بالتأكيد هو لم يغادر. بقيت أشياؤه هنا: رسومه، أوراقه، أقلامه، كلماته… وأيضا الذين عايشوا وأحبوا صرخته المؤلمة التي لم تتوقف عن التذكير بفلسطين، وبمن باعها وتخلّى عنها. ربما لأن فلسطين كانت مجاله الحيوي، بالأحرى مداره. لهذا، لم ينسحب ناجي العلي من المشهد بعد، بل على العكس من ذلك كله، نجده يحضر باضطراد في وجدان الجميع، وبخاصة في وجدان الجيل الشاب، الذي لا يتوقف عن جعل «حنظلة» (تلك الشخصية التي ابتكرها) عنوانا لمراحل مقبلة، ورمزا لقضية ترفض أن تموت. كل عام يمضي، تبدو فيه صورة ناجي العلي، أكثر بهاء من قبل، ربما لأن ثمة بوصلات ضاعت، من هنا، تعود صورته لتشكل بوصلة حقيقية، لا يمكن لها أن تضل الطريق.
عصر البارحة، عاد ناجي العلي ليحضر في حارة حريك، عبر معرض «تجليات حنظلة» الذي نظمته جمعية «حواس» بالتعاون مع بلدية حارة حريك (في مبنى البلدية). معرض وكأنه يعيد استنطاق تلك الرسوم الماضية، ليظهر كم أنها لا تزال راهنة في حدثيتها، وراهنة في حضورها. هذا الحضور، هو أبسط مفاهيم الفن حين يكون حقيقيا وصادقا: أي أنه يستمر، طالما أنه لا يزال يمسنا، لا يزال يقدم لنا مفاتيح لقراءات متعددة.
فنان الكاريكاتور، عبد الحليم حمود، صاحب الفكرة و«دينامو» جمعية «حواس»، طلب من عشرين فنانا أن يقدموا نظرتهم ورؤية كل واحد منهم لأعمال ناجي العلي. النتيجة: لوحات متنوعة من الزيت إلى الأكريليك إلى الحبر، إلى الكولاج، إلى الحفر.. تعيد تركيب حكاية الهجرة وحكاية حنظلة الذي لا يزال واقفا كي ينبهنا إلى أشياء كثيرة. لوحات ملونة، تقف على تضاد مع ألوان ناجي السوداء. وفي هذا التضاد اللوني، يقف الأمل بأسره، أمل أن هذه الحياة لا تزال ممكنة، أو بالأحرى «على هذه الأرض ما يستحق الحياة». الفكرة وجدت صداها عند نائب رئيس البلدية أحمد حاطوم، الذي أدرج النشاط في «أسبوع المطالعة» الذي يشكل جزءا من جملة النشاطات الكثيرة التي تقدمها البلدية طيلة العام.
وإن كان المعرض يحتفي برمز ناجي العلي، في «قوالب تشكيلية متعددة ومواد لونية مختلفة ومناسبة لتمجيد حنظلة وضخ اللون في شرايينه وتقاسيمه البسيطة»، نجد أن المعرض يحتفي أيضا بالزميل طلال سلمان وتكريمه، إذ يرى المشرفون على المعرض ان تكريم الزميل سلمان بين لوحات حنظلة، يعني «اننا اخترنا الفضاء الطبيعي لهذه القامة الصحافية التي حرصت على ان تكون حارسة للقومية العربية، وللروح المقاومة قبالة العقلية الظلامية الممنهجة».
كذلك وُزع في المعرض كتاب «أبجدية حنظلة» للفنان عبد الحليم حمود الذي تناول في دراسته هذه، رسومات ناجي من الناحية التشكيلية والفكرية»..
لنقل هي فسحة مستقطعة من الزمن. من هذا الليل الطويل الذي يلفنا. نقطة أعادت إضاءة بعض الأنوار، حول فنان كانت بيروت تعني له الكثير، مثلما كانت تعني له فلسطين..
المصدر: جريدة السفير