بقلم ماهر المونس
داخل مقهى شعبي في دمشق القديمة تخط سلاف على ورقة صفراء صغيرة أمنيتها للعام الجديد وهي عودة أصدقائها الذين هجرتهم الحرب. ثم تعلقها على شجرة الميلاد الى جانب عشرات القصاصات الملونة التي حلت مكان الزينة التقليدية.
ومع كثرة الأحلام والتمنيات. اكتست شجرة المقهى ذي الجدران الحجرية والاضواء الخافتة بالأوراق عوضا عن الزينة استجابة لطلب صاحب المقهى الذي راودته هذه الفكرة .
ولسلاف حمود (25 سنة) الطالبة الجامعية في دمشق أمنيات كثيرة. تأمل أن تتمكن من تحقيقها. اختارت أن تعلق منها واحدة كتبتها باللغة المحكية “بتمنى يرجعولي كل أصدقائي المهاجرين بأقرب وقت”.
وتأمل الشابة المفعمة بالحياة في تصريحات لوكالة فرانس برس “أن أحقق طموحاتي التي حلمت بها مذ كنت صغيرة. وأن يكون لي مشروعي الاعلامي الخاص وأتابع دراستي في
باريس”. وتتابع “كل أحلام الطفولة ما زالت في بالي. في كل سنة أقف أمام الشجرة وأتمناها. يوما ما ستتحقق لكن المهم أن يبقى لدينا الأمل ونرسم ونحاول حتى تتحول الأمنية الى حقيقة”.
الى جانب أمنية سلاف قصاصات كثيرة تتمحور بمعظمها حول عودة السلام والاستقرار الى سوريا ولقاء الأحبة الذين أبعدتهم الحرب.
وعلى قصاصة زهرية. كتبت إحدى زائرات المقهى “أمنيتي كما كل سنة. أن يحميك الله.. ويمر الوقت بسرعة وأتمكن من أن نكون معا في المكان ذاته”. وذيلت الأمنية بتوقيع “خطيبتك”.
وعلى ورقة أخرى. كتب باللغة المحكية “يا ريتك هون”. وكان للبعض أمنيات فكاهية. إذ تمنى أحدهم الفوز ب”يانصيب رأس السنة”.
تلفت الشجرة الموضوعة في احدى الزوايا رواد المقهى الذين يقصدونه للقاء الأصدقاء واحتساء القهوة والمشروبات الساخنة وتدخين النارجيلة. وفي كل مرة يدخل زائر جديد. يتوجه مباشرة لقراءة الأمنيات المعلقة فيما يلتقط البعض الصور قربها ويشارك بدوره في تعليق امنيته.
ومع استمرار النزاع الذي يقترب من اتمام عامه السابع. يرى محمد شرف (22 عاما) وهو موظف لدى منظمة اغاثية. أن أمنيات الشعب السوري باتت “غريبة جدا”. كأن يتمنى
أحدهم “أن يخرج من منزله ويعود سالما. ويتمنى آخر أن يلازم منزله ولا يضطر للخروج منه لأي سبب.. أو يتابع جامعته من دون أي منغصات”.
وبالنسبة الى ربة المنزل رغد جرمقاني (29 عاما). لم تترك الحرب مجالا للتمنيات الخاصة.
وتقول “أمنياتنا باتت دعوات. أن تنتهي الحرب.. ألا يتعرض أحد لمكروه وأن يتوقف الهاون” في اشارة الى القذائف العشوائية التي تستهدف دمشق بين الحين والآخر ومصدرها الفصائل المقاتلة.
منذ أكثر من ثلاث سنوات يتبع صاحب المقهى برنار جمعة (39 عاما) تقليد تزيين الشجرة بالأمنيات عوضا عن الزينة التقليدية من حبال ملونة وطابات وأجراس.
ويشرح لفرانس برس “عندما بدأت الحرب. عشنا حالة ذهول وصدمة كبيرة وحزن … توقف كل الناس عن الاحتفال بالأعياد”.
ولكن مع تمكن السوريين من الصمود رغم حجم المعاناة. يقول برنار “قررنا أن نزين مجددا ولأن أمانينا كانت كثيرة. لناحية أن تنتهي الحرب ونعود كما كنا قبلا. جاءت الفكرة أن تكون شجرة الميلاد هي شجرة الأمنيات”.
ورغم كون المسيحيين أقلية في سوريا. حيث كانوا يشكلون خمسة في المئة من إجمالي عدد السكان قبل اندلاع النزاع. غادر نحو نصفهم وفق تقديرات خلال السنوات الست الأخيرة. إلا أن مظاهر الاحتفال بالميلاد لا تغيب عن دمشق والمدن الرئيسية الكبرى خصوصا في الأحياء المسيحية.
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية