تابعت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت نهار الاثنين في 13-6-2016 التفجير الذي وقع قرب مبنى بنك لبنان والمهجر في بيروت، وتوقفت عند رسائل هذا التفجير.
السفير
سلامة يُطمئن .. و«المصارف» تجتمع.. وموقف لـ«حزب الله»
تفجير «لبنان والمهجر»: الفتنة.. عدّاً ونقداً؟
هذه المرة، ضرب الإرهاب في القطاع المصرفي.
لا حرمة شهر الصوم، ولا خصوصية لحظة الإفطار، منعتا التفجير الذي استهدف «بنك لبنان والمهجر»، مساء أمس، متسببا بأضرار كبيرة في المبنى الزجاجي، غداة التحذير الذي وجهته بعض السفارات الأجنبية إلى رعاياها بتجنب زيارة بيروت.
وإذا كانت العناية الإلهية قد حالت دون سقوط ضحايا (جريحان أصيبا بجروح طفيفة)، إلا أن الرسائل التي انطوى عليها التفجير بدت هي الأخطر، من حيث استهدافاتها ومراميها التي هزت لبنان، بمصارفه وصيفه وأمنه ونسيجه الداخلي الهش، في هذا التوقيت الذي فتح شهية الكثيرين على التأويلات والاجتهادات، الملتبسة حينا، والمسمومة حينا آخر.
ليس هناك أسهل من الافتراض الفوري، كما فعل البعض، بأن «حزب الله» يقف وراء التفجير بهدف تحذير المصارف من الغلو في تطبيق قانون العقوبات المالية الأميركية بحقه. إنه التفسير الأبسط الذي يستجيب لنداء الغرائز الكامنة أو المواقف المسبقة، من دون بذل أي جهد للتدقيق أكثر في أبعاد هذا الاعتداء المشبوه.
لكن، القليل من التمعن في ما حصل، يقود إلى الاستنتاج الأقرب إلى المنطق، وهو أن من فجّر المصرف، المعروف بأنه الأكثر تشددا في تطبيق العقوبات، إنما أراد بالدرجة الأولى الاستثمار في الخلاف بين المصارف و «حزب الله»، لتوسيع الهوة بينهما، وللتحريض على الحزب وتوجيه أصابع الاتهام نحوه، مع ما سيجره ذلك من تداعيات داخلية، من شأنها أن تؤجج الاحتقان المذهبي والتوتر السياسي، وبالتالي تهيئة المسرح أمام عروض الفتنة، المتنقلة بين ساحات المنطقة، والتي نجح لبنان حتى الآن في تفاديها.
إن المخطط الخبيث يبدو مفضوحا وناطقا، إلى حد صارخ وصريح، وكأن من يقف خلفه افترض أن مناخ الانقسام الداخلي يسمح له بأن يلعب «على المكشوف»، مطمئنا إلى أن هناك من هو جاهز، بانفعالاته المتأججة أو بنياته السيئة، لتلقف الحدث وتوظيفه في الاتجاهات المفخخة.
وبالفعل، وقبل أن ينقشع دخان الانفجار، هرول البعض إلى «الفخ» المنصوب، عبر اتهام الحزب تصريحا أو تلميحا، من دون الاتعاظ من التجارب السابقة الحافلة بالدروس والعبر. سارع المصطادون في الماء العكر إلى ممارسة هوايتهم في الهواء الطلق، واستعجل ممتهنو تصفية الحسابات نفض الغبار عن دفاترهم، في حين ان أضعف الإيمان يستوجب انتظار انتهاء التحقيقات، حتى يبنى على الشيء مقتضاه.
ومن المفارقات، أن بعض الإعلام المحسوب على جهات خليجية لم يتردد في تحميل «حزب الله» مسؤولية تعريض القطاع المصرفي إلى الخطر، في حين أنه لم يمضِ وقت طويل بعد على تدابير موجعة اتخذتها السعودية، على سبيل المثال، من قبيل إقفال البنك الأهلي السعودي في لبنان وسحب ودائع مالية، الأمر الذي كان له التأثير السلبي المباشر على الوضع المصرفي في لبنان! إن ما يكاد يكون واضحا، برغم الضجيج والغبار، هو أن المستهدَف من تفجير «بنك لبنان والمهجر» هما «حزب الله» والقطاع المصرفي على حد سواء، وأي تفسير آخر يخدم الجريمة ويساهم في تحقيق أهدافها، عن قصد أو غير قصد.
وحسنا فعل مدير البنك المستهدف سعد الأزهري في عدم استباق التحقيق، محاذرا توجيه اتهامات متسرعة، وداعيا إلى عدم الشروع في استنتاجات مسبقة، فيما بدا بعض السياسيين، في المقابل، ملكيين أكثر من الملك، بل مصرفيين أكثر من المصارف، مع الإشارة إلى أن جمعية المصارف ستعقد اليوم اجتماعا طارئا للبحث في التطور المستجد، فيما أكدت مصادر مقربة منها لـ «السفير» أن المطلوب تحييد هذا القطاع وحمايته، لأنه احد صمامات الأمان الوطنية القليلة التي لا تزال تعمل.
وفي سياق متصل، أبلغت مصادر مطلعة «السفير» أن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة أبلغ متصلين به أنه يرفض توجيه الاتهامات المسبقة، مؤكدا أنه ليس قلقا على الوضع النقدي. ومن المتوقع أن يصدر اليوم بيان عن «حزب الله»، يستنكر فيه التفجير وينبه إلى خطورة استهدافاته.
وفي كل الأحوال، يجب أن يدفع ما جرى إلى مقاربة جديدة لملف العلاقة بين «حزب الله» من جهة، والمصارف وسلامة من جهة أخرى، بعدما وصل اللعب بالنار إلى حد محاولة الإيقاع بين الجانبين واستدراجهما إلى معركة عبثية لن يخرج منها أي رابح.
