هي خلصت إلى أن هناك «صناعة للمعطيات»، أي تزويراً متعمّداً، من أجل الحصول على التمويل والمساعدات والهبات من مؤسسات ووكالات تابعة للأمم المتحدة.
وقد وجّهت اتهامات إلى معدّي عدد من التقارير باختراع «مجاعات» في الصومال، من دون أي أساس، لاجتذاب التمويل، ولتوجيه السياسات، والدفع لإنشاء برامج مساعدة تستفيد منها أولاً البيروقراطية الفاسدة داخل الوكالات والمؤسسات.
وعلى رغم أن عدداً من الموظفين في الوكالات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة قاموا بمحاولات لفضح حالات الفساد، فإن بياتريس إدواردز، وهي مديرة «مشروع مساءلة الحكومات»، قالت إن الحصانة التي تتمتع بها المنظمة الدولية، وكذلك مسؤولوها، دفعتها إلى التعمية على عدد من الفضائح، وإن نظامها القضائي الداخلي «مغلق واعتباطي». وذكّرت وراح بما قام به أندرز كومباس، وهو المدير السويدي للعمليات الميدانية لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي كشف قيام جنود من «قوات حفظ السلام في إفريقيا»، التابعة للأمم المتحدة، باغتصاب أطفال في إفريقيا الوسطى، وقد استقال احتجاجاً على عدم معاقبة هؤلاء في حزيران/ يونيو 2016.
وقف تمويل «الأونروا» بحجة وجود فساد داخلها، وهي وكالة من وكالات مؤسسة دولية لم يعد سراً أن الفساد مستشرٍ فيها، أمرٌ كان سيبعث على السخرية لولا أن تبعاته مرتبطة بمخطط تهجير الفلسطينيين واقتلاعهم. والدول التي قررت إيقاف تمويلها ينبغي أن تعلم أنها ستعامَل باعتبارها شريكة في الحرب التي تُشنّ على هذا الشعب وشعوب المنطقة من الصهيونية.
* اللواء
الحريري إلى واشنطن غداً.. وباسيل يُفجِّر «التفاهم» مع «القوّات»
بيان السفارة في عوكر يحذِّر من إثارة النعرات على خلفية أحداث قبرشمون.. وبعبدا تعترض
فتح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الباب لمناسبة مرور 18 عاماً، على ما يسميه اعتقالات 7 آب 2001 امام العدلية، بتغطية من مصالحة الجبل، والتي شملت المناصرين العونيين، جبهة جديدة من المواجهات السياسية في البلاد، مع حزب «القوات اللبنانية» مسيحياً، مشترطاً وقف ما أسماه «برنامج الكذب» للعودة إلى «اتفاق معراب».
اما مع خصومه، فتوسع في المعركة، معلناً: «خيارنا الكشف عن الفساد الحقيقي والقاتل الحقيقي، بالكلمة والشائعة، وهي أبشع أنواع القتل».
وقال ان تياره التزم الطائف في العام 2005، معتبراً ان من يمس بالمناصفة يمس بالطائف، وأن إلغاء الطائفية السياسية غير ممكن دون إنشاء مجلس الشيوخ واللامركزية الإدارية.. واضعاً جدول أعمال ثقيل امام المجلس النيابي في جلسة 17 ت1 المقبل، الموعد الذي حدده الرئيس نبيه برّي لجلسة تلاوة رسالة الرئيس ميشال عون حول تفسير المادة 95 من الدستور.
وعلى وقع إطفاء محركات برّي، وتصعيد باسيل غير المسبوق، وبيان السفارة الأميركية في بيروت الذي يحذر من تأجيج النعرات الطائفية على خلفية حادث قبرشمون المأساوي عاد الرئيس سعد الحريري إلى بيروت على ان يستأنف نشاطه في السراي الكبير اليوم، ويستقبل نواب البقاع.
وعلمت «اللواء» ان الرئيس الحريري سيغادر غداً إلى الولايات المتحدة للقاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
وفي المعلومات الخاصة بـ«اللواء» ان الوزير باسيل، أبدى امتعاضه من عزم السفيرة على إصدار البيان الذي استبقت بعبدا صدوره برفض اية املاءات من أية جهة.
بيان السفارة الأميركية
إلى ذلك، شكل بيان السفارة الأميركية بخصوص حادثة قبرشمون، والذي اعتبر بمثابة رسالة أميركية لمن يعنيهم الأمر في السلطة والقضاء بوجوب تحقيق العدالة من دون تدخل سياسي أو تأجيج نعرات طائفية ومناطقية بخلفيات سياسية، الحدث السياسي الذي اقتحم أمس مشهد الصراع الداخلي الذي بلغ مرحلة الغليان، في ظل انكفاء الأدوار والوساطات وتوقف محركات المبادرات، ولا سيما مبادرة الرئيس نبيه برّي، فيما بدا ان أي احتمال لانعقاد مجلس الوزراء، لا يبدو متاحاً قبل انتهاء عطلة عيد الأضحى ومن ثم عطلة انتقال السيدة العذراء، خصوصاً إذا لم يتأمن نوع من التوافق عن فصل موضوع استئناف عمل الحكومة عن تداعيات حادثة البساتين.
وإذ كان لافتاً للانتباه ان بيان السفارة جاء في أعقاب الهجوم العنيف لقيادة الحزب التقدمي الاشتراكي على العهد «ووزراء البلاط» كما اسماهم بيان الوزير وائل أبو فاعور، واتهامه بالضغط على القضاء لفبركة تحقيقات وروايات جديدة لحادثة قبرشمون تمهيداً لكسر زعيمه النائب السابق وليد جنبلاط، أو زجه في السجن، بحسب ما طالب عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ماريو عون، الا ان اللافت أكثر كان في اعتراض «حزب الله»، عبر قناة «المنار» على البيان، باعتبار انه يُشكّل تدخلاً سافراً في الشؤون اللبنانية، ووصفه «بالبيان التحريضي» بهدف التسعير الطائفي، وصب الزيت على دماء حادثة قبرشمون، بما يفرض طرح الكثير من علامات الاستفهام حوله في المضمون والتوقيت – ودائماً حسب «المنار» – في حين ان مضمون الرسالة الأميركية يحتمل قراءتين:
– اما اعتبار المختارة خطاً أحمر، بحيث رفض البيان أي محاولة لاستغلال الحادثة بهدف تعزيز أهداف سياسية.
– واما انه انتصار لمنطق الدولة والقانون من خلال تأكيد واشنطن دعم المراجعة القضائية العادلة والشفافة دون أي تدخل سياسي.
