أعلنت الجمهورية الاسلامية الايرانية على لسان المتحدث بإسم وزارة خارجيتها حسين جابري أنصاري “انها مستعدة لتقديم الدعم العسكري للبنان في حال طلب منها ذلك…”، هذا الموقف الايراني جاء بعيد إلغاء السعودية ما كانت تسميه “الدعم” للجيش والقوى الامنية اللبنانية.
والحقيقة ان الموقف الايراني ليس بجديد انما هو تجديد لما سبق ان اعلنه العديد من المسؤولين الايرانيين عن جهوزية طهران لتقديم كل الدعم للبنان دولة وجيشا ومؤسسات أمنية، سواء عسكريا او على صعيد الكهرباء وغيرها، وكل ما يتطلبه الامر لبنانيا هو الطلب فقط وسرد احتياجات لبنان في هذا المجال حتى يتم تلبية الطلب سريعا من قبل الجهات الايرانية المختصة، وضمن هذا السياق سبق ان زار نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الوطني سمير مقبل طهران في شهر تشرين الاول/اكتوبر من العام 2014، للاطلاع على المنتجات العسكرية والحربية الايرانية وكيف يمكن ان يستفيد لبنان منها، وأجرى وقتها الوزير مقبل محادثات مع المسؤولين الايرانيين بهذا الخصوص، وقد عبّر مقبل عن تأييده لخيار قبول “الهبة” التي توقفت عند أبواب مجلس الوزراء بفعل معارضة “تيار المستقبل” وقوى “14 آذار” لها.
ايران على العهد.. بالمساندة والدعم للبنان وفلسطين
والواقع يشير الى ان الجمهورية الاسلامية الايرانية طالما وَفت بوعودها في هذا المجال وهي سبق ان قدمت الدعم للبنان في اعادة اعماره وفي تعبيد الطرق واقامة منشآت مختلفة، وقبل ذلك طبعا الدعم للمقاومة في لبنان وفلسطين حتى باتت هذه المقاومة رقما صعبا في المعادلات الاقليمية، بعد ان لقّنت العدو الصهيوني دروسا ما زال يتذكرها بدقة وبفضلها ورسمت الكثير من معادلات التوازن والرعب والردع لحماية لبنان وعلى طريق تحرير فلسطين.
واليوم بعد ان ألغت السعودية ما كانت تعتبره مساعدة وهبة للبنان ولجيشه وقواه الامنية، وتبعا لذلك لن يحصل لبنان على الاسلحة المطلوبة والاعتدة اللازمة التي يحتاجها الجيش والمؤسسات الامنية لمحاربة الارهاب وحماية لبنان بوجه العدو وصيانة حدوده لتثبيت مداميك استقراره، لذلك أليس حرياً بلبنان أن يبادر باتجاه ايران ليطلب منها المساعدة في هذا المجال؟ أليس على الجهات اللبنانية المختصة واجب تحديد كل الاحتياجات والاسلحة التي يحتاجها الجيش للحصول عليها من مصدر آخر أكثر جدية من “العارض” السعودي الذي تراجع عن وعوده التي طالما وعد بتنفيذها وشدد على جديتها؟
وهل هناك ما يمنع من ان يبادر لبنان ليطلب ذلك من ايران؟ او بمعنى آخر لقبول العرض الايراني بالدعم المطلق والدائم وغير المشروط؟ وما الذي يريده لبنان أفضل من هذا العرض الايراني السخي والذي يحقق بطبيعة الحال المصالح اللبنانية أولا وأخيرا؟ خاصة ان لبنان طالما حصل على هبات ومساعدات من دول قريبة وبعيدة دون أي موانع او عوائق، كما ان لبنان يعيش حالة حرب حقيقية في الواقع إنطلاقا من التهديدات الارهابية التكفيرية على الحدود الشرقية ناهيك عن الخطر الدائم المتمثل بالعدو الاسرائيلي المتربص بلبنان دائما.
واللافت في العروض الايرانية المقدمة سابقا وحاليا أنها غير مشروطة على الاطلاق، حتى قبل أن تعرقل “الهبة” السعودية التي تبين في النهاية أنها مشروطة والدليل كل هذا الضوضاء المفتعلة اليوم الذي تجاوز خانة “الشروط” ليصبح تدخلا في الشؤون الداخلية والسياسة العامة للدولة في لبنان، ناهيك ان لا ذرائع اليوم يقدمها البعض في الداخل اللبناني عن العقوبات التي تفرض لمن يتعامل مع ايران باعتبار هذه الحجة سقطت بفعل رفع الحظر عن ايران بعد الاتفاق بينها وبين مجموعة(5+1).
