لا يكاد اللبناني يصحو من هول ملف من الملفات حتى تصعقه الاخبار السيئة عن ملف آخر، فكثيرة هي الملفات العالقة في لبنان وكثيرة هي الملفات التي تجر ملفات تحتاج الى حلول لا نعرف من أين ستأتي ولا من سيبادر لتحمل المسؤولية في ذلك.
فمن الملفات السياسية الى الشؤون الحياتية والاجتماعية والامن والاستقرار وغيرها الكثير من المسائل العالقة، ومن ملف النفايات الذي لم يجد طريقه الى الحل بشكل نهائي حتى اللحظة رغم كل الاخذ والرد، حتى برز في الفترة الاخيرة تلوث مجرى نهر الليطاني الذي ما إن بدأ ينتشر حتى خرجت الى العلن المشاهد والأخبار عن التلوث الذي حلَّ ببحيرة القرعون الشهيرة في البقاع، ما ينذر بمزيد من التآكل في المنظومة البيئية والحياتية للمواطن دون أي اهتمام فعلي حقيقي من قبل المسؤولين.
عن غياب الدولة.. ودور المواطن!!
والحقيقة ان التجرؤ على تلويث عام وشامل لمجرى نهر كنهر الليطاني ولبحيرة كبحرية القرعون ولانتشار النفايات قبل فترة في شوارع بيروت والمناطق اللبنانية، هو دليل واضح على عدم وجود سلطة رادعة تطبق القوانين وتحزم أمرها في ضبط الوضع، فالدولة فعلا غائبة او ساهية عن كثير من المجالات وإلا كيف يحصل كل ذلك وهناك دولة موجودة ومؤسسات تعمل؟ فغياب الدولة واضح وضوح الشمس من انقطاع الكهرباء والمياه الى الطرقات والفساد المستشري الى تعطل المؤسسات الدستورية عن القيام بواجباتها الى تعداد لا ينقطع من الازمات التي تبدو عصية على الحل.
وبالمقابل لغياب او تغيب مؤسسات الدولة ايضا، هل مارس الانسان في لبنان دوره كمواطن عبر الانتخابات النيابية او البلدية؟ هل ضغط المواطن على السلطة السياسية كي تمارس دورها الذي يجب ان تمارسه في مختلف المجالات؟ ام انه أعاد إنتاج السلطة نفسها وقدم كل التسهيلات والاعذار لمن يجب ان يحاسب عن تقصيره في كثير من المحطات؟ لتأتي الاجوبة واضحة بأن المواطن لا يقوم بدوره كجزء من هذا الوطن، ما يعني انه حتى الانسان لا يتحمل مسؤوليته الوطنية في مختلف المجالات، لان المواطن لو كان فعلا يقوم بما عليه لما لوصلنا في العام 2016 الى هذه الحال المزرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر لو أدى المواطن دوره فعلا لما حصلت كل ازمة النفايات التي مررنا بها، ولو كان المواطن يقوم بدوره لما حصل التلوث في القرعون والليطاني ولما حصلت الكثير من الازمات التاريخية التي نعاني منها منذ ما قبل الحرب الاهلية.
بين المحاصصة والاصلاح.. وادوار الاحزاب
وبالاضافة الى تقصير الدولة والمواطن، ماذا عن هيئات المجتمع الاهلي والمدني؟ ماذا عن النقابات والاحزاب والتيارات السياسية والفكرية؟ هل كل هؤلاء قاموا بما يجب كي يتم اصلاح ما هو فاسد؟ ام ان المصالح الخاصة والفئوية والمحاصصة والمحسوبيات هي التي صبغت كل او معظم النشاطات والتحالفات والعمل الحكومي والنيابي والنقابي ووصفت بأوصاف مردها الطائفية السياسية انطلاقا من المخاطر المحدقة بهذه الطائفة او تلك؟
لكن بالتأكيد وبمنطق الامور ان المستفيد من الوضع الحالي وكل حاشيته لن يبادروا الى التغيير ولا الى الاصلاح، بل بالعكس في بعض الاحيان وتحت وطأة الصفقات والمحاصصة الطائفية والسياسية نرى بعض الجهات التي كانت في الماضي تحمل أفكارا إصلاحية باتت اليوم تخوض مع الخائضين في ملفات تقسيم المغانم في السياسة والطائفية، وكأن “فيروس” قطعة الحلوى اللبنانية المسماة “الدولة” تغري النفوس بما لا يمكن رفضه من أموال وعقارات ومناصب وسفر وزيارات الى مدن العالم وامتلاك الثروات والاموال والسيارات وغيرها من “المفاتن” التي لا يمكن الحصول عليها إلا في ظل الفوضى الخلاقة لمن يريد تجميع الثروات الطائلة.
ازمات كثيرة.. فماذا عن الحلول؟
وفي لبنان طالما كنا نقرأ ونسمع عن منظومة او استراتيجية وطنية لها علاقة بالامن والدفاع عن سيادة الوطن عندما كان ملف حماية لبنان هو الملف الوحيد الذي يشغل بال الوطنيين والاحرار في هذا البلد، ولكن اليوم بوجود المقاومة والجيش والقوى الامنية الحاضرون للدفاع وحماية لبنان، يبدو ان الامر وبالتوازي مع حماية لبنان وصونه من اي اعتداء اسرائيلي او تكفيري يحتاج الى سلة وافرة من الاستراتيجيات، منها: الاستراتيجية الوطنية لتنظيف مجرى نهر الليطاني، الاستراتيجية الوطنية لازالة التلوث من بحيرة القرعون، الاستراتيجية الوطنية لمعالجة ملف النفايات، الاستراتيجية الوطنية للثروة النفطية…
وبالتأكيد نحتاج الى استراتيجية وطنية للصناعة والزراعة والاقتصاد والبيئة والتعليم والاتصالات والمواصلات… وغيرها الكثير الكثير من الاستراتجيات التي لا تنتهي فصولها عن حد معين باعتبار ان المشكلة ليست في ملف واحد او اكثر انما هي مشكلة عامة تتعلق بالانسان الذي هو مسؤول وايضا مواطن وحزبي ونقابي وعامل ورجل وامرأة وشاب وشابة… في ظل كل هذا علينا توحيد الاستراتيجيات للوصول الى استراتيجية واحدة قد تكون استراتيجية وطنية شاملة كاملة كل الجوانب في الوطن، وهي تحتاج الى عصف فكري وورش عمل مفتوحة ودائمة للوصول الى اهدافها الوردية بلبنان مثالي لكل أبنائه وشرائحه… فهل هذا يمكن ان يتحقق في يوم من الايام؟
غرافيكس: وسيم صادر
المصدر: موقع المنار