ومهما كان، فإن البيان الأميركي، وهو الأوّل من نوعه على هذا المستوى، أبرز خطورة ما يحصل أو حصل في الجبل، وما قد يحصل جرّاء الحادثة ما لم تتم إعادة الأمور إلى نصابها، في القضاء والسياسة، حيث أعلنت السفارة عن دعم الولايات المتحدة المراجعة القضائية العادلة والشفافة دون أي تدخل سياسي، مشيرة إلى ان «اي محاولة لاستغلال الحدث المأسوي الذي وقع في قبرشمون في 30 حزيران الماضي بهدف تعزيز أهداف سياسية يجب ان يتم رفضه»، لافتة إلى ان «الولايات المتحدة عبرت بعبارات واضحة إلى السلطات اللبنانية عن توقعها ان تتعامل مع هذا الأمر بطريقة تحقق العدالة دون تأجيج نعرات طائفية ومناطقية بخلفيات سياسية».
بعبدا لا تعلق
وفيما لم يصدر عن قصر بعبدا أي تعليق على بيان السفارة الأميركية، ربما باستثناء ما كان أعلنه الرئيس ميشال عون، قبل صدور البيان من ان «لبنان لا يخضع لاملاءات أحد ولا يؤثر عليه أحد». وأفادت مصادر مطلعة لـ«اللواء» بما يشبه الرد على المطالعة السياسية والقضائية للحزب الاشتراكي، «ان القضاء سائر سواء كان قضاء عدلياً أو عسكرياً أو جنائياً»، مؤكدة الالتزام بالتحقيقات سواء بالظن أو بالادانة التي تصدر عنه اي الإلتزام بأي قرار يصدر عن القضاء.
واشارت الى انه وبالنسبة الى الشق السياسي فإن الامور لا تزال مكربجة ولكن في نهاية المطاف على مجلس الوزرإء الأنعقاد بصورة أو بإخرى إذ لا يمكن للبلد ان يدخل في أسر في هذه الأوقات التي تتطلب تدابير مهمةوعلى اكثر من صعيد بسبب الخلاف على المجلس العدلي.
واشارت الى ان على الحكومة ان تجتمع وما من خيار آخر اما كيف ومتى وبدعوة من فهده أمور لوجيستية لكن لا بد لمجلس الوزراء من الإنعقاد وهناك اعتقاد ان المسؤولين المخلصين ورؤساء السلطات الدستورية وصلوا الى الأقتناع الذي وصل اليه الرئيس عون بأنه لا بد من الاجتماع والبت، في مسألة المجلس العدلي وهناك آلية ترعى موضوع اتخاذ القرارات، وليتم الالتزام بما يصدر.
ورأت ان القضاء يأخذ بالاعتبار جميع المعطيات والتحقيقات ويبني قراراته على هذا الأساس مشيرة الى ان القضاء ادار اذنه الطرشاء على اي بيان أو مؤتمر ويعمل، أما إذا كان هناك من قاضٍ حوله علامات استفهام وإذا كان هناك من تهديد أو استعطاف أو ترهيب أو غير ذلك فهناك جهة يمكن اللجوء اليها وهي التفتيش القضائي ومطلب رد قاض يعود الى قرار المرجعية التي تنظر، وما يتخذه رئيس محكمة استئناف بيروت بشأن قرارات القاضي باسيل ونحن نلتزم بذلك.
أجندات مختلفة للرؤساء
وكشفت هذه المطالعة للمصادر القريبة من بعبدا عن وجود اجندات مختلفة لدى الرؤساء الثلاثة الذين يبدو انهم مجتمعون على ضرورة عقد جلسة للحكومة، لكنهم يختلفون على جدول أعمالها، حيث يُصرّ الرئيس الحريري على ان لا تكون الجلسة متفجرة، بمعنى ان تطرح مسألة المجلس العدلي على التصويت، بحسب ما يرى الرئيس عون، لأن ذلك قد يؤدي إلى انفجار الحكومة من الداخل، في حين بدا ان الرئيس برّي أقرب إلى منطق رئيس الحكومة، لجهة ضرورة انعقاد جلسة لمجلس الوزراء بشكل منفصل عن حادثة قبرشمون، أي ان لا تكون هذه الحادثة على جدول أعمال الجلسة، بانتظار اكتمال عمل المحكمة العسكرية.
وفي تقدير مصادر مطلعة انه في حال توافق الرؤساء على طرح برّي فإنه بإمكان عقد جلسة لمجلس الوزراء بعد عيد الأضحى مباشرة، علماً ان الرئيس عون ينوي تمضية جزء من فصل الصيف في القصر الرئاسي في بيت الدين، اعتباراً من منتصف الشهر الحالي، بحيث يؤمل ان يأتي الحل قبل انتقاله إلى القصر الصيفي أو ربما معه، وتنتهي القطيعة بينه وبين جنبلاط الذي جرت العادة ان يقوم بالترحيب بالرئيس لدى قدومه إلى القصر.
برّي يطفئ محركاته
غير ان المصادر استدركت بالنسبة إلى تفاؤلها، مشيرة إلى ان الأمور معقدة أكثر من هذا التبسيط، حيث تتداخل الاعتبارات السياسية والحزبية الضيقة والمصالح الانتخابية والتحالفات، لتضفى المزيد من التشنج في العلاقات، لافتة إلى ان الرئيس برّي أعلن أمس إطفاء محركاته، حيث «جرت الرياح بما لا تشتهي سفنه» بالنسبة لمساعيه، أو لمبادرته التي قطعت شوطاً كبيراً من التوافق بين جميع الكتل السياسية مبدياً امتعاضه من الخطابات العالية السقف التي انعكست سلباً على محاولات التهدئة.
ولفتت هذه المصادر «إلى ان علاقة الرئيس برّي مع الرئيس عون علاقة تواصل ولا خلاف بين الرجلين، لكنه بعد كلام عون عن ان قضية قبرشمون أصبحت عنده، فضل عدم التدخل»، محذرة من «دقة الوضع على المستويات كافة اقتصادياً واجتماعياً وحتى على مستوى العلاقات بين القوى السياسية.
وقال بري خلال لقائه «نواب الأربعاء» في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة انه لن يسمح على الإطلاق بكل ما من شأنه ان يؤدي الى تفريق اللبنانيين أو تمزيق البلد، معتبرا ان «الاستقرار السياسي والأمني والمالي امر مطلوب من الجميع، خصوصا أن المؤسسات المالية الدولية تتطلع بنوع من الحذر والقلق الى الوضع في لبنان».
