وتيرة متسارعة لتوسيع نطاق الأمان حول العاصمة، ما يوحي بأن العاصمة من منطلق أمني باتت أفضل بكثير مما كانت عليه، لتنطلق النظرات باتجاه المقلب الآخر، تحديداً في عمق غوطة دمشق الشرقية، حيث أصبح المشهد أكثر غلياناً، ويشي باختناق وشيك للمسلحين ، وأحداث متوقعة لا تطمئن المشغل الغربي أو الإقليمي.
من نافذة الغوطة الشرقية، آخر المنافذ التي عوّل عليها المسلحون، يطل صوت تحرير القابون صارخاً، آخذاً إلى مرحلة جديدة تماماً، ومن هذا المنطلق يتحدث الدكتور حسن أحمد حسن، الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي، لموقع قناة المنار، عن أهمية الحدث والإنجاز وتداعياته.
بداية عاد ضيفنا ليذكر بأهمية القابون حيث كانت تشكل نافذة التهديد الأساسي والمباشر للعاصمة، والخزان الاستراتيجي للغوطة، حيث كانت برزة نقطة تجميع لكل ما تحتاجه الغوطة من مواد غذائية – وربما غير غذائية، بسبب ارتباط حي برزة بحي تشرين ومنها الارتباط بالقابون، الذي يوصل بامتداده إلى الغوطة الشرقية.
تفاصيل عن القابون وارتباطاتها الجغرافية…
الإعلان عن استكمال إفراغ الدفعة الثانية من مسلحي حيي برزة وتشرين، أعطى نتيجة حاسمة برأي الخبير العسكري، حيث أن حي تشرين، امتداد طبيعي للقابون باتجاه المشفى والبساتين، وبدون أيّ فواصل بينهم، والإعلان عن خروج دفعة من المسلحين مع عائلاتهم، كان بحد ذاته علامة على أن كل ماله علاقة بالمسلحين في حي القابون، قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى خواتيمه. وهنا أصبح حي القابون مغلقاً تماماً لا منفذ إليه باتجاه برزة، حيث كانت القابون بمثابة نقطة جمارك – كما شبهها محدثنا- لإدخال ما يلزم عبر حي برزة.
الخبير العسكري من خلال قراءته للمشهد في القابون أكد ان هناك ممراً رئيسيا يتفرع عنه عدة طرق باتجاهات متعددة، وطبيعة القابون السكنية العشوائية والشوارع الضيقة، جعلت من إمكانية استهداف الجيش للمسلحين في أقل مستوياته بتلك الشوارع، أثناء تنقلهم بين الأنفاق الطابقية وعلى مستوياتها المتعددة في الارتفاع والأَبعاد، ما سهل هروب الكثير منهم. ولكن ما أظهره الجيش السوري من إرادة فولاذية من خلال حرب الشوارع التي خاضها، أرغمت المسلحين على الوصول إلى هذه الحال.
يؤكد الدكتور حسن أن المرحلة التي تمر الآن بعد إخلاء القابون من مسلحيه الذين سلموا أخيراً، هي مرحلة التطهير والتمشيط، وإجراء عملية مسح شامل للألغام والأنفاق والمفخخات للإعلان عن أن القابون باتت منطقة آمنة تماماً قبل الإعلان الرسمي عن تحريرها.
الجغرافيا الاستراتيجية للقابون..
قبيل تحرير القابون من قبضة المسلحين، كانت المنطقة على أوتوستراد حمص– دمشق، على اليمين من هذا الطريق، هي الوحيدة بقبضة المسلحين. وبهذا الحال قُطع الشريان الأساسي وتم إغلاق مجرى التنفس على المسلحين في الغوطة الشرقية من هذه الجهة سواء على دوما او حرستا أو غيرها.
وبالتحليل القياسي، فإن تطهير القابون يضمن أمران، الأول في إعادة فتح طريق دمشق – حمص والممتدة من بوابة تروبيكانا – سيرونيكس إلى مدخل الضاحية كما كان، بدل تحويله للمتحلق الشمالي، وتوفير الطريق على المسافرين بين المدن، وهنا يؤكد على ضرورة استكمال كنس المسلحين إلى أبعد نقطة لتأمين الطريق من القنص والاستهداف.
الأمر الآخر والاهم يراه د. حسن، توفير ما يقارب من 50% من الجهد المطلوب لتحرير وتطهير باقي مناطق وبلدات الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، بعد قطع مركز التموين (برزة) و القابون التي شبهها حسن بنقطة الجمارك حيث تدخل من خلالها المواد الغذائية للمسلحين إضافة لدورها في التنقل ودورها اللوجستي، وهنا الأمر غير قابل للتعويض بالنسبة لمسلحي الغوطة الشرقية.
كيف سيكون المشهد بعد الإعلان الرسمي عن تحرير القابون؟؟
بعد إخلاء برزة أتى تحرير القابون تحصيل حاصل – حسب الخبير العسكري، ويضيف أن هناك إمكانية حدوث مصالحات متسارعة في بلدات الغوطة بعد أن خسرت أهم النقاط التموينية واللوجستية لها.
بالإضافة إلى إمكانية تمرد من قبل المدنيين على المسلحين في عمق الغوطة، بعد تضييق الخناق، ما قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد، وقد يشدد المسلحون على المدنيين.
هذا وسيخسر المسلحون إمكانية تطوير أي عمل هجومي باتجاه العاصمة يكون له فاعلية، وتخفيف الضغط بالاستهداف للمدينة وسكانها، بالقذائف وغيرها، وهذا سيمكن الجيش من الاستهداف أكثر. علاوة على ما يمكن أن يتطور أكثر داخل الغوطة ما بدأ من اقتال بين المجموعات المسلحين.
وهنا يعيد د. حسن لفت النظر إلى الاقتتال بين الجماعات المسلحة بأنه قد يكون محاولة تلميع لبعض الفصائل المسلحة على حساب شيطنة جبهة النصرة الإرهابية، ليتم الإعلان لاحقاً عن تصنيف هؤلاء الإرهابيين بأنهم “معارضة مسلحة معتدلة” وذلك بإيعاز من المشغل الإقليمي، وينوه حسن بأن جميع هؤلاء المسلحين الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحق المدنيين سيرتدون غداً لباسا مدنياً و “كرافيت” ويذهبون إلى أستانة.
أما بالعودة للحديث عن أهم أسباب الاقتتال الذي سيتطور بعد تحرير القابون، فيكمن بالصراع على النفوذ والمكاسب ومحاولة السيطرة على النقاط المتبقية لهم في الغوطة على حساب بعضهم.
من خلال ما تقدم من حديث الخبير العسكري، فإن المشهد الشرقي للعاصمة ينتظر تطورات مشرقة، مبنية على قطع أنفاس المسلحين بتحرير القابون أولاً، وما قد ينتج بعدها من أزمات تضيق الخناق على قادة الإرهاب ليجبرهم لاحقاً على التسليم تدريجياً.