حصيلة ثقيلة لضحايا العدوان على اليمن تجاوزت 30 الف بين شهيد وجريح، انتشار اوبئة، قلة موارد غذائية ومائية وحصار شامل، تعرض للقصف والمخاطر اليومية على مدى ما يقارب 3 سنوات، ولم يركع الشعب اليمني او يبد اي تراجع امام اهوال كبرى وامام أهواء بعض الامراء الباحثين عن انجاز.
نعرض في البداية بعض الامثلة والشواهد ومنها ما جاء عبر مؤسسات دولية وأممية عن سوء الاوضاع الكارثية التي وصل اليها اليمنيون:
– وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة أوقع العدوان ما يقارب 3000 شهيد و13 الف جريح منذ آذار/مارس 2015. وهذا العدد يزيد اذا استندنا للمصادر اليمنية، التي تتحدث عن اكثر من 13 الف شهيد وعشرات آلاف الجرحى.
– هناك ندرة موارد مياه في البلاد، وتفاقم الامر سوءا بسبب العدوان، كما ان تدمير البنى التحتية جعل الامراض تتسرب الى المياه فانتشر الكوليرا على نطاق واسع وخطير جدا. ويلفت مسؤول العمليات الانسانية الاممي أن 160 عيادة طبية أغلقت أبوابها وأن النظام الصحي مهدد بالانهيار وانتشرت الامراض المختلفة على نطاق واسع.
– وفق مؤسسة “نيو إيسترن آوتلوك” الروسية المتخصصة بتحليل الأزمات فإن ما وصفتها “الحملة” اي العدوان لم تفرق بين المقاتلين وغير المقاتلين أو الأطفال أو البالغين أو الرجال أو النساء.
– المبعوث الأممي اكد مؤخرا أن 80% من اليمنيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية فورية بينهم مليون مشرد بسبب الحرب.
– مسؤول العمليات الانسانية في الامم المتحدة قال ان عشر محافظات من مجموع 22 تواجه أوضاعا غذائية طارئة قريبة جدا من المجاعة. وحول الحصار اشار انه بات ضروريا أن تتمكن السفن التجارية من العودة إلى الموانئ اليمنية لأن البلاد تعتمد بنسبة 90% على هذه الواردات.
– دمر العدوان مئات الاف المنازل و14 مطارا و140 محطة كهربائية و280 مستشفى اضافة الى الجسور والطرق، وهذا كله يعني ان البنى التحتية الاساسية اصبحت في حال يرثى لها.
- الشعب اليمني مدرسة صمود جديدة يقدمها للعالم!
في مواكبتنا لمسار الحرب على اليمن نقف مذهولين امام الشعب اليمني لناحية صموده غير الطبيعي، ويزيد من دهشتنا امران متعلقان بظروف هذا الصمود: أنه صمد امام حرب شعواء تصنف من ضمن الحروب الطويلة الامد حيث تقترب مدتها الان من 3 سنوات، وثانياً انه شعب فقير بأغلبه. الشعب اليمني لم يصمد فحسب بل لا يزال يتصدى ويرفد جبهات الدفاع بشكل متواصل دون خوف او تردد رغم المجازر و”العقوبة الجماعية” التي تحاول هز ثباته.
وتشكل الاضاءة ببعض التمحيص على ما قام به الشعب اليمني وطريقة تصرفه واجبا انسانيا وقوميا وعربيا ودينيا لكي نفتش في اسس هذا الصمود ونصل الى نتائج واضحة للقارئ وللانسان العربي والمسلم لابراز قيمة هذا الشعب وما قام به امام الة الحرب واظهار ما يقاسيه من صعوبات كارثية لم تفت من عضده رغم ان الشعب اضاء على انجازاته بنفسه بل اضاء مسيرة الانسانية جمعاء ومسار حقوق الانسان في العالم.
على صعيد التعداد والتوزيع السكاني، يناهز عدد السكان 27 مليون نسمة، يتوزعون في تجمعات سكانية كثيرة، يغلب على جزء كبير منها الانتماء القبلي.