وشدد النواب نقلا عن الرئيس بري على أن أي مبادرة في حاجة الى توافق سائر الأطراف المعنية، مشيرا الى أن مبادرته كانت قد قطعت شوطا كبيرا نحو توافق الأطراف المعنية، وكان هناك قبول صريح وضمني، ولكن بعد سماع كلام مغاير قرر ان يطفئ محركات هذه المبادرة آملا ارتفاع منسوب الوعي والحكمة عند الجميع إزاء الأوضاع القلقة التي يمر بها البلد، مشيرا الى «وجوب ان يتذكر الجميع انه بتاريخ 23 آب الجاري سيكون هناك تصنيف مالي دولي»، وقد ابلغ وزير المال رئيس المجلس ان اتصالات قد جرت امس بين حاكمية مصرف لبنان والمؤسسات المالية الدولية ووزارة المالية، مشيرا الى ان الأزمة السياسية هي عرضة لعلامات سلوك، لذا المطلوب طي الملفات الخلافية وحرصه من اجل الوصول الى مصالحة شاملة وكاملة تعني الجميع.
باسيل يحتفل بـ «قصره الرئاسي»
ولم تغب حادثة الجبل، ولا مصالحة الجبل، عن الخطاب الذي ألقاه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، في احتفال التيار بذكرى 7 آب 2001 ووضع حجر الأساس لإنشاء مقر التيار فوق هضبة في منطقة ضبيه قرب هضبة نهر الكلب، ضمن قطعة واسعة استأجرها التيار من الرهبنة المارونية اللبنانية، سيطلق عليه لاحقاً اسم «بيت الشعب» تيمناً بـ«قصر الشعب» في بعبدا، لكن باسيل لم يشر بالاسم إلى الحزب التقدمي الاشتراكي ولا إلى اسم جنبلاط، الا انه تحدث عن محاولات لاغتياله سياسياً، وعن قطع الطريق والاعتداء على وزراء ونواب يزورون مناطقهم، مشيرا إلى ان «الوقائع واضحة ولن يستطيع ان يتهرب منها أي قضاء عسكري أو عدلي أو جنائي». وقال انه «لن يستأذن أحد لندخل إلى بيوتنا في الجبل ولن نسمح بالاقطاعيات السياسية»، في إشارة إلى جنبلاط، لافتا إلى ان كل تعاطينا قبل حادثة قبرشمون، هو مفهوم الدولة مقابل اللادولة، ومنطق الميليشيا مقابل منطق الدولة، في إشارة ضمنية إلى الحزب الاشتراكي، الذي قال مرتبطة بالخارج وتلجأ إلى وكالات الاستخبارات والسفارات فيما نحن فمع دولة القانون التي نريدها محصنة ضد الخروقات من الخارج.
وتطرق باسيل بعد ذلك إلى المصالحة المسيحية- المسيحية، معلناً انها لن تمس، لكنه شن هجوماً على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مسمياً اياه بالاسم، مشيرا إلى انه طالب باتفاق معراب كبديل سياسي مقابل تأييد العماد عون للرئاسة، كاشفاً ان جوهر الاتفاق ان نكون معاً بدعم الرئيس وان نتفاهم على التعيينات والانتخابات، لكن جعجع أراد ان يأخذ التعيينات والحكومة، واكتشف ان ربحه بالمعارضة والشعبية يكون باتهامنا بالفساد، وبدأ يشن الحملات الكاذبة علينا، وبدل ان يكون معنا كما هو الاتفاق ذهب لعرقلة الحلول بحجة الفساد، وبات عمله محاربة الرئيس ورئيس الحكومة وصولاً إلى دعم علني لاختطاف رئيسها (في إشارة إلى ما حدث مع الرئيس الحريري في تشرين الثاني من العام 2018 حين أعلن استقالته من الرياض).
وتابع انه نبّه جعجع من ان سلوكه سيؤدي إلى إيقاف الاتفاق بيننا، لكنه اختار الاستمرار في سياسة الكذب واستسهال الافتراء من دون ملف، وخلص إلى ان سياسة السكوت وتحمل الظلم أنهت، الا ان باسيل أعلن انه سيعطي جعجع فرصة أخيرة للعودة إلى روحية الاتفاق وتطبيقه، مبدياً اعتقاده بأن إنقاذ اتفاق معراب مازال ممكناً».
وقبل ان ينهي كلمته تطرق إلى معركة تطبيق اتفاق الطائف، مؤكداً ان المادة 95 من الدستور واضحة ونحن لا نريد تعديلها، لكننا لا نقبل الانتقال من المناصفة إلا إلى دولة مدنية مع مجلس شيوخ ومركزية إدارية موسعة، لأن إلغاء الطائفية السياسية وحدها لا يكفي، الا انه رأى ان البعض ما يزال يريد العودة إلى منطق العد، وسنعلم في الجلسة النيابية في 17 تشرين الأوّل من هو يهوذا الاستخريوطي.
وختم، انتقلنا في 7 آب 2001 من حجز الحرية إلى حجز الوطن والحكومة في 2019، لن نخاف من اغتيالنا المعنوي وسننتصر وتنتصر معنا الحقيقة مهما كان حبل كذبهم طويلاً، سننتصر وتعود الحكومة إلى العمل التي لا يريدونها ان تنتج وان يحكم الرئيس، إلا انه لم يقل كيف؟
وبانتظار رد مفصل من قيادة «القوات»، رد عضو كتلة «الجمهورية القوية« النائب عماد واكيم على باسيل، قائلا: «ضعيف يقاوم، قصير يطاول. مهما حاولت لن تصبح زويعم».
في حين ردّ أمين سر تكتل «الجمهورية القوية» النائب السابق فادي كرم على رئيس التيار «الوطني الحر» الوزير جبران باسيل قائلا :»يشرفك دعم ملفاتنا لأنها ملفات نظيفة، ولا نقبل على أنفسنا دعم ملفاتك لأنها وسخة. بدعمك لملفاتنا تصبح إصلاحيا ولكن بدعمنا لملفاتك نصبح فاسدين».
* الجمهورية
واشنطن تدخل على خط قبرشمون.. والحريري يزورها قريباً
فيما بلغ التصعيد المتبادل ذروته بين الأفرقاء المعنيين بحادثة قبرشمون، دخلت الولايات المتحدة الاميركية على خط الأزمة عبر بيان لسفارتها في بيروت، مؤكّدة دعمها “المراجعة القضائية العادلة والشفافة من دون اي تدخّل سياسي” لتلك الحادثة، داعية الى رفض “اي محاولة لاستغلال الحدث المأسوي بهدف تعزيز اهداف سياسية”. ولاقى هذا الموقف الاميركي تفسيرات وتأويلات متعددة، راوحت بين قائلة بأنّ واشنطن تتهيّب من أن تؤدي مضاعفات الحادثة الى فتنة تهدّد الاستقرار اللبناني الحريصة عليه، واخرى قائلة بأنّ هذا الموقف الاميركي يدعم فريقاً ضد آخر في المعركة الدائرة حول نوع المعالجة المطوبة سياسياً وقضائياً.