بين الوعد السعودي المزيف والدعم الايراني غير المشروط ..
حول كل ذلك، اكد الكاتب والمحلل اللبناني مخائيل عوض ان “ما سمي الهبة السعودية كانت منذ البداية هبة اعلامية فقط اعلن عنها بظرف سياسي معين لتحقيق اهداف معينة وعند فشل الرياض بتحقيق هذه الاهداف جمدت مباشرة ومنذ فترة طويلة وليس الآن كما تحاول السعودية ومن يتبعها الترويج”، ولفت الى ان “تراجع السعودية عن هبة وعدت بها هو تصرف خارج عن المألوف بكل المعايير الانسانية او الدينية او الاخلاقية”.
وقال عوض في حديث لموقع “قناة المنار” إنه “لا مجال للمقارنة بين الوعد المزيف للسعودية بدعم لبنان وبين الاعلان الايراني الجدي عن الدعم غير المشروط والدائم والمستمر للبنان في كل المجالات سواء في دعم الجيش والقوى الامنية او في مجالات الطاقة كالكهرباء والمياه وصولا لاقامة السدود وشبكة المواصلات وغيرها الكثير مما يحتاجه لبنان”، ورأى انه “من الظلم الفادح المقارنة بين الامرين فالسعودية وعدت ونكثت رغم محاولات الاستغلال السياسي بينما ايران التزمت ووفت بوعودها وأعطت الكثير بدون مقابل، فالامران مختلفان تماما”، أكد عوض.
ولفت عوض الى ان “تجربتنا العملية مع ايران أثبتت انها قدمت وما زالت تؤكد التزامها بتقديم كل ما هو جديد لديها وتأمين كل الاحتياجات التي نريدها”، وتابع “لم نشهد تاريخيا ان ايران أعلنت عن هبة ولم تلتزم بها كما فعلت السعودية”، وذكّر ان “لايران الفضل في رعاية وحماية المقاومة وتأمين كل ما تحتاجه لذلك فهي شريك في كل الانتصارات التي تحققت ضد العدو الصهيوني والتكفيري”، واضاف ان “ايران تحملت عبء اعادة اعمار ما هدمه العدوان الاسرائيلي في العام 2006 ولا احد يستطيع التنكر لما قامت به على الاطلاق”.
بعض الساسة ضد مصلحة لبنان..
وبخصوص احتياجات الدولة اللبنانية، قال عوض إن “ايران دأبت على التأكيد على القول انها حاضرة وجاهزة لتلبية كل الاحتياجات اللبنانية في كل المجالات لا سيما احتياجات الجيش والقوى الامنية بدون منة او شروط”، ولفت الى ان “هذا الامر هو التزام اخلاقي يعبر عن تحقيق رغبة الثورة الاسلامية الايرانية التي تريد ان تشارك الآخرين بما لديها وبكل ما تملكه لتخفيف معاناتهم ومأساتهم”.
اما عن سبب عدم مبادرة لبنان للطلب او أخذ المساعدة من إيران، اعتبر عوض ان “جزءا كبيرا من الطبقة السياسية في لبنان لا يريد دعم الجيش اللبناني كي لا يقف بوجه الارهاب وذلك بناء لقرار سعودي اميركي اسرائيلي”، وتابع “كما ان هؤلاء لا يريدون ان يكون لايران اي دور في المساعدة او الدعم او الاسناد لان المساعدات الايرانية ستصل حقا للمستفيدين ومباشرة للجيش اللبناني لحماية لبنان بوجه الارهاب”.
واضاف عوض “البعض من هذه الطبقة السياسية يعرفون ان عبر المساعدات الايرانية لن يكون هناك عمولات وصفقات ومتاجرة او استخدام لها في النفوذ السياسي في هذه المؤسسة او تلك”، ورأى ان “التوازنات السياسية القائمة تمنع قيام رأي عام لبناني قادر على فرض قبول المساعدات الايرانية التي تصب في صالح كل اللبنانيين”.
وأوضح عوض انه “رغم رفع الحظر الغربي عن ايران سيرفض البعض في لبنان السماح لايران بدعم لبنان وسيعملون على اختراع اي سبب لرفض ذلك”، واكد ان “هؤلاء لا يريدون المصلحة اللبنانية ولا يريدون للبنان ان يحصل على المساعدات التي تعطيه القوة والسيادة وتحصنه من التبعية للسعودية واميركا وتمكنه من الوقوف فعلا بوجه الارهاب التكفيري والعدو الصهيوني”.
المصدر: موقع المنار