خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش

الشيخ علي دعموش

نص الخطبة

نعزي رسول الله (ص) وائمة اهل البيت (ع) وجميع المسلمين بشهادة بضعة رسول الله وسيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء(ع) التي كانت شهادتها في مثل هذه الايام في الثالث عشر من جمادى الاولى بحسب الرواية الثانية لتاريخ شهادتها.

هناك العديد من الحقائق يجب ان نعرفها عن الزهراء:

الاولى: ان السيدة الزهراء (عليها السلام) بحسب المشهور بين العديد من العلماء والمحققين هي البنت الوحيدة لرسول الله محمد بن عبدالله (ص)، وأن رقية وزينب وأم كلثوم لسن بنات،ه بل هن ربائبه اللاتي تربين في بيته ، وانهن في الحقيقة بنات هالة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد، ولسن بنات خديجة من النبي (ص).

والذي يدل على عدم وجود بنات للنبي (صلى الله عليه وآله) غير فاطمة (عليها السلام) :

أولاً: ان كل اولاد النبي (صلى الله عليه وآله) ولدوا بعد الاسلام ولم يولد أحد منهم في الجاهلية. بينما زينب وأم كلثوم ورقية ولدن في الجاهلية قبل الاسلام بل وتزوجن في الجاهلية ايضا.

ثانياً:  لم يكن للنبي (صلى الله عليه وآله) مصاهرة مع أحد غير علي (عليه السلام). وهذا ما اكده النبي(ص) في في بعض الاحاديث فعن أبي الحمراء (كما في كتاب الرياض النضرة) قال: قال النبي: (يا علي أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا: أوتيت صهراً مثلي…) ، فلو كان للنبي (صلى الله عليه وآله) مصاهرة مع غير علي (عليه السلام) لما صح من النبي (صلى الله عليه وآله) هذا القول.

ثالثا: ان الروايات التي تدل على ان للنبي(ص) بنات غير فاطمة المروية في بعض كتبنا مثل رواية الشيخ الصدوق في (كتاب الخصال) هي روايات ضعيفة السند، فلا يمكن الاحتجاج بها لإثبات ان رقيّة وأم كلثوم بنات لرسول الله (صلى الله عليه وآله ).

ويبدو أن هذه الشبهة (شبهة ان زينب ورقية وام كلثوم بنات للنبي(ص)) نشأت من كون البنات الثلاث تربين في بيت الرسول وخديجة، والعرب كانوا يطلقون على ربيبة الرجل انها ابنته.

الحقيقة الثانية: ان النبي كان يكني الزهراء(ع) بأم أبيها، ولعل هناك أكثر من سبب وراء هذه التكنية :

السبب الأول: رعايتها المتميزة لأبيها، حيث كانت تعامل رسول الله (صلى الله عليه و آله) وترعاه رعاية متميزة كرعاية الأم لولدها، فكانت لرسول الله بمثابة الأم الرحيمة والعطوفة التي تعطيه حنانها ومحبتها، بل كانت له أكثر حناناً و عطفاً و شفقة من الأم. ، وكان رسول الله (ص) في المقابل ايضا يحترمها ويعطيها من عاطفته كما يعطي الشخص أمّه، فكان يظهر تقديره وحبه وحنانه تجاهها بنفس المستوى الذي يظهره لأمه البارة الحنونة السيّدة آمنة بنت وهب (رضوان الله عليها) ليعرف الجميع بأن إبنته الزهراء(ع) هي موضع  تقديره واحترامه وحبه على هذا المستوى الرفيع.

والسبب الثاني: ولعله الأهم هو ان النبي(ص) أراد بهذه الكنية إظهار أفضلية الزهراء (عليها السلام) على نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وأمهات المؤمنين، حيث أن نساء النبي هن بمثابة الأمهات بالنسبة للمؤمنين، حيث يقول الله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ … ﴾، فأراد النبي(صلى الله عليه وآله) أن يُبيِّن أن إبنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) أرفع شأناً و منزلة من أزواجه أمهات المؤمنين، فهن رغم ما لهن من المنزلة و الاحترام بإعتبار كونهن زوجات النبي وأمهات المؤمنين، إلا أن فاطمة الزهراء(ع) أرفع مقاما وأعلا شأناً منهن، لأنها أم النبي محمد وهو أشرف الخلق وأفضل واعظم من الجميع.