خطف الاضواء أمس في غمرة المواقف التصعيدية المتلاحقة على جبهة قضية قبرشمون، بيان مفاجئ اصدرته السفارة الاميركية في لبنان أمس حول هذه القضية تضمن الآتي:
“تدعم الولايات المتحدة المراجعة القضائية العادلة والشفافة دون أي تدخّل سياسي. إنّ أي محاولة لاستغلال الحدث المأسوي الذي وقع في قبرشمون في 30 حزيران الماضي بهدف تعزيز أهداف سياسية، يجب أن يتمّ رفضه. لقد عبَّرت الولايات المتحدة بعبارات واضحة إلى السلطات اللبنانية عن توقّعها أن تتعامل مع هذا الأمر بطريقة تحقّق العدالة دون تأجيج نعرات طائفية ومناطقية بخلفيات سياسية”.
بيان بعد مراجعات
وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية”، انّ هذا البيان صدر بعد مراجعات اميركية عدة مع مسؤولين وديبلوماسيين وعسكريين، بدأت منذ حادثة قبرشمون وحتى اليوم. فلاحظت السفارة، انّ الاتصالات لم تؤدِ الى تهدئة الوضع ولا الى ايجاد حل قضائي وسياسي للحادث منعاً للتداعيات. وقد التقت السفيرة الاميركية رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ومسؤولين آخرين بعيداً من الاضواء، وطلبت منهم احتواء الموضوع وعدم تسييسه، لأنّ لدى الأميركيين معلومات عن وجود نية لوضع هذا الحادث في اطار تعطيل العمل الحكومي اللبناني والمس بالقوى السيادية، في هذه المرحلة التي تشهد نزاعاً اميركياً ـ ايرانياً في المنطقة، وقد بلغت ارتداداته الساحة اللبنانية”.
وأضافت المصادر نفسها، “انّ السفارة الاميركية عندما وجدت انّ كل مراجعاتها لم تؤدِ الى نتائج إيجابية اضطرت إلى اصدار هذا البيان الذي يحمل في طياته رسائل تحذيرية أمنية واقتصادية قبل الرسائل السياسية”. ولفتت في هذا الاطار، الى انّ قدرة واشنطن على التأثير على الدول المانحة المشاركة في مؤتمر “سيدر” كبيرة جداً، كما انها تتجّه الى توسيع رقعة العقوبات”.
وقالت المصادر: “ليست قيمة البيان بسطوره القليلة، وإنما بالإجراءات التي في إمكان اميركا ان تتخذها في حال لم يتجاوب المسؤولون مع هذا البيان، خصوصاً انّ البيان شدّد على الناحية القضائية من دون الدخول في التفاصيل. وأبرز ما قد تقوم به اميركا في حال عدم تجاوب لبنان:
ـ اولاً، توسيع رقعة العقوبات لتطاول مسؤولين في الدولة اللبنانية. وسبق لمسؤولين اميركيين ان لمّحوا سابقاً اكثر من مرة إلى ذلك.
ـ ثانياً، التأثير على مؤسسات التصنيف الدولية.
ـ ثالثاً، التأثير على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهما مرجعيتان معنيتان بتوفير القروض الاستثمارية للبنان.
ـ رابعاً، فرض بعض القيود على تأشيرات اللبنانيين، علماً انّ السفيرة الاميركية اعلنت باكورة هذا الموقف منذ 48 ساعة، عندما اصدرت بيان السفارة، مطالبة بخفض قيمة تأشيرات الدخول للرعايا الاميركيين استناداً الى مبدأ التعامل بالمثل.
ـ خامساً، إعادة النظر في نوعية التعامل مع عدد من المؤسسات اللبنانية بما فيها المؤسسات الامنية”.
وعلمت “الجمهورية”، أنّ هناك إتصالات تجري بين سفراء دول الإتحاد الاوروبي لإصدار بيان مماثل لبيان السفارة الاميركية، وسيشهد يوم غد سلسلة لقاءات بين هؤلاء السفراء لتقييم مدى ضرورة إصدار هذا البيان، لأنّ بعض سفراء الدول الاوروبية يعتبر انّ صدور بيان مماثل قد يُفسّر على أنه التحاق بالموقف الاميركي”.
وأضافت المصادر: “اللافت، انّ حادثة قبرشمون حصلت منذ 5 اسابيع، في حين انّ البيان الاميركي لم يصدر إلاّ أمس، أي بعد ان توافرت لدى واشنطن معلومات عن رغبة اطراف معينة وفي طليعتها “حزب الله” في تسييس الموضوع. وهذا الامر من شأنه ان يعطي جرعة دعم لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ومختلف القوى السيادية. كما انّ البيان صدر في بيروت ولكنه وُضع في واشنطن وتحديداً وزارة الخارجية الأميركية، وقد أُعلن عنه ليس مبادرة من السفارة فقط، وأنما هو موقف اميركي مركزي، وتكمن اهميته في انه ليس بياناً عن قبرشمون والحادث انما ببعده السياسي. ويُنتظر ان يردّ عليه الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يوم الجمعة المقبل”.
لامبالاة اوروبية
وفي السياق نفسه، دعت مصادر ديبلوماسية غربية عبر “الجمهورية” الى قراءة هذا البيان الأميركي “بكثير من الجدّية والتأني وما بين سطوره”.
وقالت: “إنّ واشنطن التي تراقب التطورات اللبنانية بأدق تفاصيلها احتفظت حتى الآن بطاقمها الديبلوماسي كاملاً في بيروت التي غادرها معظم الطاقم الديبلوماسي الأوروبي والغربي، في اجواء توحي باللامبالاة تجاه ما يجري في لبنان، على رغم من حجم الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية المفتوحة على شتى الإحتمالات السلبية”.
صولات وجولات الحقائق
ولم يطرأ اي جديد بارز على صعيد المعالجات المطلوبة لحادثة قبرشمون سياسياً وقضائياً، حيث ظل التصعيد المتبادل على غاربه.
