رغم ضيق الأحوال المعيشية، إلا أن السوريين دخلوا الشهر الفضيل من واسع أبوابه. الرحمة والمودة والتسامح، معانٍ أخذت صداها في كل مكان دخله شهر رمضان بكرمه وروحانيته، إلى جانب التكافل والتضامن بين الناس، ما انعكس طقوساً من المحبة والألفة، أعادت مشهد الخير لشهره في دمشق.
لافتات وعبارات و زينة رمضانية، أضحت تملأ البقاع في غالبية الشوارع والأحياء، وفي المنازل أيضاً، الأناشيد الدينية احتفالاً بقدوم الشهر المبارك على طول أيامه، لم تنقطع أصواتها، في كل محل تجاري، خاصة في الأسواق التراثية ومنها الحميدية وسط العاصمة، كما في الأحياء الشعبية على اختلاف المناطق، كما في المنازل، الاجتماعات العائلية أصبحت طابع البيوت الدمشقية، وذلك على فترة الإفطار.
الازدحام في الأسواق ميزة هنا في دمشق، لشراء حاجيات الإفطار، وتكثر الدروس في المساجد قبل وبعد المغرب، ولا تغيب أبداً ظاهرة المستحبات الرمضانية بعد الافطار وتلاوات قرآنية يتسابق فيها أبناء البيت الواحد على قراءة مواظبة للمصحف الشريف.
طبعاً مثل كل بقاع المسلمين اشتهرت دمشق – ما قبل الحرب عليها- ، بأن رمضانها موسم مليء بالخير والعطاء، يظهر ذلك جلياً على الأسواق بكل ما تحتويه من احتياجات الصائم، لكن هذه الأيام، كثير جداً من البيوت السورية، تدعم وجبات إفطارها بما هو أساسي وضروري فقط، وربما يكون نوعا واحدا من الطعام.
بل ان الامور تجاوزت ذلك لتصل الاحوال بكثير من العائلات للعجز عن تأمين فطورها اليومي، وتعاني فقرا نتيجة تردي الأوضاع المعيشية.
السوريون وقفوا متحدين لهذه الظروف القاسية على أبناء شعبهم ضمن المرحلة الحالية من الحرب، ليتحركوا بعدها بما يتيسر لهم من همم استجمعتها طواقم المتطوعين في العديد من الأماكن على امتداد البلاد، ففي جميع الأحياء السكنية تم الوصول لغالبية العائلات الفقيرة، والفرق التطوعية العاملة على إعداد وجبات الفطور الخيري في رمضان، بلغت العشرات، وأكثرية كوادرها من جيل الشباب.
وباعتبار أن العاصمة تعتبر النموذج الأول، ففيها من النماذج العشرات، والأبرز هذا العام فريق من طلاب الجامعات، تطوع للعمل على إعداد هذه الوجبات، فراح ينسق مع بقية الفرق التي تنوي العمل.
ونظمّ فريق تكاتف التطوعي الطلابي مطبخاً بمساعدة فريق بادر التطوعي في مقر اتحاد الطلبة الفلسطينيين في دمشق شاملاً كل الطلاب من سوريين وفلسطينيين على حد سواء، عملوا على جلب كل المعدات اللازمة، منذ اليوم الأول في رمضان، وينسقون بشكل يومي مع أحد الفرق لكي يحصل الشباب ممن ينوون المساعدة على فرص تتيح لهم المشاركة في هذا العمل، فالعمل يبدأ صباحا بتحضير مستلزمات الطبق اليومي، وينتهي قبيل المغرب في بيوت مستحقيها من عائلات فقيرة جداً، حيث يتلقون الدعم على شكل مواد أولية من جهات متعددة تتناوب في تبرعها.
في دمشق استطاع الفريق التطوعي “تكاتُف” بمشاركة “بادر” تغطية أكثر من 20 منطقة، ولا يأخذها إلا مستحق، إذ بلغ عدد الوجبات المقدمة يومياً وصولاً إلى المنازل، حوالي 700 وجبة، توزع على عدد افراد العائلة في كل منزل محتاج.
طبعاً هذا أحد النماذج الأكثر تميزاً حسبما تحدث الكثير من المستفيدين، وحسبما شهده موقع قناة المنار على مدار أيام داخل ذلك المطبخ، وخلال التوزيع، فإن العمل شمل حتى الآن 6 فرق تطوعية من فئة الشباب شاركت مع الفريقين الأساسيين تحت إشراف رئيس اتحاد طلبة فلسطين باسل ابو الهيجاء، وهناك فرق أخرى تنتظر المشاركة في التطوع داخل مطبخ “تكاتف” و “بادر”.
طقوس شهر رمضان كما تأخذ في كل بقاع المسلمين طابعاً خاصاً، تأخذه أيضا في دمشق، لكن دمشق هذا العام تتميز عن سواها بسبب ما تعانيه، إذ تحاول الخروج من الحرب وظروفها القاسية، فالأحوال الاقتصادية نتيجة المعارك طيلة 8 سنوات، والحصار الاقتصادي المضروب من قبل الدول الغربية بقيادة وتخطيط واشنطن، يجعل من الوضع أكثر صعوبة، والمجابهة أكبر بكافة قطاعات الحياة لدى المواطن السوري.
المصدر: موقع المنار