أيام صعبة تعيشها فرنسا مع توسع رقعة الإضرابات التي بدأت في العاصمة باريس ومنها الى مختلف المدن والمناطق في الشمال والجنوب. فمنذ آذار/مارس الماضي تغرق البلاد في دوامة من الإضرابات والتظاهرات إحتجاجاً على تعديل قانون العمل الذي تؤكد الحكومة أن من شأنه توفير مرونة للشركات من أجل مكافحة البطالة التي وصلت الى حدّ الـ10% في البلاد، فيما تؤكد النقابات أن هذا التعديل في قانون العمل من شأنه تعزيز الوضع الهش للموظفين.
وشهدت العاصمة باريس وعدة مدن فرنسية يوم الثلاثاء مظاهرات كبيرة بدعوة من النقابات العمالية وعلى رأسها الكونفدرالية العامة للعمل “سي جي تي”، حيث احتشد مئات الآلاف رفضاً للتعديلات في القانون، وتخللت بعض التظاهرات صدامات بين المتظاهرين ورجال الأمن وخاصة في باريس التي تحوّلت بعض شوارعها الى حلبات مواجهة ادت لإصابة أكثر من 40 شخصاً بجروح. ومنعت السلطات الفرنسية حوالى 130 شخصاً كانوا قد أوقفوا في تحركات احتجاجية سابقة من المشاركة في تظاهرات يوم الثلاثاء.
وتوزعت التظاهرات على مدن ليون – مارسيليا – بوردو – باريس – تولوز – ليل – برست وغيرها من المدن، كما طالت التحركات قطاع الطاقة مع انخفاض الإنتاج في عدد من المحطات وقطع خطوط التوتر العالي في منطقة باريس بحسب ما أعلنت بعض النقابات. وعمدت قوات الأمن الى إغلاق برج إيفل نتيجة إضراب جزء من موظفيه، كما ارتفعت نسبة المضربين في السكك الحديدية بعد 14 يوماً على بدء تحركهم إلى 7,3% الثلاثاء من جميع الفئات، بعد أن كانت 4,6% قبل أيام. وتصاعدت الحركة الاجتماعية قبل ثلاثة أسابيع مع تعطيل موانئ ومصاف نفطية وخزانات محروقات دفعت بفرنسا إلى اللجوء إلى مخازن الاحتياط النفطي الاستراتيجي.
وسط هذه التطورات الخطيرة على الساحة الفرنسية، بدأ مجلس الشيوخ الفرنسي “يسيطر عليه اليمين” دراسة مشروع تعديل قانون العمل. وسيناقش أعضاء المجلس حتى 24 حزيران/يونيو مشروع القانون الذي فرضته الحكومة على الجمعية الوطنية بموجب بند في الدستور “المادة 3-49″، ثم يفترض أن يجرى تصويت في المجلس. وفي هذا الوقت أعلنت النقابات تنفيذ يومين من الإضرابات والتظاهرات في جميع أنحاء البلاد في 23 و28 حزيران/يونيو، بالتزامن مع دراسة التعديل لفرض مزيد من الضغط.
تخوّف من المزيد
وتتخوف السلطات الفرنسية من تدحرج كرة العنف أكثر فأكثر، وخاصة أن التظاهرات الضخمة التي شهدتها العاصمة وبعض المدن جائت بعد ساعات على مقتل شرطي وزوجته على يد شاب ينتمي الى تنظيم داعش الارهابي قرب باريس، إضافة الى توسع رقعة أعمال الشغب التي تحصل على هامش مباريات كرة القدم في بطولة أوروبا التي تستضيفها فرنسا حتى الـ10 من الشهر المقبل.
تطورات خطيرة تعيشها فرنسا هذه الايام ومن المتوقع أن تستمر حتى نهاية الشهر الجاري بانتظار ما سيقرره مجلس الشيوخ حول التعديلات على قانون العمل، فإما أن تستمر التظاهرات وتتوسع وإمّا أن تعود الامور الى المربع الأول ويبدأ العمل على وضع خطّة جديدة من أجل الحد من نسبة البطالة التي يتوقع أن تتجاوز الـ10% نهاية العام. وبين هذا وذاك يبقى الهم الأكبر بالنسبة للسلطات الفرنسية مواجهة خطر الإرهاب الذي يتهدد البلاد والذي لا يبدوا أنه مستمر في ظل السياسات الحالية للإيليزيه “خارجياً وداخليّاً”، وهو ما من شأنه وضع مزيد من الضغوط على الرئيس فرانسوا هولاند وإدارته قبل أقل من عام على الإنتخابات الرئاسية المقبلة.
المصدر: موقع المنار