مرحلة جديدة دخلتها الحياة السياسيّة في المانيا بعد الانتخابات الأخيرة التي جرت في “24 ايلول / سبتمبر 2017″، وتمكن خلالها اليمين المتطرف من تحقيق اختراق تاريخي ليحصل على 13 بالمئة من أصوات الناخبين، مقابل تراجع كبير لتكتل المستشارة الالمانيّة انجيلا ميركل المحافظ الذي حصل على 32.9 بالمئة فقط من اصوات الناخبين الالمان، وهو ما يعني تراجعا في معدّل التأييد الى أدنى مستوى له من العام 1949 وهي السنة التي شهدت اول انتخابات عامّة في ألمانيا بعد الحرب العالمية.
ولم يكن الحزب الديمقراطي الاشتراكي أفضل حالا فهو أيضا سجّل أسوأ نتيجة له منذ أول انتخابات بحصوله على 20.6 بالمئة، وهذا ما يعني تخلّي نحو نصف الناخبين عن الحزبين الرئيسيين اللذين يهيمنان على الحياة السياسية في ألمانيا. وبحسب توزيع المقاعد يكون الاتحاد المسيحي قد حاز على 246 مقعدا مقابل 153 للحزب الاشتراكي – 69 لحزب اليسار – 67 لحزب الخضر – 80 للحزب الليبرالي و 94 مقعدا للحزب البديل وهو الحزب المناهض للهجرة.
ميركل أمام ضرورة تشكيل ائتلاف
وستكون المستشارة الالمانية الآن أمام مشكلة كبيرة، وهي تحدّي تشكيل ائتلاف داخل البرلمان، وهذا الأمر يشكل صعوبة كبيرة اليوم بعد قرار الحزب الاشتراكي برئاسة مارتن شولتس بالانتقال الى المعارضة وتأكيده انه غير مستعد للدخول في ائتلاف حكومي جديد خاصة في الظروف التي تعيشها ألمانيا، واعتبر شولتس ان قرار الناخبين يحتم على الحزب الذهاب باتجاه المعارضة. وبهذه الحالة لم يبق أمام انجيلا ميركل سوى محاولة تشكيل ائتلاف حكومي “جامايكي” (عبارة يستخدمها الاعلام الالماني في وصف الائتلاف الجديد نسبة الى الوان الاحزاب) وتتحالف مع حزب الخضر المهتم بقضايا البيئة كما انه يؤيد ملف اللاجئين ويطالب بضرورة اسراع معاملات لم الشمل ويرفض وضع سقف لاعداد اللاجئين، والحزب الديمقراطي الحر “الليبرالي” المؤيد لقطاع الاعمال في المانيا، وبالتالي يكون هذا الائتلاف ثلاثي يضمن احزاب وتيارات تحمل أفكار وسياسات واهتمامات مختلفة عن بعضها البعض.
وسيكون التحدّي أيضا مواجهة معارضة لن تكون سهلة وهي التي تتمثل بالحزب الاشتراكي الذي سيكون ندّا قويّا للسلطة، اضافة الى الخطاب الشعبوي الذي سيقدمه حزب البديل والذي يمكن ان يؤثر بشكل او بآخر على الرأي العام الالماني، خاصة في ظل الاوضاع الذي تعيشها اوروبا عامة والمانيا بشكل خاص وارتفاع اعداد اللاجئين والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المجتمعات. واذا كانت الحكومة الماضية قد استغرقت اكثر من 80 يوما لكي تتشكل فإن هذه الحكومة من المتوقع ان تحتاج الى وقت أكثر من ذلك نتيجة الانقسامات السياسية في البلاد.
ومما لا شكّ فيه بحسب العديد من المراقبين لهذه التطورات، فإن هذا المخاض الذي نتج عن عملية ديمقراطية عاشتها المانيا، لن يصل الى حد الاشتباك، بل ان التحالفات ستتشكل، وستعيش البلاد اجواء سياسيّة مختلفة عمّا كانت عليه، بين احزاب لا تحمل مشاريع سياسية موحّدة، وهذا ما حصل في فرنسا بعد الانتخابات كما في هولندا.
المصدر: موقع المنار