ولعله بات من الملح إخراج هذا الملف سريعا من دائرة التداول الإعلامي وتناوله بمسؤولية شديدة، على قاعدة حوار رصين وموضوعي حول أنسب الطرق للتعامل مع قانون العقوبات المالية الأميركية، بشكل يراعي مصالح القطاع المصرفي واعتبارات «حزب الله»، خصوصا تلك المتعلقة بحقوق شريحة واسعة من المنتمين إلى بيئته الحاضنة. ولا بأس في أن يضع مجلس الوزراء يده على هذه القضية، وأن يخصص جلسة للبحث فيها، بعدما اكتسبت أبعادا سياسية واقتصادية ونقدية وأمنية، شديدة الحساسية.
صحيح، أن تفجير الأمس لم يتسبب في خسائر بشرية، لكن الخسائر الأخرى المترتبة عليه ستكون باهظة ما لم يجر تداركها بالحكمة المطلوبة من جميع الأطراف. وليس خافيا في هذا الإطار أن «عصف» العبوة الناسفة، كما الاشتباك حول آليات تطبيق القانون الأميركي، من شأنهما أن يُعرّضا القطاع المصرفي إلى تهديد قد يكون الأول من نوعه منذ وقت طويل، إذا لم تتم المسارعة إلى تحصين هذا القطاع، وتحييده عن التجاذبات السياسية، وتقليص حجم تأثره بالضغوط الأميركية المتصاعدة على وقع الحرب التي تشنها واشنطن ضد «حزب الله»، مستخدمة فيها كل أنواع الأسلحة، بما فيها تلك المحرّمة ماليا.
إن الاستقرار الأمني تعرض البارحة إلى اهتزاز كبير، بالتزامن مع اقتراب موسم الاصطياف الافتراضي الذي تلقى عبر تفجير بنك لبنان والمهجر الصفعة الأولى هذا الصيف، فهل ثمة وقفة للمسؤولين بحجم التحدي أم من العبث الانتظار؟
مواقف سياسية
وفي المواقف، قال الرئيس سعد الحريري خلال رعايته حفل الإفطار السنوي الذي أقامه قطاع المهن الحرة في تيار «المستقبل» في مجمع «بيال»: إن معركتنا مع الإرهاب والتفجير وعمليات القتل والاغتيال والرسائل المباشرة وغير المباشرة طويلة، وهي معركتنا نحن، وستكمل، ولبنان سينتصر في نهاية المطاف، وكل أنواع الإرهاب لن تخيف اللبنانيين، وجميعنا سنكون في مواجهته ولبنان سينتصر في النهاية. ولاحظ وزير الداخلية نهاد المشنوق أن «التفجير خارج سياق التفجيرات العادية ولا علاقة له بالتفجيرات السابقة».
واعتبر وزير المالية علي حسن خليل، عبر «تويتر»، أن «الانفجار يستهدف استقرار كل القطاع المصرفي، وبالتالي استقرار كل لبنان. وهو بالتأكيد مستنكر ومدان». ودعا النائب وليد جنبلاط، عبر مواقف عدة، إلى «الخروج من هذا السجال العلني في الصحف والإعلام، والكف عن التهجم على حاكم المصرف المركزي، لأن المواجهة اليوم تستهدف «حزب الله» وجمهوره ولبنان، وهي ليست مواجهة بالصواريخ أو الدبابات أو الطائرات أو غيرها من الأسلحة التي يتقن المجاهدون في المقاومة التعاطي معها ودحرها، كما فعلوا في كل الجولات السابقة من أيام الاحتلال إلى 2006». ولفت الانتباه إلى أن «المواجهة اليوم هي في كيفية التخفيف، بالقدر الممكن، من أضرار العقوبات، والتعاطي بذكاء للحفاظ على القطاع المصرفي»، مشيرا إلى أنه لا يستبعد اليد الإسرائيلية في التفجير.
وقائع التفجير
وفي التفاصيل الأمنية للتفجير، تفقد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، المكان الذي وقع فيه الانفجار، موضحا أنه ناجم عن عبوة موضوعة في حوض زهور إلى جانب الجدار الملاصق لمبنى بنك لبنان والمهجر، وليس في داخل المبنى وتقدر زنتها بـ 15 كيلوغراما من المواد المتفجرة.
وأكد أن الاجهزة الأمنية مجتمعة، تعمل على كشف ملابسات الانفجار، وشدد على أن الجيش وقوى الأمن يتخذان إجراءات أمنية مشددة، لحماية كافة الأماكن السياحية والاقتصادية في كل المناطق اللبنانية.
وأفاد بيان صادر عن مديرية التوجيه في قيادة الجيش أنه «وبتاريخه حوالى الساعة 20,00 انفجرت عبوة ناسفة في محلة فردان قرب أحد المصارف، على الفور تحركت دورية من الجيش إلى موقع الانفجار وعملت على عزله بالتعاون مع القوى الأمنية الأخرى وحضر الخبير العسكري للكشف وتحديد نوعية الانفجار وطبيعته».
إلى ذلك، كلف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، إجراء التحقيقات والاستعانة بخبير متفجرات والأدلة الجنائية للكشف على مكان الانفجار في منطقة فردان وتحديد ملابسات الجريمة.
النهار
ترهيب المصارف… الرسالة وصلت ولا تغيّر شيئاً موقف ثابت حيال القانون الأميركي والتزام تطبيقه
لن يكون بعد انفجار مساء أمس الذي استهدف “بنك لبنان والمهجر” كما قبله، ذلك ان التداعيات على القطاع الاكثر صموداً في الاقتصاد اللبناني لا بد ان تظهر تباعاً في ظل ضغوط خارجية وداخلية تربك العمل المصرفي سبقت بلوغ التهديد حد التفجير. واذا كان المنفّذون اختاروا مساء الاحد، ووقت الافطار، لتجنّب سقوط ضحايا، فان الهدف بدا جلياً بتوجيه رسالة الى المصارف. وربما وقع الاختيار على “بنك لبنان والمهجر” لأنه الأكثر تشدداً في تطبيق قانون العقوبات الاميركي ضد “حزب الله”، كمحاولة للايقاع بين القطاع بمجمله والحزب الذي رفع حدة خطابه ضد المصارف في الاسبوعين الاخيرين. وقد حذر النائب وليد جنبلاط من طابور خامس يمكن ان يصطاد في الماء العكر، مجنباً البلاد خطر الانزلاق الى اتهام متسرع لـ”حزب الله” بالوقوف وراء تفجير أمس. وقال لـ” النهار” إن “هدف التفجير في بيروت ضرب الاقتصاد والنظام المصرفي ودعوت الى حوار هادئ في شأن العقوبات الأميركية”. وأضاف: “ثمة من لا يريد الحوار في موضوع العقوبات الأميركية ولا بد من الحفاظ على القطاع المصرفي وتماسكه”.