الحقيقة الثالثة: اننا عندما ندقق في كيفية تعامل النبي(ص) مع ابنته الزهراء(ع) سنجد انه كان يرعاها رعاية خاصة ومتميزة ويعاملها معاملة خاصة فيها الكثير من الاحترام والتقدير والتقديس والرعاية والاحتضان والتربية الصالحة والاسلوب الحسن، حتّى انه كان يفديها بنفسه الشريفة ويقول : “فداها أبوها”.

ويروى أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): كان إذا دخلت عليه فاطمة(ع) قام إليها وقبّل يديها وأجلسها في مجلسه.

وعندما كان يريد السفر، كان آخر شخص يراه هو فاطمة(ع) وعندما كان يرجع، كان أوّل من يلتقيه فاطمة(ع).

وصحيح ان تعامل النبي (ص) بإحترام شديد مع ابنته الى حد تقبيل يديها كلما دخلت عليه هو بسبب مكانة ومقام ومنزلة ورتبة الزهراء وعظمتها وسمو ذاتها، الا ان هذا السلوك النبوي مع ابنته هو درس ايضا لكل أب ولكل أم.

هو درس للاهل: اولا: ليصححوا نظرتهم الى الانثى وانها انسانة لها مكانتها المتميزة في الاسلام. وثانيا: ليعرفوا كيفية التعامل مع البنت اذا ارادوا تربيتها تربية صالحة.

فقد صحح النبي النظرة الى البنت في العديد من الأحاديث ، وشدد على مكانة الانثى في ديننا، في مقبل النظرة الدونية التي كان ينظر فيها العرب في الجاهلية للأنثى، حيث كانوا يعتبرونها عبئا وهما وعارا لهم في حياتهم فكانوا يدفنوها في التراب بعد الولادة كما هو معروف،فجاء الاسلام واعتبر البنات أفضل من الأبناء، كما في الحديث عن رسول الله (ص): “خير أولادكم البنات”.

وعنه(صلى الله عليه واله وسلم) قال: “إنّ الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذّكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرّحه الله تعالى يوم القيامة”.

وعنه (صلى الله عليه واله وسلم) أيضاً: “ما من بيت فيه البنات إلا نزلت كلّ يوم عليه اثنتا عشرة بركة ورحمة من السماء، ولا ينقطع زيارة الملائكة من ذلك البيت؛ يكتبون لأبيهم كلّ يوم وليلة عبادة سنة”.

وعنه (صلى الله عليه واله وسلم) قال: “نعم الولد البنات المخدّرات؛ من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً من النّار، ومن كانت عنده اثنتان أدخله الله بها الجنّة، ومن يكن له ثلاث أو مثلهنّ من الأخوات وضع عنه الجهاد والصّدقةُ”.

ويُروى بأنّ رجلاً كان جالساً عند رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وبين أصحابه فأخبروه بأن امرأته وضعت بنتاً، فتغيّر لونه من وقع الخبر، فسأله الرسول صلى الله عليه واله وسلم: ما بك؟ فأخبروه بأن إمرأته وضعت بنتاً، فقال الرسول صلى الله عليه واله وسلم: “ثقلها على الأرض وتظلّها السماء ورزقها على الله وهي مثل الوردة تُشم رائحتها”.

كلّ هذه الرعاية، وهذا الاهتمام بالفتيات في الإسلام لا للتمييز بين الفتيات والفتيان، بل لدور الفتيات المهمّ والتكاليف المُلقاة على عاتقهنّ في المستقبل. فالفتيات في المستقبل سوف يتعهّدن تربية جيلٍ مؤمن شجاع وصادق ومجاهد، وسيكُنّ أساسَ وركنَ العائلة التي اذا كانت مستقيمة جعلت المجتمع كله مستقيما.

اما في كيفية التعامل مع البنت من قبل الاهل، فقد أوصى النبي(ص) الأهل بمتابعة البنت بالتربية الصالحة التي تجعل منها انسانة عفيفة شريفة متسترة ملتزمة وفاعلة في المجتمع.

