كان لخطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في ذكرى الشهداء القادة هذا العام طعم آخر فهو أتى في ظل تصعيد اسرائيلي واضح ضد لبنان وفي ظروف دولية واقليمية غير مستقرة وعلى وقع “رجل احمق” يسكن في البيت الابيض.
فالسيد يعلم جيدا ما تحضر له اسرائيل على الحدود وهو لديه هناك العيون التي ترصد وترى وتسجل سكنات وحركات العدو حتى كمية الماء الذي يشربونه وكل حبة رمل تنقص او تزيد فكيف بالتحصين والتجريف الذي يجريه الاحتلال على الملأ.
كما انه (السيد) يعلم ايضا بما يجري داخل اسوار القدس وطرقات يافا وحيفا وما يتم تداوله من تقارير استخبارية وعسكرية والنقاشات الجارية على المستوى السياسي والاعلامي لحرب مطروحة بشكل دائم ضد لبنان وان بقي توقيتها قيد الدرس والتخمين.
من هنا كان لا بد من لجم العدو وبالتالي ابعاد شبح اي حرب محتملة على لبنان ولانه يعرف ايضا ان الاستجداء لا ينفع لا بالامم المتحدة ولا بالدول غير المتحدة (العربية) بل على العكس فالاخيرة تدفع باتجاه حرب على لبنان هي تمولها وتدفع ثمن صواريخها ورصاصها، لهذا كان لا بد من وضع النقاط على الحروف والبادي اظلم.
مفاعل ديمونا
الرصاصة الاولى التي اطلقها السيد على اي تهور اسرائيلي هو تهديده المباشر باستهداف مفاعل ديمونا النووي (وما ادراك ما مفاعل ديمونا) الذي يمثل تهديدها جديا لبقاء اسرائيل اصلا على قيد الحياة . فاذا كانت الامونيا في حيفا تمثل قنبلة نووية فمفاعل ديمونا يمثل قنابل نووية بالجملة.
الرصاصة الاولى تلقاها الاسرائيلي وبدأ اعلامه بالحديث عنها مباشرة بعد الخطاب “الفصل” للسيد وبدات تؤتي ثمارها في الشارع الصهيوني الذي يطالب حكومته بحمايته لا بقتله.
فالدلائل تشير إلى أن مفاعل ديمونا دخل في مرحلة الخطر الإستراتيجي، بسبب انتهاء عمره الافتراضي والذي يظهر واضحًا للعيان من خلال تصدعه وتحوله إلى مصدر محتمل لكارثة تحصد أرواح مئات الآلاف إن لم يكن الملايين. وحسب التقارير العلمية وصور الأقمار الصناعية لديمونا المنشورة بمجلة “جينز إنتلجنس ريفيو” المتخصصة في المسائل الدفاعية الصادرة في لندن عام 1999 والتي استندت في معلوماتها إلى صور التقطتها الأقمار الصناعية التجارية الفرنسية والروسية، فإن المفاعل النووي يعاني من أضرار جسيمة بسبب الإشعاع النيتروني. ويحدث هذا الإشعاع أضرارًا بمبنى المفاعل، فالنيترونات تنتج فقاعات غازية صغيرة داخل الدعامات الخرسانية للمبنى مما يجعله هشًّا وقابلاً للتصدع.
هذا إضافة إلى أن المفاعل أصبح قديمًا (40 عاماً) بحيث تآكلت جدرانه العازلة. كما أن أساساته قد تتشقق وتنهار بسبب قدمها محدثة كارثة نووية ضخمة. ومن المتوقع في حال انفجاره ان يغطي ضرره كيان العدو بكامله ، فهل حكومة العدو قادرة على تحمل هذا الامر؟
المفاجآت
في حرب تموز 2006 راهن الاسرائيلي وداعموه ومحرضوه على العدوان ضد لبنان ان الحرب ستنتهي خلال اسابيع قليلة لا سيما بعد القضاء على القوة الصاروخية للمقاومة والتي باعتقاد العدو ان مخازنها تم استهدافها في الايام الاولى وان ما بقي لدى حزب الله ليس بالشيء المهم.
لكن الذي حصل ان الترسانة الصاروخية للمقاومة فاجات العدو بصواريخ لم يعهدها من قبل استهدفت عمق الاحتلال وهددت تل ابيب فما كان من العدو الا ان لجأ الى البر بعد عجزه ليسقط مرة اخرى في الوحل اللبناني ويتمرغ من جديد انفه وراسه تحت اقدام المجاهدين.
والسؤال هنا هل يكرر العدو السيناريو ذاته ام انه استخلص العبر من “فينوغراد” وغيرها وهل يثق مجددا باستخباراته التي زودته بالمعلومات قبيل حرب تموز فكانت نتيجتها الفشل والهزيمة، وهل للعدو الان ما يكفي من بنك اهداف تخوله القضاء على حزب الله. بالطبع اكد السيد ان ما لدى العدو من معلومات هو ناقص وان لدى المقاومة في العام 2017 كما كان لديها في العام 2006 الكثير من المفاجآت والتي ستصدم العدو لانها من الاسرار الاستراتيجية والتي لا تكشف لاحد وستغير مجرى اي عدوان.
المواجهة الميدانية
هنا مربط الخيل ، فالعدو يعلم جيدا ان اي حسم في عدوانه المقبل على لبنان لا يمكن تحقيقه ما لم يزج بجنوده في ارض المعركة وهذا ما تنتظره المقاومة دائما في اي مواجهة مع جنود العدو الذين اظهروا الجبن والخوف والهلع سواء في عدوانهم على لبنان عام 2006 او على غزة عام 2011 ويكفي في هذا الاطار ما قاله ضباط وجنود ونخبة جيش الاحتلال بعد انتهاء حرب 2006.
اذاً في المواجهة البرية بدأ العدو وللمرة الاولى بانشاء دفاعات لحماية مستوطناته وسكانها. والسؤال حمايتها من ماذا؟ اذ لا يمكن للسواتر حمايتها من الصواريخ التي تنزل من السماء انما حمايتها من توغل محتمل لرجال المقاومة داخل الاراضي الفلسطينية وهذا ما اشار اليه السيد ايضا بانه عصر جديد حيث على اسرائيل ايضا ان تفكر وتعمل على حماية مستوطناتها ايضا كما المقاومة تعمل من جهتها لحماية اهلها وقراها ما يشير الى توازن كان مفقودا منذ تاسيس الكيان بين الجبهات العربية من جهة والاحتلال من جهة اخرى.
وفي هذا الاطار اكتفى السيد نصر الله بالقول للعدو ان المقاومة لم تعد تكتفي بالدفاع عن نفسها وشعبها في ارضها فقط.وفي هذا الكلام ما يكفي للعدو ليحلله وما يكفي لمستوطناته وسكانها من مادة لرسم الصور ونسج الحكايا لسناريوهات دخول المقاومة الى مستوطناتهم والسيطرة عليها وبالتالي نقل المعركة من الجهة اللبنانية الى ارض العدو.
بالطبع ستذخر الايام الاتية بالكثير من التحليلات والمقالات والمواقف الصهيونية والتي ستكشف مدى الارباك والمأزق الذي دخل به العدو، فاذا كان نقل الامونيا من حيفا استغرق اكثر من عام فنقل مفاعل ديمونا كم سيستغرق؟
المصدر: موقع المنار