كل الوقائع من حيث الشكل والمضمون، تؤكد أن مجلس التعاون الخليجي الذي تشكَّل عام 1981 من الدول الست: قطر والسعودية والكويت والإمارات وعُمان والبحرين، قد انهار دون نعيه رسمياً، وتمزَّقت الروابط فيما بين الدول الأعضاء، سواء على خلفية التباين في الواقع الإجتماعي أو الثقافي أو الإقتصادي لكل دولة، مما حال دون الوصول الى الوحدة الإقتصادية والنقدية والسياسية، أو نتيجة تورُّط بعضها خلال السنوات الأخيرة في ما يُسمَّى الربيع العربي ودعمها للإرهاب بعشرات مليارات الدولارات، فانهزمت وانكفأت في العراق وسوريا، وهي على وشك الإنكفاء عن اليمن، متى تسنَّى لها إيجاد مخرج لسُمعتها التي تمرَّغت في رمال ذلك البلد.
أولاً في الشكل، فإن الدولتين الباقيتين في هذا المجلس، لا نعني بهما الكويت وقطر، اللتين كانتا ممثَّلتين بأميريّ البلدين، مع غياب باقي قادة الدول الأربع الأخرى، بل نعني السعودية والإمارات، اللتان نسجتا تحالفاً ثنائياً قبل موعد مؤتمر مجلس التعاون الخليجي بساعات، مما حدا بصحيفة “الغارديان” في تقريرٍ لمراسلها “باتريك وينتور”، الى اعتبار التحالف السعودي الإماراتي، الذي جرى الإعلان عنه قبل ساعات من بدء قمة مجلس التعاون الخليجي، أنه مدعاة للشكوك، وبدا وكأنه بديل مُسبق عن مجلس تعاون كُتِبَت نهايته في قِمَّة الكويت.
كما نشرت صحيفة “البايس” الإسبانية تقريراً تحدثت فيه عن إعلان الإمارات العربية المتحدة إنشاء تحالف عسكري واقتصادي مع المملكة العربية السعودية، وأنه سيكون مستقلاً عن مجلس التعاون الخليجي، وتشكيل لجنة تعاون مشترك مع السعودية بهدف تنسيق كافة الشؤون العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والتجارية، والثقافية بين البلدين، واعتبر المُتابعون الخليجيون والأوروبيون أن هذا التحالف الثنائي هو خطوة إستباقية بديلة عن مجلس التعاون الخليجي يتهاوى.
أيضاً في الشكل المُتداخل مع المضمون وصُلب الأزمة، تمثَّلت المملكة السعودية بوزير الخارجية عادل الجبير، والإمارات بوزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، وعُمان بنائب رئيس الوزراء هيثم بن طارق آل سعيد، فيما تمثلت البحرين بنائب رئيس مجلس وزراء محمد بن مبارك آل خليفة، مما يؤشِّر على أن تخفيض التمثيل هو بحدّ ذاته بداية الإنهيار، ولكل دولة مصالحها الخاصة وظروفها، التي استدعت منها مقاطعة هذه القِمَّة عمداً عبر خفض مستوى التمثيل.
وندخل في المضمون، للوقوف على سبب هزالة الحضور الذي شكَّل إهانة لدولة الكويت ولأميرها بالذات، رغم بذله كل ما يُمكن من مساعٍ لحل أزمة قطر مع دول المقاطعة وفشِلت كل مساعيه نتيجة المُكابرة السعودية رغم هزيمتها المعنوية أمام دولة صغيرة مثل قطر، وهزالة الحضور أيضاً دفعت بأمير الدولة المُضيفة الى تقصير عمر قِمَّة غير مُجدية، من يومين الى يومٍ واحد.
ونبدأ بالسعودية التي تلقَّت أربع صفعات مدوِّية نتيجة أربعة رهانات خائبة:
– الصفعة الأولى لبنانية، بعودة الرئيس الحريري عن استقالة مُلتبسة فبركها محمد بن سلمان سلاحاً يُقارع به إيران.
– الصفعة الثانية، أيضاً لبنانية، عبر عدم التجاوب الإسرائيلي مع طلب سعودي مُغري لضرب لبنان مقابل مليارات الدولارات.
