هي مرحلة معقدة من عمر الجمهورية الفرنسية الخامسة، فمنذ إعلان دستور العام 1958 لم تشهد فرنسا احداثا سياسية وتطورات وتقلبات كالتي حصلت خلال هذه المرحلة، فالحملات الانتخابية الرئاسية اظهرت حجم الانقسام السياسي في البلاد، إضافة الى حجم التهديات السياسية والأمنية الهائلة التي تواجه فرنسا حكومة وشعباً.
وربما ما حصل مع الحزبين التقليديين في البلاد “اليسار واليمين” عبر خسارة مرشحيهما في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية هو من ابرز التبدلات في المشهد السياسي خلال السنوات الماضية، فهو الأمر الذي فتح الباب أما تقدم شخصيّات مستقلة من أمثال “ايمانويل ماكرون” وصعود اليمين المتطرف المتمثل بزعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان. كما ان هذا التراجع للأحزاب التقليدية في فرنسا سيؤثر عليها بشكل كبير في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية اي في الانتخابات التشريعية المقررة في حزيران المقبل.
ويرجح العديد من المتابعين للتطورات في فرنسا أن يفشل كلّ من اليمين واليسار بالحصول على نصف مقاعد البرلمان، في وقت أنّ حركة ايمانويل ماكرون “الى الأمام” هي ايضا عاجرة عن تحقيق اغلبية برلمانية على اعتبار أنها حركة جديدة وتفتقر الى الخبرة الكبيرة والكوادر السياسية التي يمكنها رسم وتحديد سياسات لفرنسا. وفي السياق ذاته فإن حزب مارين لوبان “الجبهة الوطنية” لن تستطيع تحقيق هذه الأغلبية فهي الآن لا تملك سوى نائبين في البرلمان، وهو ما سيفتح الباب أمام تجربة برلمانية جديدة، يكون فيها العديد من الاحزاب والتيارات والتوجهات وهو ما من شانه ان يخلق توترات ويعرقل العمل خاصة وان كل حزب يملك رؤية خاصة للاقتصاد والامن والهجرة، وهو ما ظهر بشكل واضح في الحملات الانتخابية الرئاسية.
ومن ابرز التحديات التي ستواجه الرئيس الجديد سيكون قانون العمل، وهو القانون الذي كان بشكل أو بآخر مرشح الوسط ايمانويل ماكرون عرابه، عندما كان وزيرا للاقتصاد قبل ان يقدم استقالته، وهو القانون ذاته الذي يتظاهر مئات آلاف الفرنسيين في الشوارع من اجل الغائه على اعتبار انه لا يصب في مصلحة العمال وانما يدعم المؤسسات الاستثمارية الكبيرة. كما ان ملف البطالة وتجاوزها لعتبة الـ10% سيكون احد التحديات الكبيرة للرئيس الجديد.وفي هذا الاطار فإن ماكرون وفي حال وصوله الى الاليزيه سيكون أمام مسؤولية مواجهة الغضب الشعبي وخاصة العمال الذين يرفضون سياساته الاقتصادية والتي يرون انها تراعي المصارف والمؤسسات الكبيرة على حساب الفقراء.
ومن الاقتصاد الى الامن والهجرة، وهي تحديات كبيرة ايضا سيكون الرئيس مطالب بايجاد حلول لها بعد ما شهدته البلاد خلال السنتين الماضيتين من هجمات ارهابية ادت الى مقتل أكثر من 200 شخص، وتفاقم ازمة المخيمات التي تضم المهاجرين لا سيّما في شمال البلاد. كما ان السياسية الخارجية سيكون لها دور كبير في سياسة أي رئيس مقبل سواء لتحديد العلاقة مع الاتحاد الاوروبي، وحلف شمال الاطلسي، اضافة الى سياسات فرنسا حول الشرق الاوسط وافريقيا.
هذا ويرجح المتابعون أن تبدأ التظاهرات العماليّة والطلابية الرافضة للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي وصلت له فرنسا من مساء يوم الاحد، أي عند البدء بالإعلان عن نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، والتي ستحمل بحسب استطلاعات الرأي والتطورات الحاصلة مرشح الوسط ايمانويل ماكرون على حساب مارين لوبان الى الايليزيه.
المصدر: موقع المنار