وقد تداعت جمعية مصارف لبنان الى اجتماع لمجلس الجمعية الحادية عشرة قبل ظهر اليوم للبحث في تداعيات الانفجار واتخاذ موقف في شأنه. وقالت مصادر مصرفية لـ”النهار” إن موقف المصارف ثابت وواضح حيال القانون الأميركي والتزام تطبيقه، مشيرة الى ان المصارف مرت بظروف أصعب وأقسى خلال الحرب ولم تثنها تلك الظروف عن القيام بدورها وواجباتها والتزاماتها تجاه زبائنها كما تجاه القوانين الدولية. وأضافت: “الرسالة وصلت، لكنها لن تغير في التزام المصارف واجباتها وخصوصاً عندما يتعلق الامر بوجودها ووجود لبنان ضمن النظام المالي العالمي”.
ورفض رئيس مجلس الإدارة المدير العام لـ”بنك لبنان والمهجر” سعد الأزهري توجيه الاتهام بالانفجار الذي استهدف المقر الرئيسي لمصرفه في منطقة فردان، إلى أي جهة، مطالباً بانتظار التحقيقات وعدم الشروع في الاستنتاجات المسبقة.
واستنكر الرئيس سعد الحريري بشدة التفجير الإرهابي وقال: “إن معركتنا مع الإرهاب والتفجير وعمليات القتل والاغتيال والرسائل المباشرة وغير المباشرة طويلة، وهي معركتنا نحن، وسنكمل، وكل أنواع الإرهاب لن تخيف اللبنانيين، وجميعنا سنكون في مواجهته ولبنان سينتصر في النهاية”.
سلام والحكومة
واذا كان التفجير الارهابي سيرخي بظلاله على مجمل المواقف والتحركات السياسية والاقتصادية، فان ذلك لا يحجب المشكلات المتراكمة التي تواجه الحكومة التي لا يخفي رئيسها تمام سلام لـ”النهار” انزعاجه “من أن كل الامور ماشية بتسوية من هنا أو تسوية من هناك، من أجل تمرير الامور مرحلياً وموقتاً. حتى مجلس الوزراء متعثر. يجتمع مرة أو اثنتين، وكل موضوع يحتاج إلى نصف ساعة يستغرق بحثه جلستين أو ثلاثاً. وأحيانا نخرج بنتيجة وأحيانا كثيرة لا”.
أما عن الملفات المدرجة في جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل، فكشف سلام إن جدول الاعمال قد وزع، ويتضمن بنداً عن هيئة “أوجيرو”. اما الملفات الاخرى مثل “سد جنة” أو “أمن الدولة” فغير موجودة في الجدول على رغم ما يثيره الموضوعان من جدل يحاول الرئيس سلام تجنبه منعاً لشل العمل الحكومي.
النفايات
اما موضوع النفايات الذي أقره مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة، فعلمت “النهار” أن الموقف الكتائبي منه (خروج وزيرين للحزب احتجاجاً) لن يكون يتيماً بل ستتبعه مواقف تهدف الى دفع الحكومة الى إعادة النظر في مطمر برج حمود الذي قد يصبح المطمر الوحيد نظراً الى ان مطمر الكوستابرافا قد يصرف النظر عنه بسبب تأثر حركة الطيران المدني في مطار بيروت القريب منه وهذا ما يجعل منطقة برج حمود التي تعني لبنان بإسره قيد الاهتمام. وسيتابع الحزب الموضوع في إجتماع المكتب السياسي اليوم على أن يستكمل البحث في إجتماع مشترك يضم وزراء الحزب ونوابه بعد غد الاربعاء مع إجراء اتصالات مع القوى السياسية المعنية للحصول على معطيات وافية على هذا الصعيد. وفي هذا الاطار زار النائب سامي الجميل السبت رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون طالباً مساندة نواب التكتل ووزرائه في الملف.
الحريري
وكان الرئيس الحريري نجم نهاية الاسبوع بالجردة السياسية التي اجراها في خطاب القاه السبت خلال افطار في “البيال”، اذ فتح كل الملفات دفعة واحدة في مراجعة ذاتية لمواقفه وتحركاته، مقدماً قراءة نقدية ومتحملا مسؤولية كل الخطوات السابقة واللاحقة، واعداً بالوقوف الى جانب الناس، والاستمرار في مواقفه للمحافظة على لبنان.
أبو فاعور
وفي المواقف اللافتة، برز ما قاله وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور من ان الامور في سوريا تتجه الى جولة جديدة من الصراع والعنف، متوقعاً “ان يزداد عدد النازحين السوريين الى لبنان، وان تأتي افواج جديدة منهم، وان تزداد الضغوط على الشعب اللبناني وعلى الدولة والاقتصاد وعلى نظامنا الصحي”.
