مهما يكن الخبر مؤلماً أو مفجعاً، إلا أنه لن يكون مستغرباً في مكانه وزمانه وحيثياته… إنها السعودية منبع التكفير.
أراد التكفيريون للمسلمين أن يختتموا رمضان المبارك على خبر يزيد إلى مآسيهم اليومية: هدم قبر نبي الإسلام (ص). أرادوا أن يقتلوا العيد بدخان الحقد التكفيري الذي رعته كتب التاريخ السعودية، التي صيغت على أساسها مناهج المملكة التربوية لتُنشئ من يعكس نصوص التكفير المتوحش بأفعاله.
لم يكف المسلمين مشاهد القتل بالمجان، التي تحصد أبنائهم، ولا يكفيهم التكفير بالجملة الذي يبيح سبي نسائهم، ولا يشفي غليل التكفيريين استباحة مدن وخيرات “الكافرين” حتى من أهلهم… فبلغت بهم الوقاحة أن تكون تفجير قبر نبي اقترن ذكره بالرحمة.
“في تمام الساعة 7:20 مساء الاثنين اهتز المسجد النبوي إثر تفجير إرهابي دنيء أرعب قلوب الصائمين في الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة… كاميرا البث المباشر من المدينة المنورة وثقت لحظة الانفجار حيث حلت الدهشة والاستغراب على الصائمين أثناء الإفطار من جراء صوت الانفجار القوي، متسائلين عن الحدث الذي وقع خارج المسجد، فيما يقول معلق التلفزيون: العتقاء من النار في كل ليلة من ليالي رمضان، هذا هو شهر الخير والإحسان”… هكذا قدمت قناة “العربية” السعودية الخبر.
القناة السعودية وصفت التفجير الإرهابي بالـ “دنيء” مضيفة أنه تسبب بدهشة واستغراب! ولكن هل ذكرت “العربية” من شرعن هذه الدناءة؟ ومن فخخ هذه العقول؟ هل تجرؤ “العربية” على مكاشفة جمهورها بالمجرم الحقيقي؟ هل بإمكانها استعراض ما يُدرس في مدراس ممكلة آل سعود عن قبور المسلمين ومنها قبر النبي (ص)؟ وهل ستقر بأن هذه الدناءة تقدمها كتب تاريخ نشأة المملكة على أنها فتوحات اسلامية ضد “المشركين” من سكان بلاد نجد والحجاز، التي لم تعرف غير الاسلام بعد النبي محمد (ص)؟ ألا تنسجم هذه الدناءة مع غزوات محمد بن عبدالوهاب وتنهل من أفكاره؟
في مملكة التكفير السعودية، يُدرس أطفال المملكة أن المسلم الذي يحترم قبور المسلمين والأولياء وقع في شرك أصغر. تُركز مقررات التوحيد على مسألة القبور، وتروّج لفكرة تعتبر أن تشييد القباب على قبور الصالحين “بدعة” موجبة للشرك والكفر، وترى بأن عبادة الله على هذه القبور مخرج من الملة، وأن التقرب إلى الله بطلب الشفاعة من الصالحين الموتى من نواقض الدين. تشدد المناهج الدينية على ضرورة مواجهة هذه “البدع” و”الضلالات”.
تحت عنوان “الشرك الأكبر” تُخرج المناهج المعتمدة في السعودية فرقاً إسلامية بكاملها من دائرة الاسلام كالصوفية والإمامية والاسماعيلية والمعتزلة.فيذكر كتاب التوحيد للصف الثالث ثانوي، للعام الدراسي (2006-2007) أن “ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرباً لأصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم، وكأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة…”، أو كالمذاهب الباطنية والفلاسفة، بحسب مقرر الصف الثالث ثانوي (2013-2014)، صفحة 33.
