نص الخطبة
مرت خلال الأسبوع الماضي العديد من المناسبات الإسلامية الخالدة ، ففي التاسع من شهر رمضان كانت وفاة سيدة المؤمنين زوجة النبي(ص) السيدة خديجة الكبرى، وفي الثاني عشر منه كانت وفاة مؤمن قريش أبي طالب، وفي الخامس عشر كانت ولادة الامام الثاني من أئمة أهل البيت(ع) الإمام الحسن بن علي المجتبى(ع)، وفي السابع عشر كانت معركة بدر الكبرى، ولأننا لا نستطيع الحديث عن كل هذه المناسبات في هذه الخطبة سأتوقف عند معركة بدر ودلالاتها الكبيرة.
كانت معركة بدر أولَ معركة مسلحة كبرى خاضها النبي(ص) والمسلمون في مواجهة المشركين من قريش، وقد حصلت هذه المعركة يومَ الجمعة في السابعَ عَشرَ من شهر رمضان المبارك، في السنة الثانية بعد الهجرة الى المدينة.
فقد علم رسول الله (ص) ان المشركين خرجوا لقتاله، فجمع المسلمين واستشار أصحابه المهاجرين والأنصار في أمر القتال. إن سيرة رسولِ الله(ص) في استشارة أصحابه والاستماعِ إلى آرائهم وهو الرسولُ المسددُ في كل آرائه وخطواته من الله عز وجل، توحي إلينا وإلى كل قيادة إسلامية أن لا تستبدَ برأيها، حتى لو كانت تملك الرأي السديدَ والصائب بل إن عليها أن تستشير لا سيما في القضايا المصيرية والكبرى. ولأن معركة بدر كانت معركةً مصيريةً يتقرر على أساس نتائِجِها مصيرُ الإسلام والشرك في المنطقة في المستقبل المنظور على الأقل، فقد استشار النبي أصحابه المهاجرين والأنصار في أمر هذه الحرب، وبرز في المسلمين آنذاك موقفان:
الموقفُ الأول: موقفُ الذين كانوا يهابون قوةَ قريش وإمكاناتِها البشريةَ والعسكريةَ الواسعة وهؤلاء كأنهم أرادوا أن يَنْهَوا النبي(ص) عن مواجهة المشركين بأسلوب المثبطين للعزائم والإرادات، فقد قال بعضهم في التعبير عن هذا الموقف: يا رسول الله، إنها قريشٌ وغدرُها، والله ما ذَلَّتْ منذ عَزَّتْ، ولا آمنت منذ كفرت، والله لا تُسلمُ عِزَّهَا أبداً ولتقاتلنَك فاتهبْ لذلك أُهبَتَه وأَعِدَّ لذلك عُدّتَه.
الموقف الثاني: ولكن في مقابل هذا الموقف كان هنالك موقفٌ آخر: موقفُ أولئك المجاهدين الذين لا يخافون في الله لومة لائم، موقفُ الأقوياء والشجعان الذين يدركون أنهم على حق وأن الله معهم ولن يتخلى عنهم، موقفُ الذين لا يبالون بقوة العدو وقدراته وإمكاناته الواسعة برغم قلةِ عددِهم وضعفِ إمكاناتهم وبساطةِ عتادهم وسلاحهم.
فقد وقف بعضُهُم في بدر كما يقف المجاهدون والمقاومون اليوم وقالوا: يا رسول الله إمض لأمر الله فنحن معك، والله لا نقولُ لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها إذهب أنت وربُك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن إذهب أنت وربُك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والذي بعثك بالحق يا رسول الله لو سِرْتَ بنا إلى بُرْكِ الغُمَاد – وهي منطقة بالقرب من اليمن – لسِرْنَا معك.
ووقف رجلٌ آخر وهو سعدُ بنُ معاذ سيدُ الأوس وقال للنبي: لقد آمنا بك يا رسول الله وصدّقناك وشهدنا أنّ ما جئتَ به هو الحق، وأعطيناك مواثيقَنَا وعهودَنَا على السمع والطاعة فامض يا نبي الله لما أردت، فوالذي بعثكَ بالحق لو استعرضت بنا هذا البحرَ وخضتَهُ لخُضْنَاهُ معك … ولعل اللهَ يُريكَ منا بعضَ ما تَقَرُّ به عينُك، فسر بنا على بركة الله”.
وهنا كأن اللهَ قد أعطى رسولَه النتيجةَ الغيبيةَ للمعركة فقال لهم رسول الله(ص): سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين – أي إما الغنيمةُ أو النصر – واللهِ كأني أنظرُ إلى مصارعِ القوم.
