الرسم الكاريكاتوري الذي نشرته مؤخرا صحيفة نيويورك تايمز والذي يُظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب كضرير يجره كلب على شاكلة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، هذا الرسم قد يكون الاكثر تعبيرا واختصارا عن حملة التصعيد الأميركية الأخيرة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذه الخلاصة تستند إلى عمق الدور الصهيوني في الحركة الأميركية ضد إيران منذ سنوات طويلة.
إذا عدنا الى السنوات التي سبقت الاتفاق النووي بين طهران والخمسة زائد واحد فسنجد بصمات صهيونية واضحة خلف كل خطوة تصعيد أميركية ضد إيران، ولعل أروقة الكونغرس الأميركي تعرف جيدا حركة اللوبيات الصهيونية التي كان يحركها نتنياهو في خطواتها لخنق ايران، كيف لا وأهم رزمة من العقوبات التي سبقت الاتفاق النووي وشملت قطاعي النفط وتحويل الأموال كانت من بنات افكار بنيامين نتنياهو والتي عاد إليها بقوة دونالد ترامب بعد خروجه من الاتفاق النووي بتحريض صهيوني واضح، من هنا ندرك حجم الدور الصهيوني في التصعيد ودفع واشنطن نحو المواجهة مع طهران ما يؤكد أن السياسة الأميركية منقادة خلف تل أبيب لجملة من المعطيات الأميركية الداخلية التي لا متسع لذكرها.
خطأ التقديرات الصهيونية
الهندسة الصهيونية لسياسة الضغط المختلفة ضد طهران استندت إلى بعض التقديرات الخاطئة والتي يمكن أن تورط واشنطن في خطوات غير محسوبة وذات نتائج عكسية لا سيما أن الجانب الصهيوني أجرى مجموعة من القياسات والمقارنات التي تبين أنها لم تكن في موضعها في تقييم الموقف الإيراني، وفي هذا المجال طرح بنيامين نتنياهو على الأميركيين الانسحاب من الاتفاق النووي من أجل ممارسة المزيد من الضغط للحصول على اتفاق افضل أو ربما من أجل تعجيل المواجهة الأميركية الايرانية، هذا القياس استند إلى تجارب مرت فيها الجمهورية الإسلامية واعتبرها الصهاينة مؤشرا على إمكانية خضوع طهران تحت الضغط، وهنا يركز الإسرائيليون على ما يعتبرونه اضطرار طهران للقبول بوقف إطلاق النار في نهاية حرب صدام على ايران، كما أنهم يتخذون قبول إيران بتجميد بعض أنشطتها النووية في إطار الاتفاق مع الدول الكبرى كدليل على إمكانية إجبار إيران على تقديم تنازلات تحت الضغط وقد بنى الصهاينة سياستهم في المواجهة المباشرة مع طهران في سوريا وكذلك غير المباشرة عبر الجانب الأميركي بناء لهذا المبدأ.
الوقائع التي تلت الخطوات الأميركية ضد طهران أثبتت اخفاقا استراتيجيا في تقييم الموقف الإيراني الذي استند في موضوعي وقف الحرب مع نظام صدام والاتفاق النووي إلى معطيات تحفظ المصلحة الإيرانية من دون تقديم تنازلات تتعارض مع هذه المصلحة، فقد أثبتت طهران انها لن تقبل التنازل عن خطوطها الحمراء لا سيما أن الأميركيين والصهاينة جعلوها بين خياري المواجهة أو التنازل عن الثوابت ومن هنا اختارت طهران المواجهة ما أدى إلى انكشاف حجم الاخفاق الصهيوني الأميركي في تقدير الرد الايراني:
– الإخفاق الاول كان في تقدير طبيعة الرد الايراني على سياسة العقوبات، وكانت وجهة النظر الاسرائيلية تقول بأن طهران ستضطر تحت ضغط العقوبات غير المسبوقة للجلوس الى طاولة المفاوضات للتباحث بشروط جديدة تضمن بالدرجة الأولى المطالب الإسرائيلية وفي مقدمها دور طهران فيما يتعلق بالصراع مع الصهاينة ودعم حركات المقاومة، لكن الرد الايراني اسقط هذا الرهان واظهر استعداد طهران لتحمل كل أشكال الضغوط في إطار حماية استقلالية قرارها وكرامتها الوطنية ومبادئها الثورية.