البناء
واشنطن لحسم سرت والفلوجة والرقة صيفاً… و«داعش» يردّ في فلوريدا
تفجير «لبنان والمهجر»: البلد صار مكشوفاً وتصعيد الحرب على حزب الله
كتب المحرّر السياسي
تقول تقارير مراكز بحث أميركية تتابع ما يجري في الحزب الديمقراطي الأميركي على أبواب الانتخابات الرئاسية الأميركية، أن نسبة حظوظ فوز مرشحة الحزب هيلاري كلينتون محفوفة بالمخاطر، في ظلّ تفوّق المرشح الجمهوري في استنفار جمهور حزبه للمشاركة، وأنّ الطريق الذي يجب على الرئيس الأميركي سلوكه لضمان فوز حزبه في الانتخابات، يبدأ بالتفرّغ لمساعٍ داخلية حزبية تضمن تنشيط قدرة التحشيد عبر التفاهم على اسم نائب الرئيس مع المرشحة كلينتون، يضمن مشاركة الشرائح المستنكفة والتي يمكن أن تستنكف، خصوصاً تلك التي استنهضها ترشيح برني ساندرز وقد تنكفئ بتثبيت ترشيح كلينتون، وما قد يعنيه ذلك من سعي لتسمية ساندرز نائباً للرئيس ضمن صفقة تتضمّن تعديلات جوهرية في برنامج تعهّدات كلينتون الداخلية والخارجية تلبّي الحدّ الأدنى من الشروط التي يضعها ساندرز لقبول الترشيح للمنصب، وبالتوازي تقترح النخب الحزبية على الرئيس أوباما التسريع بخطط الحرب على داعش ليحسم الصيف مصير سرت ومحيطها في ليبيا والفلوجة في العراق والرقة في سوريا، وهو ما تبدو أنّ آلياته تشتغل وبسرعة، بينما تبدو الرسالة قد وصلت لتنظيم داعش الذي بادر للضرب بقسوة في الداخل الأميركي عبر التفجير الذي استهدف الملهى الليلي في أورلاندو بولاية فلوريدا، بما يراه المتابعون العسكريون والأمنيون في واشنطن بوابة تصاعد في هذا السجال، المزيد من التقدم خارج أميركا في الحرب على داعش يلاقي المزيد من الضربات المتوقعة في الداخل الأميركي.
وفي قلب الحرب هذه تبدو سورية نحو المزيد من التصعيد في الحربين المفتوحتين على جبهتي الرقة وحلب وأريافها، ويبدو التورّط التركي في جبهة حلب متصاعداً، فيما التقدّم الذي يحققه الجيش السوري وحلفاؤه إلى تصاعد مع توقعات جبهات حلب وإدلب للأسبوع المقبل، وفيما اليمن ينتظر إعلان المبعوث الأممي عن الخطة التي قال إنها حظيت ضمناً بقبول الأطراف، تبدو المسارات السياسية معطلة في جنيف الخاص بسورية.
المسارات الأمنية الطاغية تبدو قد اتخذت من لبنان ساحة لها بعد طول هدوء، مع التفجير الذي استهدف بنك لبنان والمهجر في العاصمة بيروت، في إشارة قرأت عبرها المصادر الأمنية المتابعة إعلاناً عن رفع الغطاء الدولي عن الأمن في لبنان، وفتحه على الاحتمالات كلها، بتوظيف شحنة الغضب على التفجيرات لمحاصرة حزب الله بين فكّي كماشة، إما الانصياع للعقوبات الأميركية بفظاظتها وتوحشها ضدّ بيئته الحاضنة، والسعي لفكفكتها من حوله، أو الدخول في مسار تخريبي يصبّ الماء في طاحونة تصعيد الاتهام لحزب الله بالتورّط بالإرهاب.
لبنان يدخل مرحلة جديدة
دخل لبنان مرحلة جديدة عنوانها محاذير أمنية كبرى قد تمسّ حالة التماسك والاستقرار التي يعيشها البلد وتشارك فيها أجهزة مخابرات ودول غربية وإقليمية على المكشوف ووضع أولوية مختلفة تؤسس للمناخ الخطير الذي أعدت له بيروت ولبنان في الفترة المقبلة، والذي جعل السفارتين الفرنسية والكندية تطلبان من رعاياهما عدم الحضور إلى بيروت. عنوان تفجير فردان الذي وقع بالقرب من بنك لبنان والمهجر في فردان امس، «كاد المريب أن يقول خذوني»، مؤامرة كبيرة قرّرت أن تتسلل إلى قلب السجال الإعلامي بين حزب الله والمصارف والحاكمية لتحدث فتنة كبيرة مشابهة لعمليات الاغتيال التي كانت ترتكب ويتهم بها حزب الله بعد ساعات. لقد قرّر طرف من خلال تفجير يوم أمس، أن يستغلّ المناخ المحتقن والسجال الإعلامي على خلفية العقوبات والمصارف وحاكمية مصرف لبنان وأن يتسلل في ليل ليدخل داخل هذا السجال، موقعاً فتنة هدفها حرف الأنظار عن هزيمة تيار المستقبل بالانتخابات البلدية، وإنقاذ الرئيس سعد الحريري من حالة التخبط والتداعي التي يعيشها ما بعد الانتخابات والتركيز الإعلامي على التداعيات التي لها علاقة بشقيقه بهاء الحريري أو بتياره وبفريقه السياسي، وبالسفير السعودي وبالوزير أشرف ريفي، ووضع أولوية مختلفة تقوم على شد العصب وإعادة تصويب اتجاه الأحداث، مسح الانتخابات البلدية ونتائجها من الإعلام، وإعادة المواجهة مع حزب الله ووضعه في قلب المشهد.
انفجار الرسائل
وإذا كان الانفجار أحدث أضراراً في السيارات القريبة من موقعه وفي مبنى بنك لبنان والمهجر، من دون أن ينجم عنه سوى إصابات طفيفة تمّ نقلها إلى مستشفى الجامعة الأميركية ببيروت، أكدت مصادر مطلعة لـ «البناء «أنه انطلاقاً من طبيعة ومكانة التفجير الذي وقع في فردان، يمكن لهذا التفجير أن يصنف في خانة الانفجارات الرسائل وليس الانفجارات التدميرية.
وأشارت المصادر إلى أن انفجار عبوة بحجم بين 10 و15 كلغ من TNT نفّذ في وقت الإفطار، حيث الطرقات تكاد تكون خالية من المارة، وفي شارع فرعي وجانبي، يشير إلى أن الفاعل واحد من ثلاثة احتمالات إما أنه غير محترف أو أنه غير طليق الحركة بسبب التدابير الأمنية المتخذة أو أنه يكتفي بتوجيه الرسائل التحذيرية.
ورجحت المصادر احتمال الرسائل التحذيرية التي من المحتمل أن تكون موجهة للبنان عموماً أن التهديدات التي أطلقتها المجموعات الإرهابية وضعت موضع التنفيذ، أو لوزارة الداخلية بسبب مواقفها الأخيرة، أو للاصطياد في الماء العكر لإثارة اللغط حول علاقة حزب الله بالمصارف والحاكمية، خاصة بنك لبنان والمهجر.
