فور مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبداالله صالح في الرابع من الشهر الجاري، انتشرت على المواقع الإلكترونية المكالمة الهاتفية التي جرت بينه وبين علي محسن الأحمر نائب الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، وتضمنت تهديدات الأحمر الواضحة لشخص علي صالح، والتي دفعت الأخير الى الإنقلاب على مواقفه وطلب التفاوض مع السعودية، وخلال اليومين الفاصلين بين استسلامه للتهديدات وتبديل مواقفه، راهنت السعودية ومعها دول التحالف التابعة، على أن استدارة صالح قد تنعكس على القبائل والقواعد الشعبية لحزبه (المؤتمر الشعبي العام) وتُغيِّر من واقع المواجهة ونتائجها على الأرض.
وفور مقتل صالح، تسارعت الإتصالات السعودية بنجله أحمد المُقِيم في الإمارات، ليكون خليفة والده في قيادة الحزب، مع ما رافق هذه الإتصالات من تحريضٍ على وجوب إنتقام أحمد لوالده، وأن يستكمل عملانياً الحركة الإنقلابية على الجيش اليمني واللجان الشعبية التي بدأها والده قبل مقتله بيومين. فوجىء السعوديون برفض صالح الإبن أن يكون “الخَلف الصالح” لأبيه، وأصيبت الإمارات بصدمة مُضاعفة، لأنها إلى جانب إحتضان أحمد صالح، كانت تُفاوض والده للإنتقال الى أراضيها مع ضمان سلامته وأمواله فيها، وبوفاة الأب ورفض الإبن استلام أية مهام حزبية أو سياسية داخل اليمن، بلغت الحرب على اليمن مرحلة اليأس والإجرام كما نشهد حالياً.
أحمد علي عبدالله صالح، يقرأ المشهدية الشعبية والقبلية والحزبية في الداخل اليمني أكثر من سواه، وهو يُدرك أنه أعجز من أن يُغيِّر الوقائع الميدانية لو ارتضى وظيفة البديل برتبة عميل وذلك لثلاثة أسباب:
أولاً، إنقلاب والده على مواقفه، الذي حصل تحت التهديد السعودي بواسطة علي محسن الأحمر، لا يعني أن حزباً بحجم “المؤتمر الشعبي العام” كان سينقلب مع صالح، لأن قبيلة “حاشد” التي ينتمي إليها صالح، والتي تُعتبر من كُبريات القبائل اليمنية، قد لحِق بأبنائها وبأرزاقهم وممتلكانهم ما لحَق بكافة شرائح الشعب اليمني نتيجة العدوان السعودي الذي تخطَّت مدته الألف يوم، بما معناه، أن مواقف علي صالح المُهادِنة للعدوان لم تلقَ أي تأييد داخل القبائل وشيوخ العشائر اليمنية، في الوقت الذي كانت حِمَم النار تنهمر على المحافظات اليمنية مع تسعير المعارك في صنعاء بالذات، بهدف أن تُحقق السعودية “نصراً تذهب به الى القِمَّة الخليجية في الكويت، بدليل أنها نتيجة هذه الهزيمة، “قزَّمت” تمثيلها الى مستوى وزير خارجيتها عادل الجبير.
ثانياً، أحمد لا يمتلك الكاريزما القيادية التي راكمها والده في شخصه على مدى أربعين عاماً، جماهيرياً وسياسياً وديبلوماسياُ وعسكرياً، إضافة الى الموقع المتقدِّم بين القبائل اليمنية، والثروة الشخصية التي استفاد منها علي عبدالله صالح لحفظ موقعه الجماهيري، رغم إقصائه عن الرئاسة اليمنية بترتيب سعودي وتنصيب عبد ربه منصور هادي مكانه.
ثالثاً، أحمد علي عبدالله صالح لن يرضى بنظام وهمي كرتوني برئاسة عبد ربه منصور هادي، الذي لن يكون مصيره – كما يقول الدكتور محمد البخيتي المُحاضر بجامعة صنعاء- ، أفضل من الملك اليمني محمد البدر الذي هرب الى السعودية عام 1962، والرئيس عبدالله السلّال الذي تم الإنقلاب عليه وهو في العراق عام 1967، والرئيس عبد الرحمن الإرياني الذي هرب الى مصر عام 1974 وبقي فيها، لأن “تاريخ اليمن يشهد، أن لا رئيس غادر الوطن اليمني وتمكَّن من العودة الى الحُكم”.
أمام واقع رئيس مُستقيل وهارب مثل “هادي”، تستخدمه السعودية أداة غير فاعلة في الداخل اليمني، ومقتل رئيس سابق مثل علي عبدالله صالح الذي لن تجد السعودية بديلاً عنه لإستخدامه خنجراً في خاصرة المقاومة اليمنية، وأمام تهيُّب أحمد علي صالح عن شغل منصب لن يُقدِّم أو يؤخِّر في مواجهة شعب يواجه العدوان، ليس على السعودية سوى استخدام “نائب الرئيس” المدعو علي محسن الأحمر، كآخر خرطوشة عمالة، ولا تستطيع إدخاله الى اليمن سوى من الجنوب عن طريق عدن، حيث السيطرة تتقاسمها جماعات الحراك الجنوبي وجماعات إرهابية، وخرطوشة العمالة هذه، لو دخلت اليمن، فلن يكون لها وزن بين الجماهير المنكوبة ولا على ساحة المواجهات وتغيير المعادلات، بعدما أعلن السيد عبد الملك الحوثي بدء حرب الصواريخ الباليستية على السعوددية والإمارات في حال استمر العدوان، واستمر العالم على صمته عن حرب إبادة عمرها ألف يوم ولن تنال من شعبِ ليس لديه ما يخشى خسارته، ولم يعُد يمتلك سوى الكرامة وقُدرة مواجهة العدوان…