جاءت خطوة السلطات البحرينية بسحب الجنسية عن آية الله الشيخ عيسى قاسم لتتوج “رزمة” من الخطوات التصعيدية التي انتهجها النظام في المرحلة الاخيرة، فمن إصدار القرار بفصل الدين عن السياسة ومنع رجال الدين الذين يعتلون المنابر من التحدث بالسياسة الى إقفال مكاتب جمعية “الوفاق” ومنع نشاطاتها وحل جمعيتي “التوعية والرسالة” وتشديد العقوبة على الشيخ علي سلمان واعتقال الحقوقي نبيل رجب واستدعاء العديد من رجال الدين للتحقيق معهم.. والحبل على الجرار، في سيناريو يظهر ان المعنيين في المنامة لم يتخذوا حتى الآن القرار بوقف التصعيد بل السير باتجاه المزيد من التأزيم وأخذ البلاد الى المجهول.
كل هذا يثير الكثير من علامات الاستفهام حول توقيت رفع وتيرة ممارسات النظام البحريني، فلماذا اليوم قرر هذا النظام التصعيد بهذا الشكل الجنوني حتى وصل به الامر الى تجاوز كل الخطوط الحمر مع الشعب البحريني وقياداته الدينية والسياسية؟ خاصة ان جولة التصعيد هذه جاءت بعد اكثر من شهرين على زيارة وزير الخارجية الاميركية جون كيري الى المنامة حيث حضر اجتماع دول “مجلس التعاون الخليجي”، فهل كل ما يجري في البحرين يتم بموافقة صريحة او ضمنية اميركية ام ان الامر لا يعدو اجتهادا خاصا لقادة النظام؟ وهل الشبهة الاميركية عن التورط في البحرين ترفع بمجرد صدور موقف مستنكر عن مسؤول او متحدث باسم الخارجية الاميركية؟
من أعطى القرار بالتصعيد؟
وماذا عن الدور السعودي في ما يجري في البحرين، باعتبار ان الرياض هي الداعم والراعي الاقليمي الابرز لـ”نظام آل خليفة”؟ هل ما يقوم به هذا النظام تم بناء على تنسيق مسبق مع النظام السعودي ام ان السعودية هي من طالب بالتصعيد ضد الاغلبية الشعبية في البحرين؟ وهل يمكن القبول بأن ما يجري في البحرين يتم بدون “ضوء أخضر” سعودي؟
حول ذلك قالت مصادر قيادية في “تيار الوفاء الاسلامي” في البحرين ان “التصعيد الحالي في البحرين يتم بقرار سعودي وأميركي بالدرجة الأولى فالتصعيد في الملف البحراني جاء لتعويض الفشل وكأداة ضغط في ملفات إقليمية أخرى كالملف العراقي واليمني والسوري”، ولفتت الى ان “إجراءات النظام البحريني سبقها هزائم مدوية للمشروع السعودي على أعقاب معركتي الفلوجة وحلب وإدراج النظام السعودي على لائحة الأنظمة المنتهكة لحقوق الأطفال في اليمن”.
وأشارت المصادر الى ان “تصعيد الحكم الخليفي في جرائمه يتناغم مع الموقف الرسمي السعودي والإماراتي الداعم للتصعيد”، وأكد ان “الموقف الأميركي والبريطاني هو موقف متواطئ ومخادع حيث عبر الطرفان عن قلقهما في هذه المرحلة بينما لم تصدر منهما إدانة واحدة للنظام البحريني عن كل ممارساته طوال السنوات الماضية”، وذكّرت ان “الإدارتين الأميركية والبريطانية كانتا تغطيان جرائم النظام البحريني وآل سعود عندما وصفتا دخول قوات ما يسمى درع الجزيرة بالشرعي والقانوني”، موضحا ان “الحكم الخليفي يتمتع بعقود التدريب والتسليح والتعاون الأمني من هاتين الدولتين العدوتين لشعب البحرين”.
أي مشروع يعد للبحرين؟
واشارت المصادر الى ان “جريمة النظام بنزع الجنسية من آية الله الشيخ عيسى قاسم والتهديد بترحيله ليس بأسلوب جديد بل هي حلقة في مسلسل طويل باعتبار ان جريمة النظام اليوم هي استمرار للمخطّط والمشروع الخليفي الأميركي القديم بالحرب على هوية الشعب وتغريب ثقافته وسجن وتهجير علمائه وفصل الدين عن حياة الناس وإضعافهم اقتصاديا وإبعادهم عن مصادر القوة في البلد”، مؤكدة ان “العصابة الحاكمة في البحرين تسير في مشروع تدميري برعاية الأميركيين والبريطانيين”.
ولكن يبقى السؤال الاهم لماذا يعمل النظام على التصعيد بينما الشعب البحريني يلتزم السلمية؟ فالحراك البحريني طالما تميز بسلميته “المفرطة” دون اي استخدام للعنف او حتى للتحريض الطائفي او المذهبي، بل بالعكس كانت كلما اشتدت وطأة الظلم وممارسات النظام القاسية كانت قيادة الشعب البحريني وفي طليعتهم آية الله الشيخ عيسى قاسم ومن خلفه الشيخ علي سلمان وغيرهم من القيادات من مختلف التيارات والاطياف يصرون على التمسك بالسلمية، فلماذا لا يبادل النظام الشعب بالسلمية او يعامله بالمثل؟
حول ذلك لفتت المصادر القيادية في “تيار الوفاء الاسلامي” الى ان “هناك رسالة مهمة لتطوّرات الأحداث وهي ان الحكم الخليفي عازم على الانتقام من الشعب وكل إجراءاته الحالية هي في سياق الانتقام من الشعب على ثورته”، واعتبرت ان “هذا النظام ومن يحميه عازمون اليوم وبشكل أكبر من ذي قبل على الذّهاب لأقصى حد في استكمال التنكيل بالشعب وتهجيره”، ورأت انه “لا ينبغي الوقوع في وهم أن النظام في وارد تحقيق مطالب جوهرية لشعب البحرين أو في وارد الذهاب لحل سياسي”، مؤكدة ان “الوضع القانونيّ والسياسيّ والأمنيّ في البحرين وصل لطريق مغلق بعد التعدّي على آية الله قاسم باعتباره الرّمز الأكبر للشّعب”.
وعن الاهداف الخفية للتصعيد في البحرين في هذه المرحلة، اعتبرت المصادر ان “من الأهداف الخفية والجوهرية لجرائم آل سعود وآل خليفة هو إشعال المنطقة”، ورأت ان “الأميركي والبريطاني يتحينان الفرصة لإيقاع الصدام بين ايران والدول في الإقليم وكل ما يجري هو بهدف افتعال شيء في هذا السياق خدمة لبقاء القواعد العسكرية الأجنبية واستمرارا لعقود السلاح الخيالية وإشغالا للمنطقة بالفتن والحروب بدل التّنمية والإصلاح”.
بالتأكيد ان كل الممارسات القمعية للنظام في البحرين لن توصل الى إنهاء الازمة التي يعيشها هذا البلد بفعل أخطاء حكامه الذي لا يكادون يخرجون من ورطة حتى يرتكبون خطيئة أفظع من سابقاتها، وكل هذا المسار اللاعقلاني للنظام لن يوصله الى مكان مما يخطط له هو او من يدعمه، في ظل حكمة ووعي ومسؤولية الشعب البحريني وقياداته وفي طليعتهم ضميرهم الحي وصمام الامان آية الله عيسى قاسم، لذلك فالافضل للبحرين ان يستفيد النظام من هذا العقل الراجح للبحارنة والجلوس للتفكير بهدوء كيف يخرج من “عنق الزجاجة” التي أدخل نفسه بها والطلب من البحرينيين المساعدة لاراحة البلد وتجنيبه خضات هو بالغنى عنها.
المصدر: موقع المنار