وعلمت “الجمهورية”، انّ هذه المعالجات لا تزال بعيدة المنال، وان رئيس الجمهورية دعا القضاء العسكري الى ان يأخذ مداه ومجراه في معالجة الحادثة، في اعتبار انه صاحب الصلاحية الاول في هذا الموضوع، ما يعني انه ستكون هناك صولات وجولات ميدانياً وفي المحكمة العسكرية بحثاً عن الحقائق ومعاقبة المرتكبين.
ودعت اوساط قصر بعبدا عبر “الجمهورية” الى “انتظار القرارات في شأن الملفات التي دخلت الى المؤسسات القضائية” واعتبرت “انّ الحديث عن تدخّلات من هنا أو هنالك هدفه بث الأجواء السلبية التي لا تتحمّلها البلاد في هذه الظروف الدقيقة التي تمرّ بها”.
مجلس الوزراء
ومع عودة رئيس الحكومة سعد الحريري الى بيروت، بدأ الاهتمام ينّصب على الخطوات التي يمكن اتخاذها لإنقاذ حكومته من الشلل الذي أصابها منذ ما يقارب الشهر والعشرة أيام. وقالت مصادر تعمل على خط معالجة الأزمة لـ”الجمهورية”، إنّ “السيناريو الأقرب الى الواقع حالياً هو دعوة مجلس الوزراء الى الإنعقاد بعد عيد الأضحى مباشرة، بحيث يجتمع في القصر الجمهوري بجدول اعمال يُتفق مسبقاً على ان يلي الانتهاء منه البحث في الملف السياسي المتعلق بحادثة قبرشمون، فإذا احتدم النقاش تُرفع الجلسة، وفي هذه الحال يكون قد تمّ انهاء تعطيل مجلس الوزراء، وهو الهدف الاساس لغالبية القوى السياسية. اما قضية قبرشمون، وبعد ما استنفدت كل المساعي ووصلت الى اقصى حدود المواقف والرسائل، فتعود الى حجمها الطبيعي كأي ملف سياسي خلافي كبير ينتهي على الطريقة اللبنانية”.
الحريري الى واشنطن
في غضون ذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع لـ “الجمهورية”، انّ الحريري سيتوجّه نهاية الأسبوع الجاري الى واشنطن في زيارة وُصفت بأنّها مهمة، يلتقي خلالها عدداً من المسؤولين الأميركيين. واكّدت مصادر “بيت الوسط” لـ “الجمهورية” انّ “هناك ترتيبات خاصة تُتخذ لهذه الزيارة”. ولكنها لم تكشف مستوى اللقاءات وهوية المسؤولين الذين سيلتقيهم الحريري في انتظار انتهاء الترتيبات اللوجستية وتحديد المواعيد الدقيقة، ما يوحي أنّ الزيارة استثنائية وتمّ ترتيبها على عجل. ولفتت هذه المصادر الى انّ الحريري مستاء جداً مما آلت اليه الأمور، وهو بقي طوال الأيام القليلة الماضية على اتصال بالمسؤولين ولاسيما منهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي كان يراهن على مبادرته الأخيرة قبل اطفاء المحركات.
وأضافت “انّ الحريري سعى وما زال يسعى لجمع مجلس الوزراء في أجواء هادئة. فما يجب مقاربته من الملفات الكبرى التي عليه التصدّي لها بعد إقرار الموازنة، يحتاج الى اجواء هادئة ووقف الحروب الداخلية وحماية الحد الأدنى من التضامن المتوافر في حكومة الوفاق الوطني”. ولفتت الى “انّ الإحتكام الى الصلاحيات المعطاة لكل مؤسسة شرط مهم ووجيه، وانّ السعي الى تجاوز حدود الصلاحيات لا يفيد أحداً، بل يضرّ بالبلد وبشكل خاص التعاون بين المؤسسات ومضمونه”.
التصنيف في موعده
من جهة ثانية، علمت “الجمهورية” أنّ وكالة “ستاندر اند بورز”، استعاضت عن ارسال وفد الى لبنان لمعاينة الاوضاع تمهيداً لإصدار تقريرها حول التصنيف الائتماني للبنان، باتصال هاتفي اجراه مندوبوها مع وزارة المال وحاكمية مصرف لبنان المركزي.
وفي المعلومات، انّ الوكالة طرحت خلال هذا الاتصال اكثر من 50 سؤالاً على المسؤولين في الوزارة و”المركزي”، وأن الأجوبة عن هذه الأسئلة سيتم اعتمادها في التقرير الذي سيصدر مبدئياً في 23 آب الجاري.
وافادت المعلومات، أنّ الجزء الأكبر من الاسئلة التي طُرحت على وزارة المال، يتعلق بالوضع السياسي. وقد تراوحت المواضيع التي طرحتها الوكالة بين: الوضع الحكومي، الاستقرار، طريقة اصدار المراسيم التطبيقية، الوضع السوري وتأثيره على لبنان، النزوح، العقوبات، وكيف سيتم التعاطي مع المتغيرات في المنطقة…
وعليه، وبناءً على هذا الاتصال الهاتفي، استنتجت مصادر مراقبة انّ ذلك يعني انّ جهود الحكومة اللبنانية لإقناع وكالة التصنيف بتأجيل إصدار تقريرها لمدة 6 أشهر قد باءت بالفشل، وأنّ التصنيف الجديد سيصدر في موعده المقرر في 23 آب الجاري.
لكن مصادر وزارة المال خففت من حال القلق السائدة، مؤكّدة انّه “حتى لو تمّ خفض تصنيف لبنان، فإنّ ذلك ليس دراماتيكياً، خصوصا أنّ التركيز في التصنيف هو على الوضع السياسي، وبالتالي، أي حلحلة في الوضع السياسي ستدفع الوكالة الى إعادة النظر في تقريرها.