– الثالثة يمنية، عبر افتعال المملكة السعودية معارك مدمِّرة في قلب صنعاء لتحقيق نصر تذهب به الى قِمَّة الكويت، وانتهت بمقتل علي عبدالله صالح الذي شاءت المملكة استخدامه خنجراً غادراً.
– والرابعة كويتية، عبر إصرار دولة الكويت على حضور قطر قِمَّة مجلس التعاون، وحضور الأمير تميم بن حمد شخصياً هذه القِمَّة، واستبعاد بحث الأزمة السعودية القطرية عن جدول أعمال هذه القِمَّة.
وإذا كانت الإمارات قد ربطت مصيرها السياسي والإقتصادي والأمني بالسعودية، وتوّجته معها بالحلف الثنائي بمعزلٍ عن دول الخليج، فإن العلاقة الوطيدة جداً بين ولي عهد الإمارات محمد بن زايد وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وسط الموت السريري السياسي لرئيس الإمارات خليفة بن زايد وملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، جعل هذا التحالف سياسة تحمل طابع رؤيوي شخصي وعائلي بين الطرفين، لمواجهة التداعيات الآتية نتيجة ما سوف يحصل في اليمن من جهة، ومواجهة خطر الأخوان المسلمين الذي يعتبره الطرفان مشتركاً وكان السبب الرئيس لإنهاء العلاقة مع قطر.
بالوصول الى قطر، فإن ضعف إجراءات دول المقاطعة ضدها، واستثمار الحكومة القطرية في الحملات الإعلامية المُكثَّفة، لمخاطبة العالم الخارجي وكسب تعاطفه معها كدولة مُحاصرة، أكسبها “الحرب”، ولم يعُد لدى خصومها أسلحة إضافية سوى التفاوض معها من غير شروط مسبقة، لأن أية حماقة سعودية لإستخدام القوة العسكرية معها ستَجُر الى حرب إقليمية.
وإننا إذ لا نرى أيّ داعٍ للمرور على البحرين، كون نظامها تابعٌ بشكل كامل للنظام السعودي، وهي ليست أكثر من “منطقة سعودية خاضعة” بالمنطق السياسي والسيادي، فإن دولة الكويت المُضيفة، بَدَت الوحيدة الحريصة على إنجاح قِمَّة فاشلة، من منطلق الحرص على استمرار حياة مجلس التعاون، وقطفت ثماراً مُخيِّبة للآمال، لأن ما انكسر بين دول هذا المجلس لن يصطلح الى الأبد، طالما هناك عروش عائلية تبني مصالح شخصية وليس علاقات تعاون ندِّية بين الدول.
تبقى سلطنة عُمان، وسياسة الهدوء الفاعل التي ينتهجها السلطان قابوس بن سعيد، نتيجة ثقته المُسبقة والدائمة بأن قِمَم العرب والقِمَم الخليجية لا تأتي بأية نتائج سوى بيانات ورقية، والمعروف أن سلطنة عُمان غالباً ما تلجأ الى خفض تمثيلها في القِمَم، لعدم إيمانها بجدواها من جهة، ومن جهة أخرى، ترفض الدخول في سياسة المحاور العربية المُتناحرة، خاصة عند أي تدخُّل بشؤون دولة ما، أوالسماح لأحد بالتدخَّل بشؤونها، وهي تمتلك كامل الجرأة والإستقلالية في سياساتها الخارجية، بدليل أنها نسجت مع إيران علاقات مميزة بحُكم الجوار المُنسجم، وإتفاقات إقتصادية هامة على كافة المستويات.
ولعل سلطنة عُمان، هي التي قَضَت على أحلام المملكة السعودية في الهيمنة على دول الخليج، وهي منذ العام 2014 ترفض الوحدة السياسية بقيادة السعودية، بل هي التي قوَّضتها نهائياً تحت طائلة الإنسحاب من مجلس التعاون، والدول الخليجية مدينة فعلاً لسلطنة عُمَان ويجب أن تعترف لها بالجميل مستقبلاً، لأنها قطعت الطريق على هيمنة آل سعود، خاصة متى وصل الى العرش السعودي شخصٌ متهوِّر مثل محمد بن سلمان، يَصِفُه أمير الكويت بالوحش الكاسر…
المصدر: موقع المنار