وهكذا خرج النبيُ(ص) بمن معهم من المسلمين لمواجهة المشركين، وكان عدد المسلمين ثلاثمائةٍ وثلاثةَ عشَرَ مقاتلاً، وكان معهم فَرَسَانِ من الخيل، وسبعون بعيراً من الإبل ومعهم من السلاح ستةُ أدرعٍ وثمانيةُ سيوف، وسار المسلمون حتى نزلوا بدراً وهي قرية تبعد عن المدينة المنورة نحو مِئةٍ وخمسين كيلو متراً جنوبَ غربيِ المدينة المنورة، وفي صبيحة يومِ السابعَ عشَرَ من شهر رمضان عبأ النبيُ أصحابه المقاتلين، وكانت رايتُه مع أمير المؤمنين عليِ بنِ أبي طالب، وكان عليٌ(ع) صاحبَ لواء رسولِ الله(ص) في هذه المعركة وفي كلِ المعاركِ الأخرى التي خاضها المسلمون في حياة رسول الله، حيث يؤكد المؤرخون أن عليا(ع) كان له الدور الأكبر في مسار حروب النبي وحسمها بالنصر، وبدأت المعركة بالمبارزة، ثم احتدمت والتحم الجيشان وهما غيرُ متكافئين لا من حيث العدد ولا من حيث العتاد، ولكن الله في هذه المعركة أنزل الكثير من ألطافه ورحمته، وأنزلَ الملائكةَ لا ليقاتلوا ولكن ليعيشوا أجواء المعركة وليُعطُوا المسلمين القوةَ الروحية لتطمئن قلوبُهُم، وانتصر المسلمون واستطاعوا أن يُلحقوا بالمشركين هزيمةً نكراء رُغمَ قلةِ عددِهم وعتادِهم وكثرةِ عددِ المشركين، فقد أسفرت معركةُ بدر عن قتل سبعينَ رجلاً من المشركين وأسرِ سبعينَ منهم ولم يسقط من المسلمين سوى أربعةَ عَشَرَ شهيداً ولم يُؤسرْ منهم أحد.
إن ما نستفيدُهُ من تلك المعركةِ التاريخيةِ الخالدة، هو أن القلة عندما تعيش الإيمانَ والإخلاصَ والثقةَ بالله، وتملكُ الوحدةَ والإرادةَ القوية، وتصبرُ وتثبُتُ في مواقع الجهاد والمواجهة، وتخططُ جيداً ولا تبالي بحشود العدو وقدراتِه وإمكاناته، تستطيعُ أن تصنعَ الانتصاراتِ بإذن الله حتى ولو كان العدو يملك الكثرةَ والقوةَ الكبيرة، وهذا هو سرُ بدر، فإن أصحاب بدر إنما انتصروا لأنهم كانوا يعيشون روحيةً واحدة وقلباً واحداً وموقفاً واحداً.
ونحن بحاجة الى هذه الروحية روحية بدر لمواجهة التحديات والعدوان والإرهاب وما يخطط لهذه المنطقة من قبل أميركا واسرائيل وحلفائهما .
بحاجة الى هذه الروحية للثبات على طريق المقاومة في مواجهة الغطرسة الاسرائيلية في غزة وسوريا وكل المنطقة لأن المقاومة هي الخيار الوحيد أمام شعوب المنطقة لمواجهة الإرهاب الإسرائيلي ، وقد برهن الشعب الفلسطيني من خلال تصديه البطولي للعدوان الأخير على غزة أن المقاومة هي خياره في مواجهة العدوان وهي طريقه الوحيد لإفشال كل المشاريع التي تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية لا سيما ما يسمي بصفقة القرن .
أما لبنان فإنه بحاجة الى إرادة وطنية جامعة للنهوض باقتصاده وأمنه واستقراره ولمواجهة الفساد المستشري فيه الذي بات يهدد كيانه ومؤسساته.
إن اولوية مكافحة الفساد أخذها حزب الله على عاتقه بالرغم من أنها مهمة صعبة في بلد مثل لبنان لكنها غير مستحيلة، خصوصا اذا كانت هناك إرادة وطنية من كل القوى السياسية في البلد للتعاون في معالجة هذا الملف واليوم الجميع يتحدث عن أولوية مكافحة الفساد وعن اعبار هذا الملف اولوية في عمل الحكومة الجديدةونحن نأمل أن يترجم ذلك عمليا لنننتقل ببلدنا الى مرحلة جديدة.
من جهتنا حزب الله لديه الإرادة الكاملة لمتابعة هذا الملف وللتعاون مع الجميع فيه بكل جدية وإخلاص وصدق، ونحن بدأنا بوضع الأليات المناسبة لمتابعة هذا الملف، ونحن في الوقت الذي نعرف مسبقا أننا قد لا نستطيع أن نقضي على الفساد بالكامل في بلد مثل لبنان، الا اننا نستيطع بالحد الأدنى ان نضع حدا للفساد والفاسدين وان نمنع الهدر والسرقة ونحفظ المال العام وان ندفع باتجاه تعزيز عمل الأجهزة الرقابية وتعديل القوانين لمنع الهدر والسرقة. وهذا يمكن ان نفعله من خلال حضورنا القوي في المجلس النيابي وفي الحكومة المقبلة، خصوصا أن حزب الله سيكون له حضور قوي ومؤثر في الجكومة المقبلة يعكس حجم التمثيل الشعبي الواسع الذي اظهره الحزب في الانتخابات النيابية.
المصدر: موقع المنار