* البناء
الجيش السوري يقترب من معركة خان شيخون… واتفاق تركي أميركي جزئي على غرفة عمليات
السفارة الأميركية في تدخل سافر: «تحذير من التدخّل السياسي وتحقيق أهداف سياسية»
باسيل يتحدّى جنبلاط ويسأل الحريري… ويفتح النار على جعجع… لإلغاء تفاهم معراب
كتب المحرّر السياسيّ
خطفت التطورات الأمنية في عدن الأنظار إقليمياً مع التقارير المتداولة عن كونها مقدمة لتظهير تفاهمات إقليمية ودولية للحد من حضور حكومة منصور هادي، تمّ إعدادها في مفاوضات مسقط وتنفذها الإمارات، وترضى بها إيران وتغمض عينها عنها السعودية وتحظى بدعم أوروبي وأميركي وروسي، لكن الحدث السوري بقي متقدماً مع نجاح الجيش السوري في تحرير بلدتي الزكاة والأربعين، ووصوله إلى مقربة من بلدة مورك حيث القوات التركية، وإلى الإطلالة على مدينة خان شيخون التي تفصلها عنها بلدتا الهبيط وكفرزيتا. وقالت مصادر عسكرية إن الوحدات التركية في مورك تعيش حالة إرباك خشية أن تنجح القوات السورية بالتقدّم السريع نحو خان شيخون فتصير وحداتها محاصرة خلف خطوط التقدم السورية التي تربط قلعة المضيق بخان شيخون، ومثلها تعيش الجماعات المسلحة التي تتمركز في مواقع تقع خلف خطوط التقدّم السوري في اللطامنة واللحايا. وتوقعت المصادر حركة تفاوضية عسكرية روسية مع الأتراك لإخلاء المنطقة تفادياً لمخاطر لاحقة، بينما عيون أنقرة متجهة نحو العملية العسكرية التي تزمع القيام بها شرق الفرات والتي كانت موضع تفاوض تركي أميركي ليومين، أفضيا لبيان يتحدّث عن التوصل لتفاهم، ليتبين لاحقاً أن التفاهم يقتصر على تشكيل غرفة عمليات مشتركة في تركيا تضمّ الضباط الأميركيين والأتراك لتنسيق التحركات وعدم الوقوع في مواجهات، بانتظار أن توضح الأيام المقبلة حدود الحركة التركية وبالمقابل الخطوط الحمراء الأميركية المتمسكة بحماية الجماعات الكردية المسلحة التي تشكل في النهاية الهدف الرئيسي لأنقرة.
لبنانياً، وقع ما يضع الكثير من النقاط على حروف أحداث قبرشمون وتداعياتها وما رافقها من تصعيد سياسي، ترجمه بيان الحزب التقدمي الاشتراكي الذي أعلن حرباً مفتوحة على عهد الرئيس ميشال عون، فقد جاء البيان الصادر عن السفارة الأميركية وقحاً في لهجته ومضمونه وحجم التدخل السافر الذي يمثله في الشأن القضائي، مليئاً بالمعاني والأبعاد، التي تقول إنه بمثابة إعلان رسم خطوط حمراء أمام المسار القضائي في قضية قبرشمون، عبر التحذير من تدخل سياسي، ما يجعل البيان متطابقاً مع اتهامات الاشتراكي للعهد بالتدخل السياسي في عمل القضاء، وتحذير موازٍ من السعي لاستغلال الأحداث لتحقيق مكاسب سياسية، في إشارة واضحة لخط أحمر أميركي مضمونه، ممنوع أن يخرج رئيس الحزب الاشتراكي النائب وليد جنبلاط خاسراً من القضية القضائية، وهو ما وصفته مصادر قانونية بالحكم المسبق الذي يلغي فرصة التحقيق والاحتكام للقضاء برسمه سقفاً مسبقاً للعملية القضائية ممنوع تخطيه ولو أثبتته المسارات القانونية.
بالتوازي أطل رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل من منبر ذكرى السابع من آب وإطلاق مقر التيار، فندد بتدخل السفارات، وتحدّى جنبلاط بالقول سنبقى نتجول في المناطق ولا نقبل بالحصول على إذن من أحد، وسأل رئيس الحكومة سعد الحريري دون أن يسمّيه بالقول، نريد أن نعرف موقف شركائنا من الميثاقية والعيش المشترك، لكن هجوم باسيل تركّز على رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي اتهمه بالكذب والوصولية والفساد، ملوحاً بإعلان إلغاء اتفاق معراب باعتباره صفقة مضمونها، تأييد القوات للعهد مقابل الحصول على حصة في التعيينات.
واشنطن على خط قبرشمون
لم يكن المطلعون على الكواليس السياسية والديبلوماسية ينتظرون بيان السفارة الأميركية في بيروت لمعرفة مدى وحجم التدخل الأميركي الفاضح في لبنان وتحديداً في أزمة قبرشمون ودورهم في التخطيط لحادثة البساتين! فمصادر مطلعة تربط بين أحداث الجبل والتصعيد الجنبلاطي المفاجئ والأول من نوعه منذ التسوية الرئاسية وبين الزيارة الخاصة لوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إلى كليمنصو في حزيران الماضي ولقائه رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، وتكشف المصادر لـ»البناء» أن «جنبلاط أُوكِل مهمة إحداث خلل داخلي وضرب السلم الأهلي في سياق الهدف المرسوم أميركياً ألا وهو حصار حزب الله وتجميد العهد الرئاسي الحالي». واعتبرت أنه «ليس صدفة أن تتزامن مؤشرات التصعيد لدى الاشتراكي والقوات اللبنانية وبعض أجنحة تيار المستقبل، وبالتالي تزامن كمين قبرشمون واستدعاء رؤساء الحكومات السابقين الى السعودية والانقلاب على الموازنة»، كما أنه ليس صدفة تضيف المصادر أن «يدخل الأميركيون على الخط عندما اشتدّ الخناق على جنبلاط وبعدما قام الأخير بحركة دبلوماسية مكثفة منذ أيام للتحريض على حزب الله والعهد والقضاء في لبنان».
وتحذّر المصادر من أن «الكباش الدولي اشتد حول لبنان وبات جنبلاط يمثل رأس الحربة الأجنبية ضد الحالة الوطنية»، وتربط بين ما يجري في الداخل وبين تطورات المنطقة، حيث إن «الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة ينظرون الى لبنان كورقة تعويض عن خسائرهم في المنطقة في سورية واليمن والخليج. فالرئيس سعد الحريري لا يريد الانجرار الى مستنقع التصعيد في وجه رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله لأسباب سياسيّة وشخصية ومالية أما رئيس القوات سمير جعجع فلا يستطيع تحريك الحالة الإسلامية ولا حتى الشارع المسيحي، فكان استخدام جنبلاط للعب هذا الدور في محاولة لتكرار مشهد عام 2005 حيث كان رئيس الاشتراكي عصب حركة 14 آذار في وجه الرئيس اميل لحود وحزب الله وسورية».
وتلفت المصادر الى أن «بيان السفارة الأميركية رسالة مباشرة الى رئيس الجمهورية للضغط على سياساته المحلية والخارجية»، وتشبه المصادر البيان بـ»اتصال السفير الأميركي بالرئيس اميل لحود الذي كان قائداً للجيش في العام 1994 للدفاع عن الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان يخضع للتحقيق في مخابرات الجيش آنذاك بقضايا فساد مالي».
