منذ بداية الأزمة السورية في شهر آذار/ مارس عام 2011 ، رمت حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا بثقلها لتسعير النيران في جارتها الجنوبية ، رافعة عناوين تحريضية طائفية ومذهبية ضد دمشق ، فيما كان الهدف الحقيقي لدى انقرة احياء نزعات قومية وشخصية عند الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ، الذي يبدو انه حاول اعادة احياء “امجاد” السلطنة العثمانية من البوابة السورية ومنها انطلاقاً الى بقية العالم العربي من اجل استعادة لقب “السلطان”.
المشروع الأردوغاني او “العثمنة” كما سماها الرئيس السوري بشار الاسد في احدى خطاباته ، تلقى ضربات موجعة بعد فشل الرهان على إسقاط النظام في سوريا والهزائم التي اُنزلت بالجماعات المسلحة المدعومة من تركيا والسعودية وقطر ، وطبعاً تحت الرعاية الاميركية ، لكن هذا الامر لم يمنع انقرة من مواصلة صب الزيت على النيران السورية ، وخاصة في الشمال (حلب وادلب واللاذقية..) ، فيما سهلت السلطات التركية -كما بات معلوماً- تنامي قوة ارهابيي داعش في الشرق السوري والغرب العراقي.
سياسة أردوغان تجاه سوريا بالاخص ، تُشبه الى حد ما النموذج الباكستاني في ثمانينات القرن الماضي ، حيث رعت إسلام اباد وقت ذاك عبر أجهزة الاستخبارات حركة طالبان الافعانية لمواجهة الاتحاد السوفياتي وذلك بدعم اميركي – خليجي ، الا إنه سرعان ما إنقلب الاف التكفيريين من اصحاب الفكر الوهابي على الداخل الباكستاني ومنه الى مختلف الدول منفذين سلسلة من الاعتداءات الارهابية.
تركيا اليوم تشبه مع فارق بالنتائج والمشروع باكستان، فالتفجيرات الارهابية تُدمي قلب اسطنبول وأنقرة تماماً كما أدمت بيشاور وكراتشي ولاهور ، فالوحوش تأكل رعاتها وعلى بعد حين ، خاصة مع توفر بيئة خاضنة لها في الداخل التركي.
وفي هذا الاطار عرضت وكالة رويترز تقريراً يوم الجمعة (1_7_2016) يركز على تنامي الفكر التكفيري على الاراضي التركية ، ويستشهد التقرير بمواطن يُدعى “مراد كيبجاك” تحول الى ارهابي “فبعد شهور قليلة من بدء حضوره اجتماعات جماعة متشددة في إحدى الضواحي الفقيرة في اسطنبول ، توقف كيبجاك (25 عاما) عن قراءة القرآن والصلاة في المسجد ، ليقوم بإتهام أسرته المحافظة بالكفر ، وقال إن قتل أفرادها سبيل لدخول الجنة ، قبل ان يُسافر وطفله الصغير وزوجته إلى العراق للانضمام إلى تنظيم داعش).
“كيبجاك” عينة من عشرات الالاف وربما أكثر ممن يحملون الفكر المتطرف ، وتفيد التقارير والدراسات ومنها دراسة أجراها معهد بيو ومقره الولايات المتحدة في نوفمبر تشرين الثاني الماضي “إن 8 في المئة من الأتراك ينظرون الى داعش نظرة إيجابية”.هذا يعني ان ملايين الاتراك يتعاطفون ويؤيدون فكر داعش التكفيري وغيره من الجماعات.
ويقول “سليمان أوزيرين” الخبير في مجال الإرهاب ورئيس معهد السياسة العالمية والاستراتيجية في أنقرة “هناك قطاع كبير من السكان في تركيا لا يعتبر داعش ولا النصرة من الجماعات الإرهابية ، وهذا يظهر كيف يمكن أن تجد هذه الكيانات دعماً”.
تنامي الفكر التكفيري الوهابي داخل تركيا ، دفع خبراء العسكر والاستراتيجيا الاتراك الى التحذير من خطورته مشككين بالاجراءات الامنية المتخذة من قبل السلطات، وتساءل “حلمي ديمير” الباحث في معهد تيباف في أنقرة والمتخصص في أنشطة الجماعات المتطرفة “هل نحن مستعدون للهجوم المقبل؟ كلا للأسف”.
وأضاف “الأمر يحتاج مجموعة جديدة من الاستراتيجيات والتكتيكات ، ونحتاج أن نفهم سبب سقوط هؤلاء الناس في دائرة التطرف.داعش لديه أساليب أيديولوجية قوية جداً ، لا يمكنك أن تُحارب مثل هذه الجماعات بالإجراءات العسكرية وإجراءات مكافحة الإرهاب وحدها”.
واعتبر آرون ستين الخبير في المجلس الأطلسي بحسب ما تُعرِفه رويترز “أن مسؤولي مكافحة الإرهاب بحاجة لاتباع نهج أقوى بكثير في القضاء على الأشخاص متوسطي المستوى العاملين على استقطاب العقول داخل المجتمعات التركية المختلفة”.
إهتزاز الامن الداخلي في تركيا، وتراجع النمو الاقتصادي وتأثر السياحة وتأزم العلاقات الخارجية مع الجيران والاتحاد الاوروبي وزيادة قوة الاكراد ، مشاكل خلفتها سياسات حزب العدالة التنمية بفي ظل حكم رجب طيب اردوغان ، الذي أطل بعد رئيس حكومته بن علي يلدريم مشيراً الى تنظيم داعش بالوقوف خلف اعتداء مطار اسطنبول الثلاثي ، قائلاً “وليعلم الجميع أن الإرهاب لا دين له، ولا عرق، ولا وطن”.
كلام الرئيس التركي لا تُلغي الحقائق التالية حتى يثبت العكس:
اولاً: استمرار الحكومة التركية في دعم الجماعات الارهابية (داعش والنصرة واحرار الشام وجيش الفتح …).
ثانياً: مواصلة تدفق الارهابيين الى الاراضي السورية عبر الحدود التركية.
ثالثاً: تنسيق قائم على قدم وساق بين أنقرة والرياض واطراف خليجية اخرى للاستمرار في ضرب الدولة السورية وحلفائها (حلب ،اللاذقية..)
رابعاً: زيادة الخلايا الارهابية من اصحاب الفكر التكفيري على الاراضي التركية.
إذاً ستُواصل أنقرة سياسة “تسعير المشاكل” في سوريا رغم تسليم الاتراك بمختلف شرائحهم بخطورة الاوضاع الامنية في بلدهم نتيجة تنامي الفكر التكفيري، والتي لم تعجب أمراء الحرب في الخليج واتباعهم من “الاعلاميين”، الذين واصلوا إعتماد نظرية “عنزة لو طارت” في معرض تعليقهم على تفجيرات اسطنبول على طريقة البعض في لبنان ،حيث إعتبر عبد الرحمن الراشد في صحيفة الشرق الاوسط السعودية ، “إن التنظيم (داعش) رغم تعصبه الآيديولوجي لا يمانع في التعاون مع خصومه على الأرض٬ وهو الآن يعمل مع نظام الأسد ضد تركيا ضمن لعبة البقاء)…!!