الكثير من الناس يشتكون من عجزهم عن التركيز في عملهم رغم أنهم يقضون ساعات طويلة خلف مكاتبهم دون أن يتمكّنوا من إنجاز مهامهم.
معاناة منتشرة، يقول المختصون عنها إنها من الأعراض الناجمة عن خمول ذهني يأتي في الغالب من الضغط أو الإرهاق أو إغفال إمداد الجسم بالسوائل اللازمة أو غيرها من العوامل المختلفة.
لكن ونظرا لأهمية التركيز في تيسير الفهم وتنشيط الذاكرة، ينصح الخبراء باتباع طرق بسيطة تمنح القدرة على استعادة الانتباه وأداء عملهم على أكمل وجه، في ما يلي أبرزها:
– التدرب على التركيز: الطبيبة التونسية أنس نويرة محجوب، المختصة في علم النفس، قالت إن الكثير من الأشخاص يعتقدون أن التركيز عملية تلقائية، في حين أنه في الواقع فعل عقلي طوعي، وأوضحت أن “التركيز يتطلب قبل كل شيء اتخاذ قرار بإعطاء إهتمامنا الكامل للقيام بعمل ما، وتجاهل جميع مشاغلنا الأخرى، بمعنى تخليص العقل آنيا من جميع الشوائب، وخلق نوع من الصفاء من أجل تكريسه لهدف واحد ومحدد، ويعود للشخص الحصول على مفاتيح التركيز، تماما مثلما نستخدم مفاتيح السيارة لتشغيل المحرك، أي أن التركيز يظل بالنهاية فعلا طوعيا خاضعا للإرادة الذاتية، والأمر نفسه ينطبق على المدة التي نريد المحافظة خلالها على التركيز”.
وأشارت محجوب إلى أنه “يمكن للموظف التدرب للحصول على التركيز الذهني عبر القيام بتمارين بسيطة لكنها فائقة الأهمية، ومن ذلك:
– التركيز بالنظر على أي شيء لمدة 30 ثانية، ثم محاولة تخيّله عقليا مع إغلاق العينين.
ـ فعل الشيء نفسه مع وجه شخص تعرفونه، ثم محاولة تمثله عقليا بنفس الطريقة ومحاولة تذكر ملامحه بدقة.
ـ التخفيض تدريجيا وببطء شديد في صوت المذياع (الراديو)، ومحاولة الاستماع للصوت لحين انقطاعه تماما، ويمكن فعل الأمر ذاته مع ضجيج صاخب.
– تمديد الانتباه الفوري إلى درجة التركيز: بلوغ درجة التركيز يعد إنجازا، غير أنه يظل، وفق محجوب، منقوصاً في حال لم يتمكن الشخص من تمديد حيزه الزمني ليغطي أطول فترة ممكنة من دوام الموظف. ففي حال النجاح في بلوغ مرحلة التركيز مع العجز عن المحافظة عليه، لن يمنح القيمة المضافة المرجوة، بل إن الطاقة المستهلكة في ذلك قد تكون مهدورة لأنها في تلك الحالة لن تسفر عن النتيجة المنتظرة وهي أداء العمل على الوجه المطلوب. غير أن تمديد عملية التركيز تتطلب توفير عدد من العوامل المساعدة على ذلك؛ ما يعني آلياً الابتعاد عن نظيرتها التي تبترها وتشتت انتباه الشخص، فتتداخل على ذهنه المعطيات، ما يشحن العقل ويثقل ردة فعله، فينتابه خمول وعجز عن التفكير حتى في أشياء بسيطة وبديهية.
– نيل قسط كاف من النوم: الحصول على قسط كاف من النوم ليلا لا يشمل بالضرورة الجانب الكمي وإنما النوعي أيضا، وحتى في حال تعذر على المرء النوم لساعات كافية ليلا، فإنه بوسعه تعويض النقص بالقيلولة في حال سمح وقت عمله بذلك، أو بالنسبة لمن يعمل بدوام جزئي.