تؤسس مدارس المملكة لعقل التكفير المتوحش، وتخرِّج جامعاتها دعاة التكفير والمنظرين له. يبارك كل هؤلاء عمليات القتل والإجرام التي يرتكبها التكفيريون. وتستند المناهج السعودية في المدارس والجامعات إلى تراث وسيرة محمد بن عبدالوهاب، تمجد هذه الكتب ابن عبدالوهاب وتقدسه وتقدمه على أنه صاحب الدعوة التي أعادت إحياء الإسلام “الصحيح”!
كيف تعامل محمد بن عبدالوهاب مع القبور التي يقدسها المسلمون؟
مع بداية دعوته إلى الوهابية، كانت باكورة جرائم محمد بن عبدالوهاب إقدامه على هد قبر زيد بن الخطاب، أخ الخليفة الثاني للمسلمين عمر بن الخطاب، ما أثار المسلمين ضده يومها واستدعى طرده من بلدة العيينة عام 1157هـ .
في كتابه “روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام” وثّق حسين ابن غنام تاريخ الدول السعودية الأولى التي قامت بعد اتفاق انعقد بين محمد ابن سعود ومحمد ابن عبدالوهاب، كان ابن غنام معاصراً لمحمد بن عبدالوهاب وقد سكن في الدرعية مقر الدولة السعودية، وقد اهتمت المملكة السعودية بكتابه وكررت طباعته من قبل دارة الملك عبدالعزيز التي تهتم بالتاريخ السعودي.
يوثّق ابن غنام في كتابه هذه الحادثة فيقول: “فخرج الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومعه عثمان بن معمر «أمير العيينة» وكثير من جماعتهم، إلى الأماكن التي فيها الأشجار التي يعظمها عامة الناس، والقباب وأبنية القبور، فقطعوا الأشجار، وهدموا المشاهد والقبور، وعدلوها على السنة، وكان الشيخ الذي هدم قبر زيد بن الخطاب بيده، وكذلك قطع شجرة الذيب مع أصحابه…”
عام 1218 دخل جيش الوهابية إلى مكة المكرمة فهدموا قبة زوجة النبي (ص)، السيدة خديجة بنت خويلد (ع)، وهدم قبة مولد الرسول ومولد الخليفة الأول أبو بكر الصديق، ومولد السيدة الزهراء (ع).
يتحدث عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب عن ما فعله جيش الوهابية أثناء دخولهم مكة المكرمة: “فبعد ذلك أزلنا جميع ما كان يعبد بالتعظيم والاعتقاد فيه، ورجاء النفع، ودفعا لضر بسببه من جميع البناء على القبور وغيرها، حتى لم يبق في البقعة المطهرة طاغوت يعبد، فالحمدلله على ذلك”، وفق ما ينقل ابن غنام.
لا تتوقف مسألة هدم القبور على محمد بن عبدالوهاب وحده أو على تاريخ الوهابية في نشاتها الأولى، إذ يفتي ابن باز بعدم جواء بناء القبور، فيقول: “لا يجوز البناء على القبور، لا مسجد ولا غير مسجد ولا قبة، وأن هذا من المحرمات العظيمة، ومن وسائل الشرك فلا يجوز فعل ذلك، وإذا وقع فالواجب على ولاة الأمور إزالته وهدمه، وألا يبقى على القبور مساجد، ولا قباب”.
ويخرج الداعية اليمني “مقبل الوادعي”، وهو أحد خريجي الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، التي أنشأتها السعودية لتصدير التكفير إلى الخارج، ليتحدث عن قبة الرسول بشكل صريح: “تلكم القبة التي هي على قبر رسول الله (ص)، وتلكم القبة التي هي على قبر الهادي بصعدة، وتلك القبة التي هي على قبر أبي طير بذيبين، وتلكم القبة التي هي على قبر الحسين المقبور بريدة الواجب إزالتها”.
وكما خرجت جامعات المملكة من أمثال مقبل الوادعي الذي يدعو إلى إزالة قبة الرسول، يخرج من المملكة آلاف التكفيريين ممن فخخت عقولهم ليطابقوا فتاوى الوهابية بالفعل!… فهل تجرؤ العربية على الاعتراف بالمسؤول عن هذه الدناءة؟