يوما بعد يوم تظهر صوابية القرار الذي اتخذته الحكومة العراقية بالبدء بالعملية العسكرية في محافظة كركوك لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها قوات “البشمركة” التابعة لسلطات اقليم كردستان في شمال العراق، وربما لم تكن تتوقع سلطات الاقليم ان تتخذ الحكومة الاتحادية في بغداد مثل هذا القرار السريع وان تباشر باستعادة المناطق وتأكيد عزمها على حماية المواطنين العراقيين في كركوك واقليم كردستان على السواء كما باقي المحافظات.
ويبدو ان قيادة الاقليم وعلى رأسها مسعود بارزاني كانت تمنّي النفس ان تدخل حكومة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي في أتون مفاوضات لحل الازمة التي نشأت بعد تنظيم الاستفتاء لانفصال الاقليم، التي حصلت رغم كل التحذيرات ان ما يجري مرفوض باعتباره أشبه بالانتحار على اكثر من جبهة والتي لا تبدأ بالجانب السياسي ولا تنتهي بالجوانب الاقتصادية والتجارية.
لكن هل من اتخذ القرار بالذهاب بعيدا نحو استفتاء الانفصال أدرك ابعاد قرار القيادة العراقية استخدام الخيار الامني والعسكري لاعادة الامور الى نصابها في كركوك؟ وهل وصلت الرسائل الى من يعنيهم الامر بخصوص الانفصال؟ خاصة ان دول الجوار كلها ترفض هذا الامر ولن يوجد من يقدم يد العون لقوات الاقليم، وهل هناك من دفع عن سابق اصرار وتعمد بقيادة الاقليم الى القيام بهذه الخطوة او بالاحرى نحو “الانتحار السياسي”؟ واي اهداف تريد هذه الجهات تحقيقها ولمصلحة من؟ هل من مصلحة الأكراد ان يتم وضعهم بوجه القوات الشرعية العراقية وهل بهذه الطريقة يحققون مصالحهم؟
الاكيد ان قيادة اقليم كردستان راهنت ان القوات العراقية مشغولة الى حد ما بالعمليات العسكرية مع “داعش” لتحرير ما تبقى من أراضٍ تحت احتلال التنظيم الارهابي، وان هناك هامشا للتحرك وتنفيذ مخططات معينة منها استفتاء الانفصال والذهاب بعيدا بدون أي اعتبار لمواقف الداخل العراقي والاقليم خاصة ان هناك من همس بوجود دعم اميركي اسرائيلي سعودي بالدفع نحو الانفصال.
لذلك يمكن اعتبار الخطوة العراقية بتعجيل عملية استعادة السيطرة في كركوك مفاجأة بكل المعايير، وكانت عملية سريعة وخاطفة نجحت دون اسالة كثير من الدماء ومع الحرص على المدنيين، وهي ادت الى إسقاط رهان البعض على تقسيم العراق وعلى مشروع الفتنة والتحريض ووضع العراق امام خيارين لا ثالث لهما، إما القبول بالانفصال كأمر واقع لا مفر منه ومع مرور الوقت سيصبح امرا طبيعيا، وإما وقوع ما لا تحمد عقباه من خلال ايقاع الاضطرابات والمشاكل الداخلية بين القوات العراقية والقوات التابعة لسلطات الاقليم، وإغراق البلاد بنفق مجهول لتغطية “خطيئة” الاستفتاء.
وبهذا السياق، أشار رئيس حكومة العراق حيدر العبادي الى ان “إجراء استفتاء كردستان كان ضد المنطق وقد أبغلناهم بأن هذا الامر خطر للغاية بالاخص على الاكراد وعلى عموم البلاد…”، وتابع “سبق ان حذرنا من الاستفتاء المشؤوم وان نتائجه السيئة ستستهدف الاكراد بهدف حفاظ البعض على مكاسبه ومصالحه وسرقاته”.
وعن أهمية العمليات العسكرية في كركوك، برزت المواقف العراقية التي أكدت ان الهدف هو حماية المناطق التي سيطرت عليها قوات البشمركة ودخول القوات الاتحادية الى كل المناطق المتنازع عليها ورفع العلم العراقي في كل هذه المناطق، وشددت القيادات العراقية المختلفة على وجوب حماية هذه المناطق وحماية جميع المواطنين فيها من كل الشرائح والديانات والاعراق بمن فيهم الاكراد، وقد جرى التشديد على ضرورة عدم حصول أي اعتداء على أي مواطن خلال “عمليات كركوك” كي لا يقال إن الهدف هو الانتقام من الاكراد جراء أخطاء بعض القيادات السياسية.
والاهم في كل التطورات السياسية والميدانية هو الاعلان المتواصل للدولة العراقية ان الاولوية ستبقى هي محاربة الارهاب ودحره عن كل الوطن من دون التنازل عن الادوار الاخرى للدولة الوطنية ببناء المؤسسات وفقا للقانون والدستور وحماية التراب الوطني والحفاظ على حقوق المواطنين في كل المحافظات.
وبمقابل صوابية القرارات العراقية الرسمية والوطنية، يبرز استمرار رهان البعض على اثارة الفتن والتشجنات امام الراي العام العالمي، ومن اللافت هنا هو الدعوة التي وجهها مسعود البارزاني الى “الاكراد في العالم الى التظاهر لمساندة الإقليم”، وجدد اتهامه “للحكومة العراقية بتهديد وحصار ومعاقبة الشعب الكردستاني عبر الاجراءات الاخيرة التي قامت بها وتتضمن تجاوزا واضحا للدستور العراقي”، على حد قوله.
كل ذلك يؤكد ان هناك من لا تهمه سوى مصالحه الآنية والذاتية الضيقة دون اي اعتبار للمصالح العامة على مستوى الوطن او الامة، وعلى هذه القيادات الإدراك ان سياسة الهروب الى الامام لتغطية الاخطاء والمتاجرة بمصير ومصالح الشعوب لن تفيده في شيء بل بالعكس هي ستؤدي الى تعقيد وضع الناس اذا ما انخدعت وسارت معه في مشاريعه الانفصالية التفتيتية.
لذلك يبقى الرهان الاول والاخير هو على وعي كل مكونات الشعب العراقي لا سيما المكون الكردي بكل تياراته وأحزابه والتمعن جيدا ان مصالحهم تكرس وتحفظ في الحفاظ على وحدة العراق وسيادته وان كل الوعود التي تعطى لهم ستذهب أدراج الرياح عندما تدق ساعة الحقيقة.
المصدر: موقع المنار