هذا البلد الذي يعتبر عدد سكانه كبيرا بالنسبة الى حجم اقتصاد لا يتجاوز 40 مليار دولار، تخلص دراسات للبنك الدولي ان هناك صعوبة في اسس التنمية فيه من حيث محاربة الفقر، تعزيز التعليم وخفض الوفيات.
ولا شك ان التوزع السكاني المبعثر شكل صعوبة للسلطات المتعاقبة في توزيع الخدمات والموارد يضاف ذلك الى اسباب اخرى، ورغم ان البلد فيه موارد نفطية لكن لم تصل مردوداتها الى الشعب بالشكل المطلوب في التنمية. هذا الشعب الذي يعيش في وضع اجتماعي صعب استضاف اعدادا كبيرة من اللاجئين لا سيما من الصومال الذين وصل عددهم الى مليون ونصف.
يمكن ضمن تفنيد اسس ومعالم صلابة وتحمل الشعب اليمني ان نفصل ما يلي:
-طبيعة الديمغرافيا والجغرافيا:
فالطبيعة القبلية اليمنية بما تحمله من عادات وتقاليد معروفة، فيها الكثير من الصلابة والقوة والتحدي ، إذ تشكل القبائل قرابة 85% من سكان اليمن، ومعروف تاريخيا الدور السياسي للقبيلة اليمنية وفي تكوين السلطات وفي دعم العديد من الثورات ضد الاستعمار، وفي المواجهة هذه احسن استخدامها الشعب اليمني ، فكان دور القبائل في الجبهات اساسيا وفي اعطاء الزخم الموحد والموجه المستند الى المبادئ القبلية المعروفة وشكل اساسا في اللجان الشعبية.
من جهة ثانية فإن الطبيعة الجغرافية الصعبة المتوزعة في اليمن من كثرة الجبال الوعرة والاراضي الجرداء جعلت الانسان اليمني اصلب عودا ومعتادا على الصعاب وتحملها، وهذا استفاد منه الشعب في مواجهة العدوان.
اسس قوة في الحرب :
يمتاز اليمني بالتمرس على القتال تاريخيا، وقد استغل هذا التمرس جيدا في مواجهة قوى الغزو وحسن استغلالها في المواجهة ونشأ ما يسمى اللجان الشعبية التي تحالفت مع الجيش وشكلت اساسا في التصدي وتطوير اساليب المواجهة ، بحيث سيطرت وانتصرت في كل الميادين من خلال حسن تطبيق الاساليب وحسن الاندماج في جغرافيا الارض والميدان، وهي ارض معروفة بصعوبة التضاريس، فكان حسن استغلال هذه التضاريس لصالحه بشكل ذكي اساسا في الصمود وتكتيكات المواجهة. واستغل الشعب هذا التمرس في ابقاء معنوياته مرتفعة وثقته بنفسه دائمة بل متصاعدة ، مستندا الى مروره بالعديد من الحروب ايضا، مما راكم خبرة استخدمها جيدا في هذه الحرب.
التوحد بين فئاته والتكافل فيما بينه:
-لقد توحد اليمني بفئاته ومذاهبه وقبائله بوجه العدوان الذي لم يستطع تمزيقه وتفريقه الا ما ندر. فقد شهدنا عدة مراحل من محاولة تقسيم اراء المجتمع او دق الاسفين فيما بين فئاته مستخدما تارة الوتر الجغرافي وتارة الطائفي وغير ذلك لكن دون جدوى.
كما انه على الصعيد الاجتماعي برزت هذه الوحدة فاستخدم الشعب اليمني التكافل والتضامن في ما بينه وقدم المساعدات لبعضه البعض وتمسك بالترابط الشديد والتعاون في وقفات انسانية نادرة الحدوث.
التوحد خلف القيادة:
-كما توحد الشعب خلف قيادة ناجحة وحكيمة في مواجهة خطط العدوان سياسيا وعسكريا معطيا اياها ثقته واحسن تطبيق توجيهاتها، لذلك طبق وتماهى مع مبدأ الصبر الاستراتيجي بتوجيه من قيادته ولم يستعجل حرق المراحل، مما اذهل العالم بل اربك قوى العدوان امام هذا الصبر والقدرة على التحمل وتدرج المواجهة وعدم الاستسلام امام هول الفظائع وفقدان الاهل والاحبة.
