بصوت مقهور وبجسد يستند على ولده الوحيد المتبقي له، يقف الأب المفجوع بنجليه الشهيدين نايف وكريم مازن القباني لاستقبال معزيه، يصافح الوافدين إلى مجلس عزائه بيدٍ يشعلها جمر الفراق الغادر، فراقٌ يخشاه أيّ أبوين، ولا يقدر أحد حتى أن يتخيل تفاصيله التي بات يتوقعها ويخشاها سكان أي مكان يجاور بقعة شبيهة بالغوطة الشرقية على وضعها الحالي.
من خلال ما تشهده العاصمة السورية بضواحيها، من استهداف عشوائي غادر بقذائف صاروخية يطلقها مسلحو الغوطة الشرقية المنضوون تحت العديد من تسمياتهم، قصد موقع قناة المنار إحدى أكثف المناطق استهدافا بالقذائف الصاروخية.
الأخوَان كريم ونايف استشهدا في اللحظة ذاتها وهما في داخل مكتب والديهما في مدينة جرمانا، حيث استهدف المسلحون المنطقة بقذيفة صاروخية استقرت في المكتب، لتتشظى معها احلام شابين في مقتبل العمر، يؤسسان لما بعد حياتهما الجامعية، وهذان الشهيدان ليسا الوحيدين في المنطقة التي قصدها موقعنا، حيث قدمت جرمانا المئات من الشهداء خلال السنوات الماضية بقذاف يطلقها مسلحو الغوطة بشكل عشوائي.
وفي حصيلة للأيام الأربعة الأخيرة فقط؛ بلغ عدد الشهداء في هذه المدينة عشرة – وكلهم من المدنيين، بينهم أطفال، إضافة لأكثر من ثلاثين جريحا بإصابات متفاوتة بين الطفيفة المتوسطة والخطرة، لكنها تبقى جميعا إصابات غادرة كما يصفها الأهالي.
وأمام الضحايا المدنيين لا ينظر المواطنون إلى الأضرار المادية المنتشرة في نقاط عدّة من جرامانا، وخاصة ضمن ساحة الرئيس ومحيطها، إضافة لأحياء أخرى متفرقة، حيث تعرضت بعض البيوت والمحال، السيارات إلى إصابات مباشرة وكبيرة.
ثم أن أغلب من تحدث إليهم موقع قناة المنار، ومنهم مختار جرامانا، وأحد أهالي الغوطة النازحين من داخل الغوطة منذ سنوات، يُجمعون على جملة واحدة “الحمد لله أن عدد الضحايا لا يساوي عدد القذائف” وإلا لكان حينها السكان بأكثر أحوالهم بؤساً، مع رجاء واضح واستجداء للجيش السوري علّه يخلصهم من ألم متكرر وعشوائي مصدره مسلحو الغوطة، مع تعبير أنهم صامدون ولن تكلّ عزيمتهم عن الحياة وسط ألسنة نار هذه القذائف العشوائية.
مدينة جرامانا كما اعتاد سكان دمشق على تسميتها لاتساعها، وتلونها السكاني، ولكثافة قاطنيها من مختلف المناطق السورية، غدت كبرى الأهداف أمام مسلحي الغوطة، وهي الأقرب إليها جغرافياً، إلى حدِّ التداخل معها في الحدود الإدارية، ولاستسهال وصول قذائفهم إليها، بغية ضرب ما تشهده المدينة من لحمة وطنية حقيقية باتت معروفة عنها، حيث يقطن في المدينة حوالي مليوني نسمة، من مختلف المدن السورية، بما فيهم نازحون مدنيون من الغوطة الشرقية، لجأوا إليها خلال سنوات الحرب على البلاد، مع بدء انتشار المسلحين في أرجاء وبلدات الغوطة، حيث استهدفت جرمانا وحدها خلال السنوات السبع الماضية، بحوالي ثمانية آلاف قذيفة صاروخية، في إحصائية تقريبية.
بالإضافة إلى جرمانا ، وخلال اليوم الرابع من الاستهداف بقذائف الغوطة للعاصمة، تشهد مناطق عدّة الكثير من القذائف حيث تأتي ضاحية الاسد في المرتبة المساوية تقريبا لعدد القذائف التي تتلقاها من حرستا، كما لا يقل العدد كثيراً بالذهاب إلى مناطق وأحياء دمشق القديمة، ولا يخلو الأمر من المفاجأة في المناطق المتفرقة من العاصمة التي سجلت في هذا اليوم عشرات القذائف مودية بعشرات الضحايا، وبينهم اطفال أبرياء أسوة بباقي المدنيين المستهدفين.
المصدر: موقع المنار