فقد ورد عنه (صلى الله عليه واله وسلم) أنّه قال: “من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها وعلّمها فأحسن تعليمها، فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه؛ كانت له منعة وستراً من النار”.

فهو يوصي الأهل بالعناية والعطف على البنات والحرص على احترامن وتقديرهن وإشعارهن بالمحبة والمودة وتهيئة الأجواء المناسبة لهن وتطييب خاطرهن ، وبالأخص من جانب الأب. فينبغي له أن يراعي عواطفها ومزاجها ويتجنّب مضايقتها وكسرها او ضربها واهانتها وهذا ما أكدته النصوص الشريفة كما في قوله(صلى الله عليه واله وسلم): “ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم” .

ولهذا حمّل الإسلام الوالدين المسؤولية الكبرى، في تربية الأولاد عموماً والبنات خصوصاً، وأن المسؤولية للوالدين لا تنحصر في الجانب المادي وسدِّ حاجاتهن والإغداق عليهن، بل هذا جزء من المسؤولية وليس هو كل المسؤولية وبقية الأجزاء لا تقل أهمية عن هذا الجزء إن لم تكن أهم وأعظم وهي الجوانب المتعلقة بالتربية الصالحة للبنات.

فقد ورد عن النبي(صلى الله عليه واله وسلم) : “من كان له ثلاث بنات يؤدبهن، ويرحمهن، ويكفلهن، ويزوجهن، وجبت له الجنة البتة. قيل: يا رسول الله، فان كانتا اثنتين قال: وان كانتا اثنتين قال: فرأى بعض القوم أن لو قالوا: واحدة، لقال: واحدة” .

والنبي من موقع ابوته كان يرعى ابنته بمثل هذه التربية، وكان الأب المثالي الذي يهتم بأن يوجه نظر ابنته الى الله وإلى الآخرة وان يعلمها ما ينفعها في اخرتها  ومن ذلك تعليمها التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء(ع) عندما طلبت ان يكون لها خادمة.

وهنا من واجب الاهل ان يلتفتوا الى اساليب التربية الصحيحة، فيبتعدوا عن  عن التمييز بين ابنائهم في المعاملة حيث يعاملون الذكر باهتمام اكبر من الانثى او يقسموا الهدايا بين ألاولاد ويخصصون الذكر باشياء اكثر من البنت، وايضا الالتفات الى ضرورة الايفاء بالوعد وعدم الكذب عليهم ، متابعة الاولاد بالحكمة وباللطف والمداراة، وان لا يضطروهم إلى العصيان أو العقوق، ففي وصية النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لعلي (عليه السلام): “يا علي لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما، يا علي يلزم الوالدين من عقوق ولدهما ما يلزم الولد لهما من عقوقهما.. يا علي رحم الله والدين حملا ولدهما على برّهما..”

وايضا ان تكون تربية الأولاد وفق منهج إسلامي تربوي متكامل، بالحكمة والموعظة والاسلوب الحسن والهادىء، وان يوفق الاهل بين حاجات الاولاد الروحية والنفسية والجسدية، حيث تبدأ حقوق الأولاد على الآباء من قبل نشوء حالة الأبوة والبنوة، ومنذ الولادة، وفي المراحل العمرية المختلفة وحتى النهاية.

تبدأ من:

– اختيار التسمية:  حيث ان حق الولد على والده أن يحسن اسمه وأدبه.

– ووجوب الإنفاق عليه.

– والتربية والرعاية الدائمة له وتوجيهه وارشاده وتوفير البيئة والاجواء السليمة له، اختيارالمدرسة المناسبة، والاصدقاء المناسبين ومتابعة الاولاد في التزامهم واخلاقهم وكيفية تعاطيهم مع الاخرين ومراقبة ما يقرأون وما يشاهدون وبماذا يحدثون:: الخ ، فاليوم هناك عوامل كثيرة تؤثر في الموضوع التربوي للأولاد مثل:الأصدقاء، التلفزيون، البيئة والمحيط والمدرسة، الانترنت، وسائل التواصل العادات والتقاليد الموجودة في البيئة والاجواء في المدرسة او الجامعة فهذه وغيرها كلها عوامل تؤثر إيجاباً أو سلباً في تربية الأولاد، وبالتالي الأولاد أمانة لا بدّ من المحافظة عليها وتربيتها التربية الصالحة.