الكاتب الفرنسي، برونو كومبي، قال في كتابه الشهير حول القيلولة، إن “بطل النوم هو قبل كل شيء شخص يتمتع بحالة جيدة، وبإمكانه إن أراد، وبالقليل من الممارسة، النوم والاستيقاظ في أي وقت وفي ثوان قليلة”، المصدر نفسه لفت إلى أن 10 إلى 20 دقيقة من النوم في النهار تعتبر كافية للتخلص من التعب، أي الوقت المطلوب للابتعاد قليلا عن الحواسيب والهواتف النقالة والإجتماعات والضوضاء المصاحبة ليوميات الناس في العمل.
وبالنسبة لمن لا يسمح عملهم بالعودة إلى منازلهم نهارا، تنصح الطبيبة التونسية أنس نويرة محجوب باستثمار وقت الراحة، وإطفاء جميع الأجهزة التي يمكنها أن تكون بشكل أو بآخر مصدرا للضوء، ثم اتخاذ وضعية مريحة قادرة على تخليص جميع عضلات الجسم من التوتر الذي يعتريها أثناء العمل.
– تخصيص وقت للراحة: الراحة ضرورية خصوصا بالنسبة للمهن التي تطلب الكثير من الجهد الذهني؛ لأن المعروف أن المهن الفكرية تتطلب جهدا أكبر حتى من المهن اليدوية.
الطبيبة قالت إنه يفضل أخذ بعض الوقت للراحة، والأفضل من ذلك هو الخروج من مقر العمل والمشي لبضع دقائق؛ لأن الحركة ضرورية علميا للدورة الدموية، وهذا ما يمنح الطاقة للجسم ويخفض في النهاية من منسوب التعب. الراحة مرتبطة أيضا بالإبتعاد قدر الإمكان عن جميع المشروبات التي تحتوي على الكافيين مثل القهوة بأنواعها والمشروبات الغازية، لكن ينبغي فعل ذلك بحذر شديد، وتفادي القطع المفاجئ مع هذه العادات، لأنه قد يعطي نتيجة عكسية بسبب تعود الجسم عليها.
ومن أجل تمشي خال من التأثيرات السلبية، على الشخص التخلص تدريجيا من تناول القهوة على سبيل المثال، والإكتفاء بتناولها مع فطور الصباح، تجنبا لـ “إحداث صدمة” في تزويد الجسم بالكافيين الذي تعود عليه لتحفيز الانتباه وتعزيز طاقة الجسم. غير أن التخلص من التعب لا يقتصر على مفهوم الراحة الجسدية أو حتى العقلية المتعارف عليهما، وإنما قد تشمل جانبا آخر يغيب عن الكثيرين، ويتعلق بالراحة النفسية، هذا المفهوم المحوري في سبيل تحقيق الراحة في مفهومها العام.
المختصون ينصحون باختيار مواضيع محببة للنفس للعمل عليها، والأهم من ذلك، اختيار عمل يحبه أصحابه؛ لأن الدراسات العلمية أثبتت أن القيام بعمل يحبه الشخص يقلص أليا الشعور بالتعب والعكس صحيح، ومن اليسير ملاحظة أن الموظف الشغوف بعمله قد يمضي ساعات طوال أمام حاسوبه دون أن ينتبه لذلك ودون أن يشعر بالتعب أوبالإرهاق.
– الدردشة مع الزملاء: تعتبر نويرة إن الحديث مع زملاء العمل يقلل من الضغط ويمنح فرصة استئناف العمل بتركيز أكبر، على أن لا يأخذ الحديث حيزا زمنيا من شأنه التأثير على مردودية الموظف أو على المناخ العام للعمل.
النصيحة موجهة بشكل خاص إلى الوظائف التي تتطلب جهدا فكريا كبيرا، والدردشة في مثل هذه الحالات تعتبر فسحة للعقل تمكن من تفادي الضغط المستمر والإرهاق، وتشحن العقل بطاقة تجدد وظائفه وقدرته على التعامل مع المطلوب منه. والدردشة ليست بالضرورة خارج نطاق العمل، أي أنها يمكن أن تكون نوعا من التبادل المحفز للذهن، أو نوعا من شد الانتباه إلى نقاط معينة في موضوع قد تغيب عن شخص ويستحضرها آخر.
المصدر: وكالة الاناضول