– أحد الأخطاء الكبيرة في التقدير كانت ايضا البناء على تجربة الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية وهذا ما كرره ترامب في أكثر من مكان عندما عبر عن رغبته بالتفاوض مع الإيرانيين وبادر الى ارسال رقم هاتفي عبر الجانب السويسري ليستعمله الإيرانيون في حال قرروا التفاوض، وهنا ايضا ظهر خطأ التقدير الأميركي عندما رفض الإيرانيون مبدأ التفاوض تحت الضغط بالمطلق.
– في إطار الخطأ في تقدير الموقف الإيراني ايضا لم يتوقع الصهاينة أن تذهب طهران في خطوات تخرج فيها عن التزامات نووية نتيجة الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي ما يوحي بجديتها وإمكانية انسحابها الكامل من هذا الاتفاق اذا لم يحقق مصالحها بعد الانسحاب الاميركي والتباطؤ الاوروبي. وقد كان الصهاينة يعتبرون أن طهران لن تجرؤ على المبادرة لهكذا خطوات خشية المزيد من العقوبات والدخول في مواجهة مع الاميركيين.
– في السياق نفسه كان التقدير الصهيوني الذي اقتنع فيه الأميركيون أن طهران ستحاول التماشي مع العقوبات والابقاء على الاتفاق النووي حتى نهاية الولاية الاولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب على أمل انتخاب رئيس ديمقراطي يعود إلى الاتفاق النووي، وقد أثبتت الخطوات الإيرانية التي تلت العقوبات الأميركية سواء في موضوع الخطوات الداخلية الاقتصادية او التعاون الدولي البديل او انهاء جزء من الالتزامات المتعلقة بتخصيب اليورانيوم او الماء الثقيل، خطأ هذا التقدير.
– من جملة الأخطاء الفادحة في تقدير الموقف الإيراني هو بناء الجانب الأميركي والصهيوني على إثارة الخلافات في داخل ايران وتوليد حركة شعبية تضغط على النظام الإسلامي لدفعه نحو تقديم تنازلات، كما أن الصهاينة والاميركيين لم يخفوا رغبتهم بما هو أكبر من ذلك وهو اندلاع تحركات شعبية واسعة للإطاحة بالنظام الاسلامي، لكن ما حصل عكس ذلك في ظل وحدة الموقف الشعبي والرسمي الرافض للسياسات الأميركية العدوانية والظالمة بحق إيران، وهنا كانت النتيجة معاكسة لما اراده الاميركيون والصهاينة فقد ثبتت العقوبات الوضع الداخلي وجعلت غالبية الإيرانيين يقفون صفا واحدا في رفض هذه السياسة العدوانية.
– خطأ آخر في التقدير كان على مستوى قراءة السلوك الميداني الإيراني على اكثر من مستوى وعلى مختلف الساحات التي تمتلك فيها طهران أوراق قوة وقدرة على التأثير اضافة الى تطوير القدرات العسكرية بشكل متواصل.
بناء على ما تقدم فإننا نشهد انتقال الجانب الايراني إلى مرحلة متقدمة بوجه الجانب الأميركي تستوجب من الاميركي الذي يقول بأنه لا يريد الحرب إعادة قراءة موقفه وتصحيح تقديراته وعدم الاصغاء الى المهووسين بالحروب كأمثال جون بولتون في البيت الأبيض أو بعض المذعورين والمسكونين بالخوف من الخطر الوجودي كأمثال بنيامين نتنياهو في تل أبيب.
*خبير في الشأن الصهيوني
المصدر: موقع المنار