عصف إعلامي تفجيري
ولفتت المصادر إلى أن الرسائل التحذيرية تؤكد أن الخلايا النائمة لا تتحرّك بشكل عبثي، وهي تبقى بكل الأحوال الجيش السري للمنظومة الإقليمية والغربية التي تستثمر في الإرهاب»، معتبرة أن هذا التفجير يأتي في سلسلة التحريض على حزب الله لا سيما بعد المواقف التي ركّزت على استهداف بنك لبنان والمهجر نظراً لدور الأخير الكيدي في تطبيق القرارات الأميركية»، مشددة على أن الطريقة التي أديرت بها ردة الفعل الإعلامية ما بعد التفجير شكلت عصفاً تفجيرياً أخطر بكثير من العصف الذي أحدثه التفجير بحد ذاته وكأن هناك منظومة متكاملة كانت تنتظر دقائق ما بعد التفجير أم تي في وال بي سي والمستقبل لترتكب ما ارتكبته من تحريض وإشعال للفتنة.
وأشار وزير الداخلية نهاد المشنوق من مكان التفجير إلى أن الانفجار يأتي هذه المرة «خارج عن إطار الانفجارات التقليدية»، وأن القنبلة وضعت في حقيبة بجانب جدار مكتب بنك لبنان والمهجر، نافياً وقوع إصابات «إنما بعض حالات الإغماء»، كما زار موقع التفجير مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص الذي كشف أن العبوة كانت موضوعة في حوض أزهار خارج مصرف لبنان والمهجر، وقدّر زنتها بين 10 و15 كلغ من المواد المتفجّرة. وأعلن وزير التربية الياس بو صعب من مكان التفجير عن استبدال مدرسة رينيه معوض المتضرّرة بالانفجار بثانوية شكيب أرسلان لاستكمال إجراء الامتحانات الرسمية اليوم.
ورفض رئيس مجلس الإدارة المدير العام لبنك لبنان والمهجر سعد الأزهري، توجيه الاتهام بالانفجار الذي استهدف فرع المصرف في منطقة فردان إلى أي جهة، وطالب بانتظار التحقيقات وعدم الشروع بالاستنتاجات المسبقة. ودعا رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، في سلسلة تغريدات عبر «تويتر»، ومن موقعه «كمراقب كوني لست من أصحاب الاختصاص في المواضيع المصرفية والنقدية»، إلى «الخروج من هذا السجال العلني في الصحف والإعلام، والكفّ عن التهجّم على حاكم المصرف المركزي، لأن المواجهة اليوم تستهدف حزب الله وجمهوره ولبنان، نعم كل لبنان، وهي ليست مواجهة بالصواريخ أو الدبابات أو الطائرات أو غيرها من الأسلحة يتقن المجاهدون في المقاومة التعاطي معها ودحرها، كما فعلوا في كل الجولات السابقة من أيام الاحتلال إلى 2006».
وأضاف أن «المواجهة اليوم هي في كيفية التخفيف، بالقدر الممكن، أضرار العقوبات والتعاطي بذكاء للحفاظ على القطاع المصرفي. لذا فليشكل فريق أخصائي بعيداً عن الأنظار والهيجان الإعلامي لدراسة الموضوع ومعاونة رياض سلامة، لدرء الأخطار عن لبنان، أي تهييج إعلامي قد يجعل أي مصرف أميركي كبير أو متوسط الحجم يطيح بكل لبنان. ليس اليوم مسموحاً بأي خطأ في هذا المجال، ونحن يبدو أننا قادمون على المزيد من الصعوبات الاقتصادية».
وختم بالقول: «وسط هذا الجدل البيزنطي السخيف حول انتخاب رئيس أولاً، أو قانون انتخاب أولاً، ووسط غياب كامل لأي مقاربة جدية إنقاذية، هذه بعض الانطباعات الاحترازية وسط الفوضى العالمية السائدة والعقم المتزايد محلياً».
وقال الرئيس سعد الحريري خلال رعايته حفل الإفطار السنوي الذي أقامه قطاع المهن الحرة في تيار «المستقبل» في مجمع بيال: «إن معركتنا مع الإرهاب والتفجير وعمليات القتل والاغتيال والرسائل المباشرة وغير المباشرة طويلة، وهي معركتنا نحن، وستكمل، ولبنان سينتصر في نهاية المطاف، وكل أنواع الإرهاب لن تخيف اللبنانيين، وجميعنا سنكون في مواجهته ولبنان سينتصر في النهاية».
إلى ذلك، بعد التفجير الإرهابي الذي ضرب فردان تداول ناشطون صورة لوثيقة أمنية تتحدّث عن معلومات عن تخطيط جبهة النصرة الإرهابية للقيام بأعمال إرهابية وذلك عبر استهداف شارع الحمرا في بيروت.
صفقة المطامر
إلى ذلك، منع لهيب الحريق الذي يغلّف الاستحقاقات الداخلية المطروحة على بساط البحث التوافق بين المكوّنات السياسية لا سيما على مستوى الملف الرئاسي وقانون الانتخاب والخوف أن يتمدّد إلى الحكومة المترهّلة قبل اتفاق الأفرقاء في طاولة الحوار على «سلة متكاملة» تنقذ البلد قبل فوات الأوان. ولأن الحرائق باتت نتاجاً طبيعياً لتدهور الأحوال السياسية في البلاد، شهدت مدينة جعيتا حريقاً هائلاً في المنطقة العقارية الفاصلة بين جبل لبنان والمتن في منطقة حرجية كثيفة جنوب شرق المغارة السياحية، حيث يمرّ في جزء من هذا الحرج «تلفريك جعيتا» الذي تمّ توقيفه فوراً. ولما كان لبنان على موعد مع الحرائق الطبيعية أو المفتعلة بات معروفاً أنه يبدأ في منتصف أيار ويستمر حتى نهاية الصيف، وأن هذا الأمر يتطلّب أن تكون وزارتا البيئة والزراعة على أهبّة الاستعداد لأي طارئ، يبدو أن السبب الرئيسي وراء تكرار حوادث الحرائق في لبنان وتآكل الغابات هو الإهمال والاستهتار من قبل الجهات المسؤولة التي تسرّع تحويل غابات لبنان صحراء وبحر لبنان مكباً للنفايات. فخطة الحكومة تقوم على طمر الشاطئ اللبناني من الجديدة إلى مرفأ بيروت بالنفايات غير المفرزة التي لن تتم معالجتها.