وأمس، تداعت مجموعة من الشخصيات السياسية من بينهم نواب ووزراء سابقون لعقد اجتماع في مكتب السنيورة في بلس للبحث في التطورات السياسية منذ حادثة البساتين، حضره النائب مروان حماده فيما غاب الرئيس ميشال سليمان والوزير السابق بطرس حرب والنائب السابق فارس سعيد.
إلا أن مصادر مراقبة استبعدت العودة الى مشهد 14 و8 آذار، إذ إن فريق 14 آذار لن يكتمل بعد التحول الجنبلاطي رغم المحاولات الأميركية لذلك، لأن مصالح الرئيس الحريري باتت في غير مكان، فضلاً عن أنه لم يعُد يثق بجنبلاط وكذلك جعجع لن يكمل انقلابه على عون قبل التأكد من موقف الحريري وثبات جنبلاط على موقفه، حيث يعتبر جعجع أن رئيس الاشتراكي لطالما ذهب بعيداً ثم ترك حلفاؤه وحيدين وعاد الى التسوية.
وفيما تترقب الأوساط السياسية توجهات رئيس الحكومة سعد الحريري الذي عاد أمس، الى بيروت بحسب ما تردد، برز موقف لافت لعضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار الذي اتهم رئيس الجمهورية بأنه طرف في الأزمة لقوله إن الكمين كان محضر لرئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، لكنه أكد أن الحريري لن يعتكف ولن يستقيل ولن يدعو الى جلسة لمجلس الوزراء بجدول أعمال يُفرض عليه من الآخرين يتضمّن مناقشة حادثة قبرشمون، وحذّر من فتنة في الجبل في حال استمر التيار الوطني الحر على سياساته ضد جنبلاط.
وكانت السفارة الأميركية في بيروت دعت الى عدم استغلال حادثة قبرشمون لأهداف سياسية، وقالت في بيان: «تدعم الولايات المتحدة المراجعة القضائية العادلة والشفافة دون أي تدخل سياسي. إن أي محاولة لاستغلال الحدث المأساوي الذي وقع في قبرشمون في 30 حزيران الماضي بهدف تعزيز أهداف سياسية، يجب أن يتمّ رفضه. لقد عبَّرت الولايات المتحدة بعبارات واضحة إلى السلطات اللبنانية عن توقعها أن تتعامل مع هذا الأمر بطريقة تحقق العدالة دون تأجيج نعرات طائفية ومناطقية بخلفيات سياسية».
وفيما استنكر التيار الوطني الحر التدخل الأميركي، دعت مصادر نيابية في 8 آذار الدولة اللبنانية للتحرك على المستوى السياسي لوضع حد لتدخلات السفارة الأميركية.
وطالب عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم وزارة الخارجية اللبنانية استدعاء السفيرة الأميركية في لبنان لتدخلها السافر في السيادة الوطنية اللبنانية.
عون: لبنان لا يخضع لإملاءات أحد
ولم يتأخر رد بعبدا على الرسالة الأميركية المشفرة، فالرئيس عون أكد أن «لبنان لا يخضع لإملاءات أحد، ولا يؤثر عليه احد، بل نحن من يملي ويؤثر». وأكد لوفد من الانتشار اللبناني أن «من يرفض العدالة يرفض المجتمع الذي لا يمكنه العيش في الفوضى»، مشدداً على أن القضاء يملك صلاحية الحزم والعقاب وفق القوانين المرعية الإجراء. وقال: «لا أحد يحتاج لإذن خاص للتجول في بلده». واشار الى ان مسيرة الاصلاح ومكافحة الفساد لا تنتهي وهي بدأت بالفعل، وعلى ان اللبناني يعيش اليوم في ظل الحرية والسيادة والاستقلال بالرغم من كل الحروب والضغوط، واننا نتحدث باسم لبنان في المحافل الإقليمية والدولية بما يعود بالفائدة على الجميع، دون أن يملي علينا احد ما يجب قوله، او ان يؤثر علينا، بل نحن من يملي ويؤثر». ولفت الرئيس عون الى انه تم تحويل ملفات عدة الى القضاء، فالفساد «معشعش في مختلف المؤسسات لكننا سنستأصله وسنعمل على محاربة براعمه التي قد تعود لتنمو».
محركات عين التينة مطفأة
أما عين التينة التي كانت أشدّ المتحمّسين للحل وقطعت شوطاً كبيراً للوصول اليه، فاصطدمت بجدار المواقف المتصلبة من فريقي الأزمة، ما اضطرها الى إطفاء محركاتها مؤقتاً كي تضع حرب المواقف أوزارها، فرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يعتصم بالصمت، نقل عنه النائب علي بزي قوله في لقاء الأربعاء إنه «لن يسمح بكل ما من شأنه أن يؤدي الى تفرقة اللبنانيين وتمزيق البلد»، وشدّد على ضرورة إجراء مصالحة كاملة وشاملة وعقد جلسات حكومية لمجلس الوزراء من دون التطرق الى حادثة قبرشمون». ولفت بزي إلى أن «أي مبادرة في حادثة قبرشمون بحاجة لتوافق الأطراف المعنية، قطعنا شوطاً في هذا الخصوص لكن قرر الرئيس بري إيقاف السعي في هذه القضية بعد أن سمع كلاماً مغايراً للأمور المتفق عليها». وأكّد بزي «أننا مستعدون للعمل على إنقاذ البلد ولكن في حال عدم وجود قبول من قبل الاطراف المعنية لا أعتقد بأن أي مبادرة ستنجح». ونقل بزي عن بري أن الاستقرار السياسي والأمني والمالي أمر مطلوب من الجميع، خصوصاً ان المؤسسات الدولية تتطلع الى نوع من الحذر الى لبنان. وأكد بزي أن «دفع المستحقات الى البلديات سيتم بعد عيد الأضحى وقبل نهاية الشهر».
وأشارت مصادر مقربة من بري لـ»البناء» الى «أنه وبعد مؤتمر الاشتراكي الصحافي ورد النائب طلال أرسلان عليه، لم يعد بالإمكان ان يستكمل الرئيس بري مبادرته فارتأى التريث حتى تهدأ المواقف ليبنى على الشيء مقتضاه»، لكنها تؤكد أن «رئيس المجلس لم يتخلَ عن دوره الوطني ولا دوره الوفاقي والتوفيقي في حادثة الجبل وعندما يرى تدخّله مناسباً لن يقصّر في ذلك، نظراً لخطورة تداعيات الحادثة على مجمل الأوضاع». وطمأنت المصادر أن «لا مسّ بالاستقرار الأمني والسلم الأهلي الداخلي ولا حرب أهلية كما يُشاع»، لكنها حذرت من الفوضى الوطنية على كافة الصعد لا سيما المالية والاقتصادية وترى المصادر أن «بري غير متحمّس لعقد جلسة للحكومة على جدول أعمالها حادثة قبرشمون قبل التوصل الى تسوية بين الطرفين المعنيين الجنبلاطي والارسلاني، الأمر الذي يؤدي الى عرقلة العمل الحكومي وتفجير الحكومة، فالأفضل فصل المسار القضائي عن السياسي والحكومي».
