تمر الصحافة الورقية بأزمة مالية حادة تهدد كيانها كما تهدد مصير مئات المحررين الذين ساهموا منذ أكثر من نصف قرن في بناء صورة لبنان، ليصبح نموذجا للحرية الاعلامية وللابداع في المنطقة، لا بل في العالم.
يعود سبب الازمة الى انعدام السياسة في بلد مصنعا للسياسة، كما لانعدام الاستقرار السياسي والامني، وهو العنصر الذي انعكس سلبا ايضا على المستثمرين والممولين وبينهم من كان في مراحل مختلفة يطمح لانشاء مشاريع اعلامية ضخمة في لبنان، فكان ان توجهوا الى بلدان عربية اخرى.
الدكتور غازي وزني/ خاص
ولعل العنصر الحاسم في التأثير سلبا على الصحافة الورقية هو تنامي دور الصحافة الالكترونية ولو انها تفتقد للاطار القانوني الناظم لها، بحيث أدت المنافسة غير العادلة الى تراجع دور الصحافة الورقية بينما كانت المواقع الالكترونية تتوالد كالفطر.
في مواجهة هذه الازمة، من واجب السلطات اللبنانية ( مجلس الوزراء، مجلس النواب، مصرف لبنان ) التحرك لانقاذ الصحافة الورقية لا سيما بعد توجيه عدد من الصحف انذارات او اشارات لمحرريها تشي بأنها على خط الاقفال في الاجل القريب.
تستطيع الدولة انقاذ الصحافة من خلال الاجراءات التالية :
– تدخل مصرف لبنان عبر تحفيزات مالية لدعم الصحافــة الورقيـــة: قروض ميسّــرة جدا طويلــة الاجــل ( 20 سنة ) على غرار التحفيزات المالية التي يقدمها منذ العام 2013 حتــى العـــــام 2016 ( حوالي 6 مليارات دولار ) والتي ساهمت في انقاذ القطاع العقاري ( قروض سكنية ) والقطاعات السياحية والتجارية والصناعية وتمويل مشاريع متعلقة بالبيئة والطاقة المتجددة والتحصيل الجامعي والشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلا عن تقديمه تحفيزات مالية لتنشيط قطاعات مستقبلية كقطاع المعرفة.
– الغاء الرسوم والضرائب المتعلقة بقطاع الصحافة والطباعة ( الورق – الكهرباء – الاتصالات ).
– اعفاء الصحافة من الاشتراكات للضمان الاجتماعي لمدة زمنية ( عشر سنوات )، كما اعفاء الصحف من باقي الرسوم ( بلدية ومالية وغيرها).
– تقديم وزارة المالية قروض مدعومة طويلة الاجل.
– مساعدة المؤسسات الصحافية في اعادة جدولة ديونها لدى المصارف التجارية على غرار اعادة الجدولة للقطاعات الاخرى ( السياحة، التجارة والعقارات الخ…)
والنأخذ العبرة من الولايات المتحدة الاميركية ابان الازمة المالية العالمية في العام 2008، حيث قررت من اجل انقاذ اقتصادها المتهاوي، ضخ مئات مليارات الدولارات على شكل قروض بفوائد ميسرة جدا وطويلة الاجل، الامر الذي أدى سنة بعد سنة الى انقاذ اقتصادها وتعافيه.. فهل يمكن الاقتداء بهذه التجربة لانقاذ الصحافة الورقية اللبنانية التي ساهمت بتشكيل الوعي الوطني والاجتماعي والتربوي والثقافي ولعبت دورا تنويريا على صعيد القيم والافكار في لبنان والمنطقة العربية؟
ان انقاذ الصحافة الورقية يعتبر واجبا وطنيا وأخلاقيا وعلى السلطتين التنفيذية والنقدية اتخاذ مبادرات من دون أي تأخير، لا سيما ان الكلفة الانقاذية تعتبر متواضعة جدا بالمقارنة مع تبعات مثل هكذا انهيار، اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا.
ان انقاذ الصحافة الورقية هو انقاذ لسمعة لبنان ومكانته الثقافية والاجتماعية والاعلامية في المنطقة والعالم.
المصدر: خاص