وأشارت مصادر مطلعة على ملف النفايات لـ «البناء» إلى أن «الدليل على وجود صفقة ما في موضوع المطامر هو أن لا أحد يتحدث بموضوع الكنس والفرز والمعالجة حتى الآن في كل مواقع المطامر ما يدل على أن عملية طمر عشوائية سوف تحدث في هذه المطامر».
وأكدت المصادر أن «عملية الطمر العشوائية ستبدأ عندما يتم الانتهاء من حفر الخلايا التي ستطمر فيها النفايات والأحواض البحرية»، وتساءلت: ما هي المواصفات التقنية لخلايا الطمر التي تم اعتمادها على شاطئ البحر في ظل غياب أي تقنية علمية ملحوظة في الأعمال التي تجري حتى الآن». وتخوّفت المصادر من جريمة بيئية ومالية ستحدث في موضوع المطامر الذي سيكون البحر موقعها الحقيقي.
وزار رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون في دارته في الرابية، وأطلعه على خريطة مشروع ردم النفايات على طول ساحل جبل لبنان، مستغرباً عدم رفض إقرار المشروع من قبل وزراء التيار وتعطيله إلى جانب وزراء الكتائب، رغم اعتراضهم القوي عليه، لأن أي قرار يعترض عليه مكوّنان ممكن تعطيله. وللغاية يجول الجميل على القيادات السياسية والروحية المعنية على أن يزور بكركي في الساعات القليلة المقبلة.
الكتائب: تصحيح الخطة أو الاستقالة
وتؤكد مصادر وزارية كتائبية لـ «البناء» أن حزب الكتائب اعترض على الخطة عندما نوقشت وتمّت الموافقة عليها، لكن النفايات يومذاك كانت في الطرقات لم يكن بإمكاننا أن نعترض لتجميد المشروع، لأن فتح مطمر الناعمة كان مرتبطاً بفتح مطمري الكوستبرافا وبرج حمود. اليوم بات الوضع مريحاً، النفايات لم تعد مكدسة على الطرقات، ويمكننا أن نستفيد من هذا الوضع المريح لتصحيح الخطة». ولفتت المصادر إلى أن حزب الكتائب لا يطالب بأمور سياسية تخص حزب الكتائب، إنما نطالب بمطلب عام يقرره الخبراء والتقنيون. وإذ شددت المصادر على أننا «لن نسمح أن يكون الساحل الشرقي للمتن مكباً للنفايات»، أعلنت أن «اجتماع المكتب السياسي للكتائب اليوم سيحدد كيفية التعاطي مع هذا الملف في جلسات مجلس الوزراء المقبلة»، مشيرة إلى أن استقالتنا ليست مطروحة، لكنها قد تطرح».
تساءل رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان، عن مكان فرز النفايات ومعالجتها، قائلاً عبر «تويتر»: «الهيئة ممنوع نسأل مجلس الإنماء والإعمار أن يقول للشعب اللبناني أين يتم فرز ومعالجة النفايات قبل طمرها؟ هذا السؤال يمسّ بكرامة الحرامية». وأكد مستشار أرسلان سليم حماده لـ «البناء» «أن موقف الحزب الديمقراطي مبدئي لجهة رفض مطمر الكوستبرافا جملة وتفصيلاً، إن لناحية الشكل أو المضمون، ففي الشكل، هناك تزوير واضح لقرار مجلس الوزراء، فبلدية بيروت لم تتقدم بطلب خطي للموافقة على إنشاء المطمر كما هو مدرَج في خطة النفايات التي أقرت في مجلس الوزراء، أما مضموناً فحتى الآن لم يتم إنشاء لجنة تحت وصاية وزارة الداخلية والتي تضمّ مراقبين عن المؤسسات اللبنانية والمنظمات الدولية لمراقبة الأعمال في المطامر»، مضيفاً: «الأمران لم يتحققا ما يعني أن مجلس الوزراء والمؤسسات التابعة له كمجلس الإنماء والإعمار ليس بوارد الرقابة على الأعمال التي تجري في المواقع المحددة للمطامر ما يعني أن تلفيقة ما يُصار إلى اعتمادها، كما عودتنا الدولة دائماً. وهذا برهان جديد على موقفنا الذي لم يتقبّله البعض في الفترة السابقة بأن لا ثقة لدينا بالدولة».
وشدّد حماده على أن «الوزير أرسلان ما زال على موقفه الأساسي والمبدئي في ضرورة العودة إلى أهل الشويفات، وبالتالي عدم إعطاء أي شرعية لإقامة المطمر مع الحفاظ على المعايير التي تضمن الأمن والاستقرار في الجبل ولكن لا شرعية للمطمر لا من قريب ولا من بعيد».
جلسات الحوار مفتوحة
في غضون ذلك، تتجه الأنظار إلى طاولة الحوار الوطني في 21 حزيران الحالي. وعلمت «البناء» من زوار عين التينة أن جلسات الحوار ستكون مفتوحة، بمعنى أن الرئيس نبيه بري لن يحدد مواعيد لهيئة الحوار بعد أسبوع أو أسبوعين، إنما سيبقي الجلسات مفتوحة لحين التوصل إلى اتفاق»، مشدّدة على «أن الاتفاق سيكون أشبه بدوحة لبنانية على سلة متكاملة تشمل رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب والحكومة».
وفيما يستعد السفير الأميركي في لبنان ريتشار جونز لمغادرة لبنان مع انتهاء مهامه في بيروت تصل السفيرة الأميركية الجديدة المعينة في لبنان اليزابيت ريتشارد بيروت نهاية الشهر الحالي، بعدما وقّع الرئيس الأميركي باراك أوباما قرار تعيينها إثر الموافقة عليه في لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس.