بدورها، أشارت مصادر نيابية في كتلة التنمية والتحرير لـ»البناء» الى أن «الأزمة الى مزيد من التعقيد اذا بقيت المواقف على حالها»، محذرة من أن «تداعيات الأزمة ستهدد الموعد الدستوري لإقرار موازنة العام 2020 وتؤثر على التصنيف الدولي المالي والنقدي للبنان وتنعكس سلباً على الوضع الاقتصادي العام». ودعت المصادر الى العودة الى مجلس الوزراء ومناقشة موازنة 2020 وإرسالها الى المجلس النيابي للانطلاق الى موازنات الأعوام المقبلة ضمن خطط اقتصادية وليس فقط موازنات حسابية كما حصل في الموازنة الحالية، لا سيما تعزيز الصناعة ورفع حجم التصدير وتخفيف الاستيراد.
وتنقل المصادر عن مسؤولين ماليين رسميين قولهم إن «لا خطر على الليرة، لكنها لا تستطيع أن تصمد الى ما لا نهاية في حال عدم البدء بمعالجات جدية». وعلمت «البناء» أن «عدداً من المصارف وضعت حدوداً ضيقة جداً للسحوبات المالية لمودعيها، ليس فقط بالعملة الأجنبية بل في العملة الوطنية ايضاً ما يرسم علامات استفهام عدة حول علاقة ذلك بما تردد في الأيام القليلة الماضية عن خطر على الودائع المصرفية!».
وأكدت مصادر عين التينة أن لا خلاف بين بري وعون، مشيرة الى أن رئيس المجلس النيابي لن يتدخل بعد كلام رئيس الجمهورية عن ان القضية أصبحت عنده. وأكدت المصادر ان التواصل بين عون وبري مستمر، محذرة من دقة الوضع على المستويات كافة اقتصادياً واجتماعياً وحتى على مستوى العلاقات بين القوى السياسية.
حزب الله: لن نقع بخديعة جنبلاط!
ونفت مصادر الثنائي الشيعي لـ»البناء» أي خلاف بين الحركة والحزب في مقاربة وحل أزمة قبرشمون مؤكدة وجود تنسيق وتناغم في الموقف، موضحة أن «حزب الله يستخدم استراتيجة هادئة في المسائل الوطنية وهو يرفض تعطيل مجلس الوزراء كما لا يريد تفجير الحكومة»، لكنها تخوّفت من «سعي جهات خارجية وداخلية الى نسف الحكومة عبر استدراج الحريري الى مخططها»، وشددت على أن «حزب الله يدرك أدوار جنبلاط الخارجية وأنه حصان طروادة للضغط على الحزب وبالتالي لا يرى الحزب في دعوة جنبلاط للحوار مع الحزب أي نتيجة في ظل هذا التصعيد ولذلك لن يسمح له بتمرير خديعة جديدة».
الاشتراكي واصل حملته
في المقابل، واصل الحزب الاشتراكي حملته على القضاء، ورد على بيان مجلس القضاء الأعلى وتساءل في بيان: «هل أصبحت الاستنسابية وسلطة الموقع تحدد جدول أعمال اجتماع مجلس القضاء الأعلى غب الطلب وخدمة لتيار سياسي معين حتى يصدر بيانه فور انتهاء المؤتمر المذكور أعلاه وبالتزامن مع اجتماع كتلة نواب لبنان القوي؟».
باسيل: لن نسمح بفتنة في الجبل
بدوره أكد رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أننا «لن نقع في الكمين والشرك السياسي، ولن نسمح بمشكل درزي – مسيحي في الجبل، ونعمل بثبات من أجل الشراكة ولا تراجع مهما كذبوا. قطع الطريق والاعتداء حصل على وزراء ونواب يزورون مناطقهم وناسهم، الوقائع واضحة ولن يستطيع أن يتهرّب منها أي قضاء عسكري أو عدلي أو جنائي».
وخلال احتفال بوضع الحجر الأساس للمقر العام لـ»التيار» في ضبية شدد باسيل على أننا «لن نستأذن أحداً لندخل إلى بيوتنا في الجبل، ولن نسمح بالإقطاعيات السياسية والجيش من واجبه أن يحمينا. تعاطينا ما قبل الحادثة هو مفهوم الدولة مقابل اللادولة».
وردّ باسيل على رئيس القوات سمير جعجع وقال: «اتعهّد ان لا أمس أي يوم بالمصالحة المسيحية – المسيحية، ولا زال ممكناً إنقاذ اتفاق معراب، والاتفاق غير المصالحة التي حصلت في الرابية. لن نعود مهما حصل للاقتتال الداخلي، أما اتفاق معراب اتفاق سياسي طالب به سمير جعجع كبدل سياسي مقابل تأييد العماد ميشال عون للرئاسة، جوهر الاتفاق أن نكون معاً بدعم الرئيس، وأن نتفاهم على التعيينات والانتخابات، وأراد أن يأخذ التعيينات والحكومة، واكتشف أن ربحه بالمعارضة والشعبية هو باتهامنا بالفساد، وبدأ يشنّ الحملات الكاذبة علينا. وبدل أن يكون معنا كما هو الاتفاق، ذهب ليعرقل الحلول بحجة الفساد، وبات عمله محاربة الرئيس ورئيس الحكومة، وصولاً إلى دعم علني لاختطاف رئيسها».
واشار باسيل الى أن «القاتل بالكلمة والشائعة هو أبشع من القاتل بالسلاح، لا تقفوا معنا بمشاريع إنقاذ البلد واستعادة الحقوق ولا الشراكة بالجبل، على الأقل لا تقفوا ضدنا من أجل حسابات لا تستأهل. الرئاسة أرخص من حقوقنا وأرخص من الكرامة في الجبل. لا نقبل الانتقال من المناصفة إلا إلى دولة مدنية مع مجلس شيوخ ومركزية إدارية موسّعة، وإلغاء الطائفية السياسية وحدها لا يكفي».
المصدر: صحف