هذه المسؤوليات يجب ان نلتفت اليها بقوة في هذه المرحلة حيث ان هناك من يعمل على ضرب العفة والحياء والحشمة لدى الفتيات في المدارس في الجامعات ومن خلال بعض المنهاج التربوية التي لا تنسجم مع قيم ومفاهيم ديننا حيث يحازلون تمرير بعض الافكار تحت عناوين الحرية الشخصية وحقوق المرأة والتمكين والجندرة وغيرها من الشعارات.

أميركا وإسرائيل والغرب يعملون على ابتعاد الاجيال الشابة عن دينهم وجذورهم واخلاقهم وقيمهم وحجابهم، يعملون في مجتمعنا على إفساد الشباب والشابات ‏عبر الميوعة والترويج للإنفلات الاخلاقي والاجتماعي والتفكك الأسري والابتعاد عن الحجاب والستر والعفاف والترويح للمثلية وادخالها في المناهج ‏التربوية، ، وهم يستفيدون من تعلق الشباب بوسائل التواصل وإدمانهم عليها،

اليوم من اعظم الاخطار والتهديدات التي تواجه هذا الجيل هي وسائل التواصل واهمال مواكبة هذا الجيل على هذا الصعيد.

مسؤوليات الاباء والامهات والعلماء والمعلمين في المدارس والمربين ‏والمهتمين بالشأن العام، أن نبقى متيقظين نتابع ابنائنا ونتحمل مسؤولياتتنا ‏عن هذا الجيل، أن لا نتركه لا للإعلام الغربي ولا لإعلام الفساد ولا ‏للمخدرات ولا للتيه ولا للضياع، المسؤولية اليوم على العائلات ‏الشريفة والكريمة والابآء والامهات كبيرة جدا ، وبالتالي يجب ان نحافظ على دين ابنائنا والاجيال في هذه المرحلة الصعبة من الاستهداف المباشر.

اليوم كل المحاولات الامريكية التي جرت حتى الان لاستهداف المقاومة والقضاء عليها وابعاد جيل الشباب عن ثقافتها وخيارها فشلت ولم تحقق أهدافها

وسياسة الضغوط القصوى والحصار والعقوبات والتجويع وتعميق الازمات الاقتصادية والمعيشية التي افترضوا انها قد تؤدي الى انهاء المقاومة وإبعاد اللبنانيين عنها فشلت ايضا  ولكنهم مستمرون بالضغط والحصار.

اليوم أميركا لا تحاصر لبنان فقط بل تعمل على إثارة الفوضى وضرب الاستقرار والتدخل في الشأن الداخلي

اليوم اميركا هي الاساس في عدم توافق اللبنانيين رئاسيا وتحريضهم على بعضهم وتعميق الانقسامات والأزمات في البلد وهي تسعى لفرض رئيس يخدم المصالح الامريكية والاسرائيليةفي لبنان والمنطقة.

لبنان بحاجة الى انتخاب رئيس للجمهورية ينقذ البلد من أزماته ، ولا يثير قضايا خلافية تخدم إسرائيل، وتزيد من الانقسامات والازمات وتؤدي إلى الفتنة.

واليوم في ظل عدم وجود اكثرية نيابية من فريقنا او من الفريق الاخر قادرة على ايصال رئيس للجمهورية ليس هناك من خيار امام الكتل النيابية للخروج من الفراغ الرئاسي سوى الحوار والتفاهم.

المكابرة والعناد ومنطق التحدي لا ينتج رئيسا بل مزيدا من الأزمات والفراغ.

ولذلك الأولوية اليوم هي للحوار والتوافق، ومن لا يزال يرفض الحوار عليه ان يقتنع بعد كل ما جرى في جلسات انتخاب الرئيس  بانه ليس قادرا على القيام باي شيء بدون توافق ومن يرفض التوافق هو الذي يتحمل مسؤولية تعطيل انجاز هذا الاستحقاق وإطالة أمد الفراغ، وليس من يضع ورقة بيضاء لإفساح المجال امام تفاهم اللبنانيين مع بعضهم للوصول الى قواسم مشتركة.

رأيكم يهمنا

شاركوا معنا في إستبيان دورة برامج شهر رمضان المبارك