اللواء
«إنفجار بلوم»: رسالة حامية للمصارف.. وتوجه للردّ بموقف رادع
الحريري: كل أنواع الإرهاب لن تخيف اللبنانيين
جنبلاط لوقف الحملة على سلامة والمتضرر حزب الله
في اختيار للمكان والزمان والتوقيت والسياق السياسي مدروس ودقيق، لدرجة الحرفية، دوى انفجار قوي، سرعان ما ظهرت سحابات الدخان الأسود فوق سماء محلة فردان: هذا الشارع العريض، ويمكن وصفه بشارع المصارف من أوله إلى آخره.
عند نقطة تقاطع، تذكّر بجريمة اغتيال الرئيس رينيه معوّض وقع الانفجار، الذي سرعان ما استدعى حركة إسعافات، وحضور أمني وعسكري، عزل المكان عن الشوارع المتقاطعة، من كورنيش عائشة بكار شمالاً إلى طريق الصنائع شرقاً، وباتجاه الحمراء ووزارة السياحة نزولاً، وباتجاه البريستول غرباً، وقبالة الكونكورد ومدرسة الرئيس الشهيد رينيه معوّض.
دقائق، ويتبيّن أن المكان المستهدف هو المقرّ الرئيسي لبنك لبنان والمهجر، بلوم بنك.
الصدمة فاقت كل شيء: المصارف اللبنانية هدف بوسيلة أقل ما يُقال فيها أنها «إرهابية». لا ضحايا بشرية سوى جريحين من حراس المبنى، وفي توقيت لحظة الإفطار حيث النّاس باتوا في المنازل أو المطاعم أو في مراكز الإفطارات العامة. مع توضح المكان والهدف، آطلقت حركة واسعة من التصريحات، بين استنكار، ودعوة للتهدئة بين حاكم المصرف المركزي وحزب الله، فيما بدأت شعبة المعلومات تحقيقاتها بناء لإشارة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، وضرب الجيش طوقاً حول المكان.
وبالمحصلة الأولى، فرض الإنفجار واقعاً جديداً على المشهد اللبناني، وارتفعت حالات الذعر والمخاوف، بالتزامن مع طلب السفارة الكندية عبر رسائل SMS من رعاياها عدم الذهاب إلى الوسط التجاري وشارع الحمراء في نهاية الأسبوع وليلاً، حفاظاً على سلامتهم، وذلك بعد أقل من 24 ساعة من تحذيرات الخارجية الفرنسية لرعاياها.
وعلى مسافة ساعة أو أقل من الإفطار، قال الرئيس تمام سلام لـ«اللواء»: «هناك مواجهة مستمرة مع الإرهاب والإرهابيين»، مضيفاً: «ما يتم تداوله عن الوضع الأمني ليس تهويلاً فهناك واقع جدّي، نحن مستهدفون من جهات ليست مستكينة ومرتاحة، وبالتالي يجب أن يكون لدينا وعي ويقظة من الجميع لتفويت الفرصة».
وفي حين رفض رئيس مجلس إدارة مجموعة «بلوم بنك» سعد الأزهري إتهام أحد، رافضاً في الوقت نفسه الاتهامات التي طالت المصرف على مواقع التواصل الاجتماعي، من أنه «أكثر اندفاعاً بين المصارف لتطبيق العقوبات الأميركية، وأنه يصرّ على تنفيذ ما يطلبه الأميركيون وما لا يطلبونه أيضاً»، واصفاً إياها أنه «مبالغات إعلامية»، تساءلت أوساط معنية بالاستقرار عن الصلة ما بين الحملة التي استهدفت البنك بما يشبه «هاشتاغ» على المواقع والقنبلة التي وضعت في المدخل الخلفي للمصرف، وهو المقر الرئيسي حيث الإدارة العامة وسائر المكاتب المرتبطة بها. وكان أحد التعليقات أشار إلى أن «أكثر من ثلث هذا المصرف مملوك من بنك نيويورك، وبالتالي هو بنك شبه أميركي وإسرائيلي أكثر من إسرائيل».
كما كان لافتاً، ما جاء على موقع الوزير السابق وئام وهّاب في 22 أيار الماضي: «الحاكم سلامة رتّب الأمور مع الأميركيين، ولكن المشكلة مع المصارف التي تزايد على الأميركيين». وختم متسائلاً: «شو فينا نعمل بهيدا الأزهري؟».
ورأت هذه الأوساط، أنه ربما يكون في الأمر مصادفة، لكنها أعربت عن خشيتها من أن يكون لبنان دخل في مسلسل تفجيرات وفقاً لما رأى النائب وليد جنبلاط، الذي وصف هذا المسسل بالإسرائيلي وأن «حزب الله» متضرّر منه.
ونظراً لأن الانفجار وقع بعد دقائق قليلة من بدء الإفطار، سارع الرئيس سعد الحريري الذي كان يرعى الإفطار السنوي لقطاع المهن الحرة في تيّار المستقبل في مجمع «البيال» إلى التعليق على الانفجار بالقول: «معركتنا مع الإرهاب والتفجير وعمليات القتل والاغتيال والرسائل المباشرة وغير المباشرة طويلة، وهي معركتنا نحن، ولبنان سينتصر في نهاية المطاف، وأن كل أنواع الإرهاب لن تخيف اللبنانيين».
وقدّر المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص الذي وصل دون تأخر إلى مكان الانفجار، وزن العبوة التي وضعت في حوض للزهور قرب المصرف بين خمسة وعشرة كيلوغرامات من المتفجرات، وأدّت إلى وقوع جريحين من الحراس وأضرار جسيمة كون المبنى من الزجاج.
أسئلة بلا أجوبة
أما الأسئلة التي شغلت الأوساط، قبل الانفجار وبعده:
1- إلى أين يمكن أن تصل إليه الحملات والمجابهة بين «حزب الله» وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وما هي المخارج الممكنة في ظل الإصرار الأميركي على تطبيق حاسم للعقوبات على الحزب ومؤسساته ووضعه في سلّة واحدة مع منظمات أخرى متشدّدة كـ«داعش» و«النصرة»؟
2- كيف يمكن للمصارف اللبنانية أن تتصرّف في ظل المطالبة الأميركية والتهديدات باتخاذ إجراءات ضدها، مع إقرار الجميع بأن لبنان جزء من المنظومة المالية الدولية؟
3- من المؤكّد أن المصارف اللبنانية الكبرى والمتوسطة ذات سمعة عالمية جيّدة تلقت رسالة أولى، بأقل نسبة من الخسائر والدموية، فهل تقف الرسائل عند هذا الحدّ، أم أن البقية تأتي؟
4- هل أن تسميم الأجواء من الممكن تجاوزها واتخاذ إجراءات أكثر قابلية للمعالجات الهادئة وسحب الخطاب التصعيدي من التداول لئلا يوفّر «الفرصة الجيدة للدخول إلى تخريب القطاع المصرفي، وما تبقى من قطاعات تمنع انهيار البلد»، كما تنصح بذلك جهات أمنية معنية؟
وبرأي هذه المصادر ان الرسالة التي ضربت «بنك لبنان والمهجر» هي موجهة لكل المصارف، ولكن ارتداداتها تحمل نذير شؤم حول مستقبل الاستقرار في لبنان. وتوقعت المصادر انخفاضاً في سقف التصريحات منعا لجر البلد إلى ما لا تحمد عقباه في هذه المرحلة الخطرة من تاريخ المنطقة.
وفي أوّل تعليق لحزب الله، قالت مصادر في الحزب لموقع «ليبانون ديبايت» أن «تفجير الظريف يهدف إلى زيادة الضغط على حزب الله ودفع المصارف اللبنانية إلى اتخاذ المزيد من الاجراءات». وأشار المصدر إلى أن «الحزب يرى أن هذا التشويه المتعمد لصورته يقصد منه إظهار الحزب كحزب عنفي»، معتبراً أن «الهدف من التفجير إعطاء انطباع بأننا حزب إرهابي يمارس العنف بحق كل من يخالفه».
تجدر الإشارة إلى انه جرى تعميم وثيقة أمنية صادرة عن مديرية المخابرات بتاريخ 10 حزيران الحالي تضمنت معلومات عن سعي جبهة «النصرة» لتنفيذ عمل إرهابي في منطقة الحمراء. وستعقد جمعية المصارف اجتماعاً خلال الساعات المقبلة لتدارس الوضع المستجد، كما انه سيكون هناك مواقف للقطاعات الاقتصادية وحاكم مصرف لبنان تحذر من استهداف القطاع المصرفي المدماك الأخير للاستقرار اللبناني.
وعلى صعيد الإجراءات، قرر وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب نقل مركز الامتحانات من ثانوية رينيه معوض إلى ثانوية شكيب أرسلان في ساقية الجنزير. ومن ناحيته رأى وزير الاقتصاد والتجار آلان حكيم لـ«اللــواء» ان هناك أياد خفية تحاول زعزعة الوضع وزيادة التشنج، مؤكدا رفض استهداف القطاع المصرفي وداعياً أصحاب هذه الأيادي الشاذة إلى اللعب في أماكن أخرى. وردد الوزير حكيم على ان القطاع المصرفي ومصرف لبنان لن يتراجعا عن تطبيق القانون المالي الدولي. وقال: لا يمكن أن نصدق ان فريقاً لبنانياً يمكن أن يفعل ذلك، كما لا أعتقد ان هذا الفريق المتضرر من الخطوات المالية المتخذة، قد يقوم بهذا العمل، معتبراً ان المستفيد هو من يريد زيادة التشنج بتوجيه الإتهام بشكل تلقائي إلى هذا الفريق.
مجلس الوزراء
وسيفرض هذا الواقع المستجد نفسه على جدول أعمال مجلس الوزراء في الجلسة المقبلة، حيث من المتوقع أن يضيف الرئيس سلام هذا الوضع المستجد بنداً على الجدول إضافة الى البنود الـ56 التي وزّعت على الوزراء أمس الأول، وبينها بند «أوجيرو»، علماً ان الجلسة ستكون مالية بامتياز نظراً للبنود المالية المطروحة على جدول الأعمال.
وكان تردّد ان اجتماعاً أمنياً سيعقد اليوم في السراي للإطلاع على مجريات حادث «بلوم بنك»، لكن مصادر مقربة من رئاسة الحكومة لم تشأ تأكيد ذلك، خصوصاً وأن الانفجار طرح أكثر من سؤال حول إمكانية تكرار حوادث من هذا القبيل، إلا ان مصادر وزارية استبعدت ذلك، مشيرة إلى أن الرسالة وصلت وان المطلوب التسلّح بالمزيد من الوعي ونبذ الفتنة وحماية مصرف لبنان والقطاع المصرفي.
الحريري
سياسياً، استعاد الرئيس الحريري المبادرة على الساحة السياسية، وأعاد الاعتبار لأهمية خطاب الاعتدال، ولعل حادثة أمس، عززت أهمية الدور السياسي لتيار المستقبل ورئيسه، سواء في ما خص الثوابت أو السياسات العامة التي تدفع الفتنة عن لبنان وابنائه.
وأعطى إعلان الرئيس الحريري عن تحمل المسؤولية الكاملة عن سياسات التيار في السنوات الثماني، من اتفاق الدوحة إلى زيارة سوريا، إلى الحوار مع «حزب الله»، وترشيح النائب سليمان فرنجية، مزيداً من المصداقية والالتفاف حوله داخل الساحة الإسلامية، ولدى قيادة التيار وكوادره حيث تنتهي المراجعة إلى محاسبة وإدارة متماسكة للمرحلة المقبلة، حيث سيبقى في بيروت قريباً وجمهوره وعاملاً من أجل الاستقرار ودرء الفتنة اللتين لن يحيد عنهما، فتيار المستقبل ثابت الأركان والأساسات وهو تيّار الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي لن يسقط لا بالضربة القاضية ولا بالنقاط، كما قال الرئيس الحريري في خطابه في افطار التيار غروب السبت الماضي، في سياق قراءته للأزمة التي عصفت بالتيار، واستدعت منه صراحة في المواجهة وأمانة في التقييم وجرأة في المحاسبة، مشدداً على ان التيار سيبقى الرقم الصعب في الحياة السياسية ولن يتأثر بعواصف الفناجين، وسيبقى صامداً في وجه الريح يمسك قراره بيده ولا يتأخر عن حماية لبنان.
المصدر: صحف