الذكاء وحسن استخدام الوعي:
-ذكاء ووعي الشعب تبدى في اكثر من مرحلة من مراحل العدوان لدرء مؤامراته ومخططاته التقسيمية والتفتيتية والطائفية وهو في الاساس قد رفض الانصياع للوصايات الخارجية. ورغم قلة التنمية الا ان نسبة جيدة من الشعب متعلمة ومثقفة وهذا ما اثر ايجابا على قوة الشعب ووعيه. ويتمسك اليمني بفكرة ان بلده من الاوائل في الحضارة في المنطقة وهذا يعطيه دافعا معنويا ورفضا لأي وصايات وهذا ما برز امام الاحداث الاخيرة. ونشير هنا ان بعض المستشرقين يشير ان اليمن كان إحدى دول المثلث الحضاري ” مصر والعراق واليمن ” وكلنا قد تعرفنا على ممالك سبأ وبلقيس حيث تعتبر حضارة اليمن اقدم الحضارات.
-تاثير التمسك اليمني المميز بقضايا الامة:
من المعروف لدى الشعب اليمني رغم كل الظروف تمسكه بالقضية الفلسطينية ونبذ الصهيونية وهو لا يزال يعبر عن ذلك في كل مناسبة حتى ابان الحرب، وشكل اعتبار جزء كبير من الشعب ان مؤامرة العدوان مدفوعة ومدعومة اميركيا وصهيونيا حافزا اضافيا للصمود والتصدي.
ولا شك ان شعار “انصار الله ” الموت لأمريكا ولإسرائيل والتزامهم بإحياء يوم القدس العالمي هي احدى مظاهر هذا الالتزام الديني والقومي الذي اعطى دافعا قويا للشعب ..
-الانطلاق نحو الساحات:
لقد كان انطلاق بمئات الاف نحو الساحات في المسيرات المميزة اساسا مهما في تقوية صلابة الشعب وصموده وابقائه حزمة واحدة بوجه العدوان مقويا معنويات بعضه البعض، حيث شهدنا مسيرات بآلاف مؤلفة رغم التهديدات والمخاطر القائمة وفي كل مناسبة سواء وطنية او دينية او قومية.
لقد اضأنا في هذا الموضوع على اليمني كشعب وليس على الانجازات العسكرية للجيش واللجان وهذا يحتاج موضعا مستقلا، ويمكن القول ان التلاحم بين الشعب وقواه العسكرية لعب دورا اساسيا في الصمود الى هذا اليوم لأن القوى العسكرية بدون حاضنة ورافد شعبي لم تكن لتستمر وتواصل انجازاتها ومفاجآتها الميدانية. وبالخلاصة فإن الشعب اليمني ومن خلال نقاط ثلاثة: قساوة وطول مدى العدوان، ظروف الشعب الصعبة على كل الاصعدة حتى قبل العدوان، وثالثا الصمود المذهل الذي تحدثنا عن اسسه، هذا الشعب شكل مدرسة عالمية جديدة في التصدي ستشكل مثالا يحتذى للتاريخ ويمكن ان تشكل مصدر استلهام للشعوب الباحثة عن حريتها بوجه حروب سلب الارادات ومقدرات الاوطان أو تلك المدافعة عن وطنها، وهي مدرسة لا تكفي مئات الابحاث والدراسات والمحاضرات في ايفاء حقها من البحث والتفنيد. وامام ما اوردناه من اسس صمود فإننا على ثقة من ان الشعب اليمني قادر على استكمال المواجهة الى النهاية، ولكن هذا لا ينفي واجب دعم صمود هذا الشعب بكل ما يتيسر من جوانب ممكنة ووفاء المؤسسات والمنظمات الدولية بالتزاماتها في وقف حصار وتجويع هذا الشعب وتوفير المتطلبات الطبية والانسانية التي بات غيابها ينذر بكارثة كبرى.
المصدر: مركز بيروت